الردود الجاهلية التي تصدر عن بعض المتعصّبين لشيوخهم أو تنظيماتهم الوطنية؛ويطغى عليها الطابع الشخصي؛ والمليئة بقلّة الأدب ؛والشتائم والسباب ونحت الألقاب؛ وتشويه التوحيد بالكذب والبهتان؛وليس فيها استدلال أو شبهات تستحق الرد ؛لا نلتفت إليها؛ ولا حتى نُتِمّ قراءتها ؛حين يُحَوّلها علينا بعض الأحباب!
وبعض الردود لا يغلب عليها سوء الأدب؛لكنها تحوي سوء فهم وأخطاء شرعية؛ فننبه على أخطائها وسوء فهمها؛لعل أصحابها يستفيدون؛ فنقول:
إنّ مِن أكثر ما يُسبّب تخبّط الناس في أحكام الإيمان والكفر
خصوصا الذين يعترفون منهم ببضاعتهم المزجاة فيها:
أنّهم يُدْخلون العاطفة في هذه الأحكام الشرعية الخطيرة فيُميتوها أو يُميّعوها:
فترى فيهم مثلا من يستصعب أن يُكَفّر العسكر؛لأن أخاه أو أباه عسكري؛أو يستصعب تكفير قادة الحكومة الحمساوية الممتنعة عن الشريعة؛ وأنصار قوانينها! لأنّ فيهم مَن يُقاتل اليهود!
أو يستصعب أن يُكفر الحاكم العلماني الفلاني لأنّه رآه يقرأ القرآن أمام الكاميرات؛ولأن بلده تستضيف أعدادا من اللاجئين!(في الوقت الذي تغزو فيه أفغانستان مع النيتو ؛وتُدرّب جيوش المرتدين في الصومال وغيرها!)
وهذا لا شك مِن العدوان على الشريعة؛ وتعطيل أحكامها لأجل القرابة؛أو العاطفة؛أو بمعايير ما أنزل الله بها من سلطان؛أو لوجود بعض أعمال الخير التي لا يكاد يخلو منها كافر أو محارب!
وقد قال النبي ﷺ :(لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
وقد كَفّر الله تعالى بعض من خرجوا للجهاد في أشقّ غزوات المسلمين؛ وهي غزوة العسرة وقال لهم: (لا تعتذروا قد كَفَرتم بعد إيمانكم)
وأبو طالب عم النبي ﷺ نصر النبي وآواه وأحبه ومنعه من تسلط الكفار وأذاهم؛ولم يمنع ذلك من تكفيره؛ولا أجاز الاستغفار له.
فالجهاد وقتال اليهود أو غيرهم من الأعداء؛وكذلك تلاوة القرآن أمام الكاميرات؛ وإغاثة اللاجئين؛وغيرها من أعمال الخير ؛كل ذلك ليس من موانع التكفير في شيء.
ولا يُعطل أحكام التكفير بسببها ويمنعها؛ إلا العوام والجهال!
يتعجّب بعض المبتدئين في طلب العلم ؛مثلا حين يسمعك تتكلم عن حكم أنصار الطواغيت؛ أو أنصار أي حكومة تمتنع عن تحكيم الشرع ؛قائلا :هل يمكن أن يكون نصف مليون عسكري أو أي عدد كبير يمثل تعداد جيش دولة أو طائفة ممتنعة عن الشريعة؛هل يمكن أن يكون كل هذا العدد كفارا؟!
وهذا الطرح العاطفي الرقمي ؛يقود أصحابه بالعادة؛إلى التعليل بالعلل الخفية ؛وإعمال الموانع المبتدعة ؛خصوصا منها القلبية والباطنية والعاطفية ؛وهو مِن الأخطاء التي نَبّه عليها أهل العلم!
وفي الرسالة الثلاثينية تحت باب:( أعذار يتعذّر بها المرتدون وغيرهم ، وهي ليست من موانع التكفير) :
(ليس من موانع التكفير في سبب معين من أسباب الكفر كون من سيكفرون به كثر .. فدين الله لا يحابي أحداً، وقد قال تعالى :(وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ الله لغني حميد).
وقال تعالى : (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )
وقال سبحانه : ( وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ) .
وفي الحديث الذي يرويه أبو داود وابن ماجه عن ثوبان مرفوعاً : ( …ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان)
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ) .
قال : ( ليخرجن منه أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً )، ويُروى موقوفا على أبي هريرة.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (7/217) ؛ أن أتباع مسيلمة الكذاب كانوا نحو مائة ألف أو أكثر .
فاحذر أن تجعل لغة العاطفة والأرقام؛ مُشوّشة عليك ؛ومُعوّقة لك مِن التسليم للأحكام!
لا زال بعض الشباب مصدوما مِن كلمة: (مَن يموتون في سبيل الديمقراطية ؛والحكومة التي تحكم بالقوانين الوضعية؛ فطايس ؛وليسوا شهداء!)
