– عندما يعلن البنتاجون -في اليومين الماضيين- أنه قتل عشرة من القاعدة في اليمن عبر قصف جوي لم يحدد مكانه ولا طبيعة الأشخاص المستهدفين فاعلم أن وزارة الدفاع الأمريكية تبحث عن نصر ولو كان رخيصاً.
– عندما يصرح قائد القوات الإماراتية التي قادت الحملة على ساحل حضرموت بأن القاعدة “خبيثة و ذكية” فاعلم أنه يتميز غيضاً لأن القاعدة أفشلت مخططاً ما.
– عندما تصرح قوات التحالف بأنها قتلت أثناء الحملة على مدينة المكلا 800 عنصر من القاعدة ثم تعجز عن نشر صور لعشر جثث منهم فاعلم أنك أمام كذبة إبريل ليس لعام 2016 ولكن لعشر سنوات إلى الأمام.
– عندما تعلن وزارة الدفاع الأمريكية أنها نشرت جنوداً وفرقاً عسكرية أمريكية في حضرموت فهذا يعني أن القاعدة تكسب المعركة الشرعية والإعلامية.
– عندما تنسحب القاعدة من ساحل حضرموت في غضون ساعات دون حدوث كوارث تصاحب مثل هذه الانسحابات فاعلم أن القاعدة كانت تضع خطة الانسحاب قيد التنفيذ منذ أول يوم من سيطرتها على ثالث أكبر المدن اليمنية.
لست مبالغاً إن قلت أن مشروع أمريكا في اليمن قد مني بنكسات كبرى خلال السنتين الأخيرتين وهو ما يفسر المحاولات الحثيثة التي تتبناها وزارة الدفاع الأمريكية لإثبات أي نصر فيما يتعلق بالحرب على القاعدة في اليمن، ونستطيع القول أن الضغوط الداخلية والخارجية التي تثقل كاهل الإدارة الأمريكية جراء فشلها في مواجهة قاعدة اليمن هي التي دفعت بها إلى مغامرات غير مدروسة تمثلت بشكل واضح في لعب أدوار سياسية لإيقاف الحرب بين دول الخليج والحوثيين، والمباشرة في حرب عسكرية عبثية ضد القاعدة استناداً على تحالفات هشة البنية والأمر الملفت اليوم هو التبني الرسمي من قبل وزارة الدفاع الأمريكية لكل الخطوات التي تقوم بها على خلاف ما كانت تنتهجه في السنوات الماضية حيث كانت تلتزم الصمت غالباً.
يبدو أن القاعدة –على الأقل- بالنسبة للإدارة الأمريكية صارت هي الرقم الأول في المعادلة في الشأن اليمني وباتت هي المركز الذي تبنى عليه الترتيبات السياسية والأمنية والعسكرية وهذا ما يجعل القاعدة تتحكم في المشهد بشكل غير مباشر وهذه هي إحدى عوامل قوتها في الساحة اليمنية وهو ما يدفع خصومها لاتهامها بأنها تتحرك في الساحة لأجل خدمة كل الأطراف!.
فالحوثيون يتهمونها أنها تتحرك في الساحة لصالح قوات التحالف وما يعرف بالحكومة الشرعية وما يتبعها من أحزاب وشخصيات مثل حزب الإصلاح، بينما يتهم التحالف تنظيم القاعدة بأنها يتحرك لصالح الحوثيين والمخلوع علي صالح وهكذا يستمر التراشق ليس من أجل المناكفة بين هذه الأطراف فحسب ولا لأجل تشويه صورة القادة فحسب بل لأن القاعدة في اليمن باتت رقماً صعباً يصعب كسره ويصعب تجاوزه وربما يصعب على غير المتخصصين فهم تحركاته وقراراته وحدها الإدارة الأمريكية هي التي تفهم ماذا يعني فرع القاعدة في اليمن وما هو حجمه لكنها مع كل ذلك تفشل كل مرة في تقويض قوته.
