New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "About the Words of al 'Adnānī"

بسم الله الرحمن الرحيم

خرج العدناني بثوب جديد في كلمته الأخيرة {قل للذين كفروا ستُغلبون} : فتوعّد الكفار ومن والاهم ، وتوعد الجماعات المقاتلة والمخالفة ، وتعرض لكلام بعض قادة الجهاد الذين لم يكن كلامهم موفقاً في مثل هذه الظروف والأوقات ، ولسان حال العدناني يقول : سئمنا الإتهامات والكلمات والأكاذيب والنقاشات والجدال ، نحن في حرب فقولوا ما بدا لكم فلن نأبه بعد اليوم بكلام ، وسينطق حد الحسام !!

لا شك أن الأمر لا يحتمل الكلام ، ولا شك أن الأمر زاد عن حده في التجني على الدولة الإسلامية ورميها بكل ما في قاموس الإتهامات من ألفاظ متباينة متضادة متحاملة ، والدولة في شغل عن كل هذا بجبهاتها الكثيرة المتنوعة مع الرافضة والنصيرية والحلف الصليبي والعملاء والملاحدة ، فهي تقاتل على أكثر من ثلاثة عشر جبهة في آن واحد ، وربما أكثر ، ومع ذلك فالأمر لا يحتمل لهجة البغدادي المتحدية ، فهذه الكلمات – وإن صدرت من قلب مكلوم بتداعي الإخوة – إلا أنه لا زال للحلم سعة ، ونحن نهيب بالعدناني أن يراجع لهجته تجاه إخوانه المجاهدين ، فالمطلوب اجتماع الكلمة ووحدة الصف ، وما كان اللين في شيء إلا زانه ، والأصل كسب القلوب والصبر على الأذى وعدم الإنزلاق فيما يريده المخالف باستفزازاته المستمرة ..

إجتماع الأمة على مر العصور حصل بثلاثة طرق:

الطريقة الأولى : كسب القلوب باللين والرفق والحكمة والرحمة وخفض الجناح كما بيّن الله تعالى في كتابه العزيز وهذا حصل في بداية الدعوة في مكة والمدينة وبها تتكون القاعدة الصلبة للأمة ..
أما الطريقة الثانية : فبالقوة والغلبة والبطش ، وهذه سياسة اتبعها كثير من قادة المسلمين – اجتهاداً – على مر التأريخ ، وآتت أكلها لبعض الوقت ..
والثالثة : بالطريقتين معاً ، وهذا ما كان بعض معناه في زمن النبوة ، ثم في زمن الخلفاء الراشدين ، وفي حكم الأئمة المهديين ..

الظاهر أن الدولة الإسلامية انتهجت النهج الثاني مع الجماعات المقاتلة في الشام ، وهذا اجتهاد له حظ من النظر إذا كانت قيادة هذه الجماعات على درجة انحراف كبير ، أما بعض الجماعات الموافقة لأكثر الإجتهادات فهذه يمكن كسبها بغير قوة ، أو على الأقل : كسب أفرادها ..

ما أراد العدناني تأكيده : أن قادة الدولة الإسلامية وجنودها ومناصريها يعتقدون جزماً أنهم ثمرة تسعون سنة من العمل الإسلامي بعد سقوط الخلافة ، وأن الدولة خلافة شرعية صحيحة وحقيقة لا تقبل الجدال ، وأنها جماعة المسلمين ، وأن مخالفتها اصطدام بالنصوص الشرعية الخاصة بجماعة المسلمين (من غير تكفير لسائر الأمة كما يدع البعض زرواً) ، وهم مصرّون وعازمون على تمديد رقعة هذه الخلافة بكل ما أوتوا من قوة ، ومن يقف في طريقهم يكون عدواً لدماء وأشلاء مئات الملايين من المسلمين الذين قضوا بعد سقوط الخلافة محاولين إقامتها من جديد ، فالأمر ليس كما يظن البعض : من أنهم شباب اجتمعوا ولم يوفّقوا في الاجتهاد ، الأمر تعدى الجدال الفقهي إلى واقع كبير لا يمكن تغييره بالكلمات المجرّدة ، وقد حاول الكفار والمرتدون تغييره بالقوة فلم يفلحوا إلى الآن ، ولن يُفلحوا بإذن الله تعالى ..

