New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: “About the al-Jawlānī Interview #2"

Click here for the first part in this article series.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد ..

فقد شاهدت لقاء الجولاني مع مراسل قناة الجزيرة اليوم ، وكان اللقاء جيداً كسابقه إلا في قضية الخلاف مع الدولة الإسلامية الذي ناشدناه وغيره من قادة الجهاد أن لا يُبرزوه للناس ، ففي إبراز حيثيات الخلافات بين المسلمين مفاسد كثيرة على المسلمين ومصالح لا تخفى لأعداء الدين ، فلا يوجد عاقل على وجه الأرض يكشف ستره لعدوّه ويدله على عوراته ، فهذا من أعجب ما نرى – وما رأينا سابقاً – من بعض قيادات العمل الإسلامي على وجه العموم ، والمجاهدين على وجه الخصوص !!

الذي ذكره الأمير الجولاني في شأن إيران ، والذي أخذ حيزاً كبيراً من اللقاء ، هو عين ما ذكرنا في مقالات سابقة ، ولعل مقالة “نحن وإيران” تلخص جميع ما قال الجولاني ، وما قاله في عاصفة الحزم هو عين ما قلناه في مقالة “لا ترقصوا بعد” ومقالة “فهم عاصفة الحزم” ، وليس هذا عجيباً : فنحن كنا – وما زلنا – على فكر قاعدة الجهاد واجتهادها السياسي ورؤيتها لقضايا الأمة ، وهذه الرؤية موروثة عن الشيخين : أسامة وعبد الله عزام رحمهما الله ، وهي رؤية كثير من المفكرين والدعاة المصلحين في القرن المنصرم قبل أن تتغير المفاهيم وتتبدّل تحت ضغط الحكومات العميلة التي استعبدتها أمريكا ، فالمشكاة واحدة ، والمنبع واحد ، والأصول واحدة ..

النظرة السياسية التحليلية لم تتغير ولم تتبدّل ، ولولا الخلافات الأخيرة ، ولولا تلك الأحداث المتسارعة التي قسمت المجاهدين وقصمت ظهورهم لفترة تنفّس فيها النصيرية والرافضة الصعداء ، لولا تلك الفترة لكانت جبهة النصرة والدولة ، أو القاعدة والدولة : جماعة واحدة في الشام والعراق تقاتل النصيرية والرافضة معاً في خندق واحد .. هي ثغرة تغلغل عن طريقها الشيطان واستغلها الأعداء لبث الفرقة فآتى عملهم ثمره في غفلة منا وسوء إدارة لخلافنا بنشره على الملأ ..

أما ما قال الجولاني عن الخلاف مع الدولة الإسلامية : فهو مقصود قناة الجزيرة ومن ورائها من لقاءه ، فقناة الجزيرة لم تكن يوماً محايدة كما يظن البعض ، وها هي تلتقي بالجولاني في الشام وتُظهره بمظهر الحكيم المعتدل في الوقت الذي تحارب فيه “قاعدة الجهاد” في اليمن وتُظهرها بمظهر العميلة لعلي صالح !! كل ما كان يريده أعداء الأمة من لقاء الجولاني هو : إعلان عداوة جبهة النصرة للدولة الإسلامية ، لا أكثر ولا أقل ، أما رأي الجولاني في الأحداث الأخرى فهذا تحصيل حاصل عند أعداء الأمة ، وإن كان الجولاني يعلم ذلك فتلك مصية ، وإن لم يعلم فالمصيبة أعظم ، ولينظر الجولاني كيف يستغل أعداء الأمة كلامه عن الدولة مع إهمال كل ما قال عن الأمور الأخرى ليعلم أنه وقع في فخ الإعلام الخبيث عن حسن نيّة أو جهل .. وهذه بعض التعليقات على كلماته بشأن الخلاف مع الدولة :

أولاً : ظهر الجولاني بمظهر اليائس من الصلح ، وليس هذا شأن المؤمن ، فالله تعالى نهانا أن نقنط من رحمته ، ورحمته وسعت كل شيء ، والله تعالى يحب الصلح ويُبغض الخلاف بين المسلمين ، وقد رتّب على الخلاف الفشل وذهاب الريح ، فلا ينبغي للمسلم أن ييأس ، بل لا بد من الصبر على تحقيق المصلحة ، وهذا الصبر أشد من صبر المعارك ، هو يحتاج إلى عزيمة كبيرة وإيمان وحسن ظن كبير بالله تعالى ..

