Click here for the first part in this article series.
—
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد ..
فقد شاهدت لقاء الجولاني مع مراسل قناة الجزيرة اليوم ، وكان اللقاء جيداً كسابقه إلا في قضية الخلاف مع الدولة الإسلامية الذي ناشدناه وغيره من قادة الجهاد أن لا يُبرزوه للناس ، ففي إبراز حيثيات الخلافات بين المسلمين مفاسد كثيرة على المسلمين ومصالح لا تخفى لأعداء الدين ، فلا يوجد عاقل على وجه الأرض يكشف ستره لعدوّه ويدله على عوراته ، فهذا من أعجب ما نرى – وما رأينا سابقاً – من بعض قيادات العمل الإسلامي على وجه العموم ، والمجاهدين على وجه الخصوص !!
الذي ذكره الأمير الجولاني في شأن إيران ، والذي أخذ حيزاً كبيراً من اللقاء ، هو عين ما ذكرنا في مقالات سابقة ، ولعل مقالة “نحن وإيران” تلخص جميع ما قال الجولاني ، وما قاله في عاصفة الحزم هو عين ما قلناه في مقالة “لا ترقصوا بعد” ومقالة “فهم عاصفة الحزم” ، وليس هذا عجيباً : فنحن كنا – وما زلنا – على فكر قاعدة الجهاد واجتهادها السياسي ورؤيتها لقضايا الأمة ، وهذه الرؤية موروثة عن الشيخين : أسامة وعبد الله عزام رحمهما الله ، وهي رؤية كثير من المفكرين والدعاة المصلحين في القرن المنصرم قبل أن تتغير المفاهيم وتتبدّل تحت ضغط الحكومات العميلة التي استعبدتها أمريكا ، فالمشكاة واحدة ، والمنبع واحد ، والأصول واحدة ..
النظرة السياسية التحليلية لم تتغير ولم تتبدّل ، ولولا الخلافات الأخيرة ، ولولا تلك الأحداث المتسارعة التي قسمت المجاهدين وقصمت ظهورهم لفترة تنفّس فيها النصيرية والرافضة الصعداء ، لولا تلك الفترة لكانت جبهة النصرة والدولة ، أو القاعدة والدولة : جماعة واحدة في الشام والعراق تقاتل النصيرية والرافضة معاً في خندق واحد .. هي ثغرة تغلغل عن طريقها الشيطان واستغلها الأعداء لبث الفرقة فآتى عملهم ثمره في غفلة منا وسوء إدارة لخلافنا بنشره على الملأ ..
أما ما قال الجولاني عن الخلاف مع الدولة الإسلامية : فهو مقصود قناة الجزيرة ومن ورائها من لقاءه ، فقناة الجزيرة لم تكن يوماً محايدة كما يظن البعض ، وها هي تلتقي بالجولاني في الشام وتُظهره بمظهر الحكيم المعتدل في الوقت الذي تحارب فيه “قاعدة الجهاد” في اليمن وتُظهرها بمظهر العميلة لعلي صالح !! كل ما كان يريده أعداء الأمة من لقاء الجولاني هو : إعلان عداوة جبهة النصرة للدولة الإسلامية ، لا أكثر ولا أقل ، أما رأي الجولاني في الأحداث الأخرى فهذا تحصيل حاصل عند أعداء الأمة ، وإن كان الجولاني يعلم ذلك فتلك مصية ، وإن لم يعلم فالمصيبة أعظم ، ولينظر الجولاني كيف يستغل أعداء الأمة كلامه عن الدولة مع إهمال كل ما قال عن الأمور الأخرى ليعلم أنه وقع في فخ الإعلام الخبيث عن حسن نيّة أو جهل .. وهذه بعض التعليقات على كلماته بشأن الخلاف مع الدولة :
أولاً : ظهر الجولاني بمظهر اليائس من الصلح ، وليس هذا شأن المؤمن ، فالله تعالى نهانا أن نقنط من رحمته ، ورحمته وسعت كل شيء ، والله تعالى يحب الصلح ويُبغض الخلاف بين المسلمين ، وقد رتّب على الخلاف الفشل وذهاب الريح ، فلا ينبغي للمسلم أن ييأس ، بل لا بد من الصبر على تحقيق المصلحة ، وهذا الصبر أشد من صبر المعارك ، هو يحتاج إلى عزيمة كبيرة وإيمان وحسن ظن كبير بالله تعالى ..