الحل ليس في الاصطدام مع الدولة الإسلامية ، ولا في محاولة تفنيد اجتهاداتها كما يظن البعض ، فهذه أمور عفى عليها الزمن ولا تجدي الآن ولن تجدِ .. الحل في التوافق مع الدولة الإسلامية ، أو عدم الوقوف في وجهها ، وتركها تقاتل أعداء الله تعالى ، فهم يعتقدون جازمين بأن كل من يحول بينهم وبين قتال أعداء الله : يكون موالياً ومظاهراً لهم على المسلمين ، ويرون وجوب إزاحته عن الطريق – ولو بالقوة – ليصلوا إلى هدفهم المشروع .. ليعلم الجميع بأنه لا ظهور للمسلمين في الشام إلا مع الدولة الإسلامية ، ومهما تحالفت الفصائل واجتمعت تبقى ضعيفة بدون الدولة الإسلامية ، فالدولة الإسلامية هي الراية المنضبطة الواضحة القوية في الساحة ، وهي أقوى من جميع الفصائل مجتمعة ، وهذا لا ينكره إلا جاهل أو مكابر ، فمن دعى الفصائل للاجتماع دون الدولة الإسلامية ، فهو : إما جاهل يُغرّر بالمسلمين ، أو خبيث يريد اصطدام هذه الجماعات مجتمعة بالدولة ليضعف المجاهدون فيقوى الطرف النصيري الكافر .. الدولة محقّة في وجوب توحيد الفصائل تحت راية واحدة ، ولكنها لم تهتد إلى الكيفية بعد ، فنسأل الله أن يهدِ جميع المسلمين إلى سواء السبيل ..

الدولة الإسلامية عندها علماءها وطلبة علمها واجتهاداتها ، فهي مكتفية ذاتياً من هذا الجانب ، كما هي مكتفية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً (نوعاً ما) ، فهي لا تأبه بأي اجتهادات خارجية كما كانت تفعل الجماعات الأخرى ، ولا يأبه جنودها بنداءات من هنا وهناك ، وكلام هنا وهناك ، فالأمر محسوم عندهم ، وعلى بقية الجماعات والأفراد أن يجعلوا هذا الأمر في الحسبان عند تعاملهم مع الدولة الإسلامية ، ومناصري الدولة الإسلامية أشد ولاءً لها من مناصري غيرها الجماعات ، والدولة الإسلامية لا يخرج منها من يدخلها (إلا النادر) ،ـ وتأتيها البيعات من الجماعات الأخرى والأفراد بصورة مستمرة ، فهي – رغم شدتها وقسوتها الظاهرة – بيئة جاذبة ، وهذه الحقيقة تشهد لها الأرقام ، وهي حقيقة ألقت الرعب في قلوب أعداء الإسلام ، وحيرت من لا زال يظن الأمر كما كان ..

الدولة الإسلامية هي تحقيق بعض معنى قول الله تعالى {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} ، ونقول بعض لأنها لم تبلغ بعد حقيقة الشدة المعنية بالآية ، الشدة التي كان عليها الصحابة رضوان الله عليهم ، الشدة التي تجلّت في الفتوحات الإسلامية الأولى حتى ظن بعض أعداء الإسلام أن المسلمين من غير جنس البشر ، فالدولة حققت جزءاً يسيراً من هذه الشدّة ، وطريقها طويل في هذا الباب ، ولكن الدولة الإسلامية لم تحقق بعد معنى قول الله تعالى {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} ، خاصة مع مخالفيها من المسلمين في الجماعات المقاتلة ، وهذه الصفات – في آخر سورة “الفتح” – لا تصل إلى تحقيق { يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} إلا مجتمعة :

فمن كان شديداً على الكفار والمسلمين : لم يُعجب الزُّرّاع (المؤمنين) .
ومن رحم المسلمين والكفار (كأصحاب السلمية والديمقراطية والدولة المدنية ، ونبذ العنف والتطرف والإرهاب) : لم يُعجب الزراّع .
ومن كان شديداً على المسلمين رحيماً بالكفار (كالخوارج والمنافقين ، وفي زماننا : المرتدون الموالون لأعداء الله ، المحاربون المجاهدين ، المظاهرون عليهم) : فهؤلاء لا يُعجبون الزُّرّاع .

