لا ندري ما أصاب عقول بعض المسلمين في هذا الزمان ؟ كنا نحسن الظنّ بفكر وعقل بعض محللينا السياسيين الذين تستقبلهم الفضائيات ، والذين ملأوا الدنيا بالكتب واللقاءات والمقالات والبيانات والتغريدات !! لا ندري إن كان هؤلاء يخادعون أنفسهم ويمنونها الأماني أم يخادعون الله والذين آمنوا ؟ يقف العقل حائراً أمام هذا الكم الهائل من الغباء السياسي ، والغياب العقدي ، والخواء الفكري لأناس كنا نظن أنهم عمالقة السياسة !!
ليس الخطاب عن شخص بعينه ، وإنما عن أناس كنا نظنهم قادة الفكر فينا ، وقادة الجموع ، وقادة الوعي والإرشاد ، كنا نقرأ لهؤلاء ونسمع لهم ونحمل كلامهم محمل الجد حتى أتت هذه الحرب فاكتشفنا أن كثيراً منهم لا يكاد يفقه شيئاً ولا يعقل في السياسة الشرعية أو الواقع الدولي فضلاً عن الأمور الحربية وطبيعة علاقات الأمم بعضها ببعض أو طبيعة العدو الذي يحارب المسلمين ، بل حتى كنْه هذا العدو أصبح لغزاً عصياً على الفهم والتفكيك عند كثير من هؤلاء العباقرة !!
كنا ، ولا زلنا ، وسوف نقول بأن هذه الحرب عقدية بالدرجة الأولى : هي حرب صليبية يهودية كفرية ضد الإسلام أولاً ، والمسلمين ثانياً ، وأي تحليل سياسي لا يُبنى على هذه الحقيقة الشرعية المحسوسة المرئية : هو تحليل خارج كلياً عن المنطق لأنه لم يُبن على أساس سليم ، فالبعض يُشرّق ويُغرّب ويأتِ بالعجائب من التبريرات لهذه الحرب التي اجتمع فيها رؤوس الكفر والردّة في الأرض على حرب الإسلام في الأرض كلها ، وليس في العراق والشام ، فضلاً عن أن تكون الحرب على “الدولة الإسلامية” ..
إن الرعب الذي أحدثته هذه الدولة – الإرهابية المتنطّعة الغالية الخارجية الوهابية التي لا تمثّل الإسلام الوسطي المعتدل ، والتي هي عميلة لإيران وأمريكا و”السعودية” والنصيرية والموساد وجزر واق الواق – لم تُحدثه جماعة ولا دولة منذ أكثر من ثلاث مائة سنة ، وقد صرّح بعض الساسة الغربيين بأنه “لا بد من قتال هذه الدولة التي أعلنت “الخلافة” وإلا ضاع جهد الغرب لأكثر من أربعة قرون في إضعاف وإسقاط الخلافة وإبقاء الدول الإسلامية متشتتة متناحرة ضعيفة” ..
هذه الحقيقة الكبرى يتجاهلها الكثير من المحللين والمفكّرين عندنا ، وقد أُغلقت عقولهم على قضيّة أن “الدولة الإسلامية” هي التي جلبت الغرب لحربنا ، كما قالوا عن أسامة وقاعدة الجهاد ، وهذه الفكرة انحراف كبير عن الوحي الرباني الذي بيّن بما لا بيان بعده أن هؤلاء الكفار يقاتلوننا لإسلامنا {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (البروج : 8) ، وهذه النقمة منذ أن حمل قابيل تلك الصخرة ورضخ بها رأس هابيل فسنّ للبشرية سنة الحسد على الطاعة {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (البقرة : 109) ، فهذه النفسية المريضة علمت يقيناً بأن المقابل هو الحق ، ولو أنها أعملت العقل لاتّبعت الحق ، ولا يمنعها من اتباعه إلا شعور بغيض دنيئ بتمني زوال النعمة عن الغير ، ولشدة فساد هذ العقلية آثرت عدم قبول الحق فتعيش مطمئنة ، وقبلت الباطل والنار والكفر وانعدام الإنسانية لتَمكُّن الحقد والكراهية والبغض منها ، فهي نفسية مريضة خبيثة مجرمة لا ينفع معها إلا الإستئصال ، ولا علاج لها غيره ، وهذا ما أشار الله تعالى إليه في قوله سبحانه {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} (الأنفال : 67) فعملُ النبي أن يطهّر الأرض من هذه العناصر الخبيثة الفاسدة من البشر ، ولو احتاج الأمر إلى إبادة جماعية على مستوى عالٍ في سبيل إحياء البشرية فليكن ، كما قال نوح عليه السلام {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} (نوح : 26-27) ، فقد وصل الفساد في عهده إلى مرحلة لم يكن يصلح معها غير استئصال البشرية كلها ، فكان الجواب الإلهي : إغراق الكوكب بمن عليه من البشر ، ونجاة الفئة المؤمنة فقط لتستأنف الحياة في الأرض ..
