بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله، وصل اللّهمّ على محمد وآله وصحبه وسلّم
قال الله عز و جل :” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة و قد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول و إياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي و ابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة و أنا أعلم بما أخفيتم و ما اعلنتم و من يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ، إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء و يبسطوا إليكم أيديهم و ألسنتهم بالسوء و ودوا لو تكفرون “.ـ الآية 1،2 من سورة الممتحنة ـ
لا يكاد ينقضي عجبك من حادثة حتى تتلوها أخرى أعجب منها و لا تزال أرحام الأيام تقذف بكل داهية تذر الحليم حيرانا، و صار كثير من الناس لا يسلكون مع هذه الأحداث المسالك الواضحة، بل تراهم يتلونون ألوانا لا تستر من عورة و لا تفي من عذر كي يفروا من عهدة ” يتولى أمرنا و يغفل عنا ” و رب عذر أقبح من ذنب كما قيل ، و ليس أحسن من أن نأتي البيوت من أبوابها، نعم: الشعوب الإسلامية الآن ، وجودها كعدمها لا دور لها في هذه الأرض إلا الوقوف رهن الإشارة الغربية حتى صارت سمعها الذي تسمع به و بصرها الذي تبصر به و يدها التي تبطش بها و رجلها التي تمشي بها ، لا شخصية لها و لا كرامة ، بل لو تحدثت إلى أكثرهم لوجدت نهاية أمنيته التمثل بالشخصية الغربية إلى أن أصبح الرجل المسلم يصفع الصفعات المتكررة و هو راض ، و ربما لا يشعر أن هذه إهانة و له الحق على الأقل أن يدافع عن نفسه ، ألهذا الحد أضحى قابلية الخضوع للعدو ، و كم يزداد عجبك عندما تخاطب مثل هذا الفاقد للشعور بالإسلام وما فيه من الحفاظ على الأنفة و العزة و ما فيه من أسباب صناعة الأمة القوية و الشخصية المتميزة ، فيعرض عنك كأن في أذنيه وقرا ن و صدق الله إذ يقول :” و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” ـالآية 40 ، الحج ـ، ألست ترى أن الله اشترط علينا كي ينصرنا أن ننصره ؟، و كيف ننصره و نحن نبتغي القوة في غير دينه!؟ ” من كان يريد العزة فإن العزة لله جميعا “، بل رضينا بحكم أعدائنا الذين حذرنا الله منهم و تركنا حكمه الذي أمرنا به ، و لما كانت العزة لنا كان أعداؤنا يأتوننا لنحكم بينهم ” فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم و إن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا و إن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ” الآية 42 ،المائدة ـ، و اليوم صرنا نحكم بحكمهم أو نتحاكم إليهم ، و أمتنا اليوم تبحث عن استقرارها و أخذ مكانتها في المجتمع الدولي ، لكن ببيع ثرواتها و ارتهانها في الأسواق العالمية الإنتهازية مقابل ضمان كرسي السلطة ، و لا تدري هذه الشعوب المسكينة أنها تساوم في تلك الأسواق مع جملة البضائع الواردة غير أنها لا تنقل ، إنما الذي يباع منها شخصيتها و التحكم في رقابها ، فنحن لا ندري ، أخبرونا كيف يصل المتسول إلى مقام السادة الذين يعطوه ، و كيف يكون قويا مَن قوته مستمدة من غيره ، أم لا تزال الوعود البراقة يغرر بها المتلهفون الحيارى ، أمة لا تدري كيف تخرج من نكستها الإقتصادية و تشبع بطنها، تطمح في الرقي ، و هل يتحقق هذا الرقي المنشود بسلوك سبيل من لا يرقب في المؤمنين إلا و لا ذمة ، يرضونكم بأفواههم و تأبى قلوبهم ، بوطء أعقابهم حذو القذة بالقذة ، كلا أبدا ، و نحن ندري جيدا أن هذا الرقي لا يتأتى على أيدي صنعت على أيدي الإستعمار و بقلوب أخلصت النية على خدمته ما دامت تنبض و لكن بالرجوع إلى الأصل و الإنطلاق منه حتى و لو تطلب وقتنا جريا على القاعدة القائلة : يبطئ لكن متأكد ، و نحن عندنا قاعدة أغلى و أفضل من هذه لأنها من كلام الوحي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إن الله يكره الإستعجال إلا في أمور الآخرة “. إن صناعة المجد لا يكون بالذوبان في شخصية الغير و إنما بإعطاء ما عندك من بدائل تحقق للجماهير السعادة في حياتهم و في آخرتهم و المقلد عاجز و فاقد الشيء لا يعطيه ، و قد حان الوقت على الشعوب الإسلامية أن تنهض و تنفض غبار الذل عن كاهلها.