لا يعجب الزُّرّاع إلا من كان شديداً على الكفّار رحيماً بالمؤمنين ، وهذا هو مثل المؤمن كما جاء في التوراة والإنجيل والقرآن ، وهو الموعود بالأجر العظيم والغفران ، فإغاظة الكفار تكون بالشدّة عليهم ومواجهتهم بالقوة ، وفي نفس الوقت : برحمة المؤمنين ، والحفاظ على الدين ، والاجتهاد في العبادة ، والمتابعة ، والتذلل بين يدي رب العالمين ، ومن لم يجمع بين هذه الأمور : لم يحصل وعد الله تعالى {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً} (الفتح : 29) ، فلا تصلح الشدّة على الكفار وعلى المسلمين معاً ، بل يجب أن يعرف المسلم الحد الفاصل بين الشدّتين ..

الدولة الإسلامية شديدة على المخالفين لأنها لا تثق بالمترددين أو بذي الوجهين أو من يدعوا إلى الحوار واللين والدولة المدنية والديمقراطية والتعددية أو بمن يأخذ “مساعدات خارجية” .. الدولة الإسلامية لاقت من خيانة المنافقين الأمرّين في العراق قبل تسع سنوات حين أحدث النصارى الصحواتَ التي باعت المجاهدين للرافضة والأمريكان ، وباعت نساء المجاهدين للرافضة سبايا ، فالحصول على ثقة الدولة الإسلامية أمر غاية في الصعوبة ، والبعض – هدانا الله وإياهم – لا يفهم حساسية الموقف ولا خطورته فيلقي الكلام على عواهنه في غير وقته ، ومن غير نظر ..

لا تلوموا الدولة الإسلامية على شدتها ، فأفرادها يودّعون كل يوم إخوان دربهم الذين ينطلقون بأطنان المفخخات لينغمسوا في الرافضة والنصيرية فيثخنوا فيهم ويحدثوا فيهم المجازر ليسمعوا بعدها من القواعد والمخالفين أنهم عملاء للرافضة والنصيرية !! يعلنون عقيدتهم وينشرون موادهم المرئية ليعرف المسلمون حقيقة منهجهم ثم يأتي الخوالف المجاورين لقواعد الصليبيين ليرموهم بالخارجية !! لا تلوموا الدولة الإسلامية لأنهم ملّوا هذه النفوس الرديئة الدنيّة التي أبت النفير وقعدت مع الحريم لتتكلم في الرجال وأهل النزال حتى كدنا نقول للعدناني في شأنهم : “رفقاً بالقوارير” !!

جل من يعادي الدولة الإسلامية في سوريا وينشر عنها الأخبار يعملون تحت عين وبصر النصارى ومرتدي العرب ، جلّهم تحت أمر الداعمين ، والداعمون خدم للصليبيين ، فأي جهاد هذا الذي يأتمر بأمر الصليبيين !! أما الصادقون من المجاهدين فقد لطخوا ثيابهم بالتحالف مع بعض هؤلاء ، وقالوا اجتهاد ، ولا أدري كيف يغيب عن هؤلاء ما حصل في العراق وأفغانستان والشيشان والصومال وغيرها من الثغور التي ضاع فيها الجهاد بسبب هذا الرأي السقيم .. رايات نقية صافية تلطّخت بمثل هذه التحالفات التي بررت للمقاتلين التعاون مع العملاء لقتال المجاهدين !! ليت بعض الناس نصح هؤلاء الشباب بالخروج من هذه الجماعات التي توردهم المهالك بموالاة الصليبيين – باسم تلقي المساعدات العربية – والعمل لتحقيق مصالحهم فيقعوا في الردّة عن الدين ، فبدل محاولة الحفاظ على الشباب ونصحهم : يقوم البعض بتشجيع الشباب على قتال الدولة الإسلامية تحت هذه الرايات المشبوهة فيخسروا دينهم ودنياهم !!

لا يمكن أن يقوم جهاد اليوم بدعم عربي لأننا خبرنا هؤلاء وعلمنا يقيناً أنهم لا يملكون أمر سياساتهم الخارجية ، وإنما هي الإرادة الأمريكية ، فكيف يكون الجهاد الشرعي بدعمٍ أمريكي !! كيف تدعمنا أمريكا على حربها !! ألا يفقه البعض !! ألا يعقل البعض !! كيف تحاربون النصيرية بدعم عربي يأتمر بأمر أمريكا !! أمريكا هي التي منعت عنكم مضادات الطائرات بنصيحة هذه الدول العربية التي دعمت بشار علناً بداية الثورة ، ولا زالت تدعمه سراً وتزعم دعمكم : لاحتوائكم والتغلغل في صفوفكم تمهيداً لإفسادكم أو القضاء عليكم !!

