الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد:
فيا أخي المجاهد هذه بعض النصائح، جمعتُها لكَ من أفواهِ الرجالِ وبطونِ الكتبِ، ولست أَدَّعي حِكْمَةً، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بها، والله من وراء القصد.
1) الإخلاصُ لله في القول والعمل؛ فإنّ الله لا يَقْبَل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً، قال الرسول r: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وقال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ؛ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ).
– وفي ذلك الفوز بالدارين؛ قالَ رَسُولَ اللَّهِ r: َ(تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ).
– واقصِدوا بجهادكم أن تكون كلمة الله هي العليا؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
2) اسألوا أهل العلم عما يَلْزَمُكُم في كل ما يَطْرَأُ عليكم في فريضة الجهاد في سبيل الله؛ فإن الإجماع منعقدٌ على أن العلم قبل العمل، قال رسول الله :: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، فلا تَقْتُلْ ولا تَغْنَم إلا وأنت تعلم لماذا تفعل؟ وحَدُّه الأدنى أن يُفْتِيَكَ من تَثِقُ به في علمِه ودينِه.
3) إياك وأن تحابيَ في نصرة الله ذا قُرْبى أو ذا مودة، وإنا لنعلم أن ذلك يَشُقُّ على النفس لكنْ تَذَكَّرْ قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} فإنّ حقّ الله أوجبُ ونُصْرَةَ دين الله أَلْزَمُ.
4) والله إني لأُحِبُّك وأحبُّ ما يُنْجِيْك؛ فاسمع نصيحتي في مسألةٍ مهمة مسألةِ “التكفير”، قال :: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)؛ فاعلم يا أخي أن اسم وحكمَ الكفر حقٌّ لله تعالى لا يجوز إنزالُه إلا على من يستحقه شرعًا، وأن له شروطًا وموانع ، فلا نُكَفِّرُ إلا بعدَ استيفاءِ الشروط وانتفاءِ الموانع، وقد يَصْدُر مِن المرءِ قولُ الكفرِ أوعملُه ولا يَكْفُرُ لقيامِ مانعٍ من موانعِ التكفير، ومَنْ ثبت إسلامُه بيقين فلايَخْرُج منه إلا بيقينٍ؛ فإياك والظنَّ، وكُنْ على بينةٍ مما اختَلَف فيه أهلُ العلمِ العاملون.
5) الوفاءُ بالعهد والأمان الصحيحين شرعاً، والحذرَ الحذرَ من تسويلات الشيطان؛ قال تعالى: { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} وقال رَسُولُ اللَّهِ :: (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهم عَلَى قَاعِدِهِمْ).
– واعلم أنا لم نُجِزْ لأحد من الجنود عقدَ العهود أو أخذ الأمان، وأن ذلك لأمير المؤمنين أو من ينوب عنه، فنِظْرَته -غالباً- أشملُ وأقْدَرُ على معرفة مصالح الدولة.
6) الاجتهادُ في الطاعة والحذرُ من شُؤْمِ المعصية وشرِّ نفسِك والشيطانِ؛ فقد أوصى الفاروق عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: […فإني آمرُك ومَن معك من الأجناد بتقوى الله، وآمرُك ومَن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوهم، واسألوا الله العونَ على أنفسكم كما تسألوه النصرَ على عدوكم].
7) الصلاةَ الصلاةَ يا جنود الله، فإنها تُقَوِّي القلوب وتنشطُ الجوارح وتَنْهى عن الفحشاء والمنكر، وهي محلُّ مناجاة الربّ وطلبِ النصر، وأقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهي عِماد الدين وشِعار المسلمين، فلا تؤخرْها إلا لعذر، يعلم الله صِدْقَه من عدمه.
8) إياكم والعُجْبَ بالنفسِ وحُبَّ الإطراء؛ وخاصةً بعد الظفَر على الأعداء؛ فإن ذلك من أوثَقِ فُرَصِ الشيطان، ليُضَيِّعَ ثمرة جهادِكم وطولَ رباطِكم في الدنيا والآخرة.
