من أراد أن يعرف حقيقة قول الله تعالى {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم : 46) فلينظر إلى ما آلت إليه هذه الثورات العربية ، وكم أُعمل فيها من مكر وكيد حتى أضحت هذه الجموع الغفيرة من الشعوب العربية التي خرجت في هذه الثورات كالقطعان يسوقها أناس رضعوا الخبث من ثدي إبليس ..
كم قلنا وكم حذّرنا إخواننا في سوريا من عدم الوقوع في فخ الحل السلمي والخطط الأممية التي لم – ولن – تأتي بخير لأن الله تعالى يقول في كتابه العزيز {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (البقرة : 105) ، فهذه المنظمات نصرانية يهودية ليس فيها أي خير للمسلمين ، ومن زعم بأن الخير قد يأتي منها فقد كذّب الله تعالى !!
لقد دخل “المراقبون الدوليون” سوريا بموافقة الحكومة النصيرية ، والمرء يعجب من حماقة البعض حين يصدّق بأن النصيرية سيُدخلون مراقبين عليهم في مثل هذه الأوضاع !! هؤلاء المراقبون دخلوا للتجسس لصالح النصيرية الحارسة للصهيونية ، وهل نحتاج إلى دليل لحقيقة هؤلاء ونحن نرى كل من يلتقي بهم من الثوار يُقتَل في نفس اليوم أو بعده بأيام !! هل من المعقول أن يكون الشعب السوري بهذه السذاجة وهو يعاين المذابح التي تحصل على مرأى ومسمع من المراقبين الأممين النصارى واليهود !!
لقد سقط المسلمون في مصر لأنّهم لم يكملوا المشوار ، وقد كانت عندهم فرصة ذهبية وقت أن خرج أربعون مليون مصري إلى الشارع .. كان لزاماً على هؤلاء أن يقبضوا على جميع الفلول ويودعوهم السجون ويقطعوا رقاب قادتهم ، ولكنهم انخدعوا لأهل المكر إذ أعلنوها سلميّة وأبقوا على هؤلاء المجرمين ليخرجوا عليهم من جديد في مسرحية الإنتخابات !!
أدخلت الفلول “عمر سليمان” ليسحبوا به “خيرت الشاطر” و”حازم صلاح” ، ثم أتوا بـالمجرم “أحمد شفيق” – الذي ليست عليه أية جناية ولم تُقدّم ضده أية شكوى – ليترشّح للرئاسة !! ثم قاموا بتزوير الأوراق والتلاعب في الإنتخابات لصالح “شفيق” بكل وقاحة وجرأة ، والشعب المصري لا زال ينتظر النتائج !! صباح الخير يا شعب مصر ..
في اليمن ، وما أدراك ما اليمن : أعطوا فتاة من الثوار جائزة نوبل ليضحكوا على عقول الرجال ، ثم جاؤوا بمبادرة إبليسية تُخرج “علي صالح” من الصورة دون السلطة ، ورجع الشعب اليمني إلى بيته مزهوّاً بهذا النصر التأريخي الذي لم يكن ، وأتوا بصديق وزميل ونائب علي صالح الذي كان معه ثمانية عشر سنة – شاركه فيها سرقة الأموال ودمار البلاد وقتل الثوار وقمع الثورة – ليكون حاكماً صورياً لليمن ، ثم قام هذا البطل المنقذ للثورة بالتحالف مع النصارى الأمريكان علناً لقتل اليمنين ، وهكذا انتصرت الثورة اليمنية على شعبها وأصبحت أثراً بعد عين ..