ثانياً : مسألة الخارجية لا ينبغي ذكرها من قريب أو من بعيد ، كما أن مسألة التكفير يجب أن تختفي من أبجديات المجاهدين ، ونقصد : تكفير المخالف أو المقاتل على إطلاقه ، فالتساهل في الأمرين مذموم ، فالتكفير إن لم يكن صحيحاً : حار على صاحبه ، والتصنيف بالخارجية إن لك يكن دقيقاً وفق منهج سليم – وليس هوى أو فجور في الخصومة أو ليٍّ لمعاني النصوص لإنزالها على جماعة – فإنه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توعّد صاحبة بتبوؤ مكانه في النار ، فالأمرين أخطر مما يظن البعض ..
لقد تتبعت الفتاوى التي حكمت على الدولة الإسلامية بالخارجية ، وجميعها لا تتعدى البتر والترقيع بشكل مقزز ، ومثال ذلك أنهم يذكرون حديث “يَقتُلون أهل الإسلام” ولا يُكملونه ، وكماله “ويدَعون أهل الأوثان” (والحديث عند ابي داود وهو صحيح) ، فإن أكملته لهم قالوا : كان من الخوارج من يقاتل الكفار مع قتاله للمسلمين ، فنقول لهم : هلمّوا ننظر إلى سبب تسمية العلماء لهؤلاء بالخوارج ، فيقولون : نحن لا نأخذ إلا بالحديث وليس بأقوال العلماء ، وسبب قولهم هذا أن العلماء جمعوا ما اتفق عليه الخوارج من صفات واعتقادات فأدخلوا من وافقها في زمرة الخوارج وأخرجوا من لم يوافقها من الوصف ، فحكموا على هؤلاء بالخارجية لكونهم يدخلون تحت حدودهم التي وضعوها والتي يستدركها عليهم اليوم بعض المتعالمين ليأتوا بحدود جديدة على مقياس “الدولة الإسلامية” زعموا أنهم استشفوها من النصوص الشرعية ، وكأن ابن حزم والبغدادي والأشعري والشهرستاني وابن حجر وابن تيمية وغيرهم من كبار علماء الأمة أخذوا تعريف الخوارج من التوراة أو الإنجيل !!
مثال آخر على التخبّط : مسألة التكفير ، فهم يزعمون أن الدولة الإسلامية تكفّر عموم المسلمين – وكذبوا في هذه – فالدولة لا تكفّر عموم المسلمين وإنما تكفّر – باجتهادها – بعض الجماعات والأفراد ، ويقولون بأن الدولة تكفّر بالكبائر ، بل حتى بالصغائر أو بما ليس معصية ، وهذا كله كذب ، ولكن لنفرض جدلاً أنهم صادقون ، وأن الدولة تكفّر عموم المسلمين بما قالوا ، فأين في النصوص الشرعية بأن من يُكفّر عموم المسلمين فهو خارجي ؟ سيقولون : العلماء أجمعوا بأن هذه صفة للخوارج ، فنقول لهم : مَن من العلماء قال بذلك !! سيقولون فلان وفلان ، فنقول : هل تأخذون بتعريفهم للخوارج ؟ الجواب قطعاً : لا ، لأنهم إن أخذوا بتعريف هؤلاء العلماء للخوارج انتفت صفة الخارجية عن الدولة ..
لا يأخذون من أقوال العلماء والنصوص إلا ما يوافق أهوائم ، ثم يقولون بأن أفراد الدول الإسلامية “يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم” !! من أولى بهذا الوصف ؟!
ومن المضحك ما صنع البعض في مسألة “سيماهم التحليق والتسبيد” ، فهم يضحكون على من يستشهد بهذا الحديث في وصف الخوارج ، ولا ندري كيف يضحك مسلم على استشهاد بحديث صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم !! ليس هذا هو المضحك ، المضحك أن هؤلاء ذاتهم يستشهدون بأثر “ضعيف جداً” في وصف جماعة تخرج في آخر الزمان “شعورهم مرخاة كشعور النساء” فينزلونه على جنود الدولة ، ويستشهدون بحديث “كلاب أهل النار” وهو مختلف في ثبوته فيصفون به الدولة جهلاً وبغيا ، ويستشهدون بحديث “حتى يخرج في عراضهم الدجال” وهو مختَلَف في صحته ، فيتركون ما صحّ ، ويأخذون بالضعيف جداً والمشكوك بصحته ، إن لم يكن هذا هو التلاعب بالدين ، فماذا يكون !!
