New release from Dr. ‘Abd Allah bin Muḥammad al-Muḥaysinī: “Regarding The Syrian State Joining the Global Coalition Against Dā’ish”

( هام )
كثر الحديث حول انضمام الدولة السورية إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش وهنا توضيح وقراءة شرعية وسياسية .. بادئ ذي بدء يقول الحق جل في علاه:

﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾

أكرمني الله أن أمضيتُ في ساحة الشام ثلاث عشرة سنة، عشتُ فيها حلوها ومرّها، سلمها وحربها، ورأيت فيها من عجائب القدر ما يصدق معه قول النبي ﷺ:
«إن الإيمان إذا وقعت الفتن في الشام».

فما إن تطل فتنة حتى يطفئها الله، وما إن تشتعل نازلة حتى يُقدّر الله لها مخرجًا، ولعل من ذلك ما أُثير مؤخرًا حول مسألة انضمام الدولة السورية إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش. وهي من النوازل الكبار التي لا يُفتى فيها بالعاطفة أو الانفعال، بل تحتاج إلى تصوّر دقيق وموازنة علمية، لأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره، ومن لم يُحِط بتفاصيل الأمر خفي عليه وجه الصواب.

وجوهر الاتفاق أنه تفاهم سياسيّ لا تحالف عسكريّ، وليس مشاركة في العمليات كما في “تحالف العزم الصلب”، بل هو اتفاق يهدف إلى تثبيت وحدة الدولة السورية ومنع تقسيمها، وسحب الشرعية من ميليشيا قسد، وتنظيم أي عمل أجنبي داخل الأراضي السورية عبر التنسيق مع الدولة الشرعية، وهو في حقيقته خطوة نحو استعادة السيادة والتمهيد لانسحاب أجنبي منظم.

إن التهديد الأخطر اليوم هو مشروع الانفصال الذي تتكئ فيه قسد على الحماية الدولية، وتستمد شرعيتها من ذريعة مكافحة داعش. وسحب هذه الورقة من يدها ضرورة لحفظ وحدة البلاد، ولن يتحقق ذلك إلا إذا أصبحت الدولة هي الطرف المعترف به دوليًا في هذا الملف.

ثم إن التحالف الدولي قائم منذ عام 2014، يعمل داخل سوريا والعراق دون إذن من الدولة، مما جعل التنسيق معه أمرًا واقعًا بحكم الضرورة لا اختيارًا. ومن ثمّ، فإن تنظيم العلاقة قانونيًا وسياسيًا يخفف كثيرًا من الأضرار، ويمنع الانتهاكات العشوائية التي كانت تقع بلا علم الدولة، حيث يُعتقل أشخاص داخل أراضيها دون معرفة مصيرهم أو محاكمتهم.

أما من الناحية الشرعية، فإن الشرع لا ينظر إلى الصور المجردة بل إلى المآلات والنتائج. وكم من أمر بدا في ظاهره منعًا فإذا بتركه يؤدي إلى مفاسد أكبر، ولهذا قال العلماء: ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، بل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين. فلو كان الدخول في هذا التفاهم مباحًا وامتنع القائد تورّعًا، ثم ترتب على امتناعه انهيار الدولة أو تقوية الميليشيات أو تفكك الصف، لكان الامتناع تفريطًا لا ورعًا، لأن ترك المباح المؤدي إلى المفسدة الكبرى حرام في ميزان المآلات.

وقد أحسنت القيادة — وفّقها الله — إذ ردّت الأمر إلى أهل العلم والاختصاص، فاستفتت المجلس الأعلى الشرعي واستشارت نخبة من العلماء الذين نثق بدينهم وعلمهم، ولم يمنع أحد منهم الاتفاق بعد الاطلاع على تفاصيله، بل رأى بعضهم أن الدخول فيه واجب شرعًا إن كان الامتناع سيقوّي العدو ويضعف الدولة.

وخلاصة القول:
النظر لهذه المسألة لابد أن يستصحب النتائج المتوقعة من مثل هذا الدخول والعواقب حال عدم الدخول، ويمكن تلخيصها:
• إن عدم الدخول سيُمكّن قسد من رفع لواء قتال الدواعش!
• ولن يوقف عمليات التحالف داخل سوريا.
• وسيؤدي لإزهاق الأرواح نتيجة نقص المعلومات أو توسع التحالف منفردًا.

أما الدخول فيحقق مصالح كبرى:
• كف شر الدواعش عن المعصومين.
• بسط نفوذ الدولة وتثبيت مركزها.
• حفظ الدماء وتقليل الأذى.

وبناء عليه، فالقضية من باب تخفيف الضرر وتقليل المفاسد وتكثير المصالح، فالسياسة الشرعية في جوهرها رعاية شؤون الأمة بما يحقق مصالحها ويدرأ عنها المفاسد. فإذا كان الاتفاق يضمن وحدة البلاد، ويضعف الميليشيات، ويحد من التدخل الأجنبي، فهذه مصالح راجحة معتبرة شرعًا.

وأوصي في الختام إخواني المجاهدين وأبناء الثورة أن يلتفوا حول قيادتهم، ويحسنوا الظن بمن ولاه الله أمرهم، فقد خبرناهم في السلم والحرب، فما وجدنا إلا حرصًا على مصلحة البلاد والعباد. وكم من قرارٍ بدا شرًّا في ظاهره فإذا به يحمل في طيّاته خيرًا عظيمًا، وكم من موقفٍ شابه الغموض أول الأمر ثم بان أنه من تمام الحكمة وبعد النظر.

وكتبه
د. عبدالله بن محمد المحيسني
المشرف العام على جمعية الهدى

______________

To inquire about a translation for this release for a fee email: [email protected]