بسم الله الرحمن الرحيم
عذراً باريس ، المسلمون نسوا عندما كان ينعق بابا الفاتيكان في كل حرب صليبية أنكِ حاملة لواءه ضد الأمة الإسلامية .. عذراً باريس ، فقد نسينا أنكِ قتلت عشرات الملايين من المسلمين في حروبك الصليبية في بلاد الإسلام ، وهتكتِ عرض ملايين نساء المسلمين ، وقطعت رؤوس عشرات آلآلاف علماء المسلمين ، وسبيتِ الملايين من نساء وأطفال المسلمين ..
عذراً باريس فقد نسينا عداءك لديننا وسبّك لربّنا ولنبيّنا – صلى الله عليه وسلم – وتغييرك لثقافة بلادنا ، ومحو الإسلام من صدور أبناءنا في المغرب والمشرق .. عذراً باريس ..
نعتذر أشد الإعتذار من باريس وأهلها أنّ فينا أناس همج أشرار لم ينسوا كل هذا !! أناس فقدوا الإنسانية ليقتلوا الإنسان الباريسي في حفلة فنيّة مسرحية ومباراة ممتعة كروية !! أناس أجلاف لم تبلغهم الحضارة ولم يرتقوا لمستوى السموّ الباريسي ، وأنّا لهم هذا وهم لم يتسكّعوا في الشانزلزيه أو يُدركوا جمال الأليزيه !!
عذراً إخواننا العرب أن أفسد الإرهابيون الخوارج سياحة فرنسا ، ولعل في بريطانيا وألمانيا غنية عن باريس في قادم الزمان .. نعتذر لباريس أن نكون لها ناصحين فنقول : لا تمنعوا سياحة العرب فيضعف دخلكم وتعجزوا عن تمويل قصف العراق والشام ومالي وأفغانستان ..
عذراً باريس .. لم يفهم هؤلاء الإرهابيون معنى القوانين الدولية ، ولم يشموا رائحة حقوق الإنسان ، فهم لا يمتّون بصلة لديننا ولا لعقيدتنا ولا للإنسانية كلها ، لم يفهموا معنى الأمر بقتال الذين {أوتوا الكتاب} ، وأن المقصود بالكتاب هنا : “القرآن” كما في التفسير “السلطوي” الذي يعتمده علماء بلاط حكامنا .. ديننا الذين أمرنا بإعلان الحرب على “الكفار” الذين “كفروا بالأعراف والقوانين الدولية” كما في تفسير “الحاكمي” وتفسير “الشيخ المبطوحي” هتك الله سترهما ..
عذراً باريس : فهؤلاء الأوباش لهم تفسيرهم الخاص الذي لا يمت للدين النخبوي بصلة ، انظروا إلى استنكارات وفتاوى علماءنا الأجلّاء التي انطلقت بسرعة البرق منددة بهذه الأعمال الإجرامية ، وليس هناك أي تصادم بين هذه الفتاوى وإقرار هؤلاء العلماء الأجلاء بقتل الفلسطينيين لليهود في فلسطين ، فاليهود ليسوا نصارى كاثوليك أو بروتستانت حتى تُحقن دمائهم ونجعلهم على الرأس والعين ، ومثل اليهود : النصارى الأرثوذكس الروس الذين أفتوا بوجوب قتلهم لأنهم يقصفون سوريا .. وليس هناك أي تفسير لسكوت علماءنا الأجلاء عن قصفكم اليومي لأبناءنا في سوريا غير كونكم غربيّون نصارى كاثوليك متحضرون ..
عذراً باريس ، فهؤلاء الأشرار يريدون الخسارة الإقتصادية للدولة الفرنسية .. فتحنا لكم بكل حب وسعة صدر أجواء العراق والشام لتستعرضوا طائراتكم وتجرّبوا صواريخكم الجديدة الفتّاكة لنشتريها على بصيرة .. هؤلاء الإرهابيون يريدون وقف هذا القصف الاستعراضي لأنهم أعداء التجارة الحرة النزيهة بين الأمم ، وكأنهم يريدوننا أن نشتري هذه الطائرات دون معاينة !! ما أغباهم !!
عذراً باريس ، فهؤلاء الأشرار – لقلة وعيهم وغياب عقلهم – ظنوا أن الأطفال الذين يُقتلون بالصواريخ الفرنسية في سوريا لهم قيمة حقيقية !! هل يتصوّر عاقل مثل هذا الجنون !! أطفال سوريا يُقتصّ لهم من أبناء باريس !! أي منطق هذا وأي تخلّف وأي دناءة وحقارة أن يساوي البعض بين كائنات هامشية وأبناء الضاحية الباريسية !!
عذراً باريس ، نعتذر عن هذا الخلل الفني الذي نتمنى أن لا يعكّر صفو قصفكم لبلادنا وأبناءنا ونساءنا لتبيعوا أسلحتكم في سوق النخاسة الدولية ..