إن البعثة النبوية هي ثورة على الكفر والظلم والطغيان ، وهذه الثورة – كما كل ثورة – تحتاج إلى مقارعة الباطل وقهره واستئصال شأفته ومحوه من الوجود ، وإذا بقي الباطل وبقيت عناصره فإن الثورة تبقى في خطر دائم ، ولا يمكن أن يهدأ للباطل بال إلا بالكيد والمكر والثورة المضادة التي تستأصل شأفة الحق وأهله ، فكما أن الله بيّن أمنية هذه النفس المريضة في قوله تعالى {يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} (البقرة : 109) فإنه – سبحانه – بيّن أنها لا تكتفي بالأمانيّ ، بل تعمل بموجبها {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة : 217) ، وهذا ما حصل في مصر التي أعلن أهلها “السلمية” المخالفة للحقيقة الكونية وللحكمة الشرعية وللطبيعة البشرية ، وكان الرد على هذه السلمية : مجازر جماعية دون مقاومة تُذكر ، وحرب على كل ما يمت للإسلام بصلة ، والعجيب الذي لا يستسيغه العقل أن تكون “سلمية” رغم هتك الأعراض !! نحن نفهم أن لا يُشهر الرجال السلاح إذا قُتل الرجال والنساء والأطفال ، فهذا قد يُعقل ، أما أن تُساق النساء إلى أقسام الشرطة وتنتهك أعراضهن وتبقى “سلمية” فهذه لم نجد لها وصفاً في قاموس العرب ، لا لعجز اللغة العربية ، ولكن ربما لأن العرب ما كان يخطر ببالها أن مثل هذا يحصل ، فلا هي دياثة ولا قوادة ، بل هي أمر آخر لم يخترع لها العرب وصف فيما نعلم ..
لا يمكن لثورة “سلمية” أن تتغلب على ظلمٍ وفسادٍ متجذّر في المجتمع ، وهذا ما لا يريد البعض فهمه ، وقد رأينا هذا في مصر واليمن وتونس ، ولو بقي هؤلاء ألف سنة فإن ثورتهم “السلمية” ستبقى عديمة التأثير في مثل هذا المحيط الفاسد ، إلا أن يسمح أهل الفساد لأهل الحق بنشر حقهم بين الناس فينشأ جيل كامل محب للحق مبغض للباطل ، وأهل الباطل أخبث من أن يتركوا الحق ينتشر .. أو أن يحتاج أهل الباطل لبعض هؤلاء لأداء دور معيّن ثم يكرّوا عليهم من جديد ويُعملوا فيهم السيف ..
إن قتال أهل الباطل هو الطريق الصحيح لاستئصاله ، خاصة إذا كان لهذا الباطل قوة مادية ، أما في حال قوة أهل الحق وتمكّنهم في الأرض وكون الباطل تحت قهر وسلطان الحق : يكون البيان والحجة الداحضة للباطل هو المقدّم ، ومن عجيب أمر البعض أنهم يرون وجوب قتال “أهل البغي” و”الخوارج” (ويقصدون بهم المجاهدين) ويحثّون الحكام على فعل ذلك ويبررونه بأنه أمر مشروع ، بل ومطلوب ، ولكنهم في نفس الوقت لا يحثرّضون الحكام على قتال الصليبين واليهود والرافضة والباطنية المعتدين على بلاد المسلمين ، مع كون هذا من أوجب الواجبات على الأمة !!