ثانياً : مسألة الخارجية لا ينبغي ذكرها من قريب أو من بعيد ، كما أن مسألة التكفير يجب أن تختفي من أبجديات المجاهدين ، ونقصد : تكفير المخالف أو المقاتل على إطلاقه ، فالتساهل في الأمرين مذموم ، فالتكفير إن لم يكن صحيحاً : حار على صاحبه ، والتصنيف بالخارجية إن لك يكن دقيقاً وفق منهج سليم – وليس هوى أو فجور في الخصومة أو ليٍّ لمعاني النصوص لإنزالها على جماعة – فإنه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توعّد صاحبة بتبوؤ مكانه في النار ، فالأمرين أخطر مما يظن البعض ..

لقد تتبعت الفتاوى التي حكمت على الدولة الإسلامية بالخارجية ، وجميعها لا تتعدى البتر والترقيع بشكل مقزز ، ومثال ذلك أنهم يذكرون حديث “يَقتُلون أهل الإسلام” ولا يُكملونه ، وكماله “ويدَعون أهل الأوثان” (والحديث عند ابي داود وهو صحيح) ، فإن أكملته لهم قالوا : كان من الخوارج من يقاتل الكفار مع قتاله للمسلمين ، فنقول لهم : هلمّوا ننظر إلى سبب تسمية العلماء لهؤلاء بالخوارج ، فيقولون : نحن لا نأخذ إلا بالحديث وليس بأقوال العلماء ، وسبب قولهم هذا أن العلماء جمعوا ما اتفق عليه الخوارج من صفات واعتقادات فأدخلوا من وافقها في زمرة الخوارج وأخرجوا من لم يوافقها من الوصف ، فحكموا على هؤلاء بالخارجية لكونهم يدخلون تحت حدودهم التي وضعوها والتي يستدركها عليهم اليوم بعض المتعالمين ليأتوا بحدود جديدة على مقياس “الدولة الإسلامية” زعموا أنهم استشفوها من النصوص الشرعية ، وكأن ابن حزم والبغدادي والأشعري والشهرستاني وابن حجر وابن تيمية وغيرهم من كبار علماء الأمة أخذوا تعريف الخوارج من التوراة أو الإنجيل !!

مثال آخر على التخبّط : مسألة التكفير ، فهم يزعمون أن الدولة الإسلامية تكفّر عموم المسلمين – وكذبوا في هذه – فالدولة لا تكفّر عموم المسلمين وإنما تكفّر – باجتهادها – بعض الجماعات والأفراد ، ويقولون بأن الدولة تكفّر بالكبائر ، بل حتى بالصغائر أو بما ليس معصية ، وهذا كله كذب ، ولكن لنفرض جدلاً أنهم صادقون ، وأن الدولة تكفّر عموم المسلمين بما قالوا ، فأين في النصوص الشرعية بأن من يُكفّر عموم المسلمين فهو خارجي ؟ سيقولون : العلماء أجمعوا بأن هذه صفة للخوارج ، فنقول لهم : مَن من العلماء قال بذلك !! سيقولون فلان وفلان ، فنقول : هل تأخذون بتعريفهم للخوارج ؟ الجواب قطعاً : لا ، لأنهم إن أخذوا بتعريف هؤلاء العلماء للخوارج انتفت صفة الخارجية عن الدولة ..

لا يأخذون من أقوال العلماء والنصوص إلا ما يوافق أهوائم ، ثم يقولون بأن أفراد الدول الإسلامية “يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم” !! من أولى بهذا الوصف ؟!

ومن المضحك ما صنع البعض في مسألة “سيماهم التحليق والتسبيد” ، فهم يضحكون على من يستشهد بهذا الحديث في وصف الخوارج ، ولا ندري كيف يضحك مسلم على استشهاد بحديث صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم !! ليس هذا هو المضحك ، المضحك أن هؤلاء ذاتهم يستشهدون بأثر “ضعيف جداً” في وصف جماعة تخرج في آخر الزمان “شعورهم مرخاة كشعور النساء” فينزلونه على جنود الدولة ، ويستشهدون بحديث “كلاب أهل النار” وهو مختلف في ثبوته فيصفون به الدولة جهلاً وبغيا ، ويستشهدون بحديث “حتى يخرج في عراضهم الدجال” وهو مختَلَف في صحته ،