New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Regarding the Call of Dr. Yūsuf al-Aḥmad to the Two Shaykhs al-Baghdādī and al-Ḥamawi"

بخصوص نداء الدكتور الفاضل يوسف الأحمد حفظه الله، والمعنون (نداء عاجل إلى الشيخين الكريمين: أبي بكر البغدادي وأبي عبد الله الحموي وفقهما الله. من أخيكم: يوسف الأحمد) فأود هنا أن أعلن تأييد البيان والتأكيد على بعض مضامينه: 1.    ضرورة إسقاط أية قدسية يضفيها الأتباع على أي من قادات الجهاد. فليس أحد منهم فوق مستوى المساءلة والمحاسبة. 2.    بيان أن خروج المرء للجهاد لا يعطي لصاحبه تفويضا أن يفعل ما يشاء مغفورا ذنبه مستورا عيبه، بل إن لم يحقق شطر ((أذلة على المؤمنين)) وهَدَر دماء معصومة فإنه يتحول إلى مفسد يستحق حد الحرابة. وليس ما يفعله حينئذ خطأ يُسكت عنه أو يهون من شأنه بحجة أنه مجاهد. 3.    بيان أن المقاتلين، قادة وأفرادا، إن امتنعوا عن الاحتكام إلى القضاء الشرعي أو منحوا أنفسهم أو بعض أفرادهم حصانة تمنع إنفاذ الأحكام القضائية فيهم، فإنهم بذلك يعرضون ويمتنعون عن الشرع الذي يرفعون شعار نصرته، وهذا في الأصل دأب الظلمة والطواغيت، فلا يليق بمجاهد صادق بحال، وليس من صغائر الذنوب ولممها. ولا ينفع أحدا منهم في ذلك أن يكون الخصم والحكم! فهو أمر مرفوض شرعا وعقلا. 4.    تذكير الأفراد المقاتلين بأن طاعتهم لأمرائهم في معصية الله بمقاتلة مسلمين أو سلب مقراتهم أو الاستحواذ على أسلحتهم هو مشاركة في الجريمة لا ينفعهم معها قولهم: (أطعنا سادتنا وكبراءنا)، ولم تُشرع البيعة لأمير لمثل هذه الطاعة، وإلا شابهنا من ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) بأن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم! 5.    بين الدكتور يوسف الأحمد حفظه الله فساد مقولة “من قاتلَنا قاتلناه” بيانا شافيا مهما جدا. 6.    تحديده حفظه الله لأمدٍ محددٍ لقادة الجماعات لإبداء تفاعلهم مع المبادرة أمر لا بد منه، إذ كم انطلقت من قبلُ مبادرات ودعوات. فلا بد أن يكون الناس على بينة: مَن من الجماعات يستجيب ويستمع القول فيتبع أحسنه، ومن لا يستجيب وكأن الأمر لا يعنيه، ولا يبدي أسباب عدم تغييره لما ينصحه فيه الناصحون، ولا يبرره شرعا. فإن تبيُّن ذلك أدعى إلى معرفة أقرب الطوائف إلى العدل في مثل هذه المسائل. نسأل الله أن يوفق الأطراف كلها إلى ما يحب ويرضى. وأخيرا، بخصوص قول الدكتور يوسف حفظه الله أن الذي يثبت إفساده يجب إقامة حد الحرابة عليه فلا أظنه حفظه الله قصد هنا البت في مسألة إقامة الحدود بأشكالها في الحرب وفي الأرض التي لم يحصل فيها تمكين حقيقي مستقر، وإنما يتكلم عن الحالة الموصوفة في سياقه. أسأل الله أن يوفق القائدين وقادة الجماعات إلى الاستجابة لنداء الدكتور يوسف، فهو علم في الاحتساب ونصرة الحق والإنكار على الظلمة، وقد تحمل في ذلك ما نسأل الله أن يتقبله منه، وليس مثلي الذي يزكيه. وفيما يلي نص ندائه حفظه الله وأكرمه: نداء عاجل إلى البغدادي والحموي د. يوسف بن عبدالله الأحمد @yusufalahmed بسم الله الرحمن الرحيم إلى الشيخين الكريمين: أبي بكر البغدادي وأبي عبدالله الحموي. وفقهما الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد. فأتقدم إليكما وإلى جميع أعضاء الدولة والأحرار في هذا النداء العاجل بالصلح على إثر النزاع والاشتباكات التي حصلت مؤخراً بين الجماعتين، استجابة لأمر الله تعالى: “فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (الأنفال1) وقوله تعالى: “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ..الآية” (الحجرات9) وقوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” (الحجرات10) وقوله تعالى: “لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” (النساء114). وتتلخص بنود الصلح بين الطرفين في الآتي: 1. إيقاف القتال مع سحب القوات العسكرية من مواقع الصدام من الطرفين. 2. الإفراج عن الأسرى من الطرفين. 3. تسليم المقرات والأموال والأسلحة المغتصبة إلى أصحابها من الطرفين. 4. التنفيذ الفوري والإعلان عنه للبنود الثلاثة الأولى من الطرفين. 5. التزام القادة من الطرفين بإيجاد آلية واضحة وسريعة للتواصل بينهما عند الحاجة، والحذر من التغيب أو المماطلة. 6. أن يكتب الطرفان مع جميع الجماعات الجهادية في الشام تعهداً شرعياً بالآتي: أ‌- الالتزام التام بحفظ دماء المجاهدين وأموالهم وأعراضهم وأسلحتهم ومقراتهم وعدم الاعتداء عليها. ب‌- عدم رفع السلاح على مسلم في الحواجز وغيرها. ت‌- عدم إطلاق النار على من لم يتوقف عند الحواجز أو غيرها. ث‌- عدم الاعتقال والتفتيش والتحقيق والحبس إلا بحكم قضائي نافذ من محكمة شرعية مستقلة. 7. إنشاء محكمة شرعية مستقلة لفض النزاع بين الجماعات الجهادية في الشام والقبول بها من الجميع، وتبدأ بالحكم في هذه القضية الجنائية، وتعمُّ المحكمةُ الولايات القضائية الثلاثة: قضاء التحقيق وقضاء الموضوع وقضاء التنفيذ. 8. رفع الحصانة القضائية من أي أحد كان حتى القادة، وخضوع الجميع للتقاضي في الحق العام والخاص، أما منحُ الحصانة القضائية لبعض الأمراء أو الجنود أو تقييدها بموافقة الأمير، فهي من صور الامتناع عن إقامة الشريعة، ومما دأب عليه الظلمة والطواغيت، ولا يليق بحال أن يتورط في ذلك المجاهدون في سبيل الله تعالى. 9. إذا ثبت أن الشيخ البغدادي أو الشيخ الحموي أو غيرهما من القادة قد أمر بقتال بعض المجاهدين، أو اقتحام مقراتهم، أو الاعتراض عليهم في الطرقات، ورفع السلاح عليهم واعتقالهم، أو قتلهم، أو أخذ أموالهم، وحصل ذلك، فالواجب محاكمته بتهمة الإفساد في الأرض، وإقامة حكم الله فيه، قال الله تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (المائدة33). وهذه وصية لإخواني الأفاضل المجاهدين في سبيل الله: إذا أمر القائدُ بقتال إخوانك المسلمين أو اقتحام مقراتهم أو الاستيلاء على أسلحتهم وأموالهم فلا سمع له ولا طاعة، وإن أطعته فأنت شريك له في الجريمة، وتبوء بإثم أخيك المسلم في الدنيا والآخرة، وتحولتَ حينها من مجاهد في سبيل الله إلى مفسد في الأرض، يجب شرعاً إقامة حد الحرابة عليك، وتأمل أخي المجاهد هذا الوعيد المخيف الوارد في هذه الأحاديث الثلاثة الآتية: فعن علي رضي الله عنه :”أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ لِلآخَرِينَ: لاَ طَاعَةَ فِى مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ” متفق عليه واللفظ للبخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِىَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ” أخرجه مسلم. وعن الأحنف بن قيس رحمه الله قال:”ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ. قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ” متفق عليه. أما القاعدة التي يتناقلها بعض المجاهدين: “من قاتلنا قاتلناه” ففيها إجمال خطير جداً، بل الصواب دعوة الذين رفعوا السلاح فيقال لهم: ماذا تنقمون؟ فإن قالوا حقاً قُبل منهم، وإن قالوا باطلاً بُيِّن لهم، فإن أصروا دُعوا إلى المحكمة الشرعية، فإن رفضوا وبدؤوا بالقتال، فهو صائلٌ مسلم يُدفع بالأخف كإطلاق النار في السماء، ثم دفعه بما دون قتل النفس، فإن لم يندفع إلا بقتله جاز قتله. أما استباحة دمائهم وأخذ أموالهم وأسلحتهم ومقراتهم بمجرد بدء القتال فهذه أحكام جاهلية وليست من الشريعة، وكلام الفقهاء مستقرٌ واضح في هذا الباب. وختاماً : أدعو إخواني قادة الجهاد وأهل العلم وعموم المجاهدين في سبيل الله في الشام إلى قبول هذا الصلح لنزع فتيل سفك الدماء بين المجاهدين، فنحن في كرب عظيم يتجاوز النظر إلى حظوظ النفس، فلا يستحوذ الشيطانُ علينا، وتأخذُنا العزةُ بالإثم، فنتجاهل هذه الدعوة الأخوية إلى الصلح، فأهلُ الإيمان يتذللون لإخوانهم، ويخفضون لهم الجناح، قال الله تعالى:”وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ” (الحجر88)، وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (المائدة54). وعليه فإني أنتظر من أخويَّ الفاضلين الشيخ البغدادي والشيخ الحموي وبقية القادة ردهم على عرض هذا الصلح بالموافقة أو الرفض، وحتى لا يكون مصير هذا المشروع إلى عدم الإنجاز فإنه لابد من تحديد أمد لنهايته وهو مغرب يوم الأحد 12/ 2/ 1435هـ، أما إيقاف القتال، ورد الأسرى والأموال فلابد فيه من البت الفوري من الآن، فمن امتنع عن قبول الصلح وأصر على قتال المجاهدين فلابد أن يبين رأيه وأسباب ذلك علانية من أجل توضيح الموقف الشرعي تجاهه حقناً لدماء المسلمين. حفظكم الله بحفظه وأيدكم بنصره وزادكم من فضله. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في الشام، اللهم وحد كلمتَهم على أمرك، وصفوفَهم في سبيلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم الداعي لكم بالخير: يوسف بن عبدالله الأحمد الأربعاء 8/ 2/ 1435هـ.

