بسم الله الرحمن الرحيم
لعل هذا العنوان أعقد في مضمونه من أي لغز على وجه الأرض اليوم ، فكل شيء له تفسير علمي أو منطقي إلا ما كان محالاً ، فالمحال لا تفسير له لانتفاء وجوده ، وفي حالتنا هذه : تعذّر تصوّره .. أثبتنا بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة خارجية الدولة الإسلامية في مقالة سابقة بعنوان “الدولة الإسلامية الخارجية” ، ومما سهّل علينا الأمر وجود نصوص صحيحة عليها شروح وأقوال لعلماء الإسلام ، وكل ما قمنا به هو نقل هذه النصوص والشروح وطريقة استنباط العلماء لأحكامها وفق القواعد الشرعية ، أما معضلتنا اليوم فهي من بيان الواضحات ، وهذه من أعظم المعضلات ..
لأوّل مرّة في تاريخ البشرية تكون دولة عميلة لدول كثيرة تقاتلها وتقاتلهم ، ويجتمعون عليها وتصدّهم ، ويتآمرون عليها جميعاً ، ويرميها الجميع بالعمالة للجميع !! لأول مرة في تاريخ البشرية تجتمع جيوش دول في غرف مغلقة لقتال دولة عميلة لجميع من في هذه الغرف !! لقد كنا نعجب أشد العجب – ونحن صغار – من بشر أكرمهم الله بالعقل كيف يعبدون أصناماً من حجارة ، وقد زال العجب اليوم بعد أن رأينا من يعبد الأقلام ، ويصدّق الأوهام ، ويعتقد ما لا يُتصوّر في الأحلام !!
لأول مرة في تاريخ البشرية يكون قطع الرؤوس عمالة للمقطوعة رؤوسهم ، وحرق الجلود عمالة للمحروقين ، وفتح البلاد عمالة للمهزومين ، وإبادة الأرتال تلو الأرتال عمالة للمُندحِرين ، والقصف دليل عمالة المقصوف ، والأسْر دليل عمالة المأسور ، والقتل دليل عمالة المقتُول ، والتَّقطيع دليل عمالة المقطوع ، والتكفير دليل عمالة المُكفِّر ، والسبي دليل عمالة المسبيّ منه ، والجزية دليل عمالة آخذها !!
أكثر من ستين دولة اجتمعت على حرب الدولة الإسلامية العميلة للجميع ، وهذه الدول تتقاذف كرة التهمة بين بعضها ، ولا ندري إذا جلسوا في الغرف المغلقة كيف يكون الحوار بينهم والنقاش لحرب الدولة الإسلامية ، هل تقول إيران لآل سعود : سنقصف الليلة عملائكم في الموصل ، فيرد آل سعود : ونحن سنقصف عملائكم في الرقة ، ويقول موفد بشار : ونحن سنقصف عملاء آل سعود في تدمر ، وتقول الكويت : ونحن سنقصف عملاء بشار في دير الزور ، وتقول أمريكا : ونحن سنقصف عملاءنا في الحسكة ، ويقول اليهود : ونحن سنقصف عملاءنا في حلب ، ثم يكون التنسيق الجوي في غرفة العمليات العسكرية لقصف الدولة الإسلامية العميلة لكل هؤلاء !!
الرافضة يقولون بأن الدولة الإسلامية عميلة لآل سعود والوهابية ، والنصيرية كذلك ولكن يضيفون الصهيونية العالمية والإمبريالية كعادتهم ، وهذا لا يهمنا كثيراً لأن هذا الخطاب موجّه للرافضة والنصيرية ، فلا يعنينا ، أما قول البعض بأن الدولة الإسلامية عميلة لإيران أو بشار أو أمريكا ، وأنها جاءت لإفساد الثورات العربية ، فهذا هو الذي عليه مدار هذا الحديث الشاق المتعب ذهنياً ، فالمخاطَبون بهذا الكلام ليسوا من العقلاء ، فالعاقل لا يمكن أن يصدّق هذا وهو يرى بعينه ما ييراه العالم أجمع ، المشقّة هنا تكمن في إقناع أناس أشبه ما يكونون بمختلي العقل أو أصحاب إعاقة فكرية ، ولا يخفى صعوبة هذا الأمر ، فنسأل الله الهداية والتسديد ..