إذا لم تسعفهم الأحاديث استنجدوا بأقوال العلماء ، وإذا لم تسعفهم أقوال العلماء : أنكروا الأخذ بها وادعوا الأخذ من الأحاديث فقط .. لقد جمعنا الأحاديث في الخوارج وعلِمنا يقيناً أنها لا تنطبق على الدولة الإسلامية ، ونحن نسأل هؤلاء : هل نأخذ بجميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج أم نختار منها ما نشاء وندع ؟ هل الأوصاف في الأحاديث تتجزأ أم هي متكاملة بمجموعها ؟ إن أخذنا بالأحاديث كاملة – ولم ننقص منها شيء – فإنها بعيدة كل البعد عن حقيقة الدولة الإسلامية ، وحتى من جزّأها وبترها فإن تنزيلها على الدولة اجتهاد لخصومها – جائر – لا يرقى لمستوى الفتوى التي تبرأ بها الذمة ، ونحن نسأل : على أي أساس كان تكون التجزئة والاختيار ؟
ثالثاً : لا يُعذر الجولاني ولا تبرأ ذمته في نسبة هذا القول إلى “بعض العلماء الذين يثق بهم” ، ذلك أن الجولاني يعرف قادة “الدولة الإسلاية” أكثر من غيره ، فقد كان جندياً عندهم لسنوات ، فالقول بأنهم خوارج استناداً إلى بعض الشبهات هنا وهناك لا يُغني من الحق شيئاً ، والأصل أن ينهى الجولاني عن تداول مثل هذا الكلام ، لا أن يحتج به ، غفر الله لنا وله .. وإن كانت المسألة بقول علماء ثقات : فإن “قاعدة الجهاد” نالت الحظ الأوفى من فتاوى علماء يثق بهم عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، فهل “قاعدة الجهاد” خارجية بهذا المقياس ، خاصة وأن من أصدر هذه الفتاوى أعلم بكثير ممن أفتى بخارجية الدولة ، وليعلم الجولاني بأن ثقته بهؤلاء لا تكفي للحكم على الجماعات : حتى يتجرّد المفتي من الهوى ، وحتى تنتفي الخصومة فيكون المفتي محايداً في ذات المسألة ..
رابعاً : ذكر الجولاني بأن الدولة الإسلامية قتلت المئات من مقاتليه ، بل وقتلت الأطفال والنساء وقطعت رؤوس مقاتلي جبهة النصرة ، والذي لم يذكره : أن مقاتلي جبهة النصرة – وغيرهم – فعلوا ذات الأفعال بمقاتلي الدولة ، فتهويل ما فعلته الدولة وإخفاء ما فعله مخالفيها هو عين ما تفعله الآلة الإعلامية العربية والأجنبية ، وإن ظن الجولاني بأن في الاقتتال مع الدولة بقاء لجنوده فهو واهم ، فإن كان القتلى بالمئات في مناوشات ، فالحرب ستأتي على الأخضر واليابس ، وستبقى بعض الجماعات المعلومة المدعومة من الخارج في موقع المتفرّج حتى يُفني المجاهدون بعضهم بعضاً ، فتخلوا لهم الساحة ، وهذا ما يخطط له الأعداء بكل خبث ومكر ..
خامساً : رغم أن الجولاني ذكر عمالة وخيانة الأنظمة العربية وحقيقتها وحرّض الشعوب على القيام بواجبها والجهاد في سبيل كرامتها ، إلا أنه كان حريصاً جداً على عدم وضع هذه الحكومات في خانة الكفر والردّة ، وليته كان حذراً في تصنيف الدولة الإسلامية كما كان مع الحكومات : فحرصه على عدم إعلان تكفير الحكومات – للمفسدة المتوقّعة على الجهاد في الشام – كان الأولى منه الحرص على عدم تصنيف الدولة الإسلامية ، لأن الضرر هنا أكبر بكثير ، بل لا يُقارَن بضرر إعلان تكفير الحكام ..
