
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
بعيدًا عن الضجيج والمزاودة، ومن باب وضع النقاط على الحروف حتى لا تلتبس الأمور في ظل التشويش والتخليط الذي يمارسه البعض ،
ونصيحةً للشباب حتى يعرف الحق من الباطل — لأن الأمر دين، وحتى لا يظن أن الصمت عجز والسكوت عي، ففي الجعبة الكثير ولذلك أوضح بعض النقاط فيما يلي إبراء للذمة وتبييناً للباحث عن الحق وردعاً للجاهل الحاقد المتمادي :
1- إنّ قضايا الولاء والبراء من أبرز المسائل التي أُثيرت عبر التاريخ الإسلامي بين الغلو والجفاء، وضل فيها خلق كثير،
وسبب الإشكال الدائم فيها هو الخلط بين مسائل الولاء ومسائل التعامل أو بين مسائل الموالاة والمعاملات وبسط هذا معلوم،
فليس كل تعاملٍ هو ولاء، ولا كل اتفاقٍ أو تنسيقٍ يعدّ موالاة،
فالعبرة في الشريعة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
2- في طبيعة التعامل التحالف الدولي اليوم:
إنّ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره، فطبيعة التعامل المطروح اليوم في واقعه يأخذ شكل التنسيق والتعاون الأمني المعلوماتي ،
وليس تحالفًا عسكريًا مفتوحًا بالمفهوم الشرعي أو السياسي التقليدي، فضلاً عن كونه تبعية أو رضى أو إعطاء لمقاليد الطاعة والانقياد أو إقراراً لمخالفة شرعية بل هو إقرار بسيادة الدولة السورية واعتراف بها ونوع من التنسيق تستفيد منه بلا شك الدولة السورية في حربها التي تقوم بها أساساً على عدو صائل يشكل خطراً داهماً وفي دفعه مصالح مشتركة لا يمانع الشرع من تواردها واتفاقها.
3- لا بد من التأكيد من
أن المجاهدين في الشام كانوا الأسبق في قتال داعش والتبرؤ منها، وذلك قبل نشوء التحالف بزمن طويل، وقد خاضوا ضدهم معارك شرسة، وبذلوا فيها الكثير من التضحيات،
دفاعًا عن دينهم وأعراضهم وأموالهم، انطلاقًا من عقيدتهم وأوامر ربهم، ولم ينتظروا في ذلك إذنًا من أحد أو تنسيقاً مع أحد.
ولا يزالون إلى اليوم ماضون في قتالهم وردّ عدوانهم كلما ظهرت فتنتهم.
وقد كنا سابقاً وعندما كان التحالف يأخذ شكلاً عسكرياً واضحاً نُحذّر دائمًا من الخلط بين الاقتران والمزامنة في التوقيت بين قتال داعش عند الثوار وما يقوم به التحالف أنذاك، فالمزامنة لا تعني الاشتراك ولا التبعية،
ولنا في قتالهم مبرراتنا وأهدافنا ومنطلقاتنا الشرعية الخاصة، وهذا التزامن لا يضر شرعًا ولا يغيّر في الحكم شيئًا وهذا الأمر في نازلتنا الآن أبعد لأن الصورة الحالية تختلف كلياً عن الصور السابقة.
4-لقد ثبت بالوقائع والتجارب أن داعش كانت بلاءً على بلاد المسلمين، وسببًا رئيسًا في تدخل القوى الكبرى،
فحيثما وُجدوا كانوا ذريعة للتدخل الأجنبي ومطية للاختراق، ولهذا وجب النظر إلى المآلات والعواقب لا إلى الظواهر وحدها،
فالعاقل من يعتبر بنفسه وبغيره، ويقرأ نتائج الأمور قبل وقوعها، وقد ظهرت العديد من الفتاوى في نازلة درع الفرات تجيز العمل فيها في ذلك الوقت نظراً إلى أن البديل عن داعش سيكون الانفصاليون والمتوقع القريب جداً يأخذ حكم الواقع وبعض الشر أهون من بعض، وفي نازلتنا هذه فالأمر قريب مع أن طبيعة التعامل أيسر بكثير منها في درع الفرات كما بينت في صورة التعاطي اليوم.
5- إنّ الواقع اليوم يقول إنّ السيادة هي للدولة السورية الجديدة على الأراضي التي تقع تحت سلطتها،
وهي صاحبة السلطة، والمسؤولة شرعًا وعرفاً وقانونًا عن حفظ الأمن وحماية المواطنين بمختلف مكوّناتهم.
ومن واجبها أيضًا حمايتهم من خطر وشر خوارج داعش المستحلّين للدماء والأموال الصائلين بالمفخخات والأحزمة والعبوات الناسفة والخادمين لأعداء الأمة.
ولا يخفى أنّ التحالف موجود ويقوم بعمليات أمنية متفرقة،
ولذلك لا بد من تنظيم الحالة وضبط الأمور بما يضمن وحدة القرار والسيادة، حتى تستقر أوضاع الدولة الناشئة، ولا يُتخذ خطر داعش ذريعةً لتدخلاتٍ أكبر أو انتقاصٍ من السيادة أكثر.
والعاقل من يختار خير الخيرين ويدفع شرّ الشرين ويعتبر بالحال والمآل ويبني على التجارب ويقيس على الأشباه والنظائر.
6- وطالما أنّ ميزان المصالح والمفاسد يشير إلى ترجيح كفة المصالح العامة ودرء المفاسد والشرور،
وأنّ العمل يأخذ شكل التنسيق والتعاون المعلوماتي والتدريبي الذي يعزز سيطرة الدولة واحترام سيادتها،
ولا يتضمن أي تنازلٍ عن حقٍّ شرعي أو إقرار بمخالفة شرعية أو تبعية وتول ومظاهرة أو مناصرة ، بل هو استفادة في أمور لها سياقها الموجود أصلاً بسبب الدواعش أنفسهم وما سببوه من تدخلات، ولذلك
فإنّ هذا الأمر يكون مشروعًا بهذه الضوابط مع ضرورة اليقظة والحذر ويندرج كل ذلك ضمن قواعد السياسة الشرعية وفقه الواقع.
فالدولة يُباح لها في تقدير المصالح ما لا يُباح للأفراد،
لأنها تنظر في المآلات وتقدّر المصالح العليا للأمة،
_______________
To inquire about a translation for this fatwā for a fee email: [email protected]