لعل أكثر ما انتشر بين أصحاب هذه النظرية الغريبة أن الدولة الإسلامية عميلة لإيران !! نحن نعلم يقيناً إرادة إيران السيطرة على العراق والشام ، ولا يمكنها فعل ذلك إلا بإيجاد قوّة سنيّة كبيرة تقتل الرافضة والنّصيرية ، وتقتل جنود وجنرالات إيران ذاتها ، فهذه أفضل طريقة تتحكم بها إيران في العراق والشام ، لأنها لا يمكن أن تتحكم في العراق مع استتباب الأمر لحكومة رافضية تأتمر بأمر السستاني الرافضي الفارسي ، ولا يمكن أن يستتب لها الأمر في سوريا تحت حكم النصيرية ، فلا بد من قوّة سنية تحارب النصيرية وتحارب الرافضة وصحواتها حتى يستتب الأمر لإيران في البلدين !!
الكل كان يقول – قبل ظهور الدولة الإسلامية – بأنه لا توجد جماعة رافضية وُصفت بالإرهاب ، رغم ما تقوم به هذه الجماعات من فضائع في العراق والشام ولبنان ، فالرفض كان كافياً لإبعاد تهمة الإرهاب عن أي جماعة مهما فعلت ، ولكن الدولة الإسلامية العميلة نالت هذا اللقب منذ لحظاتها الأولى في العراق ، وقد احتل الحوثيون اليمن ولم يستحقوا اللقب ، وقتل حزب اللات اللبناني المسلمين في سوريا ولم يستحق اللقب ، فهذا اللقب لا يستحقه إلا عملاء إيران حقاً وصدقا ..
قلناها قبل سنوات ، ونعيدها لمن لا زال نائماً : المفاوضات النووية الإيرانية لم تكن أبداً بخصوص المفاعلات النووية ، وإنما كانت المفاوضات مع الغرب بخصوص المحاصصة ، فالغرب يريد تقوية إيران وضربها بالدول الإسلامية عامة ، والعربية خاصة ، وإيران كانت تفاوض على حصتها من دول الخليج والدول العربية ، وقلنا بأن الغرب باع الكويت والبحرين والمنطقة الشرقية لإيران ، والجدال لم يكن حول استحقاق إيران لهذه الدول ، بل كان حول تقسيم آبار النفط بينها وبين الدول الغربية ، وهذا ما أطال أمد المفاوضات ، ولعلهم وصلوا إلى صيغة تضمن مصالحهم جميعاً على حساب شعوب الدول الخليجية الذين سيتسلط عليهم الرافضة ويذيقونهم سوء العذاب كما حصل في العراق وسوريا .. هذه الاتفاقية التاريخية التي قد تغيّر مجرى الأحداث في الأرض : يقف علماءنا ومفكرينا العباقرة أمامها بكل حزم ليثبتوا خارجية الدولة الإسلامية وعمالتها !!
قبضوا على مجموعة من الرافضة في الكويت عندهم مخازن أسلحة تكفي لاحتلال الكويت وتدميرها ، فكيف تعاملت الحكومة الكويتية مع هؤلاء الرافضة ؟ أمرت حكومة الكويت وسائل الإعلام والأفراد بالكف عن الخوض في المسألة ، ثم جاء الأمر بجعل القضية “حيازة أسلحة بدون ترخيص” ، فهؤلاء الرافضة – لشدّة غبائهم – لم يرخصوا المدافع والراجمات ومضادات الطائرات والمواد شديدة الإنفجار من الحكومة الكويتية !! لنسأل أنفسنا : لو كان مخزناً واحداً من هذه المخازن الكثيرة لشباب أهل السنة ، ماذا يكون موقف الحكومة الكويتية !! لو كانوا من الدولة الإسلامية !! هل ما زلنا نذكر تفجير مسجد الرافضة والهالة الإعلامية والفتاوى الصاروخية قبل أشهر !! نجزم يقيناً بأن التشهير يكون من نصيب عملاء إيران فقط ، أما التكتّم على الأخبار فيكون من نصيب المواطنين الصالحين المخلصين ..