سادساً : قال الجولاني بأن “الدولة الإسلامية غير جادة في قتال النصيرية بالشام” !! ونحن نتسائل : إذا لم تكن جادة فلمَ أرسلته وجنودها وشطر ميزانيتها إلى الشام لقتال النصيرية !! هل كانت جبهة النصرة نتاج “عدم جديّة” الدولة الإسلامية !! هل نصف الميزانية – في تلك الظروف الحرجة – تعني ثُلث أو رُبع جديّة !! الدولة الإسلامية قتلت من النصيرية في الشام أكثر مما قتلت جميع الفصائل المقاتلة مجتمعة ، فما هو معيار الجديّة !! أما تعليل ذلك بأن “قادتها عراقيون” فهذا لمز شنيع ما كان ينبغي ، فالدولة من أبجدياتها : كسر الحدود ، والجولاني كان في الدولة وليس عراقياً ، وكثير من قادة وجنود الدولة ليسوا عراقيين ، ولو افترضنا أن جميع قادة وجنود الدولة من العراقيين فهل تنتفي الجديّة !! هل قادة قاعدة الجهاد في أفغانستان من البشتون والطاجيك !! وهل كونهم غير أفغان يلزم منه عدم جديتهم في قتال الأعداء في أفغانستان وغيرها !! شيخ القاعدة : مصري ، فهل هو غير جاد في قتاله في الشام !! ليته لم يقل هذا ، فهو كلام خطير يؤصّل لأمور هو ذاته يحاربها إن كان على منهج قاعدة الجهاد ..
سابعاً : ذكر الجولاني بأن أغلب قيادة “الدولة الإسلامية” من العراقيين ، ولم يذكر بأنهم بعثيون أو عملاء أجهزة استخبارات كما يقول البعض ، فالجولاني يعرف هؤلاء القادة ، ويعرف أنهم صادقون ، وأقر بأنهم يبلون بلاء حسناً في قتال الرافضة في العراق ، فلِم يصرّ البعض على الكذب على المسلمين بزعم أن قادة “الدولة الإسلامية” بعثيون مجهولون عملاء !!
ثامناً : حرَص الجولاني على إعطاء الإنطباع بأن “الخارجية” طرأت على “الدولة الإسلامية” بعد الخلافات ، ولا ندري هل يريد تبرءة نفسه لأنه كان تحت حكمها قبل الخلافات ، أم أن مجرد الخلاف كان سبباً في التصنيف كما أن الخلاف سبب للتكفير عند البعض ، أم أثّرت عليه بعض الفصائل التي يتعامل معها والتي ما فتأت تُصدر “الفتاوى” لجنودها بـخارجية الدولة الإسلامية لتبرر قتالها وتحّضهم عليه ، ونحن جميعاً نعلم بأن بعض هذه الفصائل تتلقى الدعم من الحكومات العربية – كما أقر الجولاني في لقاءه السابق – وأن هذه الحكومات “تعمل لصالح الأمريكان” كما صرّح الجولاني في لقاءه هذا .. أما العلماء الثقات الذين ذكرهم الجولاني فلا تُقبل شهادتهم في الدولة لأنهم خصومها ، والجولاني قال بأنه لا يحكم على الدولة ولا “يقضي” عليها لأنه خصمها ، فكيف يقبل رأي “علماء” هم خصوم للدولة في مثل هذا الأمر الخطير !!
الذي لا يريد الجولاني فهمه ، والذي يغييب عنه وعن بعض هؤلاء القادة : أن الأمر لا يتعلق فقط بفصيل مقاتل أو حتى بالشام .. الأمر الذي يتلاعبون به اليوم هو مستقبل الأمة كلها ، ونحن نأسف أن هذه السطحية في التفكير هي الغالبة في هذا الوقت ، ولو أن بعض هؤلاء القادة نظروا إلى أبعد من ظلّهم لرأوا الحقيقة جليّة ، فالأمة كلها ستدفع ثمن هذا الخلاف بين المجاهدين في الشام ، خاصة أهل الجهاد ، والمهاجرون منهم على وجه الخصوص ، وهذا ما حصل في أفغانستان عندما تشرّد المجاهدون في الأرض وتلقّفتهم أجهزة الاستخبارات الكفرية بعد قتال الفتنة ..