الحملة العسكرية الأمريكية على المكلا التي خطط لها على مدى 3 أشهر متواصلة في غرف عمليات شارك فيها قرابة 120 ضابط أمريكي وخليجي ويمني * لم تفلح في النيل من التنظيم الذي كان يعد لمثل هذه الأحداث بشكل جيد فمنذ اللحظة الأولى لسيطرته على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت بدأت تنظيم القاعدة في الترتيب لوضع نموذج جيد لتطبيق الشريعة وفي ذات الوقت بدأ الترتيب لانسحاب محتمل وتعدت نظرة قيادة التنظيم الرقعة الجغرافية التي يسيطرون عليها وتجاوزت الخطة أسر اللحظة الحاضرة والبهرجة التي تلازم مثل هذه المتغيرات.
ويبدو أن المتابع للوضع اليمني يدرك أكثر من أي وقت مضى أن السيطرة على مكان هنا أو هناك من قبل أعداء وخصوم القاعدة لا يعني الكثير خصوصاً والقاعدة تخوض حرباً غير تقليدية ضد خصومها، والمتابع اليوم بات يدرك كذلك أن مرحلة قادمة هي الأصعب بالنسبة لخصوم القاعدة وهذا ما أشار إليه مراقبون ومحللون كما نشرت صحيفة الأهرام المصرية.
لكن ما يهمنا هنا أن نسلط الضوء على نتائج الخطوات المفاجئة التي انتهجتها القاعدة في المعركة الأخيرة وتبعاتها:
أولا: الحوثيون كانوا يراهنون على أن القاعدة ستستميت في قتال التحالف ما يعني فتح جبهة جديدة لاستنزاف التحالف عسكرياً وإعلامياً وسياسياً؛ لكن ذلك لم يحدث حسب ما كان يظن الحوثيون وحليفهم صالح ويبدو أنهم تلقوا صفعة لم تكن في الحسبان.
ثانياً: الأمريكان والإمارات بالتحديد تفاجئوا بأن القاعدة قد رتبت أمورها بشكل يسمح لها بالانحياز دون وقوع خسائر تذكر، وبالتالي فات عليهم الهدف الأصيل للحملة وهو ضرب بنية القاعدة البشرية والعسكرية والمالية بعد أن انتعشت خلال العام الماضي وحققت مستويات عالية من التقدم في البناء التنظيمي والتدريب والتأهيل وجمع أكبر قدر من الإمكانات اللوجستية إضافة للعلاقات الاجتماعية الكبيرة بنيت خلال السنة الماضية.
ثالثاً: السعودية أسقط بيدها بعد أن تفردت الإمارات بالمشهد وليس هذا فحسب بل أصبحت الإمارات تنفذ الخطة الأمريكية في اليمن بحذافيرها وبكل تفاصيلها ما يعني عدة أمور:
- فرض التقسيم في اليمن عبر فصل الشمال عن الجنوب واستحداث إقليم وسط ربما يكون من نصيب السعودية.
- فرض أولوية الحرب للتوجه ضد القاعدة وليس إلى الحوثيين.
- ظهور الإمارات كقوة بديلة عن السعودية فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب لتصبح هي البندقية المستأجرة بينما تكون السعودية في مرتبة ثانوية.
- استخدام عدن والمكلا كمرتكزات للقوة الإماراتية مقابل النفوذ السعودي في اليمن، وبالتالي تخرج السعودية من المولد بلا حمص كما يقال.
رابعاً: القاعدة تركت فراغاً كبيراً خصوصاً بعد انسحابها من أبين لا تستطيع قوى الشرعية ملئه؛ بما يعني أن البلد في الجنوب سيدخل في دوامة خارجة عن السيطرة، وبما يعني أن هذه المناطق خصوصاً أبين منطقة رخوة قد يخترقها الحوثي إلى عدن بدون أي مقاومة تذكر من قوى الشرعية التي لم تقدر على ضبط الأمن في شوارع عدن فكيف بغيرها، ومدينة كرش في لحج التي تعتبر بوابة عدن أصبح الحوثي متواجد فيها، وبشكل عام فالإمارات والمليشيات التابعة لها أمام ثلاثة أخطار قاتلة:
- الفوضى في المناطق الفارغة.