الأخبار تكاد تتواتر حول حشد جيش رافضي كبير في العراق “يُعلن” نيته غزو الكويت وجزيرة العرب ، ما هي الاستعدادات التي تقوم بها هذه الدول المخلصة لصد مثل هذا الخطر :
أول استعداد هو : أنهم قاموا فعلاً بنقل معظم أموال الأمراء (المال العام المسروق) من جزيرة العرب إلى أوروبا وأمريكا والصين ..
ثانياً : أشغلوا الجيوش بالقتال جنوب جزيرة العرب ، وبقتال المسلمين في العراق والشام .
ثالثاً : عادوا كل قوة إسلامية “سنيّة” يمكنها الوقوف في وجه الزحف المرتقب !! وبهذا يتبيّن للجميع بما لا يدع مجالاً للشك : عمالة الدولة الإسلامية لإيران !!
أما الشام : فكثير من الناس لا يعلم بأن هناك سياج عسكري كبير حول دمشق ، وهذا السياج ليس من النصيرية ، وإنما من جماعات تدعمها القوى الخليجية والعربية والغربية ، وقد اخترقت الدولة الإسلامية هذا السياج مؤخراً مما استدعى تدخل روسيا مباشرة بطائراتها وجنودها على الأرض ، وإعلان تدخّل القوات الجويّة الفرنسية لحماية بشار من عملاءه في الدولة الإسلامية ، علماً بأن المقاومة المعتدلة المخلصة للثورة ترابط في ثغر دمشق منذ أربع سنوات ولم تتحرك الجيوش الصليبية لقتالها لأنها معتدلة وليست عميلة كالدولة الإسلامية !! وقد سمعنا أخباراً عن تحرك هذه القوى الآن لقتال بشار ، ولا شك أن هذا التحرك ليس له أي دخل بتقدم الدولة الإسلامية ، ولن تصطدم هذه القوى بها ، ولن يُستغل ذلك ليُقال في القريب العاجل : انظروا إلى الدولة الإسلامية العميلة التي جاءت لإنقاذ بشار من تحرك المجاهدين البواسل ، فهذا شيء جديد لم يحصل من قبل في جبهات أخرى كما تقول الدولة الإسلامية العميلة !!
من الغريب أن تقرأ للبعض تزويراً للوقائع القريبة جداً وكأنها وقعت في كوكب آخر ، أو لهى الناس عنها وتابعها هؤلاء فقط !! البعض يقول بأن الثورة السورية كادت تنتصر لولا تدخل الدولة الإسلامية التي أفسدت الثورة !! هذه الجرأة على الكذب لا يمكن أن تصدر ممن يحترم نفسه أو يحترم غيره ، ذلك أننا جميعاً عاصرنا الأحداث ورأيناها رأي العين بالصوت والصورة .. الثورة السورية كادت تُسحق بسبب قوة الجيش السوري وضعف المقاومة الشعبية وسخاء الدولارات الخليجية التي أتخمت مخازن بشار بالذخيرة وأنواع الأسلحة حتى تدخلت الدولة الإسلامية – متمثلة في جبهة النصرة – وأنقذت الموقف بعمليات نوعية أربكت حسابات النصيرية والغرب واليهود والعرب ، ووُسِمت جبهة النصرة بالإرهاب الذي سلِم منه “بشار” الذي قتل مئات الآلاف من الشعب السوري ، ولا شك أن جبهة النصرة كانت عميلة لإيران لأنها كانت تتبع “دولة العراق الإسلامية” العميلة لإيران ، وقد تقرر بأن عملاء إيران فقط هم من يوسمون بالإرهاب وتحاربهم الدول الغربية والعربية ..