تقولون خوارج ثم تنتظرون من الدولة طبطبة على الظهر !! تقولون عملاء ، وجنود الدولة تقطّعوا أشلاء بقنابل النصارى والنصيرية والرافضة وداعميكم العرب !! الأمريكان يقصفون الدولة لأكثر من عقد ولم نسمع للدولة حساً ، ولما قصفكم الروس يوماً ملأتم الدنيا صراخاً وعويلاً ثم قلتم : الروس لا يقصفون الدولة ؟ أي دين هذا الذي يجعلكم تتمنون أن يقصف النصارى المسلمين !! أي دين هذا الذي يجعلكم تفرحون بمقتل المسلمين على أيدي النصارى !! أي دين هذا الذي يجعلكم تتمنون ظهور النصارى والرافضة والملاحدة على المسلمين !! أليست هذه ردة عن الدين !! أليس هذا من نواقض الإسلام !! ألا تخشون على دينكم وعلى أنفسك أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون !! ألهذه الدرجة ملأ الحقد قلوبكم فلا تعقلون !! ألم تعلن الدول “الداعمة” لكم وقوفها مع الجانب الروسي في حملته الصليبية على المسلمين !! أبعد إعلانهم كلام لذي عقل !! إن كانت لكم عقول فهذه الدول داخلة منذ عقود في الأحلاف الصليبية ضد المسلمين ..

لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتمنى أو يحب ظهور كافر على مسلم مهما اختلف مع المسلم ، فبقاء أصل الدين يوجب الولاء ، والكفر يوجب البراء ، فمن تمنى ظهور الكفار على المسلمين – سواء كان هؤلاء الكفار من النصارى أو الملاحدة أو المرتدين أو النصيرية أو الرافضة أو أي نوع من أنواع الكفر – فقد انسلخ عن عقيدة الولاء والبراء التي هي أوثق عرى الإيمان ، فأي دين يبقى لمثل هؤلاء ، وأي جهاد يزعم البعض وهو يتمنى ظهور الكفار على المسلمين !!

وهذا القول ليس خاصاً بالدولة الإسلامية ومخالفيها ، بل جميع المسلمين يدخلون تحت هذا الإطار الشرعي ، فأي جماعة مسلمة حاربت أو وقفت في وجه غير المسلمين : يجب على أهل الإسلام نصرتها بما يستطيعون ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن ينصر المسلمُ غير المسلم أو يتمنى ظهوره على مسلم ، ومثال هذا :

حماس إذا قاتلت اليهود ، أو الإخوان إذا وقفوا في وجه المرتدين (العلمانيين) في مصر وتونس وليبيا وغيرها ، فالإخوان : مسلمون ، والعلمانيون مرتدون لا تجوز مناصرتهم ولا تمني ظهورهم على المسلمين .. قد يختلف البعض مع الإخوان ، وقد يصل الأمر إلى التراشق أو حتى الاقتتال ، ولكننا نقف معهم في وجه الكفار والمرتدين إن استطعنا ، فأصل الإيمان فيهم يُلزمنا هذا الموقف وإن بغوا علينا وإن قاتلونا وإن حاربونا ..

ومثال آخر : أي جماعة مقاتلة في الشام أو العراق أو أفغانستان أو باكستان أو ليبيا أو أي ثغر من ثغور المسلمين التي فيها القتال بين الإسلام والكفر ، فالموقف الشرعي هو الوقوف بجانب المسلمين وتقويتهم على الكفار ، وإذا حصل خلاف بين المسلمين في ثغر فإن هذا لا يكون على حساب الولاء الشرعي وإن وصل الأمر إلى الاقتتال ، فلو كان بين الإخوة اقتتال في أفغانستان – لا قدر الله – وحوصرت جماعة مسلمة من قبل المرتدين ، وكنا نستطيع فك الحصار : وجب علينا ذلك نصرة للإسلام الذي عند مخالفينا المسلمين ، فتنصر الدولة الإسلامية الطالبان على حكومة كابل والأمريكان ، وتنصر طالبان الدولة الإسلامية على هؤلاء ، وتنصر الدولةُ “فجرَ ليبيا” على قوات المرتد “حفتر” وإن كان اقتتال بين الإخوة في هذه الجبهات التي نسأل الله أن يوحد فيها كلمة المسلمين ..