- الهجوم الحوثي.
بما يستدعيها وبشكل ملح إلى الانتشار وبشكل كبير في مناطق شاسعة وعرة وفي عمق قبلي بالغ المحافظة والتعقيد فإن فعلت ذلك منحت القاعدة الفرصة لضرب هذه القوات المنتشرة على رقعة كبيرة يصعب تأمينها، وهنا يظهر الخطر الثالث:
- الاستنزاف عبر حرب العصابات التي ستشنها القاعدة؛ حيث توقن القاعدة أن العدو إما أن ينتشر في رقعة جغرافية كبيرة وبالتالي يصبح العدو ضعيفاً وتكثر طرق إمداده ونقاط ضعفه ما يسهل استنزافه وضربه بتكتيك العصابات والأدهى من كل ذلك هو أن البلد في حال حدوث أي اهتزاز فستكون أسلحة العدو وعدته غنيمة باردة بيد القبائل والمجاهدين، وإما أن يبقى العدو في مرحلة انكماش في محاولة للحفاظ على الذات بما يتيح للمجاهدين الحركة والتنقل في المناطق الفارغة.
خامساً: تعتقد القاعدة أن من يعمل في الساحة من خصومها شركاء متشاكسون يجب أن تترك لهم الفرصة ليتناحروا وينقسموا على أنفسهم أكثر فأكثر، ولم يمر على انسحاب القاعدة سوى اسبوع حتى ظهر للعيان انقسام الحراك الجنوبي إلى قسمين قسم يتبع السعودية وقسم يتبع الإمارات، ولم يمر على انسحاب القاعدة من حضرموت وأبين سوى اسبوعين حتى بدأت القوى المحسوبة على الإمارات بإجلاء المواطنين الشماليين من الجنوب ويبدأ الفرز على الهوية ما يستدعي ظهور الصراع السعودي الإماراتي على السطح مرة أخرى وبشكل أكبر، وستشهد الأيام القادمة انقسامات أكبر لم تكن لتحدث لو أن هؤلاء “الشركاء المتشاكسون” اجتمعوا للحرب على القاعدة في حضرموت وأبين.
سادساً: الأمريكان وسط هذا الواقع المعقد سيكتفون بلعب دور استخباراتي فقط، بحيث تعيد بناء أجهزة الأمن القومي التي تعمل في حرب القاعدة ودعم القوات المحلية لوجستياً ولا يقدرون على لعب أي دور آخر بسبب تداخل وتعقيد الواقع اليمني وكثرة التقلبات التي تميز هذا الواقع بما يعني مزيداً من الحذر والحيطة.
أما القاعدة فترحب بالمارينز لعدة أسباب؛
- أن وجود الأمريكان في اليمن يعطي لهم المبرر الشرعي للقتال وتوفر عليها مشواراً كبيراً من التوعية والدعاية والترويج لمشروع الجهاد؛ بينما تعجز القوات الإماراتية والمليشيات اليمنية أن تصمد أمام حجج القاعدة العقلية والشرعية التي تقدمها القاعدة ويجدر التذكير هنا بالفتوى التي أصدرها علماء اليمن حول التدخل الأمريكي عام 2009م.
- أن قتال الأمريكان وجهاً لوجه هو حلم القاعدة الذي تتمناه وتسعى له منذ عقود؛ فأي هدية تعدل تقديم هذه الهدية لقاعدة اليمن، وهل يظن الأمريكان أن القاعدة ستقدم على ضربهم شيئاً آخر؟.
فقط نحن بحاجة لمزيد من الوقت؛ لنشاهد كيف تقلب القاعدة الطاولة على جميع الأطراف وكيف سيكون الترحيب القاعدي بجنود المارينز.. فقط تذكروا أن القاعدة تقرأ المشهد بشكل جيد.
__________________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]