الحمدلله الذي وعد من نصره بنصره، وهدى من شاء إلى هداه بفضله، وضل من ضل عن نوره بعدله، وصلى الله وسلم على من بعث بين يدي الساعة بسيفه، فقاتل الناس حتى يلتزموا كلمة التوحيد بوحي من ربه، ونشر ما أوحي إليه من الهدى تحت ظل رمحه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد قال تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) وتقديره سبحانه لكل شيء يشمل السنن التي يسير عليها نظام العالم كما يشمل الحوادث التي غالبها يقع وفق هذه السنن المقدرة من العليم الخبير كما يشمل النادر الذي يقع على خلافها إما لإعجاز أو كرامة ونحو ذلك من تدابيره التي هي غاية الحكمة والإحكام.
فإذا وعى المسلم هذه الجملة ؛ أدرك أن الله عز وجل أمره أن يفهم هذه السنن وأن يجري على وفقها كما قال عز وجل مبينا ذلك أوضح البيان (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) فأمرهم – سبحانه – بالسير للنظر ومعرفة السنن التي ظهرت آثارها على من سبقهم ، وبين سبحانه أن سننه لا تحابي أحدا وستظهر آثارها عليهم كما ظهرت آثارها على من قبلهم فقال: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا).
قال بعض المفسرين: (بين أن عادته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها ولا يغيرها ، وأن ذلك مفعول له لا محالة ، واستشهد عليهم بما كانوا يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلهم إلى الشام والعراق واليمن: من آثار الماضين وعلامات هلاكهم ودمارهم)
ومن السنن المقدرة أن الله عز وجل خلق الأسباب ومسبباتها وربطهما معا، فلا يحصل الشبع ويزول الجوع إلا بالأكل ولا يحصل الري ويزول الظمأ إلا بالشرب وهكذا.
ولما بعد كثير من الناس عن دين الله ضعف فهمهم لأمر الله وحكمته ، وصار كثير منهم يضرب إرادة الله الكونية بإرادته الشرعية ، ويمن على الله عز وجل بإيمانه الهزيل مريدا أن ينقض الله عز وجل لأجله سننه الكونية ، جاهلا بما أمره الله به من فهم السنن التي قدرها سبحانه والتي تقضي موجباتها على البر والفاجر.
ولما حصل الاشتباه من أبي عبيدة الجراح رضي الله عنه في أن الابتعاد عن أماكن الطاعون ينافي التوكل فقال: أفرارا من قدر الله؟ أجابه عمر رضي الله عنه متعجبا أن يقول هذا مثل أبي عبيدة في فضله وعلمه قائلا: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.
ثم قال: أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟
قال ابن القيم –رحمه الله-:
(لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا.)
فمفهوم التوكل بمعنى آخر هو طمأنينة القلب بقدرة الله عز وجل على كل شيء، ويختلف الناس في مقدار توكلهم باختلاف هذه الطمأنينة قوة وضعفا.
فإذا أراد الإنسان الرزق سعى لذلك لأنه يعلم أن الله عز وجل لم يضع أسباب تحصيل الرزق عبثا! بل وضع هذه الأسباب ليسعى العباد في تحصيلها، وهو من يبارك في هذه الأسباب أو ينزع السببية منها فتكون عديمة الجدوى.
والسعي لتحصيل الأسباب أمر فطر عليه الخلق لا مناص للعاقل من إنكاره وقد وضع الله في السبب بقدرته خاصية حصول المسببات وفطر العباد على معرفة أن كل من أراد تحصيل شيء سعى لفعل أسبابه فمن خالف هذه الفطرة وترك السعي في فعل الأسباب كان ذلك دلالة على خلل في عقله.
واعتقاد أن الأسباب هي من خلق الله وأنه قادر على أن يبارك فيها أو أن لا يجعل لها أثرا : هو التوكل الذي يتفاوت فيه الناس، الذي هو اعتماد القلب على الله وطمأنينته بقدرة الله عز وجل وحكمته.