لا بد أن تبقى الأخوة الإسلامية ما بقي أصل الإسلام في المخالف ، وهذا واجب شرعي وحكم قرآني لا لبس فيه ، وهو من أكثر الأحكام وضوحاً في القرآن بعد التوحيد ، فلا يشك مسلم في أن الولاء باق على أصله ببقاء أصل الإسلام ، والمعاصي والذنوب – بل حتى الإقتتال – لا يمحوا أصل الإسلام ، إنما يمحوه النواقض بعد اكتمال الشروط وانتفاء الموانع ..

الجهاد يحتاج إلى راية نقية ، ولا أنقى اليوم من راية الدولة الإسلامية التي لم تتلطخ بمساعدات خارجية ، ولا بتحالفات مشبوهة (أو اجتهادية) مع دعاة الديمقراطية والدولة المدنية ، ولا رضيت بالوصاية الكفرية الدولية ، وكفرت بجنيف والمنظمات النصرانية اليهودية الدولية ، ولم تتردد في تطبيق الشريعة الإسلامية ، ولم تمد يدها لكافر أو منافق أم مرتد أو عميل لجهات أجنبية ، وأعلنت كفرها بالوطنية التي يتغنى بها بعض الجماعات “الجهادية” ، وأعلنت رايتها الإسلامية المبنية على الولاء والبراء ، وأعلنت الجهاد على الكفر في الأرض كلها ، فرايتها في كل هذا بيضاء نقية ، فمن أراد الله والدار الآخرة فليتحق بمثل هذه الراية ، ومن لم يستطع فليعرف قدرها وليكف عنها ولا ينازعها أمرها ما بقيت على حالها ولم تغير أو تبدل ..

أما شدتها على بعض الجماعات : فبعضه مُبرَّر ، وبعضه ليس كذلك ، وكل جماعة تُعلن على الملأ أنها نشأت لقتال الدولة الإسلامية أو لقتال الدولة الإسلامية مع النصيرية ، أو طرأ ذلك عليها – وجعلته من أهدافها وسياساتها الكبرى – فلا تلومنّ إلا نفسها ، فهي التي أخلّت بالواجب الشرعي ، وهي تتحمل العواقب ، وأغلب الظن أن هذه الجماعات إنما أعلنت ذلك لإرضاء الداعمين ، وهذا ما حذرنا منه جميع الفصائل قبل سنوات ، ومثل هذا لا يكون جهاداً في سبيل الله ، بل أغلب الظن أنه جهاد في سبيل الطاغوت النصراني ثم العربي ..

أما آن للبعض أن يكف لسانه عن المجاهدين !! أما آن للبعض أن يستحي من الله ثم من المسلمين !! لقد كان الكفار والمنافقون يأنفون إذا خرج الجيش الإسلامي لغزوة أن لا يخرجوا معهم حمية : فلا حمية كفار الجاهلية حزتم ، ولا للجهاد نفرتم ، ولا لألسنتكم عن عادات النساء لجمتم ، فهمّكم القيل والقال ، والثرثرة والجدال ، والرجال في ساحات النزال يخوضون المعارك دفاعاً عن نسائكم وأعراضكم ، فلَمْ تذروهم حتى طعنتموهم في دينهم ، فأي دناءة هذه وأي خبال !!

ترتمون في أحضان حكام مرتدين ، أو تقيمون في بلاد الكفار الصائلين ، ثم تخوضون في أعراض المجاهدين !! أأمنتم مكر الله !! أم غرّكم بالله الغرور !! ألم يتوعّد اللهُ بالعذاب الأليم المتخلف عن الجهاد !! ألم يتبرأ رسول الله من المقيم بين ظهراني الكفار !! ألستم لصوصاً تقرعون أبواب ملوك الدنيا تبتغون عندهم العزة وتفخرون بلقائهم وأنتم أعلم الناس بحالهم مع أولياء نعمتهم النصارى !! أليست قواعد النصارى الصليبيون تجاور بيوتكم وتنطلق منها طائراتهم لقتل المسلمين !! أهذه هي عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين !! أيرضى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن يكون للنصارى قواعد عسكرية في جزيرة العرب ، أم أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – يقرّهم على وجود طائرات ومنصات صواريخ في بلاد المسلمين !! ويحكم كيف سكتم عن هذه القواعد العسكرية النصرانية اليهودية وخضتم في المجاهدين !!سلم منكم أهل الصليب ولم يسلم المجاهدون !! أهذا دين محمد صلى الله عليه وسلم !! حاشا ربنا أن يكون هذا دينه سبحانه وتعالى ..