مشكلة البعض أنه لا يتطرّق إلى ذهنه القتال ، ولا يدخل في حساباته ، وكأنه لم يُشرع ، وكأنه لم يُفرض على الأمة ، ويُصرّون على “السلمية” السلبية البغيضة المُهدرة لدماء أبناء الأمة ، كونها تواجه آلة قمع كافرة قاتلة لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمّة ، لنذكّر هؤلاء بقول الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة : 217) ، فالبعض يستعظم قتل المفسدين في سبيل التغيير ، والله تعالى يبيّن بأن الفتنة (الكفر) أكبر وأعظم خطراً من القتل ، ففتنة المسلم عن دينه ، بل وفتنة المجتمع وجعله محارباً مُبغضاً للدين : أعظم بكثير – بل لا يقارن – بعمل التصفية المجتمعية لعناصر الفساد ، وهذا مصداق تقرير الحق سبحانه {ولَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة : 251) ، ففضل الله على البشرية هنا أن دفع بعضهم ببعض ، وقوله عز وجل {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج : 40) وفي هذه الآية بيان حقيقة الصراع بين الحق والباطل ، وهو صراع أزلي بين التوحيد الخالص وبين الشرك والكفر والطغيان واستعباد البشر للبشر ، فلا يبقى للبشرية مكان لعبادة الله تعالى إلا بالجهاد في سبيله ودفع الظلم وملاحقته أينما كان ، ولا يكون نصر من عند الله إلا بنيّة الجهاد في سبيله وتمكين البشر من عبادته كما أمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد : 7) ، ومن لم يجاهد في سبيل الله ويقاتل أعداء الله فإنه لم ينصر دين الله ، فلا يستحق نصر الله ..
لقد نجحت الثورة الليبية لأنها ثورة استئصال لعناصر الفساد ، والذي رأيناه بعد الثورة هو محاولة مستميته من أهل الباطل للإبقاء على العناصر الفاسدة من خلال مجالس وطنية وحكومات شكلية ، ولما لم تنجح هذه المحاولة – لوجود القوة في يد أهل الحق – اضطر أهل الباطل للرجوع إلى المعادلة الأولى بحشد القوة خلف واجهة اسمها “حفتر” ..
أما سوريا فقد بدأت “سلمية” ثم ما لبث أن أدرك أهل الباطل خطورة الموقف فأرادوا استئصال الثورة قبل استفحالها ، ومن فضل الله على أهل الشام أنهم لم يتمسكوا بكذبة “السلمية” ، وحملوا السلاح وأعلنوا الجهاد ضد الكفر والظلم والطغيان ، وستنتصر الثورة السورية – بإذن الله – لأنها مشت في الطريق الشرعي للثورات الحقة التي تمحق الباطل ، وقد منّ الله تعالى على أهل الشام بمهاجرين من شتى بقاع الأرض يروون ثراها بدمائهم الطاهرة الزكيّة رغم الكيد والمكر الكبير الذي حيك لصرف الرجال عنها ، فكانت هي والعراق على موعد مع ثورة إسلامية كبرى لا سبيل لإيقافها ولو اجتمع عليها أهل الأرض قاطبة ، والله غالب على أمره ، وناصر عباده ، وداحر أعداء دينه ..
أما اليمن فقد حذّرنا أهلنا فيها من “السلمية” ، وقلنا لهم بأن “المبادرة الخليجية” هي في حقيقتها “مؤامرة صليبية” ، وأن “علي هادي” هو ذاته “علي صالح” (وليس بصالح ولا ذاك بهادٍ) ، وذكرنا في أكثر من مقالة – قبل سنة أو أكثر – بأن القوم سلّموا اليمن والكويت والبحرين للفرس في صفقة يظنون أنها ستُبقي على ممالكهم ، وكنا – ولا زلنا – نعجب من أهل الإيمان والحكمة كيف تنطلي عليهم هذه الألاعيب ، ولا زلنا نأمل في أهل اليمن خيراً : فهم من خير أجناد الأرض ، ومن خيرة هذه الأمة ، وأنصار دينها ، فلا يمكن أن يبقوا في هذا التغييب الذهني أبد الدهر .. لا بد من يقضة وصحوة ، فهؤلاء الرافضة الحوثيون شرذمة قليلة حقيرة ذليلة لا تقوم لأهل الإيمان ، ولكن ما نخشاه أن يستفحل أمر هؤلاء إذا ما تُركوا فترة طويلة بسبب الدعم الرافضي الصليبي اليهودي لهم بالمال والسلاح ، فينبغي على أهل اليمن أن ينهضوا الآن لقتالهم ، فكل ساعة محسوبة ، وكل تأخير يصب في صالح الرافضة ..