عذراً باريس ، فالذين قُتلوا في مالي ، والذين يُقتلون في أفغانستان والعراق والشام بصواريخكم السلمية ليسوا إلا فئران تجارب ، والبعض ظن أنهم أكثر من هذا ، فأي غباء وصل إليه بعض من ينتمي اسماً لهذه الأمة أن ظن أن فئران التجارب تستحق الالتفات لحظات ، فضلاً عن أن يطالب البعض بمساواتهم بأبناء باريس ، والعياذ بالله !!
عذراً باريس : سامحونا إن تطفلنا عليكم وطلبنا منكم أن لا تضيّقوا على المسلمين المهاجرين الذين تبرأ نبينا – صلى الله عليه وسلم – منهم لمجاورتهم لكم وسكناهم في بلادكم ، فهؤلاء لا ذنب لهم ، والإرهابيون لا يراعون مشاعرهم وأحاسيسهم .. أكملوا تنصيرهم ، وترقّوا بعقول أبنائهم إلى مستوى التفسّخ الأخلاقي والزندقة الفكرية التي وصلتم إليها ، ازرعوا في عقولهم معنى الحرية الإلحادية ..
عذراً باريس ، فالإرهابيون الأغبياء في كل مرة يحتفظون بجوازاته في عملياتهم الإجرامية لاعتقادهم أنهم لا يدخلون الجنة بدونها ، وقد وقعتم على كنز عظيم أن حصلتم على هذه الجوازات كما حصل الأمريكان عليها بعد تفجيرات نيويورك التي انصهر فيها الحديد الصلب وذاب من شدة الوهج وبقيت الجوازات سليمة لتشهد على واقع هذا الإجرام .. لقد وقعتم على صيد ثمين ، فهذه الجوازات نجت من الحرق والتفتّت الذي لم تنجُ من الأجساد والصخور والحديد ، فانظروا وحللوا واعرفوا من أي مادة يصنع الإرهابيون هذه الجوازات لتصنعوا بها الطائرات التي تقصف فئران التجارب في بلادنا !!
عذراً باريس : فإن أغبى محللينا السياسيين علموا يقيناً أن هؤلاء الإرهابيين عملاء لبشار وإيران ، وأنتم على جلالة قدركم وعلوّ كعبكم في المخابرات مع حلفكم الدولي لم تعلموا هذه الحقيقة بعد !! الآن وقد جاءكم عملاء بشار إلى باريس وتجرؤوا على قتل أبناء باريس ، الآن عليكم ببشار : اقتلوه ، احرقوه ، واحرقوا إيران معه ، لا تسألوا عن مصداق هذا القول ، فالمحللون عندنا يعرفون هذه الحقيقة كما يعرفون أبناءهم ، وأنتم أولى بهذا العلم من هؤلاء الأغبياء ، أنتم من جاء بالنصيرية إلى سدة الحكم في سوريا ليقلبوها مختبراً لقوة تحمّل القلب البشري باختبارات التعذيب والقتل على مدار أربعين سنة ، فلا أحد يعرف النصيرية مثلكم .. صدقونا ، هؤلاء المحللون لهم نظرة ثاقبة لا يعتريها نقص ولا يجوز عليها الخطأ .. صدّقوهم وأريحوا العالم من رؤوس الإرهاب قبل أذنابهم ، وإن لم تفعلوا فإن الإرهاب سيبقى لأنكم لم تصدقوا ما هو معلوم في عقول هؤلاء المحللين بالضرورة !!
عذراً باريس ، فإنكم أعلنتم أنكم ضد بقاء بشار في السلطة فقتلكم بشار ، بغض النظر عن كونكم تقصفون الإرهابيين ليل نهار وتحرّكون أساطيلكم البحرية لقصفهم في سوريا ، بّشار هو من حرّك هؤلاء الإرهابيين – الذين يقتلون جنوده ليل نهار – لقتل أبناء باريس ، لا تعتقدوا للحظة أن الإرهابيين يجرؤون على قتل من يقتلهم ، فهذا بعيد كل البعد عن الواقع .. الأرهابيون يقتلون جنود بشار وإيران كل يوم ليتحكّم فيهم بشار وتدفعهم إيران لقتل حلفائها الذين يحاربون معها هؤلاء الإرهابيين لتحسّن صورتها عندكم لأن إيران تعلم يقيناً بأن حلفائها لن يصلوا إلى نتيجة أن هؤلاء الإرهابيون عملائها ، وإن كانت هذه الحقيقة واضحة عند أغبى الناس عندنا .. لا تكن أجهزة استخباراتكم الأوروبية والأمريكية أغبى من أغبى الناس عندنا .. هم عملاء كما في المعادلة السابقة التي يؤمن بها العقلاء ..