9) اثنتان عاقبتُهُنّ الخِزْيُ والخسران:
– البَغْي؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ؛ فلا ظَفَرَ مع بَغْي.
– والمكر ؛ قال تعالى:{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ }؛ فلا صداقة مع خِبّ.
10) اكسِر نفسك عند الشهوات، فليس كل ما يشتهى يُطلب )إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ(، وعليك بالصيام تُرْزَقِ العفاف، وعلى الجملة: امْلِكْ هواك، وشُحَّ بنفسك عما لا يَحِلُّ لك؛ فإنَّ الشُّحَّ بالنفس الإنصافُ منها فيما أحبَّتْ أو كَرِهَتْ.
11) اصدُقِ الله فيما وُلِّيْتَ من عَمَلٍ ولا تَتَكَلَّف ما كُفِيْتَه؛ فإن الله ليس بسائلك عنه، بل تَحَرَّ الصدقَ في أمرك كله؛ فإن الصدق مَنْجاة والكذبَ مَهْواة، و(كفى بالمرء إثماً أن يُحَدِّث بكل ما سمع).
12) كن لإخوتك موافقاً في كل شيء يُقَرِّبُك إلى الله ويُباعِدُك عن معصيته، وأَكْثِرِ التَّبَسُّم في وجوهِهم، واسمع لمن هو أكبرُ منك، وإذا رأَيْتَهم يَعملون فاعمل معهم؛ فإن قعودَك يُوْغِر الصدور، وإنْ عَزَّ أخوك فَهُنْ، واعلم أنه ليس من العَدْلِ سُرْعَةُ العَذْلِ.
13) لا تَطْلُبْ عيوبَ الناس، وخاصةً أميرَك وإخوانَك فاسْتُر عيوبهم ما استطعت يَسْتُرِ اللهُ عَيْبَك، ولا تحاول كشف ما غاب عنك منها، قال :: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا).
– وقد ورد عن مالك رحمه الله قوله: [أَدْرَكْتُ بالمدينةِ أقواماً ليس لهم عيوبٌ فبحثوا عن عيوبِ الناس فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركْتُ بها قوماً كانت لهم عيوبٌ سَكَتوا عن عيوبِ الناس فسكت الناس عن عيوبهم]
14) اعلموا يا جنود الله أننا وإياكم نتشرفُ بإقامة وحمايةِ دولة الإسلام في بلاد الرافدين، ولكن اعلموا أنها ليستْ دولةَ “هارون الرشيد” لنخاطب السحابةَ في السماء كما كان، وإنما هي دولة المستضعفين؛ نخاف من العدوِّ ونُرْعِبُهم، كما كان الصحابة في دولة الإسلام الأولى بالمدينة لا يتركون السلاح من الخوف، ولربما تسلل يهودي حتى يطوف بحصن فيه النساء والذرية لا يجد من يقتله إلا امرأة، وعليه فتَرَفَّقُوا بالناس وأَشْعِرُوهم حلاوةَ الإسلامِ وعِزَّتَه، وإياكُم أن تُشْعِرُوهم الخوف من الإسلامِ وأحكامِه، وإن كانَ ثَمَّةَ أَمْرٌ مُرٌّ على أهلنا فاعملوا له من الحُلْوِ والطَّيِّب من القول والفعلِ ما يَتَقَبَّلُ الناسُ مُرَّه، وعلى الجملة: حَبِّبُوا للناس دينه وأحكامَه ودولة الإسلام؛ فخيارُ عبادِ الله الذين يُحَبِّبُونَ عبادَ اللهِ إلى الله، ويُحَبِّبُون الله إلى عبادِه، وهم يَمْشُون على الأرض نُصَحاء.
15) قال الصاحبُ بن عَبّاد: [تَهَيُّبُ السلطانِ فرضٌ أَكِيْد، وحَتْمٌ على من ألقى السمع وهو شهيد]، فأشْعِر نفسك إجلالَ أميرِ المؤمنين؛ فـ(إنَّ مِنْ إِجْلال الله إكرامَ ذي الشيبةِ المسلمِ …. وإكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط)، وطاعتُه في غير معصيةٍ واجبةٌ عادلاً كان أو جائراً، وإياكم والطعنَ فيه بغير حق؛ فقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب توبق العبد، ومِن وصيةِ أَكْثَمَ بن صَيْفِيّ: [أَقِلُّوا الخلافَ على أمرائكم … فإنه لا جماعةَ لمن اختُلِفَ عليه].