وبهذا يظهر أن التوكل لا يحصل أصلا إلا بفعل الأسباب، ويتبين عظم عمل القلب عند الله عز وجل، وغفلة أكثر الناس عن ذلك، واهتمامهم بالحركات البدنية وانشغالهم بها، ولذا فأهل البدع في غالب بدعهم إنما يعوضون ما يشعرون به من نقص في أعمال قلوبهم بأعمال بدنية لم يشرعها الشرع لتعوض شعورهم بالنقص، لأن أعمال القلوب ثقيلة عليهم وهذا معنى ما ذكره ابن عقيل رحمه الله حيث قال: (لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم)
ويبقى إشكال في أذهان بعض الناس وهو ما ورد عن بعض السلف من ترك الأسباب واعتمادهم على الله في حصول المسبب وقد أجاب عن هذا ابن القيم -رحمه الله- فقال:
(قد تعرض للصادق أحيانا قوة ثقة بالله، وحال مع الله تحمله على ترك كل سبب مفروض عليه، كما تحمله على إلقاء نفسه في مواضع الهلكة، ويكون ذلك الوقت بالله لا به؛ فيأتيه مدد من الله على مقتضى حاله، ولكن لا تدوم له هذه الحال، وليست في مقتضى الطبيعة؛ فإنها كانت هجمة هجمت عليه بلا استدعاء فحمل عليها ؛ فإذا استدعى مثلها وتكلفها لم يجب إلى ذلك.
وفي تلك الحال إذا ترك السبب يكون معذورا لقوة الوارد، وعجزه عن الاشتغال بالسبب فيكون في وارده عون له ويكون حاملا له فإذا تعاطى تلك الحال بدون ذلك الوارد وقع في الحال.
وكل تلك الحكايات الصحيحة التي تحكى عن القوم فهي جزئية حصلت لهم أحيانا، ليست طريقا مأمورا بسلوكها، ولا مقدورة، وصارت فتنة لطائفتين:
طائفة ظنتها طريقا ومقاما، فعملوا عليها فمنهم من انقطع، ومنهم من رجع، ولم يمكنه الاستمرار عليها، بل انقلب على عقبيه.
وطائفة قدحوا في أربابها، وجعلوهم مخالفين للشرع والعقل مدعين لأنفسهم حالا أكمل من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذ لم يكن فيهم أحد قط يفعل ذلك ولا أخل بشيء من الأسباب وقد ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يوم أحد ولم يحضر الصف قط عريانا كما يفعله من لا علم عنده ولا معرفة. واستأجر دليلا مشركا على دين قومه، يدله على طريق الهجرة وقد هدى الله به العالمين، وعصمه من الناس أجمعين، وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين.
وأكمل المتوكلين بعدهم هو من اشتم رائحة توكلهم من مسيرة بعيدة، أو لحق أثرا من غبارهم، فحال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها بها يعلم صحيحها من سقيمها.
فكانت همم الصحابة – رضي الله عنهم – أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعي، فيجعله نصب عينيه، ويحمل عليه قوى توكله.)
فإذا فهم العاقل سر هذه المسألة وتبين له وجهها، وعمل بموجبها؛ كان ممن دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ويتبين له وجه إيراد آخر هذا الحديث حيث قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
ويتبين أن استدلال أهل العجز والكسل والتواكل بقوله تعالى ( قُلْ لَنْ يُصِيبنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا) على كسلهم وعدم أخذهم بالأسباب هو استدلال في غير محله ومن الكذب على الله، لأن هذه الآية إنما هي رد على المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، والتي جمع النبي –صلى الله عليه وسلم- لأجلها أموال أصحابه وأعد لها العدة التي يستطيعها على قلة المال وضعف الحال، فلما فعل كل هذا أمره ربه عز وجل أن يقول لهم عندئذ: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ليبين لهم أن الأسباب لا تخرجهم عن قدرته وقدره.
فهو صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعلم بقوله عز وجل : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) وقوله (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ) وقوله: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) فإن الله عز وجل أمر عبده حتى في حال خوفه أن يفعل ما أمر به من الصلوات، وأمره بأخذ الأسباب والحذر من الأعداء حتى وهو في هذه الحال، وشرع له الصلاة التي يناسب أداؤها الاحتياط من العدو والتأهب له.