الإرهابيون تجاهلوا حقيقة قول الله تعالى في كتابه {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} (البقرة : 190) ، تجاهلوا أن للقران باطن وظاهر ، فالظاهر قتال كل من يقاتلنا ، والمعنى الباطن : قتال كل من يقاتلنا غير نصراني كاثوليكي بروتستانتي غربي ، فهؤلاء الإرهابيون لا يغوصون في الأعماق كما يغوص علماءنا الذين تصدوا لهم فأفتوا بشناعة وبشاعة هذه الجريمة النكراء ..
عذراً باريس ، فالإرهابيون تجاهلوا حقيقة معنى قول الله تعالى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (البقرة : 191) ، فهؤلاء الإرهابيون المتنطعون ظنوا أن الأمر بالقتل هنا يشمل باريس ولندن ومدريد ونيويورك !! غاب عنهم أن قتل المقاتل أو المحارب للدين لا يتعدى المسجد الحرام ، ولم يعلموا أن هذا خاص بكفار العرب فقط وليس متحضري الغرب الكاثوليك والبروتستانت النصارى .. أخونا في العروبة إذا قاتلنا عند المسجد الحرام فإننا نقتله ، أما النصراني الكاثوليكي أو البروتستانتي الغربي إذا قاتلنا في العراق وسوريا وأفغانستان ومالي والفلبين والشيشان والصومال وليبيا واليمن ومصر وجزيرة العرب وغيرها ، وظاهر اليهود على قتالنا ، وألقى علينا الحمم النارية والقنابل الفسفورية والعنقودية والكيمياوية والنووية المصغّرة ، ودمّر بلادنا وهتك أعراضنا وسبى نسائنا وسرق خيراتنا وحارب ديننا وسب ربنا ونبينا ، فإنه لا يحق لنا أن نقتله في مسرح في باريس أو محطة قطار في لندن أو مدريد أو مبنى في نيويورك ، فهذا – كما قال علماءنا – ضد الشرائع والأديان السماوية والأعراف والقوانين الدولية وضد الإنسانية ، وهي خارجية وتنطّع وضلال وظلامية وجاهلية ..
عذراً باريس ، فإن هؤلاء الأوباش الأشرار قتلوا رجالاً مدنيين باريسيين مسالمين متحضرين ، أما طائراتكم الجميلة ، وقنابلكم الوديعة العصرية الراقية العطرة فإنها تقتل أطفال العرب الأشرار الذين تجاوز بعضهم الفطام ، وبعضهم لا زال يرضع من صدر أمه لبن الإرهاب ، فأين هذا الرقيّ والسموّ الأخلاقيّ الباريسيّ من الإرهاب الإجراميّ الطفوليّ العربيّ ..
عذراً باريس ، فلا تكفي دموع علماءنا ولا كتّابنا ولا مسؤولينا عن بيان ما في قلوبهم من اعتذار لمقامكم السامي يا راعية النصرانية الكاثوليكية .. أنتِ الفن والجمال والحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والإنسانية ، وهؤلاء الأشرار الأوباش لم يفهموا حقيقة الصواريخ والراجمات التي ترسم لوحة فنيّة على الأرض الشامية العراقية لتحكي للأجيال قصة ابتسامة جديدة تحاكي جمال الموناليزا .. ليزوروا اللوفر فيرجعوا إلى التاريخ القريب ليسألوا رمال صحراء الجزائر وتشاد ومالي عن ريشة الرسّام الدافنشية وسمفونية الأوبرا الليونية التي سطّرت على صفحات التاريخ بمداد الروح معزوفة جمالية تحاكي في رونقها الخيال العذري عند صبايا باريس ..
عذراً باريس .. عودوا إلينا .. ألقوا حممكم على مدن شامنا وعراقنا .. زلزلوا الأرض تحت أقدامنا .. اقتلونا مزقونا دمّرونا حاربونا اقصفونا ، سنقابل كل هذا بابتسامات تحكي خضوعنا للسيّد الباريسي المتحضّر ، ستجدون من علماءنا ودعاتنا وكُتّابنا الصمت القبوري ، فإذا انتفض منا شرير همجي بربري يريد المساس ببلاد الحضارة والرقي الأخلاقي فإن علماءنا ودعاتنا ووجهاءنا ومؤسساتنا الدينية له بالمرصاد : سيمزّقونه بالفتاوى ، ويشنقونه بالدعاوى ، ويحرقونه بالبيانات ، ويسقطونه بالخطب والمقالات ، وسيحمل عليه الإعلام حملة رجل واحد ليجتث الخبث الإرهابي من جذوره فلا يُمسّ باريسي بسوء وفيهم قلب ينبض وعين تطرف ..
عذراً باريس ….
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
2 صفر 1437هـ
________________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]