طالبني العديد من الإخوة مؤخرا باتخاذ موقف من “حزب النور السلفي” بمصر، خاصة بعد انحيازه لصف العسكر وجبهة الـ”إنقاذ”. والإخوة يتوقعون مني أن أكيل الشتائم لهذا الحزب ومواقفه.
والصحيح إخواني أن مواقف “حزب النور” نابعة من منهجه، والذي أرى فيه انحرافات عديدة. فما يهمني هو نقاش هذه الانحرافات أكثر من مناقشة المواقف، وبيان أن هذه الانحرافات المنهجية هي ذاتها الانحرافات الموجودة لدى معسكر أنصار د. محمد مرسي…نفسها بلا اختلاف! فأَولى بنا العمل على تشخيص هذه الانحرافات والتخلص منها بدلا من الانتصار لفريق على حساب الآخر.
ما هي هذه الانحرافات؟:
1. التخبط في استخدام مصطلح المصلحة والمفسدة، بحيث تُمارس الموبقات باسم هذا المصطلح الشرعي الذي أسيء توظيفه جدا ليبطل كل نص شرعي. فـــ”حزب النور” يتخذ مواقفه باسم مصلحة الدعوة وتجنب مفسدة الدماء. والمشايخ المؤيدون لمحمد مرسي استخدموه من قبل لدعوة الناس إلى التصويت بــ(نعم) للدستور الشركي، ولتبرير الاشتراك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ظل نظام وضعي، ولتخذيل الناس عن استكمال الثورة، ولا زالوا يستخدمونها تبريرا لمصطلحات الشرعية والديمقراطية والصناديق، وبالمصطلحات ذاتها كمصطلحات “حزب النور”: “حقنا للدماء”، “خروجا من حالة الفوضى”، “لئلا تدخل البلاد في نفق مظلم”…
فكما كنتم تبررونها بالمصلحة والمفسدة فــ”حزب النور” يبرر مواقفه بها أيضا.
وبما أن النصوص أُهملت والأهواء أُعملت فما هو إلا تفاوت التقديرات، ولا يعتبْ أحد على أحد!
2. الركون إلى الذين ظلموا، كالجيش، ومداهنته بعبارات تزين باطله وتُنَفِّس حنق الناس علي: لم يأتِ “حزب النور” في ذلك بجديد، بل ما هو إلا تكرار لمواقف مشايخ يهاجمون “حزب النور” الآن بينما هم قد غازلوا الجيش ودافعوا عنه وخذَّلوا الناس عن الثورة عليه أيام كان يقتل المسلمين ويسحل الفتيات في التحرير…هم أنفسهم الذين دعوا للجيش على عرفة كما يُدعى للصالحين من أمراء المؤمنين! وقال قائلهم: (أقولها لله: إن الجيش ما خان)، وطالب الآخر الجيش بحماية “طريق الديمقراطية الذي سرنا فيه”، وكان يتغنى بدخوله على اللواء وزير الداخلية واللواء رئيس الأمن الوطني وتقبيلهما له!
وهي أيضا كمواقف د. مرسي المتكررة في الثناء على الجيش وقياداته. وفوق ذلك، والأهم منه حملة سيناء التي قال عنها د. مرسي: “الحملة التي أقودها بنفسي”، والتي بينَّا أنها استهدفت جماعات مجاهدة لا علاقة لها مطلقا بحادثة قتل الجنود، وأن هدفها القضاءُ على المجاهدين في سيناء وتأمين حدود ما يسمى بإسرائيل وخطوط الغاز إليها، كما في كلمة (الحملة العسكرية في سيناء-حرمة تصديق الافتراءات)…
وكلمة (الحملة على سيناء-ما عذركم أمام الله)…
وبينا أنها حظيت بدعم استخباراتي أمريكي وبريطاني…
مما أثار إعجاب العالم الغربي بالرئيس الجديد، وقدرته على حماية حدود ما يسمى إسرائيل وحربه لمن يسميهم الغرب بالإرهابيين
والمنشأ لهذه الانحرافات في المواقف واحد: الركون إلى الذين ظلموا واسترضاؤهم على حساب المسلمين.