ومن الكيد الجديد لليمن أن أظهرت شاشات التلفاز أبناء اليمن في مجاعة وفقر مدقع ، ثم تكالبت المنظمات الدولية لتستغيث الناس وتصرخ في الأرض وتتباكى حال اليمن وفقره ، واجتمعت المنظمات والحكومات لإنقاذ الشعب اليمني من الموت المحقق بسبب المجاعة والفقر ، فكان أن هبّ البعض في لفتة إنسانية ليهب اليمن مليارات الدولارات من المساعدات العاجلة !! هكذا برروا هذه الأموال التي ستذهب إلى الخبيث “عبد ربه منصور” الذي أثبت عمالته للأمريكان بجدارة ليشتري السلاح والذخيرة التي سيقتل بها أبناء المسلمين في اليمن !! هذه هي المجاعة التي يأكل أهلها طلقات الرصاص ، وهذا هو الفقر الذي سيقدّمون لأهله القنابل .. أين هم من ثلاثين سنة من الجوع والفقر والبطالة أيام “علي صالح” ، لماذا يتباكون هذه الأيام فقط !! ولم لا يتحفظون على المليارات التي عند “علي صالح” بدل التسوّل هنا وهناك !! أليست هذه الأموال ملك للشعب اليمني وحقّه الذي بسبب سرقتها أصابه ما أصابه من الجوع والفقر !! ما أحرص المنظمات الدولية النصرانية اليهودية على مصلحة المسلمين !!
أما تونس ، فقد أمسك الفرنسيون بزمامها مرّة أخرى ، وأوهموا الناس بأن الثورة قد نجحت ، وجاؤوا ببعض الشخصيات المعروفة ليخدعوا الناس بهم ، ولكن الحقيقة أن الأمر بقي على ما هو عليه ، وأن “ابن علي” لا زال طليقاً حراً يلعب بمليارات الشعب التونسي ، وهو ضيف شرف في أرض الوحي والرسالة !! تونس لم يتغيّر فيها إلا الأشخاص ، أما الأدوار فهي باقية ، والمنظومة باقية ، والتأثير الفرنسي باق ، فعلى الشعب التونسي أن لا يغتر بهامش الحرية الوهمية التي هو فيها ، وعليه أن يعي حجم المؤامرة التي تحاك ضده ، فالمشكلة لم تكن في “ابن علي” بل المشكلة في منظومة الحكم والدور الفرنسي في البلاد ..
لعل الثورة الوحيدة التي لقيت بعض النجاح هي الثورة الليبية ، ولكن المكر الغربي والعربي لم يتوقّف لحظة عن هذا البلد ، ويكمن هذا المكر في التحريش بين الليبيين وإشعال الصراعات الداخلية ، والذي حمى الشعب الليبي إلى هذه اللحظة – بعد الله تعالى – هو : وعي بعض القيادات الشبابية لمكر الأعداء ، ثم كميّة الأسلحة التي عند هؤلاء الشباب الذين وقفوا لمكر العدو بالمرصاد .. لا زال الأعداء يساومون الشباب على أسلحتهم ، ومتى ما سلّم هؤلاء السلاح فقد خسروا كل ما حققوه في الثورة .. عليهم الإمساك بهذا السلاح ، بل الإكثار منه ومن أنواعه ، ويعضّوا عليه بالنواجذ ، ثم عليهم باللحمة الإسلامية التي تعرف حق المسلم على المسلم ، وحرمة الدم المسلم ، وحقيقة الأخوّة الإسلامية والرابط الإسلامي الذي هو فوق كل رابط ..
إن التأريخ يعيد نفسه ، ومكر المتنفذين والمتسلطين والأكابر كان – وما زال – في كل بلد وفي كل وقت ، وهو مكر مستمر ، ولكنه مكر يعود على أصحابه بالوبال من حيث لا يشعرون ، قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام : 123) ، فالشعوب متى ما انتبهت لهذا المكر فإنها ستنقلب على هؤلاء وسيكون مصيرهم في أيدي الشعب الغاضب الموْتور ..