فمن فعل ما أمره الله به من المأمورات بالأدلة الخاصة، وسعى لتحصيل الأسباب التي دلت عليها الأدلة العامة والخاصة وما فطره الله في نفوس العقلاء كان هو المطبق لمراد الله والمتبع لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما من برر عجزه وكسله بترك تحصيل الأسباب لأجل اشتغاله بالأمر الشرعي أو برر تركه للأمر الشرعي لأجل اشتغاله بالأسباب فهو المطبق لمراد إبليس الرجيم والمتبع لسنة المنافقين الملعونين.
وهذه المعاني كما تشمل الجهاد بالسلاح فهي تشمل الجهاد الإعلامي الذي صرح وزير الدفاع الأمريكي رامسفليد بأن عمل الجهاد الإعلامي في العراق كان يعادل كتيبة هندسية أمريكية بأحدث عتادها، فإذا لم يفهم المشارك في هذا الجهاد أهمية جهاده وأن العدو يقارن عمله مع إخوانه بكتيبة كاملة، ضعف عمله وسهل استهدافه، وهذا قد يسهل لو كان الأمر مقتصرا على الأخ المفرط بما أمره الله به من أخذ العدة والحذر من عدوه! ولكن الأمر يتعدى إلى إخوانه باستهدافهم ومعرفتهم وتوقف الأعمال والمشاريع التي كان يشارك فيها.
ولما للتواصل في الجهاد الإعلامي من أهمية لا تخفى فقد سعى إخوانكم في اللجنة التقنية لمركز الفجر لتطوير ما سبقهم من جهود ، إذ لا يخفى تطور علم التشفير مع مرور الزمن وضرورة مواكبة أحدث التقنيات في هذا المجال امتثالا لأمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعداد العدة والأخذ بالأسباب في كل سعي لنصرة دين الله.
فيسعد إخوانكم أن يقدموا لكم برنامج (أمن المجاهد) بعد جهد طويل بذلوه في إعداده والسعي لإتقانه، وهو جهد يغطي جانبا مهما من جوانب أمن الشبكة العنكبوتية ولا يغني عن بذل الجهد والاجتهاد في تغطية جوانبه الأخرى عبر جهود المؤسسات أو الأفراد.
سائلين المولى عز وجل أن ينفع به إخواننا المجاهدين وأن يكون عونا لهم على طاعته وإغاظة أعدائه.
أما بعد:
فقد قال تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) وتقديره سبحانه لكل شيء يشمل السنن التي يسير عليها نظام العالم كما يشمل الحوادث التي غالبها يقع وفق هذه السنن المقدرة من العليم الخبير كما يشمل النادر الذي يقع على خلافها إما لإعجاز أو كرامة ونحو ذلك من تدابيره التي هي غاية الحكمة والإحكام.
فإذا وعى المسلم هذه الجملة ؛ أدرك أن الله عز وجل أمره أن يفهم هذه السنن وأن يجري على وفقها كما قال عز وجل مبينا ذلك أوضح البيان (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) فأمرهم – سبحانه – بالسير للنظر ومعرفة السنن التي ظهرت آثارها على من سبقهم ، وبين سبحانه أن سننه لا تحابي أحدا وستظهر آثارها عليهم كما ظهرت آثارها على من قبلهم فقال: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا).
قال بعض المفسرين: (بين أن عادته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها ولا يغيرها ، وأن ذلك مفعول له لا محالة ، واستشهد عليهم بما كانوا يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلهم إلى الشام والعراق واليمن: من آثار الماضين وعلامات هلاكهم ودمارهم)
ومن السنن المقدرة أن الله عز وجل خلق الأسباب ومسبباتها وربطهما معا، فلا يحصل الشبع ويزول الجوع إلا بالأكل ولا يحصل الري ويزول الظمأ إلا بالشرب وهكذا.
ولما بعد كثير من الناس عن دين الله ضعف فهمهم لأمر الله وحكمته ، وصار كثير منهم يضرب إرادة الله الكونية بإرادته الشرعية ، ويمن على الله عز وجل بإيمانه الهزيل مريدا أن ينقض الله عز وجل لأجله سننه الكونية ، جاهلا بما أمره الله به من فهم السنن التي قدرها سبحانه والتي تقضي موجباتها على البر والفاجر.