16) سَلِّمْ لأميرك، وانزِلْ عند رأيه وتدبيرِه، حتى لا تَخْتَلف الكلمةُ ويَتَفَرَّق الصفُّ، مادام الأمرُ رأياً أو مسألةً اجتهاديةً أو له وجهٌ من الشريعة وليس معصيةً بَحْتَةً، وما دُمْتَ تطلبُ الأجرَ فإنَّ الأجرَ في السمعِ والطاعةِ ما لم يُخالفِ الشرعَ.
لا تَكْتُمْ عن أميرِكَ أمراً ترى في ذكره مصلحة شرعية كفساد على المجموع؛ فإنّ إخبارَه مِن النصحِ وعكسُه من الغِشّ، وليسَ هذا من الغيبةِ المُحرمةِ ولا النميمةِ المذمومةِ شَرْطَ أن يكونَ ما تَرْفَعُه قد ثَبَتَ عندَكَ بيقينٍ أو غلبةِ ظَنّ، قال النووي: [فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا مَنْع مِنْهَا؛ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا …. أَخْبَرَ الْإِمَام، أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ بِـ”أَنَّ إِنْسَانًا يَفْعَل كَذَا، وَيَسْعَى بِمَا فِيهِ مَفْسَدَة”، وَيَجِب عَلَى صَاحِب الْوِلَايَةِ الْكَشْف عَنْ ذَلِكَ وَإِزَالَته؛ فَكُلّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَدْ يَكُون بَعْضه وَاجِبًا، وَبَعْضه مُسْتَحَبًّا عَلَى حَسَب الْمَوَاطِن].
– وإياك وأن تكونَ خائناً أو أميناً للخونة؛ فقد كان يقال: “كفى بالمرءِ خيانةً أن يكون أميناً للخونة”؛ قال تعالى: { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}
17) اصبر على أميرك ولو جَار؛ فإن هذا من فروض الدين؛ قال رسول الله :: (مَن رأى من أميرِه شيئاً يَكْرَهُه فلْيَصْبِرْ عليه )
– وهذا ما حَدَّث به عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن مطيع بن الأسود لَمّا خلعوا طاعة أميرِ وقتِهم “يزيد”، مع أنه كان فيه من الظلم ما كان، ففي صحيح مسلم: …جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُهُ: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً).
– وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: [وأرى الجهاد ماضيًا مع كل إمام؛ براً كان أو فاجراً… وأرى وجوبَ السمع والطاعة لأئمة المسلمين؛ بَرِّهِم وفاجِرِهم ما لم يَأْمُروا بمعصية الله].
18) أينما كنتُم في أرض الجهاد فعليكم بالحراسة ليلاً، ولا أُحِلُّ لثلاثةٍ يَنامُون وليس لهم أميرٌ ولا عليهم حارسٌ، وكان من وصيةِ أبي بكرٍ t لأحدِ قواده: [احترِسْ من البَيَات؛ فإن في العربِ غِرَّةً]، ولا تَنْشَغلْ عن نَوْبَتِكَ في الحراسةِ بشيء؛ فأنتَ على ثَغْرٍ، فاللهَ اللهَ في إخوانِك.
19) الإعدادَ الإعدادَ أخي المسلم؛ فإن الله قال: )وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ(، ومِن الإعدادِ التمريناتُ الرياضيةُ التي تَسْتَجْلِبُ القوةَ البدنيَّة، والحركاتِ القتالية، وقد قيل: كلُّ شيء طلبتَه حين احتياجه فقد فات وقتُه، فأَعِدَّ لغَدٍ قبل دخولِك في غَدٍ.