دخلت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بثقلها في سوريا وانتزعت آبار النفط من ولاة أمرها النصيرية ، ولتثبت للعالم عمالتها : قامت الدولة الإسلامية بقطع رؤوس آلاف النصيرية لتزيّن بها شوارع المدن وأسوار المعسكرات ، وهذا ما فعلته مع إيران التي أرسلت قادة جيشها وجنرالاتها : فكانت الدولة الإسلامية العميلة تستقبلهم بكل حفاوة ، وتردّهم إلى إيران معززين مكرَّمين محمولين على الأكتاف في صناديق جميلة مزركشة ما جعل أقارب هؤلاء الضباط يبكون فرحاً من هول الموقف ..
لو قال قائل بأن “قاعدة الجهاد” عميلة لإيران – وقد قيل ، وهو كذب محض – لكان الأمر أهون ، ذلك أن “الشيخ الظواهري” – حفظه الله – لا يكفّر عوام الرافضة ، أما الدولة الإسلامية فلا تفرّق بين عامي وعالم ، فجميع الرافضة عندها كفار ، ولا يوجد – حسب علمي – رافضي واحد في حدودها ، ولا يجرؤ رافضي الاقتراب من جنودها ، فالدولة لا تقبل منهم حتى الجزية ، وهذا لشدّة عمالتها لإيران ، وكذلك لا يوجد في حدودها نصيري واحد لشدة عمالة الدولة الإسلامية لبشار ، فجنود الدولة إذا رأوا نصيري فإنهم يقتلونه بالقُبَل ، وهذا أمر يعرفه جميع الناس ..
الغريب أن من يرمي الدولة الإسلامية بالعمالة لإيران لا يطالب حكومته بغلق السفارة الإيرانية في بلاده وطرد موظفيها ، ولا يطالب حكومته بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران ، ولا يطالب حكومته بعدم التنسيق مع الإيرانيين لقتل المسلمين في العراق والشام ، ولا يطالب حكومته بإيقاف دعم بشار وحكومة بغداد بمئات الملايين من الدولارات ، هذا كله غير مهم ، المهم أن يُثبت عمالة الدولة الإسلامية لإيران وبشار !! وزير الخارجية “السعودي” يذهب لإيران للتنسيق معها لقتل عملاءها في العراق وسوريا ، ووزير خارجية إيران يبادله الزيارة لنفس السبب !!
المشكلة في الدولة الإسلامية أنها غامضة ، ولا يعرف أحد منهجها ولا سياستها ، وليست مثل “السعودية” أو أمريكا التي يقول وزير خارجيتها : “سنبحث مع السعودية سبل تعزيز الدعم الأمريكي لمواجهة الخطر الإيراني” ، هذا موقف واضح من الدولتين لا يحتاج بياناً ، ثم تُعلن الخارجية الأمريكية بأن أوباما وسلمان : “يبديان دعمهما لجهود الحكومة العراقية للقضاء على داعش” !! المعادلة بسيطة : الدولة الإسلامية عميلة لإيران ، وأمريكا و”السعودية” تواجهان الخطر الإيراني بدعمهما للحكومة العراقية الـعميلة لفنزويلا !!! الكل يريد قتل عملاء إيران المسكينة ، وإيران ترسل آلاف الجنود إلى العراق لتحارب عملاءها في الدولة الإسلامية !!
عندما يقوم الرافضة في القطيف بقتل الشرطة “السعودية” فهذا أمر داخلي بين مواطنين ، واضطرابات عادية جداً لا دخل لها بالمذهبية والعمالة لجهات خارجية ، وعندما يخرج الرافضة في مظاهرات عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبون الصحابة ويطعنون في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار حجر عائشة رضي الله عنها ، فهذه مظاهرة يقوم بها مواطنون صالحون أحرار في بلد ديمقراطي يسمح بالتعددية المذهبية وبالمظاهرات السلمية ، فلا يجوز لأحد المساس بهم ، بل تحميهم الشرطة “السعودية” إلى أن يستفرغوا جميع سبابهم وقيح قلوبهم تجاه الصحابة وأمهات المؤمنين ، هؤلاء ليسوا عملاء لإيران ، العملاء هم من يغضب ويفجّر حسينيات هؤلاء الرافضة ، لأن في تفجير حسينياتهم استعداء لإيران الصديقة التي نقاتل معها عملاءها في الدولة الإسلامية التي تفجّر حسينيات المواطنين الصالحين الذين لا يوالون إيران !!