__________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qanībī: "A Crisis of Role Models: The Model of Nelson Mandela"

السلام عليكم. إخوتي الكرام من أخطر ما يعانيه العالم الإسلامي أزمة القدوات. يظهر ذلك مثلا من تفاعل الإعلام والناس مع وفاة نيلسون مانديلا الذي سعى طويلا إلى وقف ظاهرة التمييز العنصري في بلاده. فمثلا، خصصت إحدى أكثر القنوات انتشارا إن لم يكن أكثرها في العالم الإسلامي، أول أربعة أخبار صبيحة وفاة مانديلا عنه: “وفاة نيلسون مانديلا”، “قادة العالم ينعون مانديلا”، “مانديلا ..أيقونة الصمود”، “مانديلا رمز للحرية والتسامح”. ليس هدفي هنا التقليل من شأن تضحية مانديلا من أجل بني جلدته. فالرجل بلا شك أفضل من سود البشرة الذين ساعدوا المستعمر الأبيض ضد أبناء جلدتهم مقابل فتات قليل. لكن هنا أثير التساؤل: هل مانديلا هو الجدير بأن يكون قدوة عالمية للحرية والثورة على الظلم؟ حتى نضع الأمور في نصابها نقول: أطلق مانديلا شعارات عن الحرية مثل قوله: “إن الحرية لا تقبل التجزئة”، وقوله: “ليس حرا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة”. فهل كان منسجما مع هذه الشعارات؟ وهل التزم بها كقيم عالمية أم ضمن حدود بلده التي رسمها المستعمر فحسب؟ في أماكن ليست ببعيدة عن مانديلا بل في قارته السوداء نفسها كانت الحرية تصادر والإنسان يُهان. ملايين يُقتلون في الكونغو ورواندا بتآمر دولي، وشعوب تتعطش للتحرر من النظام الدولي في نيجيريا والصومال ومالي، فتهاجمها الأنظمة الإمبريالية والرأسمالية والإفريقية، فماذا كان موقف مانديلا من هذا كله؟ هل نتوقع منه أن يصلح إفريقيا كلها؟ لا. لكن على أقل تقدير حتى يستحق شخص ما أن يكون رمزا عالميا للحرية ورفض الظلم والتمييز، وحتى يكون منسجما مع شعاراته، فلا يُتوقع منه أن يتقبل الأوسمة ممن يهينون أبناء قارته فضلا عن القارات الأخرى، لأن وسام الحرية الذي يضعه الظالم على صدرك يعني أنك تصالحت مع الظالم ورضيت منه بفتات حرية في حدود رسمها لك لا تتعداها، وقبلت ضمنيا أن يمارس عربدته العالمية بعد ذلك. مانديلا حصل على أوسمة الحرية والسلام من تجار الرق والحرب العالميين: 1.    حصل على جائزة لينين للسلام من الاتحاد السوفياتي عام 1990في الوقت الذي كانت فيه روسيا قد انتهت من قتل مليون إنسان في أفغانستان وإعاقة مليونين آخرين ثم توجهت للقتل والاغتصاب في الشيشان. والجائزة باسم من؟ لينين الذي قتل هو وتلميذه ستالين عشرات الملايين من قبل. 2.    حصل مانديلا على جائزة بهارات راتنا من حكومة الهند عام 1990 في الوقت الذي كانت الهند تبيد وتغتصب وتحرق المسلمين في كشمير وغجرات. 3.    حصل على جائزة أتاتورك للسلام من تركيا عام 1999 أيام الحكم العسكري المصادر لحريات المسلمين. 4.    وحصل على ميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية عام 2002 من جورج بوش الابن في الوقت الذي كانت أمريكا تقتل وتعذب وتسجن في أفغانستان وتدعم سياسيا وعسكريا مجازر اليهود في جنين. فهل تحرر مانديلا فعليا من فلك النظام الدولي؟ وهل ثار على الإمبريالية والرأسمالية والاستعباد الجائر كقيم عالمية، أم تصالح معها مقابل شيء من الحرية والمساواة في حدود بلده التي رسمتها هذه الإمبريالية الاستعبادية؟ فقلدته بعدها أوسمة الحرية وجوائز السلام وهي شر ناشر للاستعباد والدمار. هل يقبل الحر أن يقلده فأر جائزة الجرذ الأكبر للنظافة! وهل الحرية عنده لا تقبل التجزئة ضمن البلد المجزأ أصلا فحسب؟ ولذا لا عجب أن تنتصب أمريكا ورؤساء العالم في جوقة النفاق يترحمون على مانديلا “رمز الحرية” وفي سجونهم بغوانتانامو وأبو غريب وفي سفن التعذيب الدوارة بعرض البحر والمعتقلات السرية أحرار حقيقيون لم يتصالحوا مع الإمبريالية بل ثاروا عليها وسعوا إلى استئصالها بالكلية. صحيح أنه كان لمانديلا تصريحات ينتقد فيها هذا الظلم، لكن الذي يشعر بالإهانة عندما يرى الناس يُهانون لا يقبل أن يقلده مهينوهم بأيديهم التي تقطر من دماء الناس أوسمةً سميت بأسماء أساتذتهم في الإجرام كلينين وأتاترك. خاصة وأن الأنظمة الإجرامية تدفع عن نفسها التهمة بتقليد مثل هذه الأوسمة. –       ولو كان مانديلا يشعر بالإهانة لما قلد بنفسه القذافي وساما وهو يراه يهين شعبه ويصادر حريتهم في السجون. ولو كانت الحرية لا تقبل التجزئة عنده لما قاوم سارقها في بلده وكرم سارقها في ليبيا. لذا، فمن ناحية إنسانية بحتة، هل يصلح مانديلا رمزا عالميا للحرية ورفض الظلم والتفرقة والثورة على القيم الاستعمارية؟ فكيف يكون رمزا للمسلمين؟ كيف يكون مشرك رمزا للموحدين إلا إن كان توحيدهم عندهم شيئا ثانويا وكان الشرك ذميمة صغيرة تجبرها الخصال الطيبة؟ فرق بين أن نثني على جوانب خير في مشرك من ناحية وأن نتخذه قدوة من ناحية أخرى. فاتخاذه قدوة مقدمة في نواح إنسانية قِيمية، يُذكر أكثر مما تُذكر القدوات الإسلامية التي جمعت بين التوحيد والتحرر الذي لا يعرف مصالحة مع النظام العالمي المستبد… هو دلالة جهل بتاريخنا وواقعنا بحيث لم نجد فيهما مثالا يحتذى فذهبنا نتلمسه في أناس أشركوا بالله وكذبوا محمدا بن عبد الله في أنه رسول الله! التركيز على أمثال مانديلا على حساب القدوات الحقيقية المهمشة يكرس الهزيمة نفسية والشعور بالدونية لدى الأجيال المسلمة. صحيح أن رسول الله صلى الله عله وسلم أثنى على جوانب خير في المطعم بن عدي وخالد بن الوليد والنجاشي قبل إسلامه. لكنه لم يدعُ المسلمين إلى اتخاذ أي منهم قدوة أو رمزا، ولا حتى في جانب إنساني محدد. وعندما أمرنا الله بالاقتداء لم يقل لنا لقد كان لكم أسوة في حكمة أفلاطون وسياسة أرسطوطاليس، بل قال في أنبياء: ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده))، وقال في إبراهيم: ((قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)) وفي محمد صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)). وقال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)). فمفهوم القدوة في الإسلام مفهوم خطير لا يُصرف لكل أحد. رسول الله ومن اتبعه بإحسان لم يأتوا بقيم الحرية ورفض الظلم لبلدهم الجزيرة العربية ولم يتصالحوا مع الفرس والروم على هذا المبدأ. فربه عز وجل قال له: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))، وقد تتبع اللواء محمود شيت خطاب سير الصحابة فبين أن 82% منهم قتلوا في الجهاد في سبيل الله لتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، لأنهم فهموا جيدا أنهم وقود شعلة كبرى للبشرية كلها كما قال الله تعالى: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)). أراك أخي تقول: رسول الله وأصحابه على الرأس والعين، لكن الناس بحاجة إلى قدوات معاصرة. أتفق معك، وأتفهم تعطش الناس لنماذج للحرية والشجاعة والتضحية. فهل خلا واقعنا المعاصر من قدوات مسلمة أعظم من مانديلا حتى من ناحية إنسانية بحتة؟ وإن لم يخلُ فلماذا لا نسمع عنهم؟ من هم؟ ولماذا يغفلهم الإعلام؟ هل هو قصور عفوي أم سياسة ممنهجة؟ وما خطورة تغييب القدوات الحقيقية؟ هذا ما سنجيب عنه في حلقة قادمة بإذن الله. وختاما أقول: ليست هذه دعوة إلى إلغاء جوانب الخير في غير المسلمين، وليس هدفي هنا الهجوم على مانديلا. إنما أقول ببساطة: هو لا يعنينا كمسلمين. وهي دعوة إلى أن تعتز بما لديك من دين عظيم بحيث إذا رأيت من فيه خصال طيبة من غير المسلمين تقول: حريٌّ بهذا أن يكون مسلما. لذا سوف أدعوه إلى الإسلام وأناشد فيه الخير الذي يميزه. لأن عندي شيئا عظيما هو إسلامي أحب أن أهديه لهذا الرجل. من منا فعل هذا؟ من من الذين سيستنكرون كلامي ويرون فيه قسوة كان رحيما بمانديلا وغيره فحاول إنقاذه من النار بدعوته إلى الإسلام؟ أم أنك تشك أن المشرك مصيره إلى النار؟ أعرف اثنين من الإخوة المميزين في مجال التقنيات تابعا مؤسس شركة (Apple) ستيف جوبز وسمعا منه في حفل تخريج بجامعة ستانفورد حديثا عن الموت غير معتاد من مثله، فكتبا له رسالة بالإنجليزية قبل وفاته وأرسلاها له يثنيان فيها على جوانب الخير فيه ويدعوانه فيها إلى الإسلام بطريقة لطيفة. وهذا ما نحاول فعله مع من نلمس فيه الخير ممن نعامله من غير المسلمين والحمد لله. لذا أخي، كن منصفا رحيما بالبشرية، وفي الوقت ذاته كن معتزا بهويتك واعرف عظمة الإسلام الذي بين جنبيك واحرص على أن تهديه للبشرية العطشى التي تحتاجه. والسلام عليكم ورحمة الله.