لقد مكرت الأمم من قبل ، وحكى الله لنا في كتابه دقائق هذا المكر وحيثياته ، فهؤلاء قوم صالح – عليه السلام – الذين قال الله تعالى في مجرميهم من أهل المكر والخداع {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (النمل : 48-50) ، فهو التزوير ذاته ، وهو الكذب ذاته ، وهي الفكرة ذاتها {ما شهدنا} {إنا لصادقون} : “نحن مع الثورة” ، “لم نكن يوماً مع النظام البائد” ، ولكن المكر كان بينهم خفية ، فشاء الله أن يفضحهم على الملأ ، وسيفضح الله أهل المكر في مصر وتونس والمغرب والجزائر وليبيا وسوريا واليمن على الملأ ، فسنّة الله في أهل المكر واحدة ..
وهؤلاء قوم نوح عليه السلام {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح : 21-23) فبدَل من أن يقولوا لقومهم “آمنوا برب العالمين ، رب نوح” قالوا لقومهم {لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} ، هي ذات العقلية التي تقول اليوم للعامة : إياكم واختيار الجماعات الإسلامية أو جعل الحكم إسلامياً أو أن تقعوا في مصيدة “الحل الإسلامي” ، بل اختاروا النهج العلماني اللاديني !! هو نفس المكر ، ولكن اختلفت الآلهة ..
وهذه قصّة عيسى عليه السلام مع بني إسرائيل {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران : 52-54) ، فعيسى عليه السلام دعى بني إسرائيل إلى الدين فلم يجيبوه فدعى الناس لنصرته فاجتمع له قلة قليلة وناصروه ، لكن بنو إسرائيل مكروا بعيسى عليه السلام ووشوا به إلى الرومان الذين حاولوا القبض عليه وقتله عليه الصلاة والسلام ، قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره “قال تعالى مخبراً عن ملإ بني إسرائيل ، فيما همّوا به من الفتك بعيسى عليه السلام وإرادته بالسوء والصلب حين تمالؤوا عليه ، ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان ، وكان كافراً ، أن هنا رجلاً يضلّ الناس ويصدّهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا ، ويفرّق بين الأب وابنه ، إلى غير ذلك مما تقلّدوه في رقابهم ورموه به من الكذب ، وأنه ولد زنيّة ، حتى استثاروا غضب الملك ، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به” (انتهى) ، وهذا ما يفعله البعض اليوم من الوشاية بالمؤمنين عند الغرب من أنهم إرهابيون وأنهم ضد النظام العالمي وضد السلم العالمي ويحاربون الشرعية الدولية ويحاربون الديمقراطية وغيرها من الدعاوى التي تخدم أغراضهم الدنيئة ، فهؤلاء أشبه الناس ببني إسرائيل قتلة الأنبياء والمؤمنين الذين “أسكن الله في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم ، وأورثهم ذلّة لا تفارقهم إلى يوم التناد ، ولهذا قال تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}” (تفسير ابن كثير) ..
إن هذا المكر الكبير الخطير الذي تزول منه الجبال ليس جديداً أو ابتكاراً ابتكره هؤلاء الخبثاء ، بل هي عادة قديمة انتحلها أبناء إبليس من البشر ليحاربوا دين الله تعالى ويحاربوا أتباع الرّسل ، قال تعالى {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} (النحل : 26) ، ودأْبُ هؤلاء الطغاة أنهم يرمون أهل الإيمان بالمكر ليقلبوا الحقائق ويزيلوا عن أنفسهم الشبهات بضربات الإتهامات الإستباقية {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (الأعراف : 123-124) فانظروا إلى هذا الطاغية ما أشبهه بطغاة اليوم الذين يرمون المؤمنين بالتهم ليبرروا أفعالهم الإجرامية ، هي ذات التهم ، ولم تختلف إلا الألفاظ : مؤامرات ، زعزعة أمن واستقرار ، الإنتماء إلى جماعات دينية متطرّفة ، فلا ندري هل قرأ هؤلاء الطغاة القرآن وتعلموا من فرعون هذه المصطلحات أم تشابهت قلوبهم وأفكارهم وعقلياتهم !!