إن أخشى ما نخشاه أن يأتي اليوم الذي يقول فيه المجاهدون : {أَنَّى هَذَا} ؟! وجوابه ما نراه اليوم : {هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} : فتاوى ورسائل وأبحاث “شرعية” تصنّف جنود الدولة على أنهم “خوارج مارقين” ، وأخرى تصنّف فصائل على أنها “صحوات مرتدين” .. ماذا ننتظر من “مجاهدٍ في سبيل الله” يرى خارجياً أمامه ؟ ألا يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله قَتل “عادٍ” فينال الأجر والثواب العظيم !! ماذا ننتظر من “مجاهد في سبيل الله” يرى مرتداً أمامه ؟ ألا يقتُل “من بدّل دينه” كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم !! هل من المعقول أن يعصي رسول الله وهو “المجاهد في سبيل الله” !! أليس هذا هو الجهاد الحق !! أليس الأولى قتل الخوارج والمرتدين ، أليس الأولى حفظ رأس المال !!
ماذا ننتظر من أناس قال لهم الله تعالى {واعتصموا} فقالوا “نتخالف” !!
قال لهم الله تعالى {لا تنازعوا} فقالوا “لا مجال للتصالح” !!
قال لهم الله تعالى {ولا تفرَّقوا} فناودا “المفاصلة المفاصلة” !!
ماذا نأمل من أناس قال لهم الله تعالى {وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم : 31-32) فقالوا : “بل نتحزّب” !!
أعلمهم الله تعالى {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (المؤمنون : 52) {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون : 53) !! تخوين وتفسيق وتكفير وتصنيف وتنابز بالألقاب وفحش وفجور في الخصومة وبذاءة في اللسان مع فرحة غامرة وانشراح صدر ونشوة السُّكارى ، هذه هي سمة “المجاهدين من أهل الإيمان” في هذه الفتنة العمياء !!
هذا ما يقتضيه العقل الآن ، وهذا هو المطلب الشرعي : أن يُقاتل المرتدون الخوارجَ ، ويقتالُ الخوارجُ المرتدين : هل يُعقَل أن نترك الخوارج خلف ظهورنا ونقاتل غيرهم ، هذا خلاف ما عمل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه !! هل يُعقَل أن نقاتل المرتدين قبل غيرهم ؟ هذا خلاف فِعل الصدّيق رضي الله عنه ، فكلّهم مستنٌّ بالصحابة والخلفاء الراشدين ، ويجلس النصيري على أريكته في اللاذقية باسِمَ المُحيّا محيّياً “المجاهدين في سبيل الله” الذين يشرون أنفسَهم بقتل أنفسِهم : باسم الله ، على بركة الله ، وعلى سنّة رسول الله : يحدّ أحدهم شفرته ليريح ذبيحته امتثالاً لأمر الله ..
نسمع عن نفير آلاف الجنود الإيرانيين والعراقيين الرافضة إلى الساحل السوري ودمشق للوقوف في وجه المجاهدين ، والمجاهدون مشغولون بالتصنيف والتكفير والتعبئة لقتال بعضهم البعض تديّناً وطلباً للأجر !!
متى يتحرك العقلاء إن لم يكن اليوم !! ماذا ننتظر – ونحن نعصي أمر الله – غير الفشل وذهاب الريح وسنّة الإستبدال !! أي شيء بقي لنعي بأننا نعصِ الله بنصوص وحيه وكلام نبيّه ننزلهما غير منزلهما !! الرافضة أغبى خلق الله ، والنصيرية من أكفر خلق الله ، وبينهما عداوة قرون ، يكفّر بعضهم البعض ويلعن بعضهم البعض ، وكتبهم تطفح بهذا ، ومع ذلك اتفقوا على حربنا !! ونحن كنا قبل سنتين : إخوة على منهج واحد ، وطريق واحد ، وهدف واحد ، نأكل من قصعة واحدة ، ونجلس تحت ظل واحد ، ونحارب العدو بقلب رجل واحد ، نتّفق في كل شيء إلا القيادة والزعامة ، وهو خلاف ألبسناه لباس العقيدة زرواً وبهتانا !!
