الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن بهديه اهتدى، واتبع سنته واكتفى، ثم أما بعد
فإنه قد آن أوان نهوض هذه الأمة بعد أن تكالبت عليها الأمم وتداعت كتداعي الأكلة على قصعتها، ولم يعد هناك ثمة لحظة للانتظار أو التشاور أو ثمة فرصة للتردد والإحجام بعد أن بدأت أحزاب الكفر والردة والنفاق تُنزل جنودها وعتادها في جزيرة العرب، مهبط الوحي ومكان قبلة المسلمين وبيت الله الحرام، وصارت هذه الأماكن المقدسة على مرمى حجر من هؤلاء الكفار على مختلف مللهم ونحلهم، تجمعهم غاية واحدة ووحيدة {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} ، وصار من الواجب على المسلمين أن يجمعوا أمرهم بكل حزم وقوة ليردوا الصاع صاعين أو على الأقل يصدوا عداء هؤلاء بتنفيذ أمره سبحانه وتعالى { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين}.
ولن يبقى هناك مبرر للقعود والانتظار وهانحن نرى بأم أعيننا وصول البعثات الأولى من جند الصليب إلى أرض اليمن بعد أن رأوا سقوط عملائهم وعجزهم عن صد أحفاد الصحابة عن تحرير البلاد، وتثبيت أركان شريعة رب العباد.
أهمية جزيرة العرب
لكي نفهم أكثر هذه المسألة ويكون لدينا قوة الدفع المطلوبة لعملية النهوض، لابد لنا من التذكير بأهمية منطقة جزيرة العرب، فقد ورد في الحديث النبوي : ” يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم”
[الراوي: عبد الله بن عباس المحدث: أحمد شاكر – المصدر: مسند أحمد – الصفحة أو الرقم: 5/33
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح ].
ومن طريق آخر : ” يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ، ينصرون الله و رسوله ، هم خير من بيني و بينهم ”
[الراوي: عبد الله بن عباس، المحدث: الألباني – المصدر: السلسلة الصحيحة – الصفحة أو الرقم: 2782
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين].
الحديث عن الجهاد في جزيرة العرب حديث ذو شجون ويحتاج إلى تفصيل وإسهاب نظراً لخطورة المرحلة التي يمر بها ونظراً لأهمية المنطقة وقداستها بالنسبة لنا وخطورة الأهداف التي يسعى الأعداء إلى تحقيقها هناك.
في البداية أنوه بالإخوة في قاعدة الجهاد على الخطوة المباركة التي تمثلت في توحيد عملهم والتحامهم فيما أسموه بتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب بدلاً من التنظيمين السابقين : تنظيم القاعدة في اليمن وتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الحرمين، فهذا الاسم أنسب وأشمل وأقرب للحقيقة والواقع، كما أن هذه الخطوة في حد ذاتها تُعتبر أكبر ضربة للعدو وإغاظة لشياطين الجن والإنس أيما إغاظة، لأنها حطمت صنم التفرقة الذي ساد به الأعداء دهوراً في بلداننا.
إنها خطوة كبيرة نحو تأصيل وحدة المجاهدين ثم المسلمين، وتطبيق عملي لمسألة الوحدة التي طالما رددناها بأفواهنا ولم تلق إلى الآن طريقاً لتكون واقعاً على الأرض.
فجزيرة العرب وحدة متكاملة وليست قابلة للتقسيم إذ أنها تعتبر كلها أرض الوحي والرسالة الخاتمة، ومركز المسلمين قاطبة.
وإذا نظرنا في جانب مصلحة الأعداء فإننا سنجد حرصهم الكبير وتركيزهم المكثف على هذه المنطقة المركزية، وهم يريدون تحقيق أهداف عديدة منها الدينية والاقتصادية والسياسية.
فالدينية تتمثل في طمس المعالم الإسلامية وتمييع مفاهيم ديننا بتنصيب حكومات مرتدة تواليهم في كل صغيرة وكبيرة، تحارب دين التوحيد وتنشر ديناً محرفاً قائماً على طاعة هؤلاء الحكام المبدلين وسدنتهم من علماء النفاق والتسول.