____________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Concerning Participation in the Committee Session to Write the Libyan Constitution"

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. السلام عليكم ورحمة الله. سألني إخوة ليبيون عن المشاركة في لجنة الستين ترشُّحا وتصويتا. فأود أن أقول: لم أر في شروط الترشح لهذه اللجنة إقرارا بجعل السيادة لغير الشريعة أو قسما على احترام دستور شركي كما هو الحال في الترشح للبرلمانات أو الرئاسة في البلاد الإسلامية. وعليه، فإن حكم المشاركة في هذه اللجنة مرتبط –والله أعلم- بما يُنتخب له الـمترشح لها: 1.    فإن كانت مهمة المرشحين إيصال صوت من يمثلونهم من الناس أنهم يريدون الشريعة حاكمة امتثالا لأمر الله، ولا يستمر عملهم في اللجنة إلا على هذا الأساس، بحيث إذا تم الاتفاق على سيادة الشريعة تابعوا مع اللجنة من قبيل صياغة التفاصيل وفق أحكام الشريعة، وإن لم يتم الاتفاق على مبدأ سيادة الشريعة بل فُرض مبدأ سيادة الأغلبية بحيث تدون كل مادة تقرها الأغلبية بغض النظر عن موافقتها للشريعة فإن هؤلاء المترشحين ينسحبون على الفور. إن كانت الصورة على هذا الحال فلا أرى ما يمنع من الترشح لِلَّجنة، وقد ذكرت مثل هذه الصورة في حلقة (عبودية الديمقراطية وبداية الزلل) من سلسلة نصرةً للشريعة، بدءا من عبارة (فسادت في أذهان البعض صورة مبسطة جدا وهمية) حيث بينت أن هذه الصورة لا تنطبق على الحالة المصرية، لكن الحالة الليبية قريبة منها.   2. أما إن كانت المهمة المعلنة لهؤلاء المرشحين: (إن لم نستطع فرض سيادة الشريعة فلا أقل من أن نُضَمِّن في الدستور منها ما استطعنا، فما لا يدرك كله لا يترك جله، وفرق بين المأمول والمستطاع، فنأتي بالمصالح ما استطعنا ونخفف المفاسد ما استطعنا، ونصوت لصالح الأحكام الموافقة للشريعة، ولا نتركها للعلمانيين والعملاء والمنافقين)، إلى آخره من الأعذار المكررة المعروفة، ففي هذه الحالة لا نرى أبدا بجواز المشاركة على هذا الوجه ولا ترشيح من يُظن به أن يقبل بهذا الدور. فأي دستور يُبنى على غير سيادة الشريعة فهو دستور شركي يجب اعتزاله والعمل على إبطاله وبناء النظام الإسلامي من خارجه، لا المشاركة فيه وإضفاء الشرعية عليه بمشاركة “الإسلاميين”. والمشاركة في هذه الحالة تساهم في نزع فتيل الثورة وتدجينها وتكرار المأساة المصرية. وقد فصلت في أسباب ذلك في سلسلة (نصرةً للشريعة) وفي الكثير من المقالات غيرها فلن أعيد التفصيل هنا وأعتذر عن الشرح لغير المتابعين لضيق الوقت.   وعلى جميع الأحوال، فلا يُتصور أبدا أن الحلول “الدبلوماسية” ستكون كافية في إقامة الشريعة ودولة الإسلام في ليبيا، ويكفي شاهدا لذلك اختطاف أمريكا لليبيين من بين أهلهم! فأية دعوة لإنهاء مظاهر التسلح قبل الانخراط في “عملية سياسية” إنما هي استدراج جديد. ولا شك أن هناك من يفتعل المشاكل ليطالب الشعبُ الليبي بإنهاء ظاهرة التسلح. فليتقِ إخواننا الله تعالى، وليحذروا كل الحذر من أن يقوموا بتصرفات عجولة تعطي ذريعة للمتآمرين عليهم، وبدعم شعبي. نسأل الله أن يحفظ المسلمين في ليبيا ويقيهم مكر أعدائهم ويجعلهم مناصرين لشريعة ربهم.   والله تعالى أعلم وأحكم. والسلام عليكم ورحمة الله

____________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "On the Islamic Front"

 بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله. أضع هنا ملاحظات بخصوص الجبهة الإسلامية التي تشكلت حديثا وأعلنت ميثاقها: 1.    من جاء ليرى إن كنت مع تشكيل الجبهة أم لا فلن يـُحصِّل بغيته، ولن ألخص موقفي في النهاية بكلمتين. إذ أريد أن يلتفت الإخوة إلى نقاط مهمة هنا ولا يُحجبوا عنها بفرز المتحدثين إلى “مع” و”ضد”. ولسنا في مرحلة الاصطفاف في معسكرين متناوئين، بل لا بد من مناصحة الجميع ومحاولة جمع الكلمة على الحق. 2.    المسلم مأمور بأخذ الناس بظواهرهم في الخير وضده. وعلى هذا سنسير هنا دون سوء ظن جائر ولا تعذُّرٍ وتبرير للأخطاء. 3.    اجتماع كلمة المجاهدين مطلب شرعي، واتحاد فصائل متفرقة في كيان واحد هو خطوة في طريق هذا المطلب، شريطة أن تسير هذه الفصائل بسير أنقاها منهجا وأبعدها عن مواطن الريبة، لا أن يدخل على أنقاها الخلل من جهة من عندها نقص. 4.    عضوية قيادات بعض الفصائل المكونة للجبهة في المجلس العسكري الذي يرأسه سليم إدريس إشكالية حقيقية. ولسنا هنا نحاكم النوايا ولا الأعذار فيما بينهم وبين الله تعالى، بل نعتمد ما قدمنا به من الأخذ بالظاهر. ولو كان الأمر إلينا لما ارتأينا تشكيل الجبهة إلا بعد أن تنسحب هذه القيادات من المجلس. أما وقد تشكلت، فإنا نطالب هذه القيادات التي نحسبها محبة لله صادقة في إرادة إقامة دينه أن تلتزم بما ألزمت به نفسها في الميثاق من عدم التبعية ولا تلقي الإملاءات الخارجية، ومن ذلك عدم استمرارها في عضوية مجلس يرأسه هذا الرجل المعلن التبعية للنظام الدولي. ونسأل الله أن نرى انسحابهم من المجلس عاجلا. 5.    ميثاق الجبهة جيد جدا، ومما يستحق الثناء فيه تصريحه بسيادة الشريعة وحسن خطاب يستميل قلوب العامة ويلبي حاجاتهم مع الانضباط بالشريعة. 6.    من أهم ما جاء في ميثاق الجبهة المادة العاشرة التي تنص على رفض المشاركة في أية عملية سياسية تجعل السيادة لغير شرع الله عز وجل. وأحسب أن الجبهة حين وضعت هذه المادة تدرك أبعادها المهمة، ومع ذلك فسأشير إلى سيناريو خطير قد يحدث في الشام فتصبح عنده الحاجة إلى هذه المادة ملحة: 7.    إذا أطاح المجاهدون بالنظام النصيري ثم لم يحصل تمكين حقيقي للمجاهدين وأُبرزت في الصورة شخصيات “وطنية” تنادي بدولة مدنية وتحظى بدعم دولي وقوة عسكرية وتعالت أصوات الناس أنا قد تعبنا من الحرب ونريد حلا يُنهي المعاناة ويحقن الدماء. ماذا ستفعل الجبهة حينئذ؟ ماذا ستفعل إذا أفتى لها الـمُفتون والدعاة بأن ما لا يدرك كله لا يُترك جله، وأن هناك فرقا بين المأمول والمتاح، وأن مصلحة حقن الدماء وتجنب مفسدة مجابهة المجتمع واستئصالِ المجاهدين تقتضي القبول بالـمحاصصة السياسية والاشتراك في الحكم الجديد والعمل على بناء دولة العدل إن لم يمكن إقامة دولة الشرع، ثم تطبيق الشريعة “بالتدريج” وعدم ترك الساحة للعملاء والعلمانيين والفلول؟ إذا قبلت فصائل مجاهدة –لا قدر الله- بذلك فإنا نراه أخطر مصير للجهاد الشامي! وستراها فصائل مجاهدة أخرى شريكة في حكم طاغوتي جديد ومثبتة له ومضفية للــ”شرعية” عليه في عيون الناس، فيقع بينهما اقتتال عقدي يطحن الطرفين. هذا السيناريو يخيفنا حقيقة، خاصة مع عدم انضباط فقه المصلحة والمفسدة لدى جمع كبير من العلماء كما بدا واضحا أيام التجربة المصرية ومشاركة “الإسلاميين” فيها وفتنة الدستور. قد يقول قائل يوما: (لا بد لهم من القبول بالمشاركة السياسية وهذا لا ينافي إعلان أن سيادة الشريعة هي الهدف، فإنما مشاركتهم هي في سبيل الوصول إلى الهدف الذي لا يستطيعون تحقيقه الآن)! نص الجبهة في ميثاقها على رفض المشاركة في أية عملية سياسية تجعل السيادة لغير شرع الله يقتضي رفضها المشاركة في الحالة المذكورة، وهذا ما نأمل أن تلتزم به بإذن الله فإن الزلل فيه خطير. 8.    بخصوص المادة الرابعة عشرة: (تحرص الجبهة الإسلامية على أن تتمتع بعلاقات دولية جيدة مع جميع الدول التي لم تناصبها العداء، بما يحقق المصلحة وفق الضوابط الشرعية): ندرك أن إخواننا في الجبهة بمحدودية قدراتهم ليسوا مطالبين باستعداء العالم وإنذار أنظمة الجوار أنهم سيطالونها إن مُكنوا. لكن في الوقت ذاته لا نريد أن يُفهم هذا على أنه تنكب لمشروع الخلافة الإسلامية. فإقامة الشريعة تستلزم عدم الاعتراف بحدود مصطنعة ولا الإقرار بمفهوم دولة إسلامية قطرية، بل السعي إلى بسط سيادة الإسلام بحسب القدرة. كذلك ما ورد في المادة الخامسة عشرة أن المهاجرين (إخوة ناصرونا في الجهاد…فلهم ما لنا وعليهم ما علينا). فهذا النص على جودته إلا أنه ينبغي التذكير بأن كل مسلم يدخل في دولة إسلامية فله ما لإخوانه وعليه ما عليهم، لا من باب الوفاء لجهاده ونصرته، بل من أجل إسلامه ابتداء، والذي يعطيه هذه الحقوق تلقائيا دون هبة من أحد، وهذا من لوازم كون الدولة إسلامية لا تعترف بالقطرية. 9.    رحبت الجبهة في المادة العاشرة بأي دعم يسهم في إسقاط النظام بشرط ألا يحتوي على إملاءات خارجية تصادر قرارها. هنا نلاحظ أن كثيرين يشككون ويخونون قائدا أو فصيلا ما بسبب قبوله دعم أنظمة معروفة بأنها لا تريد بالإسلام والمسلمين خيرا. فنقول لهؤلاء: هل قبول الدعم في هذه الحالة محرم؟ ونحن نرى اضطرارهم إليه والأطفال يُذبحون والنساء تُغتصب؟ هل من دليل على عدم جواز أخذ الدعم والسلاح في هذه الحالة؟ أم أن الـمحرم هو قبول شروط فيها تضييع للدين في مقابلة هذا الدعم؟ فما دام إخواننا ينصون على عدم قبول إملاء الشروط فليس لنا أن نتهمهم بغير ذلك ونسيء الظن فيما يحدث في الغرف المغلقة أو بما قد يحصل مستقبلا، بل لنا الظاهر الحاضر. لكن إن فعلوا ما يدل على الاستجابة لشروط فيها تضييع للدين فإنا حينئذ ننكر عليهم ولا نتعذر لهم بأنهم قد ينوون خلاف ما أظهروا. إذ لنا في ذلك الظاهر أيضا. نقول هذا ونحن نعلم حقيقة هذه الجهات التي تعطي الدعم وأنها كالحية في كم من يتعامل معها، ونعلم كذلك أن نظرية “تقاطع المصالح” كثيرا ما كانت مزلقا خطرا، وأن هذه الجهات لا تقبل أبدا بقيام كيان إسلامي مستقل نقي ولا ترى في ذلك مصلحة يُتقاطع معها! ونسأل الله أن يكفي المجاهدين شرها ومكرها ويغنيهم عنها وأن يوفقهم للثبات أمام أية شروط يمكن أن تمليها. هذا وما كان في الكلام من صواب فمن الله وحده وله الحمد، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي وأستغفر منه الله. والسلام عليكم ورحمة الله.