عملاء إيران هم الذين يكفّرون الرافضة ، ويقتلون جنرالات وجنود الجيش الإيراني ، ولا يوجد في حدودهم رافضي واحد ، ولا تربطهم مع إيران روابط دبلوماسية ولا اقتصادية ولا سياسية ، وليس لإيران سفارة في بلادهم ، أما أعداء إيران فهم الذين يستقبلون الرؤساء الإيرانيين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبصق هؤلاء على قبر عمر – رضي الله عنه – فلا ينكر عليهم إلا إمام المسجد النبوي الذي يُعزل عن الخطابة بسبب عمالته لإيران ..
أعداء إيران هم الذين يسمحون للدعاة الإيرانيين بالتواجد في بلادهم ليهيّجوا الرافضة ويزرعوا فيهم روح الوطنية لبلادهم ، وإذا وجدت هذه الدول مخازن أسلحة نوعية غير مرخّصة عند هؤلاء الوطنيون فإنهم يعتبون على الرافضة حيازتها ويوبخونهم ويشجبون ويستنكرون ويطالبونهم بحيازة رخص لهذه الأسلحة في المرة القادمة وعدم مخالفة القانون ، فتشكرهم السفارة الإيرانية – متطوعة – على حسن تعاملهم مع مواطني هذه الدولة المخلصون لدولتهم ..
البعض يقول : كيف لا تكون الدولة الإسلامية عميلة وهي تدخل المدينة تلو الأخرى ، ويهرب من أمامها جيوش الرافضة والنصيرية !! أليس هذا تسليم لهذه المدن بالاتفاق مع الدولة !! هل من المعقول بأن يغلب بضع مئات من جنود الدولة : عشرات الآلاف من الرافضة المدججين بأحدث الأسلحة !!
هذا سؤال منطقي وجوهري لا يمكن التغافل عنه !! لا بد أن نسأل أنفسنا {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ} (البقرة : 249) ، فهذا أمر مستحيل !! الرافضة والنصيرية – وإن كانوا أهل شرك – فهل من المعقول أن يكونوا بهذا الجُبن حتى يهربوا من جنود الدولة الإسلامية {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} (آل عمران : 151) ، حتى وإن كانوا جبناء ، وكان جنود الدولة أهل إيمان وصدق ، فالرافضة والنصيرية معهم الدول الغربية وروسيا والصين والدول العربية ، فكيف تنتصر الدولة على كل هؤلاء ؟ من وراء هذه الدولة {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران : 160) .. لا بد أن في الأمر شيء !!
غابت هذه المعاني عن واقع المسلمين فظنوا أن النصر لا يكون إلا بالحسابات الأرضية ، وعرب اليوم عاشوا لسنوات طويلة في بيئة عمالة حكوماتهم فلا يتصوّر أحدهم أن يكون إخلاصٌ من البعض لدينه وربّه جلَّ في علاه حتى يستحق مثل هذه المعيّة وهذا النصر ، فمعاني الإخلاص غابت عن واقع كثير من المسلمين حتى ظنوا أن أي انجاز لا بد أن تسبقه عمالة لقوة بشرية عظمى ، ولا يمكن لجماعة مسلمة أن تقف على رجليها إلا بمساندة الغرب ، ولا يمكن أن يكون نصر من عند الله وحده ، بل لا بد أن ترضى أمريكا عن الجماعة حتى تنتصر .. حدثونا عن توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات !!