وحدّث عن جمهور المشاهدين في الخارج ولا حرج : فبعضهم يعادي “الخوارج” ، وبعضهم يعادي “المرتدين” ، وكلّ فريق يحرّض على الآخر في مشهد يذكّرنا بمشجعي كرة القدم ، وبعضهم لا يعدوا ثقافة مشجعي كرة القدم مما يشككنا فيهم ويؤكد لنا أن كثيراً منهم ليسوا من مناصري الجهاد بل من العملاء الذين لا ثقافة شرعية عندهم ولا أدب .. أين عقول الأمة وأين عقلاءها !! أين علماء الأمة وأهل الرأي فيها !! أين من يحرّم دماء المسلمين !! أين من يعمل بأمر ربه في الإصلاح بين المسلمين !!
يا إخوة الإسلام أفيقوا .. يا أمة محمد اعتصموا .. يا أيها العقلاء اتفقوا .. يا مجاهدين أبصروا .. يا قادة الجهاد أين عقولكم .. اللهم أنقذ إخواننا من الفتنة وأرهم سبل الرشاد .. الجهاد لا يكون في سبيل الله إلا بقتال الكفار .. قتال المسلمين في الشام اليوم : فتنة وبغي .. {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء : 93) لا عذر لأحد عند الله يقرأ هذه الآية ثم يقول : قال فلان وأفتى علّان ، الله تعالى حرّم دماء المسلمين ، والتحريم أشد في دماء المجاهدين ، خاصة في أوقات الفتن والمحن التي تحتاج فيها الأمة إلى كل مجاهد ..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء : 94) ، تبيّن يا عبد الله : لا تقل خارجي ، لا تقل مرتد ، أنت مخاطَب بهذه الآية فتبيَّن .. تبيَّن أن تصيب مؤمناً في دمه فيغضب الله عليك ويلعنك ويعذّبك عذاباً عظيما .. قاتِل الرافضة والنصيرية والنصارى واليهود والدروز والمرتدين من الكرد وغيرهم .. لا تقاتل مسلما .. استفت قلبك وإن أفتاك الناس ، واعلم أنك حملت السلاح دفاعاً عن دينك ، وأنك تموت مرّة واحدة ، فلا تجعل الميتة في غير سبيل الله ، ولا ترهن حياتك لفتوى خاطئة فتُضيع دنياك وآخرتك ، الزم قتال الكافر الأصلي الذي تعلم كفره يقينا ، ولا تُطع قائداً يأمرك بقتال المسلمين ..
الدولة الإسلامية ليست خارجية ، وجبهة النصرة وأحرار الشام ليسوا مرتدين .. المرتدون هم من ظهرت عمالتهم وخيانتهم بتعاونهم وموالاتهم وتوليهم الأمريكان والنصيرية والرافضة ضد المسلمين ، فهؤلاء كفار مرتدون موالون لأعداء الدين ، ومثالهم : “الصحوات” في العراق ، ومجموعات الأكراد العلمانية ، وأمثالهم وأشبابههم ، فلا يكون المرتد مرتداً إلا بيقين ، “والرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان ، وشرك وتوحيد ، وتقوى وفجور ، ونفاق وإيمان ، وهذا من أعظم أصول أهل السنّة” (قاله ابن القيّم في كتاب الصلاة) ، فالكفر والشرك والنفاق الذي أتى في النصوص منه ما هو أكبر ومنه ما هو أصغر ، والأكبر لا يُخرج الإنسان من الملة إلا بتوفّر شروط وانتفاء موانع ، ولا يستطيع الجزم بهذا إلا عالمٌ يعرف دقائق هذه المسائل ، ويعرف أحوال المحكوم عليه حقيقة ..
المرتدون هم العلمانيون الأكراد اتباع بارزاني وطالباني وأمثالهم الذين يجاهرون بالكفر ، المرتدون هم الرافضة الذين يقاتلون تحت راية الفرس المجوس الذين يطعنون في القرآن وفي عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحلون دماء وأعراض وأموال المسلمين ، المرتدون هم الموالون للنصارى والنصيرية والرافضة المحاربون المسلمين تحت رايتهم أو باتفاق معهم ، ليس مرتداً من التقى كافراً أو جلس مع عدو أو فاوضه أو ذهب إلى تركيا أو جزيرة اللعرب ، الردّة لا تثبت بمثل هذه الأمور ، كما أن الخارجية لا تثبت بمجرد تكفير جماعة أو أفراد أو الاقتتال أو حتى استحلال دماء بشبهة أو اجتهاد أو تأويل له حظ من النظر ، فالأحاديث التي أتت في وصف الخوارج تؤخذ جملة ولا تتجزّأ ، وأقوال علماء السلف فيهم معتبرة لأنها أتت بعد تتبع واستقراء للنصوص وأقوال الصحابة وأحوال الخوارج ، والإنتقائية في النصوص من سمات اليهود الذين قال الله فيهم {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} (البقرة : 85-86) ، نسأل الله السلامة والعافية ..