___________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Demonstrations With the Left and the Erosion of the Ikhwān"

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام وردني التساؤل التالي: (انتشرت منشورات يُدعى فيها إلى مشاركة القوة الثورية غير الإسلامية (ليبرالية أو يسارية أو ألتراس) في الفعاليات ضد العسكر، وفى نفس الوقت هجوم شديد معتاد على الإخوان، ومن ضمن أسباب الهجوم عدم نقاء الراية. أليس هذا تناقضا؟ مشاركة أصحاب الرايات غير الإسلامية في وقت هجوم على المسلمين أنفسهم لعدم نقاء الراية؟). فأود أن أقول: =&0=&: المشاركة في أية فعالية تعتمد على أمور منها مطلب هذه الفعالية ورايتها. فإن كان المطلب إنهاء حكم مجرم أو الاعتراض على قانون يكرسه أو رفع ظلم وقع منه على الناس (كالسجن) فهو مطلب مشروع يُعان عليه البر والفاجر والمسلم والكافر ومنتسبو الأحزاب “الإسلامية” وغير “الإسلامية”. =&1=& =&2=&: مشاركة أحزاب مبنية على أساس مناقض للإسلام كاليسارية والليبرالية لا يكون مقبولا في كل حال، حتى لو كان مطلبها مشروعا. فإن كان أفراد هذه الأحزاب يشاركون بصفتهم الفردية كأشخاص فلا إشكال, لكن إن كانوا يرفعون راياتٍ أو شعارات يظهرون فيها يساريتهم أو ليبراليتهم، فإنهم لا يُعانون على ذلك بل يجب الانحياز عنهم ومفارقتهم، فحتى لو كان مطلبهم مشروعا فإنهم في أثنائه متلبسون بصفتهم المصادمة للإسلام. ففي مشاركتهم في هذه الحالة تقوية لشوكة باطلهم، ورفعهم لشعاراتهم وراياتهم في هذه الحالة تهيئة للمحاصصة في أي نظام جديد يقوم على أنقاض النظام الذي يثورون عليه. والمسلم يربأ بنفسه عن أن يستبدل باطلا بباطل. =&1=& =&4=&: بخصوص الهجوم على الإخوان فأنصح إخوتي الذين يهمهم رأيي أن يُغلبوا في هذه المرحلة تألُّف الإخوان ومراعاة الكسر والأذى الذي نالهم منه أكبر نصيب. فمن تابعني يعرف أني لا أبرر أخطاءهم ولا أخطاء غيرهم، وسميت أفعال قادتهم بمسمياتها وقت كانوا في الحكم. أما الآن فينبغي ألا يشغلنا العمل على تنقية المنهج وبيان الخلل عن الشدة على العدو المشترك وبيان تآمره على الإسلام وأهله وتوعية المضلَّلين من الناس ألا يفجروا ويظلموا الإخوان. وبالإمكان إعلان براءتنا أمام الناس من الأخطاء التي مورست لكن دون تجريح في هذا الوقت العصيب. هذا كله مع التأكيد على ما ذكرتُه في كلمة (يا أهل مصر تعالوا نضمد الجراح) من أن الفعاليات والتظاهرات والمسيرات وحدها لن تؤدي إلى المطلوب، إن لم يصاحبها تصحيح المسار ودعوة الناس وإبراز قيادات تكتسب الثقة، لأن سقوط العسكر لن يكون وحده كافيا لصعود أصحاب الهم الإسلامي. ختاما أذكر مقتطفات من رسالة للشيخ أبي محمد المقدسي فك الله أسره، أخرجها من سجنه، يذكر فيها أحبته بما يناسب المرحلة من التعامل مع الإخوان. قال الشيخ –متع الله الأمة بحريته-: ” وأتذكر قول النبي صل الله عليه وسلم في غنائم حنين لما أعطاها لقريش فقال صلى الله عليه وسلم معتذراً للأنصار معللاً فعله ذاك بأن (قريشاً حديثو عهد بجاهليه ومصيبة، وإني أردت أن أجْبُرَهم وأتألفهم) رواه الترمذي. فتأمل مراعاته للمصيبة، والمقصود بها نكبتهم بفتح مكة وانتصار المسلمين عليهم.. فتأمل هذا الخلق العظيم، مع أن نكبة قريش ومصيبتهم كانت على يد أعدل الخلق، فكيف حين تكون النكبة لمسلمين على أيدي أعداء الدين؟ أليس جبر خواطر المسلمين ومراعاة مصيبتهم في مثل هذه الحالة أولى وأجدر.” وقال عن الإخوان أيضا: “في وقت نكبتهم وابتلائهم وتسلط نظام الكفر وجيش الطاغوت في مصر عليهم؛ قتلاً ومطاردةً وسجناً وتعذيباً، وتعرضاً لنسائهم وبناتهم وأخواتهم اللاتي هن أخواتنا وأعراضنا، يسوؤنا ما يسوؤهن، ويؤلمنا ما يؤلمهن”. وقال: “علَّمَنا الله تعالى في مقابل ما طلبه منا من براءة كاملة من الشرك وأهله كما في قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرَآء منكم ومما تعبدون من دون الله}؛ فإنه سبحانه قال في شأن المؤمنين: ((واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون)). فتأمل الفرق بين البراءة الكاملة من المشركين، والبراءة الجزئية من المؤمنين والمتمثلة بالبراءة من معاصيهم فقط، دون البراءة منهم أنفسهم”. وقال مبينا أنهم لا يعامَلون معاملة واحدة: “فلتعلم الدنيا كلها أننا لا نكفّر الإخوان المسلمين، بل هم عندنا مسلمون وإن خالفونا في كثير من المسائل بعضها في المنهج والأصول، فهم وأتباعهم وأنصارهم ومُؤيدوهم بالألوف على مراتب شتى، فيهم العالم والجاهل، وفيهم المطيع والعاصي، وفيهم المتعلم والعامي، ومنهم من تلطخ ببعض نواقض الإسلام من حكم بغير ما أنزل الله، أو مشاركه في التشريع، أو أقسم على احترام الدساتير الكفرية، أو أثنى على القوانين الوضعية وقُضاتها ومحاكمها، ومنهم من لم يقارف شيئاً من ذلك، وكلٌّ يعامَل بما يستحقه، ولا يجوز أن يتجاوز فيهم حدود الله بأن يعامَلوا جميعهم بمعاملة من نراه قد قارف بعض النواقض؛ فيؤذى الخليُّ منها بجريرة المتلطخ بها، فليس هذا من العدل في شيء” وقال عن التيار الجهادي: “هكذا يجب أن تكون صبغة تيارنا، وهكذا ينبغي أن يكون نهج أبنائه وأخلاق قادته ومشايخه ومرجعياته، فهم أحق الناس بالعدل في الناس إذ يظلمهم الناس، وهم أولى الناس بإنصاف الناس إذ يبهتهم الناس، لأن من تجرع الظلم ينبغي أن يكون من أشد الناس بغضاً له وفراراً من التخلق به”. وقال: “فلا يجوز وضع الجماعات الإسلامية – الإخوان المسلمين أو غيرهم – جميعاً في كفة واحدة وحكم واحد، وتحميل من لم يقارف ناقضاً مسؤولية من قارفه، ولا حتى من قارفه متأوِّلاً غير ممتنع بشوكة ولا محارب للدين، بمن قارفه عامداً وممتنعاً بشوكة ومحارباً للدين وأهله”. وقال: “فلنتقِ الله ولنقل قولاً سديداً، ولنتقِ الله في المسلمين المنكوبين الذين يتسلط عليهم ويتآمر الطواغيت والمرتدون وأنصارهم، ولا نُسْلمُهم لهم، ولا نخذلهم أو نظلمهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلمُه) رواه البخاري ومسلم”.انتهى من كلام الشيخ فك الله أسره ونفع المسلمين به في هذا الزمن العصيب. أسأل الله أن يهدي الإخوان إلى ما يحب وأن يستعملهم في طاعته وأن يفرج كربهم ويجمع على الحق كلمتنا وكلمتهم ويهلك عدونا وعدوهم. ملاحظة: مقالي هذا ليس ردا على مقال لأي أخ أو جماعة بعينها، وأرجو ألا يورد أحد في التعليق اسم أحد على أن المقالة رد عليه، فلا أريد أن أنسب إلى أحد ما لعله لم يقصده. إنما المقال توضيح لمنهج عام. والسلام عليكم ورحمة الله.