عجيب حين تسمع كثيرا من الأنظمة العربية تحتفل و تتباهى بأعياد استقلالها على مرأى و مسمع من الناس ، و هذه في الواقع أضحوكة ساذجة ، فأين الإستقلال و أين الحرية ، ونحن نعلم أن هذه الأنظمة ليس لها أن تتصرف حتى في لقمة العيش و ذلك أنه لا بد أن تكون تحت رعاية صندوق النقد أو السوق الأوروبية ، هذا دون أن نتحدث عن السلاح !. و هذه فلسطين تتأوه تحت وطء الصهاينة اليهود الملاعين ، و قد اتفقت الأمم العربية أن فلسطين مغتصبة مسروقة فهل صنع هؤلاء المستقلون شيئا لتجفيف دموع المسلمين و استرجاع أرضهم؟ ، أليست كل الأعراف و النظم تقر للشعوب بتقرير مصيرها و حماية أرضها ، هذا مع أن أرض فلسطين متميزة عن باقي الأراضي فهي مجد كل مسلم في العالم و شرفه ودينه ، فإنها أرض الإسلام ومسرى النبي عليه الصلاة و السلام ، إننا أقل ما نقوله في هذه الأنظمة أنها صنعة استعمارية لا تستطيع أن تتحرك إلا بترخيص من المستعمر لكنها تتظاهر بالإستقلال تهدئة لأعصاب الجماهير لأن هذه الأخيرة هي التي دفعت ثمن هذا الإستقلال المغشوش و مازالت على استعداد للدفاع عن شرفها و أكبر دليل على ذلك نخوة الإخوة الفلسطنيين رغم طول مدة الإستعمار لم يثن ذلك من عزائمهم وهم يقدرون على فعل أكثر من هذا لولا هذه الحواجز من الأنظمة ذات الإستقلال الإستعماري و ما كان اليهود أبدا ليعجزوا أمة الإسلام أن تلقنهم درسا في الحرب ، كيف و الله يقول :” لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون “ـ الآية 13 ، 14 من سورة الحشر ـ ، كما أنه ليس العيب في الأمة فقد عرف أعداؤنا بسالة شعوبنا و صلابتها في دينها و مقوماتها ، ذلكم ما جعل هؤلاء يتدرعون بأنظمة ذات أسماء ظاهرها العروبة و الإنتماء إلى أصالة تلك الشعوب و باطنها العمالة و التنفيذ الحرفي لأهداف الإستعمار .
إن الإعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني و أرضه تكشف عن كل زيف أريد منه التستر بل هي عائق حتى في وجه النظام العالمي الجديد لأنه يتنافى و رفع شعارات السلام و الإخاء بين بني البشر هذا مع التنبيه أننا لا نؤمن بهذا ، لكن لتنبيه المغفلين أو المتغافلين عن مخاطر هذا النظام لأنه يعني جملة احتواء الأمم الإسلامية و التخلص من هذا الخطر، ثم كيف يتصور سلام مع مستعمر غاصب ؟! أليس من العجيب أن يستساغ مثل هذا ؟! ، تؤخذ أرضك بالقوة ثم تدعى ليتصدق عليك بجزء منها قليل دون أن تحدث قلقة أو شغبا و إلا أخذ منك ، ويسمى هذا سلام ، و يظن الظان منهم أنه حقق شيئا .
إن أخطر ما يواجه المسلم اليوم في علاقته مع غيره من أهل الأديان ليس هو الضعف عن المواجهة