بعض هؤلاء – من فرط غروره – يظن أنه مركز الكون ، وأن الأمة تنتظر منه كلمة الفصل في النوازل ، ولا يدري المسكين بأن الأمة أكثر ما تطمع منه السكوت ، ولا يدري هذا المغرور أن أهل الجهاد غسلوا أيديهم من أمثاله من علماء الزمان ، وأنهم يستفتون الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان : فكتبهم مبثوثة ، وفتاواهم منتشرة .. أهل الجهاد يأخذون من القرآن والسنة ومن تفاسير وشروح الأئمة ، وفي أهل الجهاد من العلماء وطلبة العلم النجباء ، فلم يعد أهل الجهاد يلتفتون لعمرو أو زيد ، فهم في شغل بجهادهم عن تنظيرات نجوم العصر ، وكواكب الفضائيات ، وعصافير البرامج الاجتماعية ..

يا من أفتيتم بجهاد الروس في سوريا ، هلا سألتم ولي الأمر قبل الفتوى !! في كل مرة تحرجون أنفسكم وتتراجعون عن حماسكم بعد أن يتولى ولي أمركم الكفار !! ألم تفتوا الناس بقتال الأمريكان قبل دخولهم أفغانستان ، ثم لما دخلوا أفغانستان ووقف ولاة أمركم مع الأمريكان انقلب المجاهدون خوارج غلاة بين عشية وضحاها !! ألم يحصل هذا في العراق !! ها أنتم الآن تفتون بجهاد الروس في الشام !! أليس الأمريكان يقصفون المسلمين منذ خمس سنوات !! الآن عرفنا مناط الحكم عندكم ، إنها الكنيسة : فالجهاد واجب ضد الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ، ومحرّم ضد الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية والقبطية ، لو أنكم بينتم هذه العلة من قبل لأرحتم المسلمين الذين اختلط عليهم الأمر فظنوا أن النصارى لهم حكم واحد بغض النظر عن الكنيسة التي يتبعونها !!

لقد بينتم بعض حكم موالاة النصارى الروس الأرثوذكس ومظاهرتهم على المسلمين ، وحذّرتم المقاتلين في الشام ان يعينوا هؤلاء النصارى الصائلين فيقعوا في الردّة عن الدين ، وسكتّم عمن يوالي النصارى البروتستانت الأمريكان والبريطانيين ، والنصارى الكاثوليك الفرنسيين ، فعلم الناس أن الكنيسة هي مناط الحكم ، وأن موالاة البروتستانت والكاثوليك ومظاهرتهم على المسلمين لا يضر دين المسلم ، إنما الضرر في موالاة النصارى الأرثوذكس المجرمين !!

أهذا ديننا الذي في قرآننا !! أهذا ديننا الذي نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم !! أهذا منهجنا الذي آمن به أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح !! أهذا ما قرأتموه في كتب الأئمة الأربعة وعلماء المذاهب المعتبرين !! أهذه هي السلفية أو حتى الصوفية أو الأشعرية !! في شرع من يكون القتال ضد كنيسة دون أخرى ، والجميع صائل معتدٍ !!

ذبَح المجاهدون بعض الكفار بالسكاكين فأقمتم الدنيا ولم تُقعدوها وقلتم بأن الذبح للحيوان وليس للإنسان المكرَّم ، وأن القتل لا يجوز بالسكاكين !! حرق المجاهدون بعض الكفار فقلتم هذا محرّم شرعاً وأقمتم على ذلك الأدلة والبراهين ، ثم لما قامت هذ “الانتفاضة” في فلسطين ، وقتل الفلسطينيون اليهود بالسكاكين ، قلتم : هذا عين الجهاد في سبيل الله !! لما ألقى الفلسطينيون الزجاجات الحارقة على يهود فأحرقوهم أحياء ، قلتم : هذا ما وصّى به الله !! دعَت حماس إلى الوحدة مع “عباس” البهائي الكافر الغادر فقلتم : هذه الحكمة والله ، ألستم من منع المجاهدين من التقارب مع إخوانهم في الدولة الإسلامية وحرضمتوهم على قتالهم امتثالاً لأوامر أوباما وكيري !!