_____________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "To the Brothers of Aḥrār al-Shām"

إلى إخوتنا أحرار الشام السلام عليكم ورحمة الله. بعد مناصحة إخوتنا في الدولة أثار بعض الإخوة المتابعين تساؤلا عن قضية أبي جعفر رحمه الله في دير قانون، وقالوا أن رجلا من حركة أحرار الشام قتله ومع ذلك لم تحاكمه الحركة، شبيها بما حصل مع أبي عبيدة البنشي رحمه الله حسب كلام الإخوة. وما أعرفه من بيان أصدرته الحركة في حينه أن المشتبه في أنه القاتل فصل من الحركة لعدم استجابته لأمر المثول أمام محكمة شرعية. لكن لعله تبقى تساؤلات الإخوة: هل تابعت الحركة الموضوع بشكل كاف من وقتها؟ وهل كان بإمكان الحركة توقيفه بالقوة ومحاسبته وتقديمه لأولياء المقتول؟ وهنا أطلب من إخواننا في حركة أحرار الشام أن يبينوا مجريات القضية وما اتخذوه من إجراءات فيها، لعلهم يشفون صدور إخوانهم، أو –إن تبين أن هناك تقصيرا- فيضم العبد الفقير صوته إلى صوت إخوانه ليطالبهم بحزم أكثر في الموضوع. ولولا أن عديدين من المتابعين ذكروا الحادثة ونسبوا إلى الإخوة ما لا يتناسب مع بيانهم السابق الذي فصلوا فيه من يشتبه أنه الجاني، لولا ذلك لما أعلنت هذه النصيحة. وليعلم إخواني أن المناصحة العلنية بحد ذاتها لا عيب فيها، إذ أننا نسعى في ذلك إلى تقريب وجهات النظر وإعطاء الفرصة لكل طرف أن ينفي ما قد يُنسب إليه بغير حق، وأن نتعاون على إنصاف المظلوم وحث من عليه حق إلى المسارعة في أدائه ولو بضغط من إخوانه المحبين للجهاد وأهله. وإني أرى ذلك أفضل من “الطبطبة” التي تَـخِيط على الجرح دون علاج: إذا ما الجرح رُم على فساد    تبين فيه إهمال الطبيب لكن المناصحة العلنية المرفوضة هي التي تبالغ في الأمر وتضخمه وتغري السفهاء والدخلاء لينفخوا في كير الفتنة، والتي يبني عليها صاحبها استنتاج أن علاج الجرح في عضو يكون ببتره!! وأعلم أني أقل من المنصوحين شأنا لكن علمنا نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم أن ((الدين النصيحة)) فلما سؤال: (لمن؟) قال: ((لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))…وبما أني من عامة المسلمين فأحب أن أنصح أحبائي وإخوتي المدافعين عن دين الأمة وعرضها من كل الفصائل. وكلمة أخيرة أقولها: أحيانا يعتب المرء على حبيب وفي نفسه أن الناس يدركون محبته لحبيبه هذا، فلا يرى حاجة إلى أن يوضح هذه المحبة قبل العتاب على اعتبار أنها معروفة. بينما حقيقة الأمر أن كثيرين يخفى عليهم حبه لأخيه فيظنون العتاب بغضا ونفورا، لحداثة عهدهم بصاحب العتاب وقلة معرفتهم به. وإني هنا أقول ما ظننته معروفا من قبل: أنا أحب إخوتي المجاهدين من كل فصيل، وأتشرف بخدمتهم والذب عنهم، واحتملت نتيجة ذلك من قبلُ وقد أحتمل المزيد في أي وقت، ولهم من ولايتي ومحبتي بقدر ما يَظهر من حبهم لله ولرسوله ودفاعهم عن دين الله تعالى ورأفتهم بعباد الله. ونصحي لهم ليس عن بغضاء ولا نفور. بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن مرآة أخيه، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه)). والسلام عليكم ورحمة الله.

_____________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "To Our Brothers in the [Islamic] State"

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. اطلعت على كلمة الشيخ أبي محمد العدناني حفظه الله بعنوان (لك الله أيتها الدولة المظلومة)، وعلى بيان مجريات التحقيق في مقتل أبي عبيدة البنشي رحمه الله الذي أصدرته حركة أحرار الشام وفقها الله. وبعد أن أسأل الله أن يوفقنا جميعا لقول الحق والعمل به أقول إخوتي: 1.    كلمة الشيخ أبي محمد حفظه الله فيها إشارات طيبة حول منهج الإخوة في جماعة الدولة في التعامل مع فصائل الجيش الحر ومع من يحاول جرهم إلى معارك جانبية، وفيها كذلك تبرؤ مهم من علاقتها بتفجير المساجد والأسواق، وتأكيده على أنها تعتبر عامة المنتسبين إلى أهل السنة في العراق والشام مسلمين، وأنها لا تكفر إلا بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة. بل وفيها خطاب طيب واعٍ للجيش الحر أن الدولة ترفض الانجرار إلى قتال معه. 2.    كما ذكر الشيخ حقيقة أن إنجازات الجماعة تُهمش عمدا بينما تعمم أخطاؤها، تمهيدا لضربها والاعتداء عليها. وهذا أمر جلي للمتابع. 3.    ومن أحسن ما قاله الشيخ حفظه الله: (وأما الاجتهادات والتصرفات الفردية والأخطاء: فلا يمكن لأحد ضبطها ومنعها بالكليّة في صفوف جيش كامل، وقد كانت موجودة حتى في جيش النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن ثبتت له علينا مظلمة فهذه أموالنا، وهذه ظهورنا، وهذه رقابنا خاضعة لشرع الله، بدءاً من أمير الدولة، وانتهاء بأصغر جندي فيها، وهذه قنوات الاتصال مفتوحة، وتلك مقرّاتنا معلومة). أقول: كلام الشيخ صحيح، لا بد من أخطاء فردية. وهذا يتطلب من قيادات الفصائل كلها العمل على تجفيف منابع هذه الأخطاء من خلال تربية الأفراد على الأخوة الإيمانية والحب والولاء لإخوانه من الفصائل المجاهدة بقدر ما فيهم من طاعة لله ورسوله بغض النظر عن الجماعات والمسميات. نتابع فنقول: والموقف الذي أعلنه الشيخ من هذه الأخطاء يستحق الثناء: (ومَن ثبتت له علينا مظلمة فهذه أموالنا، وهذه ظهورنا، وهذه رقابنا خاضعة لشرع الله). من هنا نقول لإخواننا في الدولة حفظهم الله وسددهم: ها هي قضية أبي عبيدة البنشي رحمه الله تنتظركم أن تطبقوا هذا المنهج الطيب وتلتزموا ما ألزمتم أنفسكم به. وإذا بحثت عن التقي وجدته  رجلا يصدق قوله بفعال وأنتم لذلك أهل بإذن الله. أحبتنا وإخوتنا في الدولة أكرمكم الله ورفع قدركم وسددكم، ما يدعو مثلي إلى التمسك بقضية أبي عبيدة هو إعلانها من قِبَل أصحابها منذ حوالي الشهر دون رد واضح من الدولة عليها، وإلا فوالله ليس العبد الفقير منتميا إلى الأحرار ولا إلى غيرهم، ولا أرى إلا أن لدى كل جماعة من الجماعات التي تعلن إرادة الشريعة خيراً أُحب أن أعززه وأخاطبها به، ولدى كل منها ما تناصَح فيه. وكثرة عيوب الناصح وذنوبه لا تمنع الفضلاء من القبول منه. وكم سمعنا من أمور تُنسب إلى الإخوة فامتثلنا أمر الله تعالى: ((لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين)). ولا والله ما لنا بنقد أي من إخواننا ولع، بل لنا في دعوة عامة المسلمين وتحبيب الشريعة إليهم ومحاولة جمع كلمتهم على الحق والتصدي لأعدائهم وبيان فريتهم على الجهاد وأهله ثم شؤون الحياة الشخصية وهمومها…لنا في ذلك كله شغل عن أن نتسقط أخطاء إخواننا لمجرد القدح فيهم والعلو على أكتافهم! يا إخوتي أكرمكم الله وأعلى قدركم وسددكم، أعود فأقول: ما دفعني إلى التمسك بقضية أبي عبيدة البنشي هو إعلان تفاصيلها من إخوتنا في المكتب الشرعي للأحرار دون رد من إخوتنا في الدولة، وإلا فقد نُقلت إلينا حوادث أخرى لكن ما كان من سبيل إلى التوثق منها بدليل ملموس، مهما وثقت في ناقليها. وقد جاء في بيان مجريات التحقيق في مقتل أبي عبيدة رحمه الله أن إخوتكم في أحرار الشام خاطبوكم مرارا وزاروكم في مقراتكم مرارا واستخدموا قنوات الاتصال مطالبينكم بالاحتكام إلى شرع الله في هذه الحادثة، فلقوا تأخرا عن التجاوب معهم. ولستُ هنا أعاتب على شيء فائت، لكن أطالبكم يا حفظكم الله وسددكم أن تبينوا للناس: هل ما ورد في بيان الأحرار صحيح؟ أم أن لديكم رواية أخرى وتفاصيل تشفي صدور إخوانكم؟ وإن كان ما جاء في البيان صحيحا، فاللهَ اللهَ يا إخوة الإيمان، فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين، فلا يشغلنكم الجهاد عن توفية إخوانكم حقهم وتقديم الجناة لمحاكمة شرعية. وإلا فكيف ترجون معيَّة الله تعالى في جهادكم ونصره لكم وأنتم تعلمون قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن آوى محدثا جانيا ومنع من الاقتصاص منه؟ فهذا أوان أن نرى مصداق كلمة أبي محمد حفظه الله وقوله: (ومَن ثبتت له علينا مظلمة فهذه أموالنا، وهذه ظهورنا، وهذه رقابنا خاضعة لشرع الله). وهذا الظن بكم وبكل من يعلن إرادة تحكيم شريعة الله تعالى: أن يقوم بها على نفسه أولا. قال ابن القيم في إعلام الموقعين: (فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا، وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء، ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها، وجعل له فرجاً ومخرجاً، وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة، أو في اثنين منها، أو في واحد). وإننا والله يا إخوتي لفي أمس الحاجة إلى كفاية الله لنا وقد رمانا الشانئون عن قوس واحدة. وإخوانكم إنما يدعونكم إلى الاحتكام إلى الله ورسوله: ((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا على الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا))، فلا تتركوا الشيطان يحرش بينكم وبين إخوانكم ويوغر صدورهم عليكم. وليس ولي المقتول هو المطالب أن يسعى وراء فئة القاتل ليأخذ حقه، بل أنتم أهل لأن تسارعوا في تهدئة النفوس ونزع فتيل الفتنة ذلا وخضوعا وانكسارا لأمر الله تعالى، الذي جعل الذل للمؤمنين من علامات الطائفة المنصورة: ((فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)). وإنا لنشهد لكم بالعزة على الكافرين والبسالة والقوة والبأس الشديد في قتالهم, ونناشدكم الله أن تقروا أعين إخوانكم بشواهد الشطر الآخر ((أذلة على المؤمنين)). وليس لنا معكم ومع كل فصيل مجاهد إلا هذا: أن ندافع عنكم جميعا، وندعو لكم جميعا، وأن نسعى في التأليف بينكم وصد شياطين الإنس والجن عنكم، ونرفض فكرة استخدام السلاح ضدكم وضد أي فصيل مجاهد، فالأمة بحاجة إليكم جميعا. فالله الله يا إخوتنا! إن تنازعتم وفشلتم وذهبت ريحكم، فمن للأسيرات العفيفات يحملن في أحشائهن نطف الكلاب، ويتمنين الموت فلا يجدنه؟ من للأرامل واليتامى؟ من للعجائز والثكالى؟ من للأسرى في السجون يعذبون؟ من للمعاقين من أثر الحرب؟ من لأراض فتحتموها أهلها عيال عليكم؟ أسأل الله أن يشرح صدوركم لما يحب ويرضى. ((فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) والسلام عليكم ورحمة الله.