ولما حصل الاشتباه من أبي عبيدة الجراح رضي الله عنه في أن الابتعاد عن أماكن الطاعون ينافي التوكل فقال: أفرارا من قدر الله؟ أجابه عمر رضي الله عنه متعجبا أن يقول هذا مثل أبي عبيدة في فضله وعلمه قائلا: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.
ثم قال: أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟
قال ابن القيم –رحمه الله-:
(لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا.)
فمفهوم التوكل بمعنى آخر هو طمأنينة القلب بقدرة الله عز وجل على كل شيء، ويختلف الناس في مقدار توكلهم باختلاف هذه الطمأنينة قوة وضعفا.
فإذا أراد الإنسان الرزق سعى لذلك لأنه يعلم أن الله عز وجل لم يضع أسباب تحصيل الرزق عبثا! بل وضع هذه الأسباب ليسعى العباد في تحصيلها، وهو من يبارك في هذه الأسباب أو ينزع السببية منها فتكون عديمة الجدوى.
والسعي لتحصيل الأسباب أمر فطر عليه الخلق لا مناص للعاقل من إنكاره وقد وضع الله في السبب بقدرته خاصية حصول المسببات وفطر العباد على معرفة أن كل من أراد تحصيل شيء سعى لفعل أسبابه فمن خالف هذه الفطرة وترك السعي في فعل الأسباب كان ذلك دلالة على خلل في عقله.
واعتقاد أن الأسباب هي من خلق الله وأنه قادر على أن يبارك فيها أو أن لا يجعل لها أثرا : هو التوكل الذي يتفاوت فيه الناس، الذي هو اعتماد القلب على الله وطمأنينته بقدرة الله عز وجل وحكمته.
وبهذا يظهر أن التوكل لا يحصل أصلا إلا بفعل الأسباب، ويتبين عظم عمل القلب عند الله عز وجل، وغفلة أكثر الناس عن ذلك، واهتمامهم بالحركات البدنية وانشغالهم بها، ولذا فأهل البدع في غالب بدعهم إنما يعوضون ما يشعرون به من نقص في أعمال قلوبهم بأعمال بدنية لم يشرعها الشرع لتعوض شعورهم بالنقص، لأن أعمال القلوب ثقيلة عليهم وهذا معنى ما ذكره ابن عقيل رحمه الله حيث قال: (لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم)
ويبقى إشكال في أذهان بعض الناس وهو ما ورد عن بعض السلف من ترك الأسباب واعتمادهم على الله في حصول المسبب وقد أجاب عن هذا ابن القيم -رحمه الله- فقال:
(قد تعرض للصادق أحيانا قوة ثقة بالله، وحال مع الله تحمله على ترك كل سبب مفروض عليه، كما تحمله على إلقاء نفسه في مواضع الهلكة، ويكون ذلك الوقت بالله لا به؛ فيأتيه مدد من الله على مقتضى حاله، ولكن لا تدوم له هذه الحال، وليست في مقتضى الطبيعة؛ فإنها كانت هجمة هجمت عليه بلا استدعاء فحمل عليها ؛ فإذا استدعى مثلها وتكلفها لم يجب إلى ذلك.
وفي تلك الحال إذا ترك السبب يكون معذورا لقوة الوارد، وعجزه عن الاشتغال بالسبب فيكون في وارده عون له ويكون حاملا له فإذا تعاطى تلك الحال بدون ذلك الوارد وقع في الحال.
وكل تلك الحكايات الصحيحة التي تحكى عن القوم فهي جزئية حصلت لهم أحيانا، ليست طريقا مأمورا بسلوكها، ولا مقدورة، وصارت فتنة لطائفتين:
طائفة ظنتها طريقا ومقاما، فعملوا عليها فمنهم من انقطع، ومنهم من رجع، ولم يمكنه الاستمرار عليها، بل انقلب على عقبيه.
وطائفة قدحوا في أربابها، وجعلوهم مخالفين للشرع والعقل مدعين لأنفسهم حالا أكمل من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذ لم يكن فيهم أحد قط يفعل ذلك ولا أخل بشيء من الأسباب وقد ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يوم أحد ولم يحضر الصف قط عريانا كما يفعله من لا علم عنده ولا معرفة. واستأجر دليلا مشركا على دين قومه، يدله على طريق الهجرة وقد هدى الله به العالمين، وعصمه من الناس أجمعين، وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين.