الجهاد الأفغاني الذي انتصر على السوفييت كان ثمنه مقتل أكثر من مليون ونصف المليون “أمريكي” !! ليس هذا خطأ مطبعي ، بل هذه هي الحقيقة ، فكثير من الناس يؤمن بأن الأمريكان هم من انتصروا على السوفييت ، وليس الأفغان المسلمون الذين ضحوا بأبناءهم ونسائهم ودمائهم في سبيل دينهم ، هذا لا قيمة له عند بعض محللينا العظماء ، فصواريخ “ستنجر” هي التي هزمت السوفييت ، وليس ملايين الأرواح المسلمة التي أُزهقت ، بضعة عشرات من الصواريخ جاءت في نهاية الحرب لجماعات بعينها لم يُستخدم إلا القليل منها هي التي حسمت معركة الأمة الإسلامية ضد الشيوعية !! معاذ الله أن يكون الله هو الذي نصر الأمة !! تعالى الله عما يعتقد هؤلاء علوّاً كبيرا ..
كيف تتقدم الدولة الإسلامية وتأخذ الموصل والرقة ودير الزور والأنبار وتدْمر ولا تكون عميلة !! كيف تقصف الطائرات الغربية مواقع الدولة الإسلامية كل يوم ثم تتقدم هذه الدولة !! البعض يقول بأن الأمريكان غير جادين في قصف الدولة ، ونسي هؤلاء بأن طائرات ولاة أمرهم تقصف الدولة في نفس الوقت ، والكل يعلم إخلاص “ولاة الأمر” في نصرة القضايا الإسلامية !!
البعض يقول بأن الرافضة سلّموا الدولة الإسلامية هذه البلاد ، ونحن لا نكذّبهم ، خاصّة وأن الدولة الإسلامية قتلت عشرات الآلاف من الرافضة وقطعت رؤوسهم وحرّقتهم أحياء وفجرت رقابهم لتثبت صدق هذه النظرية .. بشار سلّم الدولة الإسلامية تدمر ودير الزور والرقة وجميع المناطق التي يقصفها ليل نهار ويقتل أهلها ليثبت أنه هو الذي تنازل عنها للدولة الإسلامية !! بعض الأذكياء العباقرة يقولون بأن : هذا اتفاق بين بشار والدولة لوأد الثورة السورية ، مع العلم بأن جميع الفصائل المقاتلة والثوار المخلصون خرجوا من هذه المدن ولم يبق إلا جنود الدولة الإسلامية العميلة الذين يقصفهم بشار ليل نهار ، لا لشيء إلا لأنهم عملاءه !!
نحن لا نكذّب الحكومات التي تتهم الدولة بالعمالة ، حاشا وكلا ، ولكننا نقول لها : العقل يقتضي استئصال المرض وليس الورم الظاهر .. إذا كانت الدولة عميلة لإيران فاقصفوا طهران وامتنعوا عن تقديم الدعم لجيش حسن نصر اللات في لبنان أو حكومة الرفض في بغداد ، وإذا كانت عميلة لبشار فاقصفوا دمشق واللاذقية وطرطوس ، وإذا كانت عميلة لليهود فاقصفوا تل أبيب ، وإذا كانت عميلة لأمريكا ………… فاملؤوا الفراغ ..
من الأمور الغريبة التي سمعناها مؤخراً : قول بعضهم بأن الدولة الإسلامية وليدة “تنظيم سرّي” يحلم بإرجاع الأمجاد البعثية القديمة .. من الواضح أننا لا نستطيع مناقشة هذا الطرح كون قادة الدولة الإسلامية من “حزب البعث” العراقيين الذين شعارهم :
آمنت بالبعث رباً لا شريك له … وبالعروبة ديناً ما له ثاني
فهذا هو شعار وعقيدة الداعية – في عهد صدام – الدكتور خريج الدراسات الإسلامية الحافظ للقرآن بالقراءات العشر : أبو بكر البغدادي ، لا شك في ذلك ، ولا شك أن قادة الجهاد من الشيشان واليمن وخراسان والمغرب – الأدنى والأوسط والأقصى – ومصر والفلبين وأندونيسيا ونيجيريا والهند ولبنان وسوريا والعراق والقوقاز وجزيرة العرب وبلاد فارس وفلسطين – الذين دخلوا حدود الدولة الإسلامية أو بايعوها من بلادهم – كلهم يؤمنون بهذه العقيدة البعثية ، كيف لا وهم لم يبايعوا الدولة الإسلامية إلا لنصرة هذه العقيدة ، وإن قال قائل بأن كل هؤلاء لا يعرفون حقيقة عقيدة قيادة الدولة الإسلامية ، فنقول : كيف غاب مثل هذا عن هؤلاء وهم في الساحة الجهادية ، ولم يغب عن محللينا الأفذاذ وهم خارج الساحة !! شاهدٌ رأى فبايع ، وغائب لم ير فحكم ، والغائب أعلم من الشاهد كما هو مقرر عند العقلاء ..