هي ذات الأدوات وذات الأفعال التي استخدمها الكفار مع الرسل ، هي ذات العقلية السخيفة التافهة التي لا ترى ولا تسمع ولا تعقل الحق الظاهر أمامها فتعمل على طمسه بالتضييق على أفراده {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال : 30) “قال السدّي : الإثبات هو الحبس والوثاق” (ابن كثير) ، وهذا ديدن الطغاة مع أهل الحق في كل عصر : إما الحبس أو القتل أو النفي ..
لقد غاب عن هؤلاء حقيقة مآل هذا المكر ، ولو أنهم قرأوا التأريخ أو عرفوا ما في كتاب الله تعالى لعلموا أن هذا المكر سيأتي على أصحابه حتماً {… وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً} (فاطر : 43) ، وقال تعالى {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد : 42) ..
هذا هو مآل الطغاة الذين يمكرون بهذا الدين ، ويمكرون بأهله ، فما حال أتباعهم وحاشيتهم التي عملت وسهرت في خدمة هؤلاء الطغاة ، والتي أنفذت هذا المكر {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سبأ : 32-33) ، فهؤلاء الطغاة أنانيون في الدنيا والآخرة ، يتبرؤون من كل إنسان يقف في طريق مصلحتهم في الدنيا ، وسيتبرؤون من كل تابع لهم في الآخرة ، وسيعمّهم العذاب جميعا ، نسأل الله السلامة والعافية ..
لعل في هذه الحوادث الكبيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية بعض الدروس لشباب الإسلام الذين لُدغوا المرّة تلو الأخرى من أناس تزيّنوا بزيّ القدّيسين وهم في الحقيقة شياطين في جلود إنس لا همّ لهم إلا شهواتهم ونزواتهم ولو كانت على حساب دماء وأشلاء الملايين من أبناء المسلمين .. لعل الشباب اليوم وعوا الدرس وعرفوا حقيقة هؤلاء ، ولعلّهم اليوم يقفون وقفة جادّة مع أنفسهم ويعيدون حساباتهم ويغيرون موقفهم من بعض المفاهيم السائدة التي ثبت بطلانها بأدلّة قاطعة يقينية لا تقبل التأويل ..
إن الحمار مهما كلّمته أو بيّنت له أو حاججته بالحجج العقلية والنقلية فإنه لن يتجه يمنة أو يسرة أو يخطو خطوة ، وذلك أن الحمار لا يفقه غير لغة العصاة ، وهؤلاء الطغاة كالحمير لا يفهمون لغة الحوار ولا منطق العقل ، ولو كانوا يفقهون ذلك لتعاملوا به مع شعوبهم ، ولكنهم يجهلون كل منطق غير منطق العصى ، فلا بد من التخاطب بمنطقهم ليعوا مطالب الشعوب {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الجمعة : 5) فأي منطق غير هذا المنطق هو مضيعة للوقت والجهد ، وهذه الآية – وإن كانت في يهود – إلا أنها تنطبق على من كان على شاكلتهم من الناس الذين نزل فيهم الوحي فلم يتعلّموه ولا عملوا به ..
لعل المتنفّس الوحيد للشباب المسلم اليوم هو أن الله تعالى لم يطلعنا على الغيب ، وأخبرنا بأننا نجهل مكامن الخيرية في الأحداث {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} (البقرة : 216) فهل جميع هذا المكر وهذا الغدر الذي أصاب المسلمين شر ، أم فيه خير للإسلام وأهله !!