وأكرّر التأكيد على هذا القول وتبنّيه؛ولو فَطَسَ مَن فطس بسببه!
ومَن كان عنده مِن دين الله ما يُبطله؛ فليثبت لنا أنّ القتيل في سبيل طاغوت الديمقراطية شهيد؛وكذا القتيل في سبيل حكومة القوانين الوضعية التي تفاخر بمواجهتها أقوى الجيوش؛ ثم تصر على الامتناع عن شرع الله ؛وتُعلن على تمسّكها بتحكيم قوانين عباس؛ فليتفضل ولينبهنا عليه؛وسنسلم للدليل!
أما استعظام المقالة لتنزلها في عقله على الجماعة الفلانية؛ التي يزعم بعض شيوخها بالسر؛أنهم سيحكمون الشريعة الإسلامية بعد أن يفطسوا!
أو لأنها ترشق اليهود بالصواريخ؛فهذا ليس مِن موانع التكفير في ميزان الإسلام؛ وإنما هي موانع مبتدعة في المعايير الوطنية الفلسطينية والغزاوية وغيرها!
وأما شبهة أنّ من مات دون ماله فهو شهيد ونحوه؛ فهذا قطعا لأهل التوحيد لا لأهل التنديد؛وإلا لدخل في ذلك كل مُلحد وكافر وبوذي وهندوسي يموت دون ماله ونفسه؛وقِس على ذلك قَتيل الهدم والمبطون ونحوه مما ورد فيه مسمى الشهيد؛فكل هؤلاء لا يُسمون شهداء حتى يحققوا أصل التوحيد ويجتنبوا عبادة الطاغوت؛فافهم المسائل؛ولا تخلط الحابل بالنابل؛ولا تعزل أحكام الشرع ؛وتجردها عن أعظم قواعد الدين وشروطه؛فتَزِل وتَضِل!
وعليه فمَن قاتل مِن الجماعة التي تحبّها ؛وتُرقّع لها في سبيل الديمقراطية وتحكيم القوانين الوضعية فهو فطيس؛ولن يُغيّر هذه الحقيقة المُرّة ؛حُبّك للجماعة؛ولا دعاويك بأنها تُسر وتنوي؛ وتُحب وتتمنى؛ وتحلم وتتخيّل تحكيم الشريعة!
ومَن مات منها أو من غيرها؛محققا للتوحيد مجتنبا للتنديد؛ مجاهدا في سبيل الله؛ يبرأ من الديمقراطية؛ولا يرضى إلا بحكم الله ؛فهو إن شاء الله شهيد!
ليس مِن موانع التكفير كون المرتد مِن أهل العلم ، أو من الشيوخ ؛أو من أهل اللحى أو من الجماعة الإسلامية الفلانية ، أو كونه يحمل دكتوراه !! في الشريعة أو نحو ذلك مما يتوهّمه البعض ..
فقد قال تعالى في بعض من كان أعلم أهل زمانه ( من كبار العلماء ) : (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين )
وقال تعالى في حق خيرة خلقه وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم : (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة … )الآيات .
ويدل على هذا أيضا قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان مِن كتبة الوحي ، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد على عقبيه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ولو وجدوه متعلقا بأستار الكعبة .. وقصته برواياتها المختلفة ؛بَسَطها وتكلّم على فوائدها شيخ الإسلام في الصارم المسلول ، والشاهد منها أنّ كونه من كتبة الوحي عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع مِن كفره وردته .. لما أتى بسببها
ليس مِن موانع التكفير ولا حتى مِن مُشوّشاته ولا مِن مُعكّراته :(قِلّة المُكفّرين لفلان أو للطائفة الفلانية أو للحكومة الفلانية؛ أو للحاكم الفلاني)!
أو (قِلّة المكفّرين من التنظيم الفلاني؛ للجماعة أو الحكومة الفلانية!)
فهذا مانع مضحك؛لا قيمة له؛في ميزان الحق؛فالحق لا تضره القِلّة ؛ولا يُعْرَف بالكثرة
(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)
حتى الآن لم أرَ ممن كتبوا مُتشنّجين أو مسترخين؛مَن تَعرّض لموضع الخصومة والنزاع؛فرّد على الحقائق الدامغة التي أوردناها مِن ألسنة قادة حكومة حماس وسيرتها؛مما يُعَرّف بحالها؛فهذه هي علل التكفير التي كفرنا بها حكومة حماس ورؤوسها فماللمجادلين والمحامين عنها؛ يحوصون عنها ويحيدون؟!
وكان الأولى بمن يتكلم في أحكام الشرع؛ وأبواب الكفر والإيمان؛أن يتصدى للكلام فيها؛ويُبيّن هل هي أقوال وأعمال مُكَفّرة أم لا!؟
فهي محلّ الخصومة؛ومعترك الأقران.