استكثرتم نسبة الدولة إلى الإسلام فقلتم “داعش” ، وفي ذات الوقت تنسبون شذاذ الآفاق الملعونين المغضوب عليهم إلى نبي الله “يعقوب” – عليه السلام – فتقولون “إسرائيل” !! حماس كانت تعلن تلقي مساعدات مالية من إيراني ، فقلتم : مضطرين ، والدولة الإسلامية تقتل مئات الرافضة والإيرانيين كل يوم وتقولون : عملاء للإيرانيين !! أيدتم صحوات العراق ضد الدولة ، الصحوات التي كانت تبيع نساء المجاهدين للرافضة فيهتكوا أعراضهن ، ثم لما قام المجاهدون بالانتقام لأعراضهم قلتم : الدولة الإسلامية تقتل العشائر السنيّة !! سنّة إبليس اللعين .. “الجيش الحر” شارك ملاحدة الأكراد في الحرب على الدولة الإسلامية بـ “عين العرب” فهللتم وكبّرتم ، ولما هجمت الدولة على الجيش الحر ، قلتم : الدولة تقتل المسلمين !!

أما الرافضة ، فشأنكم معهم عجيب : كفَّرَهم الزرقاوي وكفَّرتهم دولة العراق وحاربَتهم فقلتم لا يجوز تكفيرهم فهم مسلمون مبتدعون ، ثم أتت “عاصفة حزمكم” فكفّرتم الرافضة في البداية ، ولما تحسّنت علاقة ولي أمركم بإيران واتفق معها على حرب الدولة الإسلامية قلتم : الرافضة مسلمون أهل أهواء ، ولما فجّرت الدولة “معابد” الرافضة في الشرقية قلتم : الرافضة مواطنون إخوة الوطن لهم ما لنا وعليهم ما علينا !! الرافضة في اليمن أعدائكم ، وفي العراق حلفائكم ، وفي بلاد الحرمين إخوانكم ، وفي إيران كفار أعداء إن ساءت العلاقة ، ومبتدعة مسلمة إن حسُنت !! هل إيران دولة كافرة أم مسلمة ؟ إن كانت مسلمة فالدولة الإسلامية عميلة للمسلمين ( كما تزعمون) ، أما ولاة أمركم فعملاء وأولياء لمن عُلم كفرهم من الدين بالضرورة ، فأي الفريقين أولى بالإتهام !! إن قلتم بأن إيرن دولة كافرة : فلِم يتحالف معها ولي أمركم لقتل المسلمين في العراق والشام !! إن قلتم : سياسة ، فنقول : لمَ يسمح ولي أمركم بدخول رافضة إيران الحرم وقد قال تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (التوبة : 28) !! كلما تقدمت الدولة الإسلامية في العراق شرقاً ، ازداد قصف ولاة أمركم لها ، ثم تقولون : لم لا تحارب الدولة الإسلامية إيران !! اسألوا ولاة أمركم ..

ليتكم في التدبير ككفار قريش الذين اجتمعوا قبل الموسم ليُجمعوا على كلمة يقولونها في رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تختلف أقوالهم فتتشتت جهودهم ، فاصطلحوا على “ساحر” !! أما أنتم فلم تتركوا كلمة ولا حرفاً إلا رميتم به الدولة الإسلامية ، فهي : عميلة للمالكي ، عميلة لبشار ، عميلة للأمريكان ، عميلة للصهيونية ، عميلة للروس ، بعثية ، خارجية ، غالية ، تكفيرية …. !! ليت شعري أين عقل أبو جهل منكم !!

مَن جمع بين الخارجية والبعثية فقد كذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن جمع بين العمالة والخارجية فقد كذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن رمى الدولة الإسلامية بالخارجية فقد كذَب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن جمع بين العمالة لأمريكا وروسيا فقد كذّب جميع السياسيين في العالم .. إنه منطق “اللقيطة” القائل : “لكل ساقطة لاقطة” ، فمن لم يصدّق العمالة : صدّق الخارجية ، ومن لم يصدّق البعثية : صدّق التكفيرية ، ولا يلتقط مثل هذه القاذورات إلا أصحاب الأنفس الدنيّة والعقول الرديّة ..