لذا إخواني، فينبغي التركيز على إصلاح الخلل المنهجي والخور النفسي الموجود، والذي أدى ويؤدي وسيؤدي إلى التخبط والمواقف المشوهة. فمواقف “حزب النور”، ومواقف الرئاسة و بعض “المشايخ”، ما هي إلا نتاج مشؤوم بأشكال متعددة لهذا الخلل المنهجي، خاصة “اللخبطة” والتخبط في استخدام مفهوم المصلحة والمفسدة ومصادمة النصوص به…والتي لا زال أنصار كثير من أنصار د. مرسي واقعين فيها وهم يكرسون مفاهيم الديمقراطية والصناديق و”الشرعية الشعبية”.
عندما أُهملت النصوص وأصبحت “المصلحة” المبرر الأوحد لكل انحراف، وضاعت البوصلة تماما، أصبح كل فريق يُعَيِّر الآخر: (لماذا تعيبون علينا كذا؟ أنتم فعلتم مثله أيضا)!!! وأصبح كل فريق يقيس نفسه على مسطرة الآخر العوجاء! وتسابق الفريقان في مراحل “سيكولوجيا الانحراف” التي تكلمنا عنها في سلسلة منفصلة.
فحريٌّ بك يا ـ”حزب النور” –إن كنت حريصا على مصلحة الدعوة بالفعل- أن تعود إلى الدعوة النقية ويجعل خصومتك مع د. مرسي في الله ونصرة لشريعته، لا على الدنيا…حريٌّ بك أن تعود إلى شعبك وتؤلبه على حفنة الفلوليين والكنسيين ورهبان الأزهر والعملاء الخائنين وقيادة الجيش، الذين يريدون طمس هوية مصر الإسلامية ووضع نير العبودية في رقبة المصريين من جديد…لا أن تحالف هؤلاء وتنحاز إلى معسكرهم لتظهر لحى أعضائك بجانب صلبان طواغيتهم الذين لا زالوا يحتجزن أخواتنا في أديرتهم!
حري بك يا “حزب النور” أن تعلم أن القاعدة النبوية (من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) ستجري عليك كما جرت على خصومك من قبل، وها أنت ترى بوادر ذلك في معاداة الجاهليين (العلمانيين) لك.
وحري بكم يا أنصار الدكتور مرسي من إخوان و”سلفيين” وقد رأيتم في ذواتكم وفي “حزب النور” ما يقود إليه طريق التنازلات من طمس بصيرة وقلة توفيق وتلبيس على الناس وفقدان مصداقية لديهم…حري بكم أن تعودوا إليها بيضاء نقية، وتصوبوا الانحرافات المنهجية التي أدت إلى هذا كله، الانحرافات في مفهوم “المصلحة” وفي تكريس مفاهيم الديمقراطية و”الشرعية الشعبية” التي ميعت معالم دينكم وأتت بمفاسد لا تعدلها مصلحة، كما بينا قبل عام من الآن في حلقة (مفاسد أسلمة الديمقراطية التي لا تعدلها مصلحة):
والتي ذكرنا منها: (أنها هزت صورة الدعوة والدعاة في نفوس الناس، فظهر الدعاة ميكافيليين براغماتيين نفعيين متلونين يمارسون التقية السياسية وينافسون أهل الباطل على دنياهم ومناصبهم، مما سيضرب دعوتهم في الصميم وينفر الناس عنها).
نسأل الله أن يصلحنا وإياهم جميعا، وأن يخرجنا من حالة التيه والتخبط والفرقة والتنازع التي أوقعنا فيها الحيود عن المحجة البيضاء. اللهم طهر قلوبنا ونقِّ مناهجنا وألف بين قلوبنا وانصرنا على عدوك وعدونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
__________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]