بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد …
فقد استمعت للكلمة التي ألقاها الشيخ أبي محمد العدناني الشامي – حفظه الله – والتي هي بعنوان “عذراً أمير القاعدة” ، وأعجبني ما اقترحه من مبايعة رجل صالح مؤهّل رشيد يختاره المسلمون ليكون خليفة تتوحد خلفه الأمة المجاهدة ، فهذا أمر لا يخطر على بال كثير من المسلمين في هذا الزمان ، ولو أن المجاهدين اتفقوا على رجل لكان في هذا من الخير ما لا يعلمه إلا الله ..
ولي على كلمته بعض الملاحظات التي أرجو أن يتسع لها صدر الشيخ حفظه الله :
الأمر الأول : مطالبته الشيخ الظواهري بإعلان كذا وكذا ، مما يخالف رأي الشيخ واجتهاده ، وهذا لا ينبغي ، فالإجتهاد في كثير مما ذكر له حظ من النظر ، وبعضه من السياسة التي فيها سعة ، ولا ينبغي إلزام قادة الجهاد – خاصة أهل السابقة والفضل – بإجتهاد يرون غيره أقرب للمصلحة بحكم تجربتهم وخبرتهم وعلمهم .
الأمر الثاني : استخدامه بعض الألفاظ في حق بعض الأشخاص يسعه الإستغناء عنها أو استبدالها بغيرها ..
الثالث : حصر الحكم في بعض الأمور في اجتهاد واحد وإلغاء ما سواه جزماً قاطعاً ، وقد قال الإمام الشافعي ، وهو من هو : رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ..
الرابع : الإيحاء بأن الدماء لن تتوقف ما لم يستجب الآخر للرأي الواحد ، وهذا إلزام ليس في محله ..
الخامس : الإنتقاص الضمني من الشيخ الظواهري على الملأ رداً على ما قال الظواهري في خطابات سابقة ..
بناء على ما ذكر أعلاه فإني أعيد وأكرر موجهاً كلامي هذا لقادة الجهاد ، فأقول :
لقد كنا ننتظر بياناتكم بفارغ الصبر لنعرف أحوالكم وأحوال الجهاد والإنتصارات والبشائر ، وصرنا الآن نشفق منها ومن محتواها وما يترتب عليها من ردود ومواقف ، وكلما جاء الإعلان عن بيان : وضع كثير منا يده على قلبه وأغمض عينيه وسأل الله السلامة !!
أيها الأحبة : يسعكم مناقشة مشاكل الجهاد في السر ، وليس من الحكمة ولا من العقل إعلان مثل هذه الأمور على الملأ فإن ذلك لا يخدم الجهاد في شيء ، بل يخدم أعداء الأمة الذين اندسوا بين المسلمين عامة – والمجاهدين خاصة – للتحريش والتفريق بينهم ، واذا استمرت هذه البيانات وهذه الكلمات فنخشى أن تصل إلى خط اللارجعة ، وهذا ما يريده أعداء الأمة ، فبالله عليكم أوقفوا هذه البيانات العلنية ، ولتكن المراسلات سرّيّة ، واكتموا أمركم عن عدوكم فلا ينال منكم غرّة ، فلا تنشروا إلا ما يغيظ العدو ويفرح الصديق {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (الفتح : 29) ..
أقول للشيخ الظواهري حفظه الله : ليس من الحكمة الرد على بيانات الدولة علناً ، ولتكن المراسلات في السر حتى لا يحصل تشهير ، وحتى لا يدخل بينكم شياطين الإنس ، ولا تغرنّك تعليقات هنا واستفزازات هناك ، فأنت أعقل وأحكم من أن تُستفزّ ، ولتكن علاقتك بالمجاهدين علاقة الأب بأبناءه ، فالأب أرأف وأرحم من الأخ أو الصاحب ، وهذا ما وصف الله به نبيّه صلى الله عليه وسلم ، فقال {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة : 128) ، فلتكن أحرص عليهم وأرأف بهم وأرحم من أنفسهم لأنفسهم ، وقد أنزلك الناس منزلاً لا ينبغي معه غير هذا ..