لقد شرع الله تعالى الجهاد في سبيله لإعلاء كلمته ، ولا تعلوا كلمته إلا بما أخبر وأرشد عباده المؤمنين ، فلا طريق لعزة الإسلام وسؤدده إلا الطريق الذي فرضه الله على الأمة ، ولا يمكن استحداث طريق آخر غير هذا الطريق ، ومن ظن أن عقله القاصر يستطيع إعزاز دين الله تعالى بغير إهراق الدم فقد أزرى بالأنبياء والمرسلين ، وبأصحابهم والتابعين ، فدم الأنبياء أغلى وأكرم دم على وجه الأرض ، وعلمهم لا يدانيه علم بشر ، وعقلهم أرجح عقل ، ولو كان هناك طريق آخر غير المواجهة لسَلكوه ، ولكن الله تعالى قرر بأن الجهاد هو الطريق ، وأنه لا بد من المواجهة والمقارعة لصلاح البشرية ، وقد اهريق دماء الأنبياء والمرسلين على هذا الطريق ليعلم المؤمنون بأن الطريق صعب ، والثمن غالٍ ، ولكي لا يبخل أحد بدمه وهو يرى دماء الأنبياء سُكبت تكذّب كلّ دعيّ يرى غير الجهاد سبيلاً لنهضة الأمة صلاح الأرض ..
إن الجهاد في سبيل الله ، وقتال أعداء الله دواء لكثير من الداء ، قال تعالى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (التوبة : 12) ، وقال تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة : 29) ، وقال تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة : 39) ، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة : 123) ، وقال تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة : 193) ، وقال تعالى {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة : 14-15) ، وقال تعالى {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} (محمد : 4) وقال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (محمد : 31) ، وقال تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} (النساء : 84) ، وقال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (الشورى : 39) ، وقال تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة : 5) ، وهذه آية السيف التي نسخت أصل المعاملة مع الكفار وجعلت المصلحة – كل المصلحة – في قتالهم حيثما كانوا ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم “أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل” (متفق عليه ، وهو حديث متواتر) ، وقال صلى الله عليه وسلم “بُعثت بين يدي الساعة بالسّيف ، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له ، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي ،وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ” (صحيح أخرجه أحمد ، وهو في صحيح الجامع) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بُعث بالسيف ، وأُمر بالقتال لتحقيق غاية التوحيد في الأرض ، ولكسر شوكة الباطل والشرك ، ولو كان هناك طريق غير طريق إهراق دمه – بأبي هو أمي صلى الله عليه وسلم – لأرشده الله إليه ، ولأمره به حقناً لدمه الطاهر صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون طريق النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد ، وطريق أمته وأتباعه “السلمية” !!
لقد أمر الله تعالى بقتال فئات كثيرة من الناس لتحقيق العدل في الأرض ، ولتمكين الحق ، ولرفع الظلم ، ولا يكون هذا إلا بالقتال ، قال ابن حجر رحمه الله في “الحِكَم الجديرة بالإذاعة” : “والذي يظهر إن في القرآن أربعة سيوف : سيف على المشركين حتى يُسلموا أو يُؤسروا ، فإما منّاً بعد وإما فداء ، وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة ، وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب ، وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، وسيف على أهل البغي ، وهو المذكور في سورة الحجرات . ولم يَسلّ صلى الله عليه وسلم هذا السيف في حياته ، وإنما سلّه علي رضي الله عنه في خلافته . وكان يقول : “أنا الذي علّمت الناس قتال أهل القبلة” .. وله صلى الله عليه وسلم سيوف أخر ، منها : سيفه على أهل الردة ، وهو الذي قال فيه : “من بدّل دينه فاقتلوه” . وقد سلّه أبو بكر الصديق رضي الله عنه من بعده في خلافته على من ارتد من قبائل العرب .. ومنها سيفه على المارقين ، وهم أهل البدع كالخوارج . وقد ثبت عنه الأمر بقتالهم مع اختلاف العلماء في كفرهم . وقد قاتلهم علي رضي الله عنه في خلافته مع قوله : انهم ليسوا بكفار .. وقد روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المارقين والناكثين والقاسطين . وقد حرق علي طائفة من الزنادقة” (انتهى النقل عن ابن حجر) ..
