تواصل معي عدد من إخواني الفضلاء من عامة الجنود ومن عامة الناس يتساءلون:
ألا يُعتبر هذا الدخول في التحالف من باب موالاة الكافرين على المسلمين، والذي هو ناقض من نواقض الدين؟
الجواب:
أولاً: يجب أن يُعلم أن مسائل الكفر والإيمان من المسائل العظام التي كان كبار أئمة السلف يتهيبون من الخوض فيها لشدّتها ودقّتها، لما يترتب عليها من أحكام جسيمة تتعلق بالدين والدماء والأعراض. وهذه المسألة من النوازل المعاصرة التي رجعت فيها الدولة إلى العلماء، فاستفتتهم وأخذت باجتهادهم بعد النظر في الواقع والمآلات، وهذا هو المسلك الصحيح الذي يُؤخذ به في النوازل العامة.
ثانياً: يجب أن يُعلم أيضاً أن هذه المسألة ليست مسألة عادية، بل هي من باب الموازنات الكبرى التي تُقدّر فيها المصالح والمفاسد، ويُوازن فيها بين أيّ الضررين أخفّ، وأيّ الشرّين أقلّ.
وثالثاً: التصوّر الصحيح للمسألة أنها ليست في باب الإعانة والاستعانة ولا في باب الموالاة والتولي، فليست الصورة أن الدولة في بحبوحة من أمرها وفي تمام قوتها واستقرارها ثم قدّمت طلبًا رسميًا للانضمام إلى التحالف طوعًا!
بل واقع الأمر أن هذا التحالف قائم فعليًا منذ عام 2014، وقد مارس عمليات إنزال واعتقال وقتل داخل الأراضي السورية، فعدم الدخول لا يعني توقف عملياته أو انكفاؤه، وإنما الدخول فيه يخفف من آثاره وأخطائه، ويقلّل من ضرره، ويسهم في الحد من تغوّله، بل ويُمهّد مستقبلاً لانسحابٍ أمريكي أوسع من المنطقة، ويزيد من بسط سلطان الدولة وسيادتها على كامل التراب السوري.
فالصورة إذًا ليست إعانة للتحالف ولا استعانة به فضلًا عن الموالاة له، وإنما هي واقعٌ مفروضٌ قائمٌ، والدخول فيه يخفف ضرره ويقلّل شرره. ولو كان الأمر في سعةٍ وخيارٍ وطمأنينةٍ لما دخلت الدولة فيه أصلاً، ولَكفت بجيشها وقوّتها في دفع شرّ الدواعش عن المسلمين والمعصومين.
من يستقرئ صفحات التاريخ الإسلامي بتجرّدٍ وإنصاف، يجد أن الدولة الزنكية الناشئة حديثًا حين واجهت تمرّدًا من بعض فروع جيش السلاجقة المسلمين الذين بغوا عليها وصالوا ضدها، فأضعفوها لم يكن أمام عماد الدين زنكي رحمه الله إلا أن يُوازن بين المفسدتين، فاختار عقد تفاهمٍ مع الدولة البيزنطية لا إعانةً ولا تولياً بل درءًا لشرٍّ داخليٍّ أعظم،
وهذا الموقف التاريخي يُعدّ نموذجًا فقهيًا وسياسيًا مشابهًا من بعض الوجوه .
والله أعلم
________________
To inquire about a translation for this release for a fee email: [email protected]