_______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Lesson From the Events of A'zāz"

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله،
بخصوص ما حدث في أعزاز، فالذي يهمنا الآن هو الاستفادة
من هذا الحادث للمستقبل وليس مجرد تخطئة طرف والانتصار للآخر، خاصة وأنه قد تم
التوصل إلى اتفاق تهدئة. والكلام هنا للعقلاء، وليس لمن يتعامل بعقلية مشجعي كرة
القدم فيقرأ كلامي بنفسية مشحونة تبحث عن موقفي من فريقه! فالولاء عندنا على
المنهج لا الأشخاص والجماعات.

إخوتي، الطريقة التي تعاطينا بها مع الأحداث تنمُّ عن
ثغرات خطيرة يمكن أن يتسلل من خلالها شياطين الإنس والجن للإضرار بالجهاد في
الشام.
فبداية، هناك نقص في المواثيق المعلنة والجهد الإعلامي
الذي يعيننا على تكوين فكرة منصفة عن الفصائل المقاتلة. بحثتُ لأجد ميثاقا أو
منهجا معلنا للواء عاصفة الشمال فلم أجد. وجهدهم الإعلامي على مواقع التواصل
الاجتماعي ضعيف. فهل تدرك الفصائل المقاتلة أن الجهد الإعلامي لا يقل أهمية أبدا
عن الجهد العسكري؟

أما نحن المتابعين، فعامتنا تصرف بطريقة غير شرعية، إذ
اتخذ موقفا بناء على ما شكَّله من قبلُ من انطباعات. فالمتحفظ على الإخوة في جماعة
الدولة تسرع باعتبار ما حدث “عدوانا منها وشكلا من أشكال استعدائها
للآخرين” وتناقل الرواية التي تؤيد موقفه دون تثبت. والمؤيد للدولة تأييدا
عاطفيا سارع إلى إسقاط لواء العاصفة واعتباره من الصحوات العميلة، وتناقل الرواية
التي تؤيد موقفه دون تثبت.

وكلاهما لا يتثبت! وكلاهما لا يـُحكِّم الشريعة في نفسه
بالسماع من الطرفين والتثبت من الأخبار! فالأول كوَّن انطباعا عن جماعة الدولة ثم
هو يفسر كل حدث جديد بما يضيف إلى رصيد هذا الانطباع ككرة الثلج المتدحرجة!
والثاني يوالي على الجماعة، فوقوع نزاع بينها وبين أي
طرف دليل كاف لديه على عمالة وخيانة هذا الطرف!

لست هنا بصدد الدفاع عن لواء العاصفة، بل قد ساءني فيديو
اطلعت عليه فيه حفاوة اللواء بجورج صبرا الذي جاء قبل فترة لـ”يتفقد”
أعزاز. لكن إخوتي دعونا لا نقف عند هذا الحادث بعينه، ولا عند طرفيه وموقفنا
منهما، بل عند طريقة تعامل الفصائل المقاتلة ومؤيديها مع النزاع. فالخلل في
الطريقة سيؤدي إلى تكرار الأخطاء في النزاعات الأخرى التي يمكن أن تنشأ مستقبلا
بين أي فصيلين مقاتلين، ولئن وُئدت الفتنة هذه المرة في مهدها، فإنا نخشى أن فتنا
أخرى لن توأد، بل ستتفاقم ونساهم نحن المتابعين في تأجيجها إلى أن نصل إلى نتائج
مأساوية، خاصة مع جهود شياطين الإنس الحريصين على ضرب الفصائل ببعضها من خلال عملائهم
المندسين وإعلام الفتنة.

إخوتي، أحداث أعزاز تؤكد على ضرورة انتهاج مبدأ التحكيم
الشرعي في النزاعات التي تقع بين الفصائل المقاتلة، بدلا من حسم الأمور ميدانيا
دون تحكيم ودون وضوح القضية في عيون الجميع. ليس هذا شيئا مفضلا أو مرغوبا، بل
ضرورة قصوى لمنع تكرار الحادث، وبنتائج أكثر خطورة.

حتى لو سلمنا بالرواية المنتشرة من أن لواء عاصفة الشمال
بدأ العدوان بقتل اثنين من رجال الدولة، فالتحكيم يبقى مهما جدا لتحقيق العدل ومنع
الفتنة. فالذين يؤيدون اقتصاص جماعة الدولة لدماء جندييها رحمهما الله، إنما يصبون
اهتمامهم على استحقاق لواء العاصفة للقتال بما أنهم اعتدوا –حسب الرواية- وينسون
أن التحكيم يحقق أهدافا مهمة لا تتحقق بلجوء المعتدى عليهم إلى القصاص بأنفسهم.

فالمحكَّمون يقومون بالسماع من الطرفين، حتى من الطرف
الذي يظهر مبدئيا بغيه، وهذا واجب من يدخل في فض النزاع حتى وإن كان أحد الطرفين
كافرا من أهل الذمة. ولواء العاصفة ليس كافرا محاربا ليسقط حقه في السماع منه، ولا
تعتبره الدولة كذلك، وإلا لما قبلت بتعيين حكم من طرفه في اتفاق التهدئة في
النهاية.

ثم بعد سماع الطرفين يعلن المحكَّمون ما ظهر لهم من أدلة
بحيث يتخذ الناس مواقفهم عن بينة. فأفراد عاصفة الشمال الذين لم يشاركوا في البغي
سيكونون على علم بما فعله زملاؤهم واستحقاقهم للعقوبة، وكذلك أهل المقاتلين ومؤيدو
الطرفين.

أما عندما يقتص فصيل بنفسه دون اللجوء إلى التحكيم
الشرعي فإن بعض المقاتلين من الطرف الآخر يجد نفسه في صراع لا يعلم سببه، فيقاتل
دفاعا عن نفسه أو نصرة لجماعته فيقتله الفصيل المقتص مع أنه غير مستحق للقتل شرعا،
فيقع الفصيل المقتص في مخالفة قوله تعالى: ((ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا)).

ثم تتوسع دائرة الصراع إلى أهالي المقاتلين الذين لم
يعلموا أن أبناءهم هم من بدأ الاعتداء إذ لم يظهر هذا لغياب التحكيم، فيغضبون لمن
قُتل أو أوذي من أبنائهم، بما يشكل بيئة خصبة جدا للصحوات!

ويسارع المتحفظون على جماعة الدولة إلى اعتبار ما فعلته
“دليلا آخر على ظلمها” ويسارع مؤيدوها إلى تخوين لواء العاصفة، فيكون
الفريقان قد وقعا في محظور شرعي إذ لم يلتزموا أمر الله بالتبين، وظلم كل منهما
فصيلا لحساب آخر، وتزداد حالة الاستقطاب وتتوسع الفجوة بين هؤلاء وهؤلاء. ولنسأل
أنفسنا إخوتي: مَن مِنا توثق قبل أن ينطق بكلمة في الأمر امتثالا لأمر الله عز
وجل؟!

وأمر مهم آخر، وهو أن التحكيم يساعد في كشف المندسين إن
كانوا هم من أشعل نار الفتنة عن عمد ابتداء، بينما يضيع هؤلاء في زحمة ردود الفعل
والحسم السريع الذي يجعل القضية أكثر تعقيدا وتشابكا.

لذلك كله إخواني لا ينبغي أن يكون محل بحثنا استحقاق أو
عدم استحقاق فصيل ما للقصاص فحسب. بل حتى لو استحق القصاص فلا بد أن يكون ذلك من
خلال هيئة شرعية أو تحكيم منعا للفتن المذكورة.

أمر آخر نذكر به إخواننا، ألا يكونوا أسرع حزما وحسما في
الاقتصاص لدمائهم من سرعتهم في أداء ما عليهم أو تقديم من اتُّهم منهم بدماء للتحكيم
الشرعي لئلا يقع في نفوس إخوانهم أنهم يعظمون دماءهم على دماء من دونهم من
المسلمين. فليس دم مسلم أغلى من دم مسلم آخر، إذ كما قال نبينا صلى الله عليه
وسلم: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)).