وللجهاد حِكم أخرى كثير جمع بعضها العلماء ، قال الإمام العز بن عبد السلام في”أحكام الجهاد وفضائله” : أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله : الجهاد في سبيل الله ؛ لما فيه من محق أعداء الله وتطهير الأرض منهم ، واستنقاذ أسرى المسلمين من أيديهم ، وصون دماء المسلمين وأموالهم وحُرمهم وأطفالهم ، وارتفاق المسلمين بما منحه الله من أراضي الكفار وأموالهم وإرقاق حرمهم وأطفالهم . ولذلك عظّم الله فيه أجر الطالب من المسلمين والمطلوب ، والغالب والمغلوب ، والقاتل والمقتول ، وأحيا القتلى فيه بعد مماتهم ، وعوّضهم عن حياتهم التي بذلوها لأجله بحياة أبدية سرمدية لا يصفها الواصفون ولا يعرفها العارفون . وكذلك لما فارقوا الأهل والأوطان أسكنهم في جواره ، وآنسهم بقربه بدلاً من أنس من فارقوه من أحبائهم لأجله! فطوبى لمن حصل على هذا الأجر الجزيل في جوار الرب الجليل. وإنما يحصل ذلك لمن قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى” (انتهى) ..
فهذه بعض فوائد الجهاد التي ذكرها الله تعالى في القرآن ، والتي وعد الله تعالى عليها الأجر الجزيل ، وإنما كان كل هذا الأجر وهذه المكانة للمجاهدين : لأهمية الجهاد في حياة الأمة ، ولأن الجهاد درع الأمة وحصنها الحصين من التدخلات الخارجية ، ومن الاضطرابات الداخلية ، فلا يستقيم أمر هذه الأمة إلا بالجهاد ، ولا عز لها ولا تمكين إلا بالجهاد ، والذلّ – كل الذلّ – والهلكة والصغار في ترك الجهاد في سبيل الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أدخل الله تعالى عليهم ذلاً لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم” . (أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني في صحيح الجامع) .. قال أبو أيوب الأنصاري في حديث غزو القسطنطينية تفسيراً لقوله تعالى {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة : 195) : “فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نُقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد” (أخرجه الثلاثةُ وصحّحهُ الترمذي وابن حبان والحاكم والألباني في السلسلة الصحيحة)
وعن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها” ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن” ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : “حب الدنيا وكراهية الموت” .(أبو داود وصححه الألباني) ، وعن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب” (رواه الطبراني في الأوسط ، وحسنه ابن النحاس الدمياطي في “مصارع العشاق ” ، وهو في السلسلة الصحيحة) ، وحديث “ما من أهل بيت يغدو عليهم فدان إلا ذلّوا” (صحيح : صحيح الجامع) ..
نظرة فاحصة في الأحاديث السابقة تنبيك عن سرّ هوان الأمة وما وصلت إليه من ضعف وذلة : فتركها الجهاد وركونها للدنيا وحبها لها وكراهيتها للموت في سبيل الله تعالى هو الداء العضال الذي أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه اليوم ، وانظر إلى هذا الوصف العجيب من المعصوم – صلى الله عليه وسلم – عن حال الأمة في هذا الزمان وما آل إليه أمر الناس : “ليأتين على الناس زمان : قلوبهم قلوب الأعاجم ؛ حب الدنيا ، سنّتهم سنة الأعراب ، ما أتاهم من رزق جعلوه في الحيوان ، يرون الجهاد ضرراً ، والزكاة مغرماً” (اسناده جيد ، رجاله ثقات: السلسلة الصحيحة 3357) ، وما نراه من واقعنا وما نشاهده ونسمعه في الإعلام وعلى لسان كثير من العلماء وطلبة العلم والعوام من أن ضرر الجهاد أكبر من تركه هو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الألباني في السلسلة الصحيحة تعليقاً على هذا الحديث “وهو من أعلام صدقه ونبوته – صلى الله عليه وسلم – فإن ما فيه من الغيب قد تحقق في هذا الزمان. والله المستعان” (انتهى) ..
