الحمد لله رب العالمين رب المستضعفين وناصرهم وقاصم الجبارين وهازمهم، والحمد لله الذي كتب الشهادة على هذه الأمة لتكون شاهدة على بقية الأمم، وينتقي رب العزة شهداء من عباده ليكونوا مصابيح هدى لمن بعدهم وليسقوا شجرة الإيمان والتوحيد حتى تظل قوية وثابتة، {أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها في كل حين بإذن ربها}، فطوبى لمن اختاره واصطفاه الله شهيداً ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين الذي قال : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلَ ، ثُمَّ أَحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلَ ” يَقُولُهَا ثَلاثًا”.
وعلى آله الأطهار الأبرار وصحبه الكرام الأخيار وعلى من اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، وبعد
فها نحن مرة أخرى نقف أمام سنة الشهادة وقمة السعادة لمن اختارهم الله إلى جواره بعد أن استنفذوا ما عندهم لنصرة دين ربهم، وحانت ساعة الارتقاء والانتقاء، وفرحة الانضمام واللقاء، بركب الأخيار من الأنبياء والصديقين والشهداء.
إنها لحظات نعيش أطوارها كل مرة وتمر علينا مشاهدها سراعاً ولا نعير لها كثير اهتمام إلا من رحمه الله وهداه وربط على قلبه ليقرأ المخبوء وراءها والحكمة من وقوعها، ولو تعمقنا في الحدث لوجدنا أنه مليء بالمواعظ والحكم الربانية والمصالح العديدة للشخص وللجماعة وللدعوة التي يحملها، وحسبنا في هذا المقام أن نقف على بعض المكاسب للمنهج والجماعة بعدما علمنا أجر الشهيد والخصال التي اختصه الله بها منذ ساعة مفارقته لهذه الحياة الدنيا الفانية.
فأما المنهج الذي لقي “الشهيد” ربه عليه فيتقوى ويتجذر بين أتباعه ويصير أغلى وأبهى وأنقى وأصفى في النفوس، وهذا بفضل دماء الشهيد وتضحيته في سبيل نصرته، وكأن الله تعالى يسقي هذا المنهج وهذه الدعوة بما سكبه الشهيد من دمه الطاهر، وهو جزء من معنى قوله تعالى {إن تنصروا الله ينصركم} ، أي ينصر دعوتكم ومنهجكم حينما تنصروه أنتم وخاصة حينما تقدموا أغلى ما لديكم وهو دمكم وروحكم لله عز وجل.
وكذلك هذه الدعوة تنتشر بين الناس حينما يرون أن أصحابها يقدمون لها أغلى ما يملكون، ولا يأبهون بمكاسب مادية أو شخصية، فإن هذا من شأنه أن يؤثر في نفوس هؤلاء ويكون كافياًً بأن يجعلهم يراجعوا أنفسهم ويسارعوا إلى الانتماء لهذه الجماعة واعتناق هذا المنهج الرباني الأصيل، القائم على بيعة فريدة لا خسارة فيها، بل هي تجارة لن تبور ، { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُممِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِوَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُوَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌوَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(13)} [الصف].
إن الدعوات تنتشر وتنتصر بالتضحيات الجسام، وقد جعل الله باب الشهادة من أنجع الوسائل لتحقيق هاتين الغايتين، ولعلنا نعي وندرك بعضاً من حِكَمِ الله تعالى الكامنة وراء هذه الثمرة المباركة للفريضة الغائبة، وكون الشهيد يصل إلى أعلى وأسمى مقامات الشرف عند الله عز وجل، وأعلى الدرجات في دنيا الناس، بحيث يظل حياً في النفوس ولا تنطفئ شعلته مع مرور الزمن بل تزداد نوراً وإشعاعاً .