فإن سَلّم بكونها مكفرة؛ فليتكلم بعلم؛وليبيّن لنا؛ ما الذي يمنعه من الحكم بشرع الله عليها؛فإن لم يكن عنده إلا الورع البارد والانتقائية في تنزيل الأحكام على حكومات دون حكومات؛ وحُكّام دون حُكّام! فليسترح وليجلس على جنب؛ وليكن هو الطاعم الكاسي؛وليَدَع لنا نحن التصدّي لذلك؛ فقد تصّدينا في كواشفنا مِن قَبْل لحكومات؛ كان ينكص عن تكفيرها العمالقة؛ ويَتردّد فيها الجبال؛واليوم صار يُشاركنا في تكفيرها جماهير الخواص والعوام!
وأحب أن أنبّه هنا ؛إلى أنّ مما توافقنا عليه أنا وأخونا أبو الوليد المقدسي تقبله الله ؛هو تكفير حكومة حماس ؛وقُوّتها التنفيذية؛ ومجلسها التشريعي؛ ومحاكمها التي تحكم بغير ماأنزل الله ؛لأسباب موجودة في جميع الحكومات الحاكمة اليوم؛فالشريعة لا تفرّق بين المتماثلات؛ وكنّا لا نُكفّر حركة حماس ونراها طائفة منحرفة مبتدعة كجماعة الإخوان المسلمين؛والمتتبع لما يصدر من حكومة حماس اليوم ؛يعلم أنها لا تختلف بشيء مؤثّر يجعلها في منأى عن حكمنا على عموم الحكومات الطاغوتية الأخرى؛فالحكم بغير ما أنزل الله ؛والتحاكم للقوانين الوضعية موجود فيها تماما كما هو موجود في غيرها؛والتشريع مع الله؛ ما لم يأذن به الله موجود في مجلسها التشريعي؛ وتولي المشركين ومظاهرتهم على المجاهدين وفقا لاتفاقيات مكافحة الإرهاب موجود عندها ؛ولم ننس بعد مَن سلّمتهم حكومة حماس من الإخوة المصريين ليحكموا في محاكم الكفر والردة ؛ويُعَلّقوا على حبال المشانق؛كالأخ أبو عمر محمد سلمي المليحي وإخوانه؛ الذين سلّمتهم حكومة حماس؛دون أي ورع أو موالاة للمسلمين!
حيث حُكِم أبو عمر بمجرد تسليمه لطواغيت مصر بالإعدام؛وأما إخوانه شكري المنيعي؛ وجهاد السوركي فحكموا بما يزيد على الخمسة عشر عاما!
ولا يأتيني أحمق فيستدل بتسليم النبي ﷺ لأبي جندل وأبي بصير للمشركين وفقا لشروط صلح الحديبية؛ فقد أعلم الله تعالى نبيه ﷺ بأنهم لن يتضرروا من هذا التسليم ؛لذلك قال ﷺ: (سيجعل الله لهم مخرجا)
وأما مَن سلّمتهم حكومة حماس؛ فقد حُكِمَ بعضهم بالإعدام!
ليس مِن العلم ولا مِن المُحاجّة والمناظرة والنّقاش؛تخَرّص المتكلم؛ وحديثه عن دوافع مَن يرُدّ عليه فيما كتبه ؛أو فيمن كَفّره؛فدعوى مَن يجادل عن حكومة حماس؛ أننا كفرناها بسبب الخصومة؛قول بلا علم؛يُطالب قائله بالدليل والبرهان؛ وأنّى له استخراج هذا الأمر النفسي الخفي؛أتراه شَقّ عن صدورنا؛ أم عَلِم مُغيّب دوافعنا؛ وكل مَن تقوّل على غيره بلا برهان؛ فهو مِن الكاذبين؛ قال تعالى:(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)
وقال تعالى:(ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)
أخيرا..ننصح كل طالب علم بقراءة فصل شروط وموانع التكفير وأسبابه؛في الرسالة الثلاثينية ، وننبّه إلى قاعدة شرعية مهمة في هذا الباب وهي : أنّ ( المانعية والشرطية ، وكذلك السببية؛ لابد لإثباتها واعتبارها دليل شرعي )
فالموانع والشروط والعلل والأسباب ، كلّ ذلك مِن أحكام الوضع الشرعية ؛التي وضعتها الشريعة بتوقيف ..
وما لم يكن كذلك فلا يعتبر ، فمن ادعى سببية أو شرطية أو مانعية شيء لشيء ، فلا بد له مِن إثبات ذلك بدليل ، وإلا كان تقوّلاً على الله بلا علم ، فلا يجوز ابتداع أسباب أو شروط أو موانع للتكفير؛ ما أنزل الله بها من سلطان ، ومَن فعل ذلك فهو داخل تحت عموم قوله تعالى : ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )).. فحذار من ذلك ..
__________________
To inquire about a translation for this release for a fee email: [email protected]