إن في القتال مصالح كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه ، بل حتى قتال المسلمين فيه مصلحة راجحة رغم شدّة التحذير من ذلك {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات : 9) فالقتال هنا جاء من باب إصلاح ذات البين حتى لا يطغى بعض الناس على بعض ، وهذا بين المسلمين ، فكيف إذا طغى الكفر في الأرض : هل يبقى لقائل مقال !!
لقد فرض الله تعال القتال في سبيله لأسباب كثيرة : ذكر بعضها في كتابه ، وجاءت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، واستنبط العلماء الكثير من فوائد الجهاد وحِكمه ، ولعل من أعظم وأسمى غايات الجهاد : تحكيم شرع الله في الأرض ليسود العدل ، ويكون الدين كله لله ، ويندحر الكفر ، وينتهي الظلم ، ولا يكون هذا إلا بسيادة الشرع ..
إن البشر أعجز من أن يأتوا بقوانين وأنظمة تحقق العدالة في المجتمعات ، فالناس جُبلوا على الظلم والأنانية ، وهم أجهل من أن ينظّموا حياة البشرية ، وانظر إلى هذا التقرير العجيب من الله تعالى في هذا الشأن {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (المؤمنون : 71) .. لا يستطيع أحد تشريع قوانين عادلة دقيقة تصلح حياة الناس إلا خالق الناس اللطيف الخبير ، وقد أمر سبحانه عبادَه أن يتحاكموا لشرعه إقراراً بعبوديتهم له ، وتحقيقاً لألوهيته في قلوبهم ، فلا تستقيم العبودية لله وتحكيم غير شرعه {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} (الزّخرف : 84) فلا يصلح أن نتّخذ الله إلهاً في السماء ونقول الدين في القلب ، ثم نتّخذ من دونِه آلهة في الأرض يشرّعون لنا القوانين ، فهذا شرك الألوهية الذي لا يقبل الله تعالى معه عمل {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيما} (النساء : 48) ..
إن لهذه الأمة خصائص لم تكن لأمة قبلها : فقد بُعثت للناس كافة كما جاء في الحديث الصحيح “فُضّلتُ على الأنبياء بخمس : بُعثتُ إلى الناس كافة …” (صحيح الجامع 4221) ، وهي شاهدة على الأمم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (البقرة : 143) ، والوسط هنا هو الخيرية والعدالة لا ما يدّعيه البعض من أن “الوسطية” معناها التخلّف والتثاقل عن الجهاد ونبذ عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض في الله ، قال ابن كثير في تفسيره : “والوسط هنا : الخيار والأجود كما يقال : قريش أوسط العرب نسباً وداراً ، أي خيرها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه ، أي أشرفهم نسباً ، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها .. ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً ، خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب” (انتهى) .. فهذه الأمة هي خير أمة أُخرجت للناس خصّها الله تعالى بخير نبي وخير كتاب وخير صحب ، فهذه الخيرية عالمية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وعالميتها تقتضي نشر دعوتها وإزالة جميع العوائق أمامها ، وخيريتها تقتضي إزالتها لكل ظلم في الأرض : بالحجة والبيان والسيف والسنان حتى لا يبقى إلا أمر الله وحكمه وعدله ، وحتى يُعبَد الله وحده لا يُشرك به شيئا ..