بعد هذه المقدمة الموجزة انتقل مباشرة لأقدم التهاني والتبريكات لأهل الشيخين أبي الوليد وأبي البراء المقدسيين ([COLOR=window****]أبي الوليد هشام السعيدني و أبي البراء أشرف صبّاح[/color]) على ارتقاء الحبيبين إلى المقام الذي كانا يتمنيانه وإلى تحقيق الأمنية الغالية التي تعبوا وضحوا في سبيل نيلها، فهنيئاً لكم هذا الشرف الذي تتقاسمونه معهما بصبركما وثباتكما واحتسابكما لهذين البطلين عند الله عز وجل، فكل الناس تموت وستموت حتماً ورغماً على أنوفها، ولكن الشهداء فقط هم من يستشهدون وينالون أعلى المقامات وأشرفها في الدارين، نحسب الشيخين منهم بإذن الله وفضله وكرمه.
وأنتقل إلى الإخوة الأحبة، رفاق درب الجهاد ومسيرة الدعوة والتوحيد، في كل قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي كل شبر من فلسطيننا المحتلة وكذلك في إقليم سيناء شبه المحتل وأقول:
1 – اعلموا أيها الأحبة أن استشهاد القادة سنة وقاعدة ، وما كان ينبغي أن يحيد أصحاب المنهج الجهادي عن هذه السنة ولا أن يزهدوا فيها، لأنها مصدر قوتهم وعزهم وشرفهم، فالقادة هم من يتقدم الصفوف ومن الطبيعي أن يكونوا أول من يسبق إلى هذا الشرف العظيم، فافرحوا بدلاً من أن تحزنوا، واحمدوا الله أن أراكم هذه الآيات ليثبث بها قلوبكم على الحق، ويرسخ بها منهجكم في نفوس الخلق .
2 – ذهاب القادة يعطي قوة دفع لمسيرة الجهاد، ويعتبر الأساس القوي والركن الركين للبناء الذي أنتم بصدد إقامته وأقصد ” مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس” ، آمل أن تتكرر سنة الله وآيته هنا في فلسطين كما حصل فخوانكم في دولة العراق الإسلامية المباركة، ولقد بدأت المسيرة بجماعة التوحيد والجهاد، ثم تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين ثم مجلس شورى المجاهدين ( حلف المطيبين) وأخيراً ” دولة العراق الإسلامية”، وقد أدوا ثمناً غالياً في هذا المسار حيث تقربوا إلى الله بالشيخ المؤسس ، أسد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي وقبله بالشيخ عمر حديد وأبي أنس الشامي وآخرين ، تقبلهم الله وأعلى منازلهم في عليين.
3 – الأصل في العمل الجهادي هو الجماعة بجمع الكلمة وتوحيد الصف، وهذا ما أقدمتم عليه في الآونة الأخيرة، حتى تذوب كل التجمعات وطوائف الجهاد في بوتقة واحدة تكون بمثابة الإطار الشرعي والنواة الصلبة لدولة الخلافة الراشدة بحول الله، فاحرصوا عليها وواصلوا جهودكم في هذا الاتجاه، ولتذب كل العصبيات والحساسيات في هذه البوتقة المباركة، وهاهي دماء قادتكم تسقي هذه البذرة المباركة، والتي ستعطي ثمارها قريباً يانعة مزهرة.
4 – سارعوا إلى تعيين خلفاء للشيخين تقبلهما الله، وأبقوا على السرية واكتموا أسماء قادتكم حتى تفوتوا على أعدائكم فرص اصطيادهم ثم تصفيتهم، وليكن إخوانكم في دولة العراق الإسلامية مثلاً وقدوة في هذا المجال، لتغيظوا قلوب أعدائكم وتحرقوها وتقتلوها غيظاً وكمداً، وتحرصوا على مواصلة أعمالكم بالسر والكتمان، وتشتتوا بذلك جهود وقوات أعدائكم.
5 – وسِّعوا تنسيقكم وتعاونكم مع إخوانكم خارج القطاع وبخاصة مع جبهة سيناء فهي ستكون عون كبير لكم، وساحتها ستكون متنفساً لمسيرة الجهاد المباركة