أما اقتصادياً فغايتهم هو استغلال ثروات النفط الهائلة المتواجدة في باطن أراضي الجزيرة التي تُعتبر الخزان الأكبر لهذه الثروة الثمينة، وأكبر احتياطيي العالم لهذه المادة النفيسة ، ثم الثروات الكبيرة التي يحصدونها خلال موسمي الحج والعمرة ، التي تحولت إلى مواسم سياحية تدرُّ الأرباح الطائلة على العائلات المالكة.
وأما سياسياً فغاية الأعداء هو تنصيب أنظمة مستقرة تابعة لسياسته، لها صبغة دينية لكي تكون موضع ثقة للمسلمين بينما الحقيقة هو أنهم مجرد سماسرة للأعداء يضمنون له مصالحه المادية الكبيرة وصفقاته الضخمة في المنطقة،و هؤلاء يمثلهم أصحاب النفوذ والسيطرة المطلقة في العالم وهم رؤوس ما يُسمى بحكومة العالم الخفية.
ويبقى هدف أعدائنا الرئيس هو محاولة إجهاض أي محاولة لاسترجاع الخلافة الإسلامية وإقامتها من جديد، فحرب الأعداء استباقية على مجاهدي القاعدة في المنطقة، وما تواجد قواعدهم العسكرية والأمنية الضخمة في المنطقة إلا دليل قاطع على هذه الإستراتيجية الحذرة واستعدادهم الجدي للتغيرات القادمة وللنهوض الجهادي القادم.
بداية أنصار الشريعة وغاياتها
ينبغي أن نتذكر أن جماعة أنصار الشريعة هي امتداد لتنظيم قاعدة الجهاد في جنوب جزيرة العرب، أسس أصلاً من أجل تطهير جزيرة العرب من رجز اليهود والصليبيين، وكان شعارها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب” [متفق عليه]، فما دام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكد على هذه المسألة وهو على فراش الموت إلا وأنها مهمة للغاية ، وتخص مستقبل الإسلام في هذه البلاد.
وهذا الحديث يدل أيضاً على حرص المشركين على البقاء فيها واستغلال ثرواتها والحرص على القضاء على معالم الخلافة وطمسها.
فجزيرة العرب تُعتبر المركز للمجاهدين وقبلة جهادهم التي لا يمكن أن يفرطوا فيها بحال. قد يؤجلوا المعركة الحاسمة لأسباب ذاتية أو خارجية ولكن أبداً لن يهملوها ويتركوها لقمة سائغة في أفواه التحالف الصهيوصليبي ليعيثوا فيها الفساد ويطمسوا معالم ديننا في نفوس العباد بمساعدة هذه الزمرة الحاكمة الخبيثة، ملوكاً كانوا أو أمراء أو رؤساء.
لقد انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته من مكة المكرمة، ولبث فيها ما شاء الله له أن يلبث، محاصراً ومُكذبا من عشيرته الأقربين قبل الأبعدين، فخرج منها مُكرهاً وهو يبحث عن قاعدة آمنة وأنصار صالحين لينشر بهم دين الحق، ولم يكن في خلد رسولنا الكريم أن يُهمل مكة أو ينساها بالرغم من تمكنه في المدينة، بل بقيت في خلده يتحين فرصة الرجوع إليها لكي يفتحها، وقد تحقق له ذلك بعد ثماني سنوات من الهجرة.
وهاهو التاريخ يعيد نفسه اليوم، ورأينا خروج مجاهدي القاعدة من جزيرة العرب وعلى رأسهم شيخهم وأمير حربهم أبو عبد الله أسامة بن لادن – تقبله الله في عليين -، خرجوا طلباً للإعداد والنصرة، وقد مكثوا سنين عدداً خارج أرض الوحي كانت سنين إعداد واستعداد، وشاء الله أن يعودوا إلى مهد الخلافة لكي يبنوا قواعد هذه الخلافة الراشدة، ويحققوا أمر رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام بإخراج المشركين من جزيرة العرب ومعهم أذيالهم ومواليهم من حكامنا المرتدين، ويطهروها من رجسهم وأنجاسهم.