هذه هي رسالة أمة الإسلام ، وهي رسالة واجبة مفروضة لا يسقطها قانون أو عرف محلي أو دولي أو كوني ، فالأمر شرعي رباني إلهي سماوي ، وبمجرّد أن فرض الله القتال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم البعوث والسرايا شرقاً وغرباً ، شمالاً وجنوباً يقاتلون الناس ليخرجوهم من الظلمات إلى النور ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، فكانت الفتوحات في عهد النبوّة ، ثم في عهد الخلافة الراشدة ، وما زال المسلمون يفتحون البلاد بالسيف ، وقلوب العباد بالحجة ، إلى أن جاء آخر العهد العثماني الذي بدّل فيه بعض السلاطين أحكام الشرع ، فكان الظلم الذي أعقبه الوهن ، وبدأ العد التنازلي للخلافة الإسلامية التي انتهت على يد ابن يهودية تغلغل في الوسط الإسلامي باسم القومية الطورانية الجاهلية ..
ومن خصائص هذه الأمة أنها أمة مجاهدة شديدة على الكفار غليظة ضاربة لرقابهم وأعناقهم مُبغضة لهم في ذات الله تعالى ، ولو أن جيلاً من المسلمين تخلى عن هذه الخصائص فإن الله تعالى يستبدله بجيل غيره كما قرر سبحانه في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التوبة : 38-39) ، فقد أصاب الأمة العذاب على أيدي أعدائها بتثاقلها ورضاها بالدنيا والدونية ، ومن فرّط في نصرة دين الله وفي الجهاد في سبيله يستبدله الله ولا كرامة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة : 54) ، وقال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد : 38) ، ولعلنا اليوم نعيش حالة استبدال جيل الخنوع والسلمية والوسطية والاعتدال البارد الخامل المتخلّف المتثاقل بهذا الجيل الفتيّ المجاهد العزيز المقدام المقاتل الناحر المفجّر الإرهابي الباطش الذي لا يخاف في الله لومة لائم ..
إن القتال الذي لا يكون هدفه تحكيم شرع الله وتمكين دينه في الأرض لا يكون جهاداً في سبيل الله ، ولا تمكين لدين الله وتحكيم شرعه على الوجه المطلوب شرعاً إلا بالجهاد في سبيل الله ، فالأمران متلازمان لا ينفكان عن بعضهما البعض ، فمن رام تحكيم شرع الله في الأرض بدون قتال فهو واهم ، ومن قاتل لأجل قومية أو وطنية أو ديمقراطية أو دولة مدنية أو تعايش سلمي مع الكفار أو إنسانية فهو جاهل مضيّع لدينه وحياته ، فبالجهاد تحيى الأمة ، وبتحكيم شرع الله يسود العدل في الأرض ، وكل قانون مخالف لشرع الله معطّلٌ لحكمه – مهما بدى صائباً – فإنه ظلمٌ وشرٌّ محض وإن رآه الناس حسنا ، وكل طريق للإصلاح في هذا الزمان غير القوة والقتال والجهاد هو طريق مسدود مقطوع وإن رآه الناس سالكا ، ولو أن هناك طريق لإصلاح الأرض غير طريق الجهاد لأرشدنا الله إليه وحقن دماء عباده وأولياءه المؤمنين ، ولكنّه سبحانه بيّن بأن الجهاد هو السبيل الوحيد لإصلاح البشرية في أوقات التيه وسيادة الظلم ، ذلك أن الشيطان وأولياءه ما كانوا ليتركوا المؤمنين يُصلحوا الأرض بعد إفسادها ، فكان لا بد من قمع هذا الشر بقوة الحق المادية والمعنوية ، وما أجمل كلمة ابن تيمية رحمه الله حين قال “قوام الدين : كتاب يهدي ، وعدل يُعمل به ، وحديد ينصر {وكفى بربك هاديا ونصيرا}” (مجموع الرسائل) ، فلا يصلح أمرين من هؤلاء دون الثالث ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
وصلني أثناء كتابة هذه الكلمات خبر وفاة الشيخ حارث الضاري ، فنسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويتجاوز عنه ، ولعل لسان حاله يقول لإخوانه العلماء والدعاة : إن هذه الحياة فانية ، وإنكم ماضون إلى ربكم ، ولن تنفعكم الألقاب ولا المسميات ولا المناصب .. إنما هي الأعمال والمواقف ، فاعملوا لآخرتكم وبيعوا من أجلها دنياكم ، {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ} (هود : 113) ..
كتبه
حسين بن محمود
21 جمادى الأولى 1436هـ
_____________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]