المعضلة ليست في عمالة الدولة الإسلامية ، ولكن المعضلة في تحديد الجهة التي الدولة الإسلامية عميلة لها ، وطبيعة هذه العمالة !! هل الدولة الإسلامية عميلة لبشار أم لإيران أم لأمريكا أم للصهيونية أم للبعث أم لدول الخليج الوهابية أم للمخابرات الفرنسية أم البريطانية !! طبيعة هذه العمالة لم توجد من قبل ، فلم يسمع البشر من قبل عن عميل يقاتل أسياده ويقاتلونه بهذه الشراسة ليثبتوا أنهم لا يتبنّونه ، ولينفي أنه عميل ، فيقع بين هذا الإثبات والنفي عشرات الآلاف من القتلى وتُهدر مئات المليارات من الطرفين !!
حيرتنا هذه الدولة : فلا ندري هل هي عميلة أم خارجية أم غالية ، البعض تحذلق فقال : قادتها السياسيون بعثيون ، وقادتها الميدانيون خوارج ، وجنودها غلاة أو مغرر بهم ، وهذا تقسيم بديع جميل إلا أن قائله أخرج العمالة من المعادلة !! فلا بد من العمالة لتكتمل الصورة ، وإلا يكون جميع من قال بالعمالة : إما من الجهال أو من الكذابين !! لا يكون الغلاة والخوارج عملاء لأن هذه الصفات تضاد العمالة ، فلا بد أنها القيادة ، والقيادة البعثية العراقية لها ثأر مع أمريكا والرافضة في العراق ، والبعث العراقي عدو للبعث السوري ، والبعث العراقي قصف الدولة الصهيونية ، والبعث العراقي غزا الكويت ، فلا بد من إيجاد دولة تصلح أن يكون البعث العراقي عميل لها ، والشكّ يتوجّه للفلبين ..
كلنا يعلم بأن القيادة البعثية حريصة أشد الحرص على إنشاء جيل مسلم يحفظ القرآن وينشأ على معاني العزة والجهاد ، ويقرأ لابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، ولا شك أن البعثيين حريصون أشد الحرص على تطبيق الحدود الشرعية ومحاربة الفساد ، وإنشاء المحاكم الإسلامية ، وإلزام النساء بالحشمة والحجاب ، ومحاربة التدخين والخمر والمخدرات ، وإلزام الناس بالصلاة وأداء الزكاة وتوزيعه على المستحقين ، فماذا يكون كل هذا إن لم يكن البعث بعينه !!
قالوا قاعدة ، ثم غلاة ، ثم عملاء ، ثم خوارج ، ثم تغنوا “بقاعدة الجهاد” ومدحوها وأثنوا عليها بعد أن كانت “فئة ضالة خارجية غالية متنطعة عميلة” ، ثم رجعوا مرة أخرى فقالوا الدولة الإسلامية عملاء ، ثم فصّلوا وفرّقوا بين القيادة والجنود ، ثم قالوا بعثيين ، ثم تنظيم سرّيّ ، ولا نعلم ما يقولون بعد أيام أو أشهر .. لقد فرضوا على جميع وكالات الأنباء العالمية اسم “داعش” التي لا يستطيع الغربي نطقها فيقول : “داهش” ، من الدهشة والذهول ، فكل أمر هذه الدولة الإسلامية يصيب أعدائها بالذهول ، فرغم اجتