هذه كلمة قالها العلمانيون اليساريون يوماً، وقصدوا بها أنه مفعم بالقوة في البعث والتأثير كقوة البيان الذي كتبه ماركس وإنجلز، وشرحه وكتب له مقدمة بعد ذلك تروتسكي في سنة ١٩٣٧، والبيان طبع بلغته الإنجليزية في سنة ١٨٧٢ كما هو معلوم.
كان عمر ماركس يومها ٢٩ سنة، وعمر أنجلز ٢٧سنة.
هل يملك البيان الشيوعي أي قوة ما تصنع فكراً وثورة؟
ماركس رجل عادي، لا يملك قوة تفكير معتبرة، ولكن قوته القدرة على توظيف أفكار سابقة، وصناعة درجة صغيرة فوقها ليبدو عملاقاً، ولذلك كل أفكاره مسروقة، وأغلب الكتابات التي صدرت له إنما صدرت بعد موته، وظن كل عاقل أن سبب كتمانها أنها مجرد (خربشات) يستحي صاحبها من نشرها، وإنما وجد من يعظمها بعد ذلك، فأخرجت كأنها كتب منزلة، ولذلك فماركس لم ينشر إلا الجزء الأول من ثلاثة أجزاء من رأس المال.
لما نشر اليهودي ليون تروتسكي هذا الكتاب اعترف أن كثيراً من أفكار ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي قد شاخت، وما نشرها إلا باعتبارها وثيقة تاريخية، والحقيقة أن كل ما كتبه ماركس انتقض وزالت أدلته، وبان فسادها، وليس هذا موطن شرح ذلك.
صارت عبارة مانفستو (بيان) تطلق على كل دستور فكرة تدعو لقضية ثورية تغييرية، ولهذا لما رأى العلمانيون اليساريون تأثير معالم في الطريق في بنية الحركات (المتطرفة) جعلوه بمعنى البيان (المانفستو) ولم ينشط أحد للبحث عن قواسم مشتركة قط في بنية البيان وبنية المعالم للتفتيش عن وجود قواسم خارج إطار عقيدة وسلوك الطرفين من شيوعيين ومسلمين.
يمكن لك أن تجد الكثير من القواسم بين ماركس وإنجلز من جهة وبين سيد قطب من جهة أخرى في كون الفريقين رجلين، وكل منهما له عين وأذن ولسان وقامة منتصبة ولون بشرة متقاربة، بل يمكن أن ترى قواسم للشخصية النفسية لكليهما، وهنا يحضرني ذكرى رجل حدثني أنه كان يشتغل في إذاعة إحدى الدول، فحضر رجل قد كتب كتاباً يذكر فيه الصفات المشتركة بين حاكم هذه الدولة، والتي يحرك عصاته فتنطق منها الحكمة والهندسة والتخطيط وبين الفيلسوف ديكارت، وكان القاسم بينهما هو كونهما مؤمنين بالله تعالى!.
خرجنا من موافقة سيد قطب في المعالم وبين المانفستو لندخل في تطور جديد، وهو مشابهة معالم في الطريق لكتاب لينين: ما العمل، لنفتتح المشابهة في كون الكتابان كتبا للعمل والممارسة ومن هو سالك في طريق التغيير!
يمكن للذاهب إلى مصنع الألبسة أن يكتب له كلام ننصحه فيه نصيحة ما فيكون هناك وجه مشابهة بين هذه النصائح وبين معالم في الطريق، لأن سيد كتبه ل(سائر على الطريق) كون الكتاب معالم على الطريق،ولا يقال هذه معالم إلا للساير والعالم!.
أرأيت عبقرية المقارنة والبحث!؟.
بين مانفستو الشيوعيين وكتاب لينين ما العمل زمن طويل، واختلاف في المقصد، لأن البيان الشيوعي بيان تحريضي في مجمله، مع خلط للعقائد الماركسية المادية، وتفسير التاريخ وعلة الصراعات فيه، تطمينا أن صراعات الشيوعي هي ضمن سياقات صراعات التاريخ وليس مخالفة لها، مع كلام فارغ كثير، وأما كتاب لينين فهو كتاب لتنظيم، ليس لبيان عقيدة، ولا لشرح نظرية، إنما هو معالجة للتنظيم، وتثقيف له في سلوكيات داخله.
ليس لينين عندي بالرجل العادي، وهو يملك قوى تنظيمية عالية جداً، ولا أرى له في العالم الجاهلي مثيلاً إلا هتلر، وعبقريته في قدرته على صناعة أرجل لنظرية خائبة فاسدة، هي النظرية المادية الماركسية، وقد أصلح أغلبها فيما يتعلق بالسلوك التاريخي للفكرة، فبدل الحتمية أتى بحرق المراحل، ومواضيع كثيرة، كان يشرحها كضرورة لانتصار الماركسيين، وقد نجح، لأخذه بعالم السنن في التنظيم والدعاية والتحالفات، وفن الخداع والمكر.