20) الرباطَ الرباطَ؛ أي اربِطْ نفسَكَ للجهادِ في سبيل الله؛ لحفظِ الثغور، وتكثيرِ السواد، وإرهاب العدوِّ، ولو طال بك المُقامُ؛ فإنْ كنتَ في مكانٍ تَخافُ العدوَّ ويخافُك فذاك الرباط؛ قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(، وقال :: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها).
21) أخي لا تَتَمَنَّ لقاءَ العدو -إنْ كان تَمَنِّيْكَ عن إعجابٍ أوفخرٍ أواتكالٍ على النفوس أو نَحْوِ هذا-؛ قال رسول الله :: (لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ)، وعليك بالدعاء عند التقاءِ الصفينِ؛ فهو مجاب، وقد دعا النبي r يومَ الأحزاب: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ)، وكان من دعائه (اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ).
22) جَرِّئُوا قلوبَكم؛ فإنه من أسباب النصر والظفَر، واعلم أن أشدَّ الأمور تدريباً لجندِ الله تَعَوُّدُ القتالِ وكثرتُه، وأكثِرُوا ذِكْرَ الضغائنِ على العدو؛ لأنها تبعث على الإقدام؛ فتَذَكَّروا أن العدو اغتصبَ أمهاتِكم وأخواتِكم وصَدَّكم عن الجمعة والجماعاتِ وقطعَكم عن الزرع والتجارة، وبالجملة: لم يَتْرُك لكم شيئاً من أمور الدين والدنيا.
23) إذا سِرْتُم إلى عدو فعليكم بالأَدِلّاء إن لم تستطعوا دراسة أرضكم وأرض العدو، وخذوا الكفاية من الزاد “سلاح، وطعام، ودواء”، ولا تُفارقْ ما يُعِيْنُكَ على جهادِك، فتَحَرَّكْ بسلاحِكَ وإبرتِك وخيطِك وكَشَّافِك، واحمِلْ من الدواء ما يُسْعِفُ الجريحَ ويُقَلِّلُ الآلامَ، وتَخَفَّفْ من الثياب.
24) [اعْمَلْ عملاً صالحاً قبلَ الغزو؛ فإنما تقاتلون الناس بأعمالكم]، وخيرُ الأعمال وَحْدةُ الصفِّ، وجَمْعُ الكلمة؛ قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} ، وإياكم واختلافَ النّيات؛ لأن الكلمة إذا اجتمعَتْ واختلفتِ النياتُ كان ذريعةً إلى اختلافِ ذاتِ البَيْنِ، واعلمْ أن المرءَ بإخوانِه، وكما قيل في المثل: “المَهِيْن من نَزَلَ وَحْده”.
25) لا يَهُوْلَنَّكُم عَدُوٌّ؛ قال تعالى:{ قال رجلان من الذين يخافون أَنْعَمَ الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}
واعلموا أن النصر والتمكين بيد الله وحده: { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، قال الطبري في تفسيره: [“فلا غالب لكم” من الناس، يقول: فلن يغلبَكم مع نصرِه إياكم أحد، ولو اجتمعَ عليكم مَن بينَ أقطارِها مِنْ خلقه، فلا تَهابوا أعداءَ الله لقلةِ عددِكم وكثرةِ عددِهم، ما كنتم على أمره واستقمتُم على طاعتِه وطاعةِ رسولِه؛ فإنَّ الغلبةَ لكم والظفَرَ دونَهم]، فاستَنْزِلوا النصرَ من الله بدعائِكم، واستغيثُوا به؛ فلعبادةِ الدعاءِ أثرٌ عجيبٌ في النصر وتصحيحِ النياتِ، قال الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}
26) ابذُلُوا غايةَ الجهد في قتال العدو الصائلِ، وإياكم والكسلَ والعجزَ فهما داءان خطيران استعاذ منهما النبي ؛ فاستعيذوا منهما، واعلموا أن الأجر -في مثل عبادَتِنا- على قَدْرِ المشقة؛ قال تعالى:{وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، وقال :: (احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واستعنْ بالله ولا تَعْجِز).