وأقول للأمير البغدادي حفظه الله : اعمل جاهداً على وقف الإقتتال الداخلي في الشام ، فإنك موقوف مسؤول (وغيرك) أمام الله تعالى عن كثير من هذه الدماء المعصومة ، واجتهد في تطوير وإعمال الجانب الإعلامي لكسب قلوب المسلمين في العراق والشام وغيرهما ، فإن خسارة القلوب خسارة الحروب .. انظر أمراء السرايا في الشام واجعل عليهم العيون فإن الأخبار التي تصلنا تجعلنا في شك من بعضهم ، وعدوّكم النصيري ماكر خبيث وأنتم أهل فطنة وذكاء .. أوقفوا هذا التراشق وأصدروا الأوامر بالتزام الأدب مع الكبار ، خاصة أهل السابقة من المجاهدين ، فإن حسن الخلق من صميم الدين ، وخيركم أحسنكم أخلاقا ، “إن أحبّكم إليّ ، وأقربكم مني يوم القيامة : أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني ، أساوئكم أخلاقاً الثرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون” (حسّنه الألباني في المشكاة) ..
وأقول للشيخ العدناني حفظه الله : يسعك السكوت عن كثير من الأمور ، وليس هذا بالأمر الهيّن ، ومثلك لا يعجز ، ونعلم أنك تركت الكثير ، ونأمل منك المزيد .. احرص على جمع كلمة المسلمين ، وانظر ما اقترحته من اختيار خليفة للمسلمين واعمل على تحقيقه فإن هذا من أعظم الواجبات على الأمة ، واستعن بالله ولا تعجز ، ولا تستعجل الأمر ، وليكن ممن يرضاه أكثر أهل الجهاد في الأرض .. راسل جميع الجبهات سراً وتشاوروا وأجمِعوا على رجل مسلم بالغ عاقل قرشي أمين عادل قادر جريء على إقامة الحدود واقتحام الحروب عالم بالشريعة ضالع في السياسة عارف بالناس ذو دهاء وحكمة ، فإن لم تجدوا فسددوا وقاربوا ، ولا يكون الإعلان عن مثل هذا إلا بعد موافقة جميع الجبهات المقاتلة المعتبرة ، وبعد استشارة أهل الحل والعقد في الأمة ليحصل المقصود من جمع كلمة المسلمين ..
أيها القادة الكرام : إن لكم علينا حق النصح ، وهذا واجبنا تجاهكم ، ونحن نبذل ما نستطيع ، وما نراه اليوم من بيانات ونسمع من تصريحات ، لا تخدم الدين ، ولا تصب في صالح المسلمين .. وددنا أن الأمر يحتمل المجاملات لكان كلامنا أقل وضوحاً وأقرب إلى التلميح ، ولكن الأمر لا يحتمل ذلك ، فالله الله في هذه الأمة ، والله الله في دماء المسلمين ..
تصافحوا ، وتصالحوا ، ورصّوا الصفوف ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ويداً على من سواكم من الكفار والمرتدين ، ولا تعينوا الشيطان عليكم في التحريش بينكم .. انظروا إلى حمص الجريحة كيف سقطت لاشتغالكم عنها ، وانظروا إلى المسلمات الأسيرات في سجون الكفار : بم انشغلتم عنهن ، وانظروا إلى هذه الدماء البريئة التي تسيل في الأرض : ما شغلكم عنها ..
والله إن الصلح لا يزيدكم إلا رفعة ، وإن الوحدة لا تزيدكم إلا قوة ، وإن التنازع لا يزيدكم إلا فشل ، فلا تسلكوا غير سبيل الإعتصام بحبل الله ، فأنتم خيرة هذه الأمة ، وفي اختلافكم ذهاب ريحها .. أقلّوا العثرات ، واصفحوا عن الزلّات ، وتجاوزوا الخصام ، ولينوا في أيدي بعضكم ، وتراحموا وتعاونوا ولا تختلفوا ، وسارعوا إلى جمع الكلمة ، وخيركم الذي يبدأ بالسلام ، خيركم الذي يبدأ السلام ..
أسأل الله تعالى أن يجمع كلمتكم ، ويوحد صفوفكم ، ويرفع راياتكم ، ويعز بكم الإسلام وأهله ، ويمكّنكم من رقاب أعداءه ، وأن يصرف عنكم كيد الكائدين ومكر الماكرين ، وأن يشفي جرحاكم ، ويتقبّل في الشهداء موتاكم ، ويفك أسراكم ، وتكونوا يداً واحدة على من سواكم ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
13 رجب 1435هـ
_________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]