رايات الردّة جليّة ظاهرة واضحة ، وستظهر وتتجلّى أكثر ، ولا تحتاج إلى بحث لمعرفتها لأنها تُعلن عن نفسها ، أما الجماعات التي تُعلن إسلامها ولا توالي أعداء الأمة – بل تقاتلهم – فهؤلاء ليسوا كفاراً ولا خوارج ولا مرتدّين ، هؤلاء مسلمون مجاهدون في الغالب ، وبعضهم يجتهد فيُخطئ ، وربما يختلف مع إخوانه ، وربما يصل الخلاف إلى الإقتتال ، وقد حصل بين الصحابة اقتتال ، والله تعالى بيّن بأن الإقتتال يحصل بين “فئتين مؤمنتين” ، فالخلاف والاقتتال ليس مدعاة للتكفير والتصنيف ..
الأصل في الفتنة الإصلاح والنصح والعمل على إزالة أسبابها والصبر على كل هذا ، وإذا اقتضى الأمر قتال الفئة الباغية فإن هذا ليس وقته في الشام ، فالعدو بين أظهرنا ، وان حصل اقتتال بيننا فإننا نضعف ويظهر علينا جميعاً ، وهذا مما لا ينتبه له بعض من يقرأ الآية ويريد تطبيقها على ظاهرها دون النظر في واقع الحال ، وانظر إلى فقه وعقل الصحابة رضوان الله عليهم عندما اقتتلوا في صفين و”رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب عليّ ، فتدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة ، وطمع فيه ، فكتب إليه معاوية رضي الله عنه : “والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك ، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت” . فعند ذلك خاف ملك الروم وانكفّ ، وبعث يطلب الهدنة” (البداية والنهاية) ، بهذه العقلية استحق معاوية السيادة والملك ، فما كان ليترك الخطر الأكبر المحدق بالأمة في مثل تلك الظروف الحالكة ويشتغل بقتال المسلمين ، وما ترك علي ولا معاوية باباً للصلح إلا طرقاه بعكس ما يزعم رواة الرافضة ، ولم ينتصر في صفين أحد ، بل قُتل الكثير من خيار المسلمين من الصحابة والتابعين في هذه الفتنة ، وقد مرّ على الجيشين كعب بن جعيل التغلبي ، فقال :
أصبحَتِ الأمّة في أمر عجبْ … والمُلكُ مجموعٌ غداً لمن غلبْ
فقلت قولاً صادقاً غير كذبْ … إن غداً تهلك أعلام العربْ
وأقول :
أصبحت الأمة في عمياء الفتنْ … تأكل اليابس وخضراء الزّمنْ
مُشرِعة أبوابها تَدعوا المحن … يقطفها أعداءنا بلا ثمنْ
اللهم احقن دماء المسلمين .. اللهم احقن دماء المسلمين .. اللهم احقن دماء المسلمين .. اللهم ردّ عنهم كل مكر وكيد يا رب العالمين .. اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوء فاشغله بنفسه ، واجعل تدبيره تدميره ، واجعل الدائرة عليه .. اللهم إنا نسألك اللطف والعفو والإحسان والرحمة يا رب العالمين .. اللهم وحّد صفوف المجاهدين في أرضك التي باركت حولها ، وفي سائر الأرض يا أرحم الراحمين .. اللهم اجعل المجاهدين من المعتصمين بحبلك ، المؤتمرين بأمرك ، العالِمين العاملين بشرعك ، الذّابّين عن حياض دينك ، الممكَّنين من رقاب الكافرين .. اللهم اجعل أمرنا في يد أولياءك الصالحين الزاهدين في الدنيا ، الراغبين فيما عندك ، الحاقنين دماء المسلمين ، المجرين دماء أعداء الدين أنهارا .. اللهم الطف بالمجاهدين في الشام .. اللهم الطف بالمجاهدين في الشام .. اللهم الطف بالمجاهدين في الشام ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
16 شعبان 1436هـ
_____________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]