27) [يا أهل الإسلام! إنّ الصبرَ عِزٌّ، وإنّ الفشلَ عَجْز، وإن النصر مع الصبر]، وإن الجبن مَقْتَلَةٌ والحرصَ مَحْرَمَةٌ، ومَن قُتِلَ في الحروب مُدْبِراً أكثرُ بكثير ممن قُتل مُقْبِلاً، وقد كان الفرضُ في أول الإسلام ألا يَفِرَّ المسلمُ عن عشَرةٍ؛ فما أحوَجَنا لذلك اليوم، قال تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُِ}؛ فصابِرْ مع أميرِك وصبِّرْهُ في القتال وعند التحام الصفين؛ فالمصابرة من لوازم النصر، وعواقب الصبر محمودة، وعاقبة الصبر النصر، ولا تُبْلَغُ الغاياتُ بالأماني.
28) يستحب التكبير عند مشاهدة العدو؛ لقول رسول الله r حينما رأى “خيبر” خرجوا بالمَساحِي: (الله أكبر -ثلاث مرات- خَرِبَتْ خيبرُ؛ إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فَسَاءَ صباحُ المُنذَرين). قال النووي: [فيه اِسْتِحْبَاب التَّكْبِير عِنْد اللِّقَاء]، والتكبير مندرج في عموم ذكر الله المستحب عند اللقاء.
– ولكن عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله :كان يكره رفع الصوت عند القتال، وعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عِنْدَ الْقِتَالِ، وقال عتبة بن ربيعةَ لأصحابه يوم بدر لما رأى عسكر رسول الله: [ألا ترونهم … يَتَلَمَّظون تَلَمُّظَ الحَيَّات]، ولَمّا سَمِعَتْ عائشةُ رضي الله عنها أصحابَها يومَ الجملِ يُكَبِّرون قالت: [لا تُكْثِرُوا الصياحَ؛ فإنَّ كثرةَ التكبيرِ عند اللقاءِ من الفشل]، فالإسرار هو المستحب أثناء الالتحام إلا ما كان في الكرّات والحَمْلات.
29) إياكَ وأن تَغُلَّ شَيئاً من المَغْنَم؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، ويُروى عن ابن عباس: [ما ظَهَرَ الغُلولُ في قوم قطُّ إلا أُلْقِيَ في قلوبهم الرُّعْبُ].
30) وصيةٌ من الله جَمَعَ لنا فيها أدبَ الحرب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (54) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
– ووصيةٌ من رسول الله : (اُغْزُوا في سبيل الله؛ تقاتلون مَن كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِروا ، ولا تُمَثِّلوا…)
31) الدعاءَ الدعاءَ بظهر الغيب لأمير المؤمنين ثم لأخيكم المسكين؛ فمَنْ كان على أخيه ودينه مشفقاً فلا يَحْرِمْه من دعوةٍ في السَّحَر وفي السجود وعند الأذان وأهمُّها عند التقاء الصفين، قال الفضيل بن عِياض: [لو كان عندي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في الإمام؛ فإنه إذا صَلَحَ أَخْصَبَت البلادُ وأَمِنَت العباد] فقبَّلَ ابن المبارك رأسَه وقال: [لا يُحْسِنُ هذا غيرُك].
وإني داعٍ فأمِّنُوا:
اللهم ارزقني الإخلاص في القول والعمل، اللهم ثَبِّتْني على الحق وسَدِّدْ رأيي، اللهم لَيِّن قلبي لأهل طاعتك بموافقة الحق وارزقني الغلظةَ والشدة على أعدائك، اللهم إني ضعيف عند العمل بطاعتك؛ فارزقني النشاط فيها والقوة عليها، ولا تجعلني من الغافلين، اللهم اجعلني عندك عظيماً وفي نفسي وَضِيْعاً وعند إخواني محبوباً مُهاباً، اللهم أَعِذْني من الأسر وارزقني شهادةً في سبيلك، ولا تأخذني على غِرَّة، وأحسن خاتمتي في الأمور كلها يا مُقَلِّبَ القلوب.
أخوكم
أبو حمزة المهاجر
11/رمضان/1428
والله أكبر
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
دولة العراق الإسلامية /وزارة الإعلام
المصدر: (مركز الفجر للإعلام)