لقد حاول الغرب أن يوازن بميزان دقيق بين تثبيط الشباب المسلم وقتل روحه وبين دفعه إلى الجهاد ، فكان من مكره أن أوقف الشباب عند خط اليأس دون دفعه إلى باب الجهاد لرفع الظلم عن نفسه وأمته ، وفعل ذلك بإقناع الشباب بـ “الحل السلمي” و”العمل الديمقراطي” ، وعدم الإنجرار إلى “خيار العنف” و”الإرهاب” و”التطرّف” ، وحاول الغرب جاهداً زرع الفتنة بين شباب الإسلام وبين المجاهدين في سبيل الله بشتى الطرق ، ونجح الغرب في التحريش بين هذه الجماعات ، فتوقّف أكثر الشباب في دائرة اليأس دون محاولة ولوج فسحة الجهاد ليستعيد كرامته ، ولا ندري كيف أقنع الغربُ الكافرُ شبابَ الإسلام بأن الحل يكمن في أي شيء غير الجهاد !!
إن الجهاد هو الحل القرآني النبوي الشرعي الذي لا يمكن أن تصلح الأمة بغيره ، وهذا كتاب الله مليء بالآيات التي تقطع الشك وتحق الحق في هذا الأمر ، فقد قال تعالى ، وقوله الفصل {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة : 251) ، وقال تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة : 193) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على الله” (متفق عليه ، وهو حديث متواتر) ، فالقتال هو شأن رجال هذه الأمة وعملهم وديدنهم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل اللَّه عز وجل” (أبو داود والحاكم والبيهقي في الشعب وصححه الألباني في المشكاة برقم 724) ، فكما أن ديدن بعض الناس اليوم السفر إلى أوروبا أو الشرق للسياحة ، فقد كانت سياحة رجال هذه الأمة في القرون الأولى وما بعدها : الجهاد في سبيل الله وغزو الكفار وفتح البلاد لتحكيم شرع الله وإعلاء كلمته في الأرض ..
كثير من الناس تأثّر ببعض المنهزمين الذين قالوا بأن هذا ليس وقت جهاد ، وأن الدعوة أبوابها مفتوحة ، وأن الوسائل كثيرة فلا حاجة للأمة بالسلاح والقتال ، وهذا من التألّي على الله وسوء الظن به لأنه تعالى هو من فرض الجهاد على هذه الأمة أبداً حتى تقوم الساعة ، قال صلى الله عليه وسلم “لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابةٌ من المسلمين حتى تقوم الساعة” (مسلم) ، فالقتال باقٍ في هذه الأمة إلى قيام الساعة ، ومن ظن بعقله القاصر وقدّر بأن القتال ليس فيه مصلحة للمسلمين فإننا نردّ عليه بكلام ربنا عز وجلّ القائل في كتابه العزيز {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة : 216) ، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون .. الله يعلم وأنتم لا تعلمون .. الله يعلم وأنتم لا تعلمون ..
مهما أوتي الكفار من دهاء وخبث ، ومهما أعملوا من مكر فإن الله سبحانه وتعالى سيُبطله ، وستكون الدائرة عليهم ، ونحن نرى في هذه الثورات الكثير من الخير ، ونرى في غباء الكفار ما لا يرونه هم ، فهذا الإستخفاف بالشعوب ، وهذا الكذب والدجل سيؤول على الكفار والمرتدين بالوبال ، فشباب الإسلام سيكسر – حتماً – باب اليأس ليلج سهل الجهاد فيسيح في الأرض ليحرر الإنسان من هذا الطغيان ، فالله تعالى جعل الخيرية في هذه الأمة إلى قيام الساعة ، وجعل الجهاد فيها باقيا ، وقد تقرر عند كثير من العقلاء بأن الثورة السورية – على ما فيها من وحشية – هي رحمة بالشعب السوري الذي بدأ بالرجوع إلى ربه بعد أن يئس من جميع البشر ، فهذا المكر على أهلنا في سوريا سينقلب على اليهود والنصارى من حيث لا يشعرون ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} ، وهذا الإستخفاف بعقول المسلمين في مصر واليمن وتونس سيكون وبالاً على أصحابه {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ..
كتبه
حسين بن محمود
6 رجب 1433هـ
_________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]