وأكمل المتوكلين بعدهم هو من اشتم رائحة توكلهم من مسيرة بعيدة، أو لحق أثرا من غبارهم، فحال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها بها يعلم صحيحها من سقيمها.
فكانت همم الصحابة – رضي الله عنهم – أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعي، فيجعله نصب عينيه، ويحمل عليه قوى توكله.)
فإذا فهم العاقل سر هذه المسألة وتبين له وجهها، وعمل بموجبها؛ كان ممن دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ويتبين له وجه إيراد آخر هذا الحديث حيث قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
ويتبين أن استدلال أهل العجز والكسل والتواكل بقوله تعالى ( قُلْ لَنْ يُصِيبنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا) على كسلهم وعدم أخذهم بالأسباب هو استدلال في غير محله ومن الكذب على الله، لأن هذه الآية إنما هي رد على المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، والتي جمع النبي –صلى الله عليه وسلم- لأجلها أموال أصحابه وأعد لها العدة التي يستطيعها على قلة المال وضعف الحال، فلما فعل كل هذا أمره ربه عز وجل أن يقول لهم عندئذ: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ليبين لهم أن الأسباب لا تخرجهم عن قدرته وقدره.
فهو صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعلم بقوله عز وجل : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) وقوله (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ) وقوله: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) فإن الله عز وجل أمر عبده حتى في حال خوفه أن يفعل ما أمر به من الصلوات، وأمره بأخذ الأسباب والحذر من الأعداء حتى وهو في هذه الحال، وشرع له الصلاة التي يناسب أداؤها الاحتياط من العدو والتأهب له.
فمن فعل ما أمره الله به من المأمورات بالأدلة الخاصة، وسعى لتحصيل الأسباب التي دلت عليها الأدلة العامة والخاصة وما فطره الله في نفوس العقلاء كان هو المطبق لمراد الله والمتبع لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما من برر عجزه وكسله بترك تحصيل الأسباب لأجل اشتغاله بالأمر الشرعي أو برر تركه للأمر الشرعي لأجل اشتغاله بالأسباب فهو المطبق لمراد إبليس الرجيم والمتبع لسنة المنافقين الملعونين.
وهذه المعاني كما تشمل الجهاد بالسلاح فهي تشمل الجهاد الإعلامي الذي صرح وزير الدفاع الأمريكي رامسفليد بأن عمل الجهاد الإعلامي في العراق كان يعادل كتيبة هندسية أمريكية بأحدث عتادها، فإذا لم يفهم المشارك في هذا الجهاد أهمية جهاده وأن العدو يقارن عمله مع إخوانه بكتيبة كاملة، ضعف عمله وسهل استهدافه، وهذا قد يسهل لو كان الأمر مقتصرا على الأخ المفرط بما أمره الله به من أخذ العدة والحذر من عدوه! ولكن الأمر يتعدى إلى إخوانه باستهدافهم ومعرفتهم وتوقف الأعمال والمشاريع التي كان يشارك فيها.
ولما للتواصل في الجهاد الإعلامي من أهمية لا تخفى فقد سعى إخوانكم في اللجنة التقنية لمركز الفجر لتطوير ما سبقهم من جهود ، إذ لا يخفى تطور علم التشفير مع مرور الزمن وضرورة مواكبة أحدث التقنيات في هذا المجال امتثالا لأمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعداد العدة والأخذ بالأسباب في كل سعي لنصرة دين الله.
فيسعد إخوانكم أن يقدموا لكم برنامج (أمن المجاهد) بعد جهد طويل بذلوه في إعداده والسعي لإتقانه، وهو جهد يغطي جانبا مهما من جوانب أمن الشبكة العنكبوتية ولا يغني عن بذل الجهد والاجتهاد في تغطية جوانبه الأخرى عبر جهود المؤسسات أو الأفراد.
سائلين المولى عز وجل أن ينفع به إخواننا المجاهدين وأن يكون عونا لهم على طاعته وإغاظة أعدائه.
_________
To inquire about a translation for this statement for a fee email: [email protected]