
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد:
فيا أخي المجاهد هذه بعض النصائح، جمعتُها لكَ من أفواهِ الرجالِ وبطونِ الكتبِ، ولست أَدَّعي حِكْمَةً، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بها، والله من وراء القصد.
1) الإخلاصُ لله في القول والعمل؛ فإنّ الله لا يَقْبَل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً، قال الرسول r: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وقال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ؛ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ).
– وفي ذلك الفوز بالدارين؛ قالَ رَسُولَ اللَّهِ r: َ(تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ).
– واقصِدوا بجهادكم أن تكون كلمة الله هي العليا؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
2) اسألوا أهل العلم عما يَلْزَمُكُم في كل ما يَطْرَأُ عليكم في فريضة الجهاد في سبيل الله؛ فإن الإجماع منعقدٌ على أن العلم قبل العمل، قال رسول الله :: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، فلا تَقْتُلْ ولا تَغْنَم إلا وأنت تعلم لماذا تفعل؟ وحَدُّه الأدنى أن يُفْتِيَكَ من تَثِقُ به في علمِه ودينِه.
3) إياك وأن تحابيَ في نصرة الله ذا قُرْبى أو ذا مودة، وإنا لنعلم أن ذلك يَشُقُّ على النفس لكنْ تَذَكَّرْ قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} فإنّ حقّ الله أوجبُ ونُصْرَةَ دين الله أَلْزَمُ.
4) والله إني لأُحِبُّك وأحبُّ ما يُنْجِيْك؛ فاسمع نصيحتي في مسألةٍ مهمة مسألةِ “التكفير”، قال :: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)؛ فاعلم يا أخي أن اسم وحكمَ الكفر حقٌّ لله تعالى لا يجوز إنزالُه إلا على من يستحقه شرعًا، وأن له شروطًا وموانع ، فلا نُكَفِّرُ إلا بعدَ استيفاءِ الشروط وانتفاءِ الموانع، وقد يَصْدُر مِن المرءِ قولُ الكفرِ أوعملُه ولا يَكْفُرُ لقيامِ مانعٍ من موانعِ التكفير، ومَنْ ثبت إسلامُه بيقين فلايَخْرُج منه إلا بيقينٍ؛ فإياك والظنَّ، وكُنْ على بينةٍ مما اختَلَف فيه أهلُ العلمِ العاملون.
5) الوفاءُ بالعهد والأمان الصحيحين شرعاً، والحذرَ الحذرَ من تسويلات الشيطان؛ قال تعالى: { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} وقال رَسُولُ اللَّهِ :: (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهم عَلَى قَاعِدِهِمْ).
– واعلم أنا لم نُجِزْ لأحد من الجنود عقدَ العهود أو أخذ الأمان، وأن ذلك لأمير المؤمنين أو من ينوب عنه، فنِظْرَته -غالباً- أشملُ وأقْدَرُ على معرفة مصالح الدولة.
6) الاجتهادُ في الطاعة والحذرُ من شُؤْمِ المعصية وشرِّ نفسِك والشيطانِ؛ فقد أوصى الفاروق عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: […فإني آمرُك ومَن معك من الأجناد بتقوى الله، وآمرُك ومَن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوهم، واسألوا الله العونَ على أنفسكم كما تسألوه النصرَ على عدوكم].
7) الصلاةَ الصلاةَ يا جنود الله، فإنها تُقَوِّي القلوب وتنشطُ الجوارح وتَنْهى عن الفحشاء والمنكر، وهي محلُّ مناجاة الربّ وطلبِ النصر، وأقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهي عِماد الدين وشِعار المسلمين، فلا تؤخرْها إلا لعذر، يعلم الله صِدْقَه من عدمه.
8) إياكم والعُجْبَ بالنفسِ وحُبَّ الإطراء؛ وخاصةً بعد الظفَر على الأعداء؛ فإن ذلك من أوثَقِ فُرَصِ الشيطان، ليُضَيِّعَ ثمرة جهادِكم وطولَ رباطِكم في الدنيا والآخرة.
9) اثنتان عاقبتُهُنّ الخِزْيُ والخسران:
– البَغْي؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ؛ فلا ظَفَرَ مع بَغْي.
– والمكر ؛ قال تعالى:{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ }؛ فلا صداقة مع خِبّ.
10) اكسِر نفسك عند الشهوات، فليس كل ما يشتهى يُطلب )إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ(، وعليك بالصيام تُرْزَقِ العفاف، وعلى الجملة: امْلِكْ هواك، وشُحَّ بنفسك عما لا يَحِلُّ لك؛ فإنَّ الشُّحَّ بالنفس الإنصافُ منها فيما أحبَّتْ أو كَرِهَتْ.
11) اصدُقِ الله فيما وُلِّيْتَ من عَمَلٍ ولا تَتَكَلَّف ما كُفِيْتَه؛ فإن الله ليس بسائلك عنه، بل تَحَرَّ الصدقَ في أمرك كله؛ فإن الصدق مَنْجاة والكذبَ مَهْواة، و(كفى بالمرء إثماً أن يُحَدِّث بكل ما سمع).
12) كن لإخوتك موافقاً في كل شيء يُقَرِّبُك إلى الله ويُباعِدُك عن معصيته، وأَكْثِرِ التَّبَسُّم في وجوهِهم، واسمع لمن هو أكبرُ منك، وإذا رأَيْتَهم يَعملون فاعمل معهم؛ فإن قعودَك يُوْغِر الصدور، وإنْ عَزَّ أخوك فَهُنْ، واعلم أنه ليس من العَدْلِ سُرْعَةُ العَذْلِ.
13) لا تَطْلُبْ عيوبَ الناس، وخاصةً أميرَك وإخوانَك فاسْتُر عيوبهم ما استطعت يَسْتُرِ اللهُ عَيْبَك، ولا تحاول كشف ما غاب عنك منها، قال :: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا).
– وقد ورد عن مالك رحمه الله قوله: [أَدْرَكْتُ بالمدينةِ أقواماً ليس لهم عيوبٌ فبحثوا عن عيوبِ الناس فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركْتُ بها قوماً كانت لهم عيوبٌ سَكَتوا عن عيوبِ الناس فسكت الناس عن عيوبهم]
14) اعلموا يا جنود الله أننا وإياكم نتشرفُ بإقامة وحمايةِ دولة الإسلام في بلاد الرافدين، ولكن اعلموا أنها ليستْ دولةَ “هارون الرشيد” لنخاطب السحابةَ في السماء كما كان، وإنما هي دولة المستضعفين؛ نخاف من العدوِّ ونُرْعِبُهم، كما كان الصحابة في دولة