تحرّفون دين الله وتتلاعبون به ، وتأتمرون بأمر أوباما ونتنياهوا وكيري وميركل وبوتين في تشويه صورة المجاهدين ، ثم تطلبون من المجاهدين أن يلتفتوا لكم أو يحسنوا الظن بكم !! لا تفكروا لحظة أن هذه الألقاب وهذه الحروف التي في بداية الأسماء (كدال : الدروشة) تنطلي على الرجال : لقد كفروا بها واستيقنوا بأن العلماء بالمواقف لا بالشهادات والظهور في الفضائيات .. هذا الجيل من الشباب لم يقرأ لكم كتاباً ، ولم يسمع لكم شريطاً ، ولا يعرف منهجكم ولا عقيدتكم سوى ما يرى من تملّقكم لولاة أمركم الخونة العملاء ، فقدْركم عندهم بقدر مواقفكم لا أقوالكم ، وهم أبناء الحاضر لا يلتفتون لتاريخكم ، وقد أيقنوا بأن القلوب تتقلّب ..

إنه جيل جديد يا سادة .. جيل رجولة وسؤدد وريادة .. جيل قتل وقتال .. جيل طعنٍ وضراب وحرب ونزال .. جيل بناء الدولة الإسلامية .. جيل العزة والاستعلاء الإيماني .. جيل تخلّص من الفلسفات السقيمة والنقاشات الخاوية والكلمات الميّتة والجدل العقيم .. هذه إرهاصات بداية هذا الجيل .. أتحسبون هذه “الدولة الإسلامية” إرهابية !! كلّا ، ليست إرهابية ، إنما هي دخان فوّهة البركان ، بركان سينفجر عن إرهاب يحرق بحممه من يصادمه ليطهّر الأرض من دنس التذبذب والنفاق والعمالة والخيانة والتلاعب بالدين ، عندها سترون جبل الإسلام الأشمّ ، ذلك الجبل الذي لا يضره نطح التيوس ، والذي تتكسّر على جنباته الرؤوس ..

لقد طعنتم في أسامة ورميتموه بالغلو والخارجية والعمالة والخيانة والإساءة للدين حتى خرج لكم الزرقاوي فأراكم اعتدال أسامة ورقّته ، ثم جاءتكم جبهة النصرة التي ما كدتم ترمونها بالإرهاب والخارجية حتى أطلّ جسدها (الدولة الإسلامية) فأظهر الجبهة بمظهر الحمل الوديع ، وستترحمون على أيام البغدادي إن فارقكم وتعرفون حلمه وأناته وصبره ورحمته ولينه عندما ترون الجيل الجديد الذي يحبوا الآن في ساحات القتال بشتّى الثغور ، هذا الجيل الذي سيتربى على يديه من لم يربّه أبواه ، وسيعلم الكفر العالمي معنى الإرهاب ، ولن يكون مكان في الأرض لعميل أو خائن ، جيل يحمل من الغيظ والبغض لكل منافق كافر ، جيل صلب يبغض المياعة والخنوع ، جيل سيملأ الأرض دوياً ودماراً وإرهاباً حقاً وصدقا ..

رُغم طعن القريب ، ورغم قلة النصير ، ورغم الكذب ، ورغم التحامل ، ورغم الفجور في الخصومة ، رغم كل هذا الظلم على الدولة الإسلامية ، أقول للعدناني وفّقه الله : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} (آل عمران : 159) ، فلينوا في أيدي إخوانكم ، أقول للعدناني {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران : 134) ، أقول للعدناني : “ليس الشديد بالصرعة” (مسلم) ، أذكّر العدناني بخصلتين يحبهما الله تعالى “الحلم والأناة” (مسلم) ، أقول للعدناني {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود : 49) .. اصبر ، وليكن همك كسب القلوب ، وخاطب العقول .. اشتغلوا بالنصيرية والرافضة والحلف الصليبي : أثخنوا فيهم ، وشرّدوا بهم من خلفهم ، فهذا هو الردّ الصحيح على جميع الافتراءات ، ولن تجد رداً أعظم منه تأثيراً في قلوب المسلمين ، فانشروا المواد المرئية ، ولا تكلّوا ولا تملّوا ، ولا تهنوا ولا تحزنوا واصبروا وصابروا وأبشروا بوعد الله تعالى لأهل الإيمان ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
6 محرّم 1437هـ

___________________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]