ما هي مسائل كتاب لينين ما العمل؟ يقول هذا اليهودي الخطير: تحريضنا السياسي ومضمونه الرئيسي، ومهامنا التنظيمية، ومشروع إنشاء منظمة كفاحية لعامة روسيا.ا،هـ
هذه هي مطالب كتاب ما العمل؟
هل يجوز لنا أن نجعل هذا الكتاب من جهة أصولية مقارنة مشابها وأصلا لكل كتاب تكلم عن ضرورة قيام حزب لتنفيذ فكره؟
هل يجوز أن نجعل كل كلمة مفاصلة إيمانية بين المؤمن وبين الكافر هي شبه معنى التحريض الحزبي ضد الخصوم؟ وهل بناء الأحزاب في كل مفاصل التاريخ إلا بهذا المعنى!؟.
أين في كل كتاب سيد معالم في الطريق ولو كلمة واحدة تشير إلى أن هذا الكتاب هو بناء داخل لتنظيم يقصده ويتعامل معه؟
نعم، تجد فيه ضرورة الجماعة المؤمنة، لكن هل هذا يصلح شيئا مشتركا خاصاً بين كتاب لينين وكلام سيد، وخاصة أنك تجد هذا في كلام كل من تعامل مع حزب أو أنشأ حزباً كأبي الأعلى المودوي وعبد السلام ياسين وتقي الدين النبهاني؟
كل ما قاله أحد عن التشابه بين معالم سيد وما العمل للينين يصلح تماما على أبي الأعلى وعبد السلام ياسين، حتى في كون الفريقين شاعرين أديبين.
حتى في القراءة العلمية، فسيد كان يتحدث عن فهم قرآني وتاريخي، ومرجعه لتأييد فكرته القرآن والتاريخ، وغيره كان يتحدث عن ماركس والتاريخ والواقعية، فكون وجود مرجع لمتكلمين لا يصنع تشابها بين الحالتين.
حقيقة كانت محاولة تشبه بمحاولة رجل عجوز يقفز قفزة أولومبية خطيرة، فشق ظهره.
حقيقة لا أنكر أن سيد من ولد آدم، وكذلك لينين كذلك، لكن شتان ما بينهما، وكما لا أنكر عبقرية لينين، والتي بناها من الملاحظة والتجربة، لكني أنكر تماماً تشابه كتابيهما في مواضيعها العلمية، ولكن يبقى كلامهما لقضايا التغيير .
—————
بعد إدراك القوم من الحاكمين خطورة كلام سيد في كتبه المتأخرة كالظلال والمعالم وجهوا الهجوم نحو سيد ومعالمه، ولم يستطيعوا قط من خلال خطاب ديني أن يدحضوا بنيته الشرعية، خاصة أن لحمته متلونة في داخلها بما قامت عليه المدرسة السلفية، من جهل الناس بمفهوم التوحيد، وضرورة بنائهم العقدي أولا، وسيد أطلقه على قوى المجتمع الجامعة، والسلفيون أنزلوه إلى الأفراد، وتلاشى الكلام عن هذه القوى للتحالف بين جمع المشايخ وهذه القوى الحاكمة، فنزل الخطاب السلفي، وخاصة الوهابي من الكلام عن الحكومات، كالدولة العثمانية، إلى الأفراد والتجمعات المكونة فرعياً للمجتمع كأصحاب المدارس الفقهية والصوفية وغيرها، ولذلك كان هجومهم على هوامش سيد خلال رحلته التي عاشها مضطربا حتى انتهى إلى الظلال، وذلك لإسقاط الجوهر لهذا الإنتهاء، وهو جاهلية الحاكمين بغير شريعة الرحمن.
فأخرجوا لنا سيد قطب الصوفي القائل بوحدة الوجود، والمعتزلي سيد قطب لإنكاره سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وسيد قطب الرافضي الذي تكلم ظالما في عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهكذا شيأوا لنا سيد قطب لحرف الناظرين عن جوهر القضية، وهي قضية مسبوق فيها، وله فضل الصياغة الأدبية والامتلاء النفسي اللازم للقضية، وهي حاكمية الله تعالى.
اليوم موسم الهجرة لفن جديد، يبدأ اللحن أن سيد صناعة فكرية من الغير، والحق أنها كلمة لم تقل إلا من القليل، لكن سيبدأ ضرب الصنوج لننشغل بقضية جديدة، كما قال بعضهم إن حسن البنا في بنائه التنظيمي متأثر بفكرة الشباب النازي التي أقامها هتلر، والعلة هو بناء التنظيم!.
—
هناك مشكلة عند بعضهم، وهو قبولهم دور صناعة الهوامش لما يقوله الآخرون، وليت الآخرين هم علماء، بل هم العلمانيون.
———
انساق بعضهم لهول المشابهة، فصرخ: تعالوا لنرى النتائج لكليهما: لينين وسيد قطب، ثم أخذ يقول ويقول، ولهول ما قال نحتاج لمقال مستقل.
________________
Source: Telegram
To inquire about a translation for this release for a fee email: [email protected]