نختم بإعادة التأكيد على ضرورة تشكيل هيئة شرعية يلتزم
الجميع بالرجوع إليها، وعلى أقل تقدير اعتماد التحكيم كمبدأ لا محيد عنه، وإلا
فإني أرى أعداء الله سيتسللون من خلال الثغرات في طريقة تعامل الفصائل وأنصارها مع
النزاع، فيكتفون –بعملائهم المندسين- بإشعال نار فتنة ثم يتركون ثغراتنا هذه تفاقم
الفتنة إلى أن تنشغل ثورة الشام بنفسها عن العدو الأصلي.

قد يقول قائل: وما الداعي لهذا الكلام كله ما دام
الطرفان اتفقا أخيرا على التحكيم؟ والجواب أن هدفنا ليس الوقوف على الحادثة
بذاتها، وإنما التنبه إلا الأخطاء التي يمكن أن تسير بالأمور سيرا خطيرا في حوادث
أخرى. فهذه المرة وفق الله الطرفين إلى وقف القتال والقبول بالتحكيم أخيرا، ووفق
لواء التوحيد إلى السعي في التهدئة بدلا من مظاهرة طرف على آخر، وإلا فكان من
الممكن أن تتفاقم

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Are We Close To Victory In Egypt Or Syria?"

السلام عليكم. إخوتي، ماذا نقول في رجل يتمنى الذرية لكنه يكسل عن الزواج وأعبائه فيقعد يدعو الله عز وجل قائلا: (اللهم أنت القائل: ((ادعوني أستجب لكم)). اللهم فإني أدعوك أن ترزقني بنين وبنات، فارزقني إياهم كما وعدتني)؟ بينما هو لا يريد الزواج أصلا؟ ماذا نقول في طالب أنهى الثانوية ويتمنى دراسة الطب لكنه انشغل بطلب الرزق فقال: (اللهم أنت القائل: ((ويرزقه من حيث لا يحتسب)). اللهم فارزقني شهادة الطب من حيث لا أحتسب)؟ ماذا نقول في هذا الرجل وذاك الطالب؟ أليس دعاؤهما هذا نوعا من الاعتداء الذي نهى الله عنه إذ قال: ((ادعوا ربكم تضرعا وخُفية إنه لا يحب المعتدين))…من معانيها: أي يعتدون في دعائهم بطلب ما لا ينبغي. لكن للأسف إخوتي اسمحوا لي أن أقول: نحن أيضا نعتدي في الدعاء كهذا الرجل وذاك الطالب! نعتدي إذ نقول: (اللهم نصرك الذي وعدت). وكأننا أخذنا بأسباب النصر التي أمر الله بها وما بقي إلا أن ينجز الله لنا وعده! ليست كلمتي هذه للتثبيط. بل ولله الحمد بتنا نرى طلائع الإيمان تحقق الكثير، ونرى ضعف النظام الدولي الذي يريد توجيه ضربة جوية ثم يتردد، ولا يجترئ على إنزال قوات برية لما ذاقه من قبل، ويترجى مجاهدين للتفاوض معه وفتح مكتب لهم بينما هم يوجهون له الضربات الموجعة. الله تعالى يعطينا بذلك الأمل لنتلمس طريق النصر ونأخذ بأسبابه. ما هي هذه الأسباب؟ كثيرة. تعالوا نستعرضها من الكتاب والسنة والتاريخ. لكن إخوتي قبل أن نبدأ بها، أود أن أؤكد على معنى مهم جدا: هذه الأسباب نعرفها مسبقا، لكننا نتعامل معها على أنها كماليات تحسينية، بينما هي -كما  دلت الأدلة- أسباب لسنا موعودين بالنصر دون الأخذ بها…أسباب كالزواج لذاك الرجل والدراسة لذاك الطالب. مشكلتنا أننا نركز على أحدها ونظن أن العناية به تسد النقص الحاصل في الأسباب الأخرى. بينما ((قد جعل الله لكل شيء قدْرا)). فالنصر له أسبابه التي لا بد من الأخذ به بقدْر معين. والله عز وجل إنما شكر من يسعى السعي المطلوب وليس مجرد أي سعي فقال: ((ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا)). إذن فالمطلوب هو سعيها المخصوص. اليوم نستعرض بعض هذه الأسباب بإيجاز. ونفصلها في كلمات أخرى بإذن الله. =&0=& سلامة المنهج الذي نقاتل عليه ونضحي من أجله. لكن عامة الناس افترقوا في هذا السبب على ثلاث طوائف: فالطائفة الأولى فرطت في المنهج وأعملت فكرها في ابتداع طرق للوصول إلى النصر والتمكين وإن صادمت الأدلة. والطائفة الثانية تمسكت بالمنهج واعتنت بتجريد التوحيد ونبذ الديمقراطية والتمسك بالحاكمية. لكنها تعاملت مع هذا السبب كأنه كل شيء وظنت أن سلامة المنهج راقعة لكل خرق وجابرة لكل نقص فما اعتنت بالأسباب الكثيرة الأخرى ولا رعتها حق رعايتها. والطائفة الثالثة، وهي السواد الأعظم من المسلمين، لم يعتنوا أصلا بمعرفة المنهج الذي يرضي ربهم عنهم. فأحدنا ينفق في المرحلة المدرسية أربعة عشرة سنة، ثم لعله يتابع الدراسة الجامعية والدراسات العليا في عشر سنين ليحصل على لقب الدكتوراه، الذي هو بذاته دون تسخير لخدمة الدين ليس سببا في دخول جنة ولا نجاة من نار. ربع قرن من عمره أنفقها من أجل الدنيا. وهو مع ذلك إذا طلب منه قراءة بحث أو سماع سلسلة تعينه على تبيُّن المنهج القويم الذي يوصله إلى رضوان الله وجنته فإنه يتكاسل ويحسب أن سلامة نيته كافية له عند ربه! ويكتفي بعد ذلك بانطباعات عاطفية عامة عن الأفراد والجماعات والمناهج، شكَّلها من خلال لفتات عارضة وأخبار متفرقة سمعها هنا أو هناك، وهو مع ذلك يدافع عن انطباعاته وتأخذه العزة بالإثم إن قيل له أنه مخطئ! وأحسب أن أكثرنا معاشر المسلمين متوزعون على هذه الطوائف الثلاثة، ومع ذلك نرفع أيدينا في وتر التراويح وبعد خطبة الجمعة لنؤمن على دعاء: (اللهم نصرك الذي وعدت). ولا والله ما على هذا وعدنا الله النصر! =&1=&: أعمال القلوب. قال الله تعالى: ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18) )) (الفتح). إذن فالفتح كان ثوابا على ما وقر في قلوب الصحابة. أعمال القلوب هذه تشمل الإخلاص والتبرؤ من حولنا وقوتنا والتجرد من حظوظ أنفسنا…هذه كلها مطلوبة، وليس إرادة نصر الدين فحسب. قال تعالى: ((ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين)) فالعُجب عمل قلبي يسبب الهزيمة، وسلامة المنهج لن تسد الخلل حينئذ. =&2=& =&3=&: اجتماع الكلمة. قال تعالى: ((إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)). هذا التشبيه فيه لفتة جميلة. فالبنيان لا يكون قويا إلا بشرطين: قوةِ اللبِنات (يعني الطوبات)، وقوة الملاط (أي: المادة التي تلصق اللبِنة باللبِنة). إذا اختل أي من الشرطين كان من السهل هدم البناء، إذ هو غير مرصوص. حتى لو كان المجاهدون أقوياء في ذواتهم، لدى كل منهم عقيدة ناصعة ومنهج سليم، لكن الروابط بينهم ضعيفة. فإنهم حينئذ كَسورٍ لبِناته من حديد لكن المادة التي تلصق اللبنات ببعضها ضعيفة. فما أسهل أن ينهدم هذا السور. فكيف إذا كان بينهم تنازع؟ قال تعالى: ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)). كثيرا ما نجعل سلامة المنهج سببا في تنازعنا مع غيرنا ممن لا تُخرجهم أخطاؤهم عن كونهم مسلمين، ومع أنه يسعنا أن نتعامل مع أخطائهم بما يحفظ وحدة الصف وتراصه دون تمييع المنهج، ولا ندري أننا بقطع صلتنا بهم باسم فضح الباطل نعصي الله ورسوله إذ ننكر المنكر بطريقة غير سنية تفشلنا وتذهب ريحنا. –       إخوتي هناك حادثة منسية في التاريخ: عندما اجتاح التتار مملكة محمد بن خوارزم اجتمعت لهم جيوش من المسلمين منها جيش جلال الدين بن محمد بن خوارزم وجيش سيف الدين بغراق التركي وغيرهما. وما لا يعلمه كثيرون أن هذا الجمع من المسلمين هزم التتار هزيمة نكراء في منطقة غزنة بأفغانستان ثم هزيمة نكراء أخرى في كابل. –       ومع ذلك لا نسمع عن هذين الانتصارين، بل نعلم أن التتار اجتاحوا العالم الإسلامي بعدها وقتلوا الملايين وأفنوا مدنا بأكملها! لماذا؟ لأن جيش المسلمين بعد الانتصارين المذكورين اختلف على الغنائم إلى حد الاقتتال! مما أدى إلى انسحاب القوة التركية بقيادة بغراق، ففشلوا جميعا وذهبت ريحهم. هل كان المقتتلون على الغنائم حينها يدرون أن هذا المتاع التافه الذي اختلفوا فيه سيكون سببا في قتل ملايين المسلمين وتشريدهم وتعذيبهم؟ وكم من الآثام لحقهم بتنازعهم الذي أدى إلى ذلك كله؟ =&4=&: حسن الإدارة والتخطيط. إخوتي من منا جلس يوما وأمسك بورقة وقلم وقال: (أريد أن أخطط لخدمة ديني، أريد أن أرتب الأولويات وأحدد الرسالة والرؤية والأهداف)؟ أم أننا نعطي لديننا فضول الأوقات للتنفيس عن الشعور بالذنب كلما شعرنا أننا قصرنا في حقه؟! لا بد من وقفات مع حسن تخطيط النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جعل السرية في مكانها والعلنية في مكانها والمواجهة في حينها والصبر على الأذى في حينه. رسول الله الذي نجح هو ووفد الأنصار أن يعقدوا بيعة العقبة الثانية في سرية تامة…تسلل ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان ليلا من بين مئات المشركين الحاجين معهم ليلتقوا رسول الله ويتفقوا على المرحلة المقبلة دون علم أهل مكة ولا حتى المسلمين منهم. – رسول الله الذي كان إذا سار إلى وجهة ورَّى عنها بغيرها، فيسير الجيش خلفه وهم لا يعلمون الوجهة، حتى يربك المنافقين وجواسيس الكفار. بينما كثير منا يظن أن البركة وحسن النية سينجي من عواقب سوء التخطيط وإفشاء الأسرار والثرثرة التي ضررها يتعدى إلى إخوانه من المسلمين والمجاهدين، ويغيب عن ذهنه أنه بذلك يعصي الله تعالى القائل: ((خذوا حذركم)). ثم بعد هذا إذا ما ابتلي بفعله يقول: (اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم فرجك الذي وعدت)…ولا والله ما على هذا وعد الله النصر. =&5=&: حسن الخلق. في حديث بدء الوحي المتفق عليه قالت أمنا خديجة رضي الله عنها للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كلَّا، أَبْشِرْ! فواللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أبدًا). لماذا لن يخزي الله نبيه بل سيعزه وينصره؟ ما هي الأسباب؟ تابعت رضي الله عنها قائلة: ((فواللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرحِمَ، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتُقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ على نَوَائِبِ الحقِّ)). –       وهذه كلها أخلاق، كانت نتيجتها أن الله تعالى لن يخزي نبيه صلى الله عليه وسلم. وهذا ما نحتاجه اليوم، ألا يخزينا الله ولا يخذلنا في معركتنا مع أعدائنا. فلا بد من الاعتناء بالأخلاق كسبب رئيسي لتحصيل النصر، إذ أن الخلل فيها سبب من أسباب الهزيمة كما الخلل في العقيدة والمنهج. =&6=&: الصبر على تحصيل أسباب النصر المادية. قال الله تعالى: ((وأعدوا لهم ما استطعتم))…فعدم الإعداد معصية. هل نحن أمة إعداد أم أمة غثائية؟ الطلاب في مدارسهم، المعلمون، الموظفون، الباحثون، الأمهات المربيات؟ كم من طلابنا يتكاسل عن تحصيل العلم الدنيوي النافع ويكثر الطعام ثم النوم وهو مع ذلك يدعو الله أن يبلغه الشهادة ((ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)). وحتى إذا بلغه الله ساحة جهاد ووقع في يديه وأيدي إخوانه مستودع من المعدات حُرم من الانتفاع بها لتقصيره في الهندسة التي سجل فيها لكن تلهى عن دراستها وما استجاب لقوله تعالى: ((وأعدوا لهم ما استطعتم)). أيحق له أن يقول بعدها: (اللهم نصرك الذي وعدت)؟! إخوتي ذكرنا ستة أسباب ولا زال هناك غيرها. إنما أردت بهذه الكلمة توسيع مداركنا لئلا نحصر أسباب النصر في سلامة المنهج أو حسن القصد. ولأجل ما تقدم فإني أعجب من جرأتنا على الله وصبر الله علينا إذ نعتدي في الدعاء فنقول: (اللهم نصرك الذي وعدت). لا والله ما على هذا وعدَنا الله النصر. فلا ينبغي أن ندعو بهذا الدعاء أمام أبنائنا الذين تمر السنين تلو السنين وهم يسمعون منا هذا الدعاء ولا يرون نصرا، وكأننا ننسب إخلاف الوعد إلى الله تعالى، مع أننا في حقيقة أمرنا كباغي الذرية بلا زواج والطب بلا دراسة، ونظن حسن النية يسد كل فجوة ويرتق كل خرق، ونظن أن المطلوب شيء من العمل. طبعا هذا الطرح سيثير تساؤلات كثيرة: أليس لنا أن نقول: اللهم انصر الإسلام والمسلمين، أيعني كلامك أنه لا بد أن يكون المسلمون كلهم على قلب رجل واحد مستكملين أسباب النصر المذكورة؟ ألم ينتصر المسلمون في فترات من التاريخ وفيهم من العيوب ما فيهم؟ سنجيب عن هذه التساؤلات في كلمات قادمة بإذن الله. وأختم بالإجابة عن السؤال: هل نحن قريبون من النصر أم بعيدون عنه؟ الجواب فيه حقيقتان: حقيقة محزنة وأخرى مفرحة. أما المحزنة، فبناء على ما تقدم فنحن بعيدون عن النصر جدا، لأننا لم نأخذ بأسبابه بالقدر المطلوب. ومعاندة سنن الله في النصر والتماس حالة شاذة عنها لا يجدي شيئا. إذ لا درب يوصل غير درب يأخذ بها، وإن بدا دربا طويلا. أما الحقيقة المفرحة، فهي أننا قريبون من النصر جدا! نعم. لأننا نملك زمام المبادرة، فنحن الذين نستطيع –بتوفيق الله- أن نأخذ بالأسباب، ولن تستطيع قوى الكفر حينها أن تشل إرادتنا، تماما كعجزها عن انتزاع الإيمان من قلوبنا، وحينئذ فسيبارك الله تعالى في القليل الذي استطعناه واستنفدنا وسعنا فيه ويصنع لنا العجائب لأننا –ببساطة- أطعناه بأن أعددنا ما استطعنا. وحينئذ فسندعو بيقين قائلين: اللهم نصرك الذي وعدتنا. فالخلاصة: نصر الله قريب…قريب جدا…لكن نحن الذين نقترب منه أو نبتعد عنه. والسلام عليكم ورحمة الله.

______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Is the General Mobilization of the People About Our Ethical Da'wah?"

اليوم كنت في إحدى الدوائر لمعاملة، فبينما أحد الموظفين يوقع معاملة تكلم بألم عن تجربته مع اللغة الإنجليزية. قال أنه، وحتى الصف الثالث الإعدادي، أي عندما كان في حوالي الخامسة عشرة من عمره، كان مستواه في الل…غة الإنجليزية جيدا وينجح فيها كل مرحلة. لكن موقفا حصل معه في هذه المرحلة غير المسار تماما…


كان في مدرسة من مدارس وكالة الغوث، حيث توزَّع على الطلاب كتب جديدة وأخرى مستعملة. وكان نصيبه هذه المرة كتابا مستعملا. دخل أستاذ اللغة الإنجليزية في الحصة الأولى فقال للطلاب: افتحوا على الصفحة الأولى من الكتاب…


صاحبنا اكتشف أن الصفحة الأولى منزوعة من محلها فجعل يقلب صفحات الكتاب بحثا عنها…رآه الأستاذ فلم يدرك أنه يبحث عن الصفحة المنزوعة فقال أمام الطلاب بأسلوب فيه ازدراء: (طالب صف ثالث إعدادي ولا يفهم معنى الصفحة الأولى؟!).

صاحبنا لم يمتلك الجرأة ليبين لأستاذه السبب، فسكت، لكنه كره الأستاذ ولم يعد يتحمل رؤيته أو السماع منه، وكره معه اللغة الإنجليزية! وبدأ يرسب في اختباراتها مع أن الأستاذ كان يشرح باستفاضة، لكن سوء تعامله حرم هذا الطالب من الانتفاع بشرحه.


في أحد اختبارات الإملاء نجح صاحبنا، فاستغرب الأستاذ، فقبل أن يسلم صاحبنا ورقته أعطاء طبشورة وقال له: (اطلع على اللوح-السبورة) وأملى عليه الكلمات ليتأكد أنه لم يغش، فكتبها صاحبنا بالفعل. لم يُثنِ عليه الأستاذ بكلمة واحدة بل أعطاه ورقته وأمره بالجلوس!

مر على هذا الموقف حوالي الثلاثين عاما، لكن صاحبنا لم ينسَه، ويتكلم عن أستاذه بطريقة تنم عن أنه لا يحمل له أي ود أو احترام، بل صرح بأنه لا يستطيع مسامحته.

وصل مرحلة الثانوية العامة (التوجيهي) وقد أُحكم إغلاق أبواب قلبه أمام تعلم الإنجليزية، حتى أنه اعتاد أن ينام في حصتها. فرسب في الإنجليزية ونجح في المواد الأخرى، وكان النظام آنذاك يتطلب إعادة السنة كلها مع رسوب مادة واحدة. أعاد السنة، وهذه المرة رُزق بأستاذ لغة إنجليزية حسن الأخلاق. لاحظ نوم صاحبنا أناء حصته فجاءه وقال له بلطف: (لماذا تعاملني بهذه الطريقة؟ لا تحترمني وتنام في حصتي، هل فيَّ شيء غلط؟ بماذا أسأت إليك؟).

فقال له صاحبنا: (يا أستاذ أنت على رأسي لكني لا أستوعب الإنجليزية ولا أفهمها). قال له الأستاذ: (كيف تقول هذا كتابي بالإنجليزية؟) قال صاحبنا: (This is a book). فقال الأستاذ: (والله إنك شاطر! ممتاز…أنا كنت اعرف أنك تعرف الإنجليزية. هي كما قلت لكن بدقة أكثر: This is my book) وبدأ يشجعه.

أصبح صاحبنا يتيقظ في الحصة وينتبه للأستاذ احتراما له حتى لا يخيب ظنه فيه، ونجح هذه المرة في الإنجليزية.



إخوتي، الحقيقة التي ننساها كثيرا: أننا مهما امتلأنا بالعلم وتسلحنا بالحجة وحفظنا الأدلة عن ظهر قلب، فإن الناس لن ينتفعوا بهذا كله إن كرهونا!

إن كان الله تعالى قد قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك))، وهو…رسول الله، المؤيد المعجزات الباهرات الدالات على صدقه، والذي لا ينطق بــ(رأيه) أو (اجتهاده) بل بالحق المبين ((وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) )).

ومع ذلك كله، لو كان رسول الله فظا لانفض الناس من حوله، فكيف بنا نحن البشر الذين ليس لدينا معجزات، ولا نحن معصومون ؟!

في الحديث الذي حسنه الألباني وحسن إسنادَه ابن حجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم لن تَسَعوا الناسَ بأموالِكم ، ولكن يَسَعهم منكم بَسْطُ الوجهِ ، وحُسْنُ الخُلُقِ)).



فلنتواصَ إخوتي بأن نعتني بحسن الخلق والرحمة بالناس ما لا يقل عن اعتنائنا بإقامة الحجة والامتلاء بالعلم، وإلا حرمنا الناس من الخير الذي نريد إيصاله إليهم وأصبح ما لدنا من علم كنوزا مدفونة خلف أسوار الجفاء.

د.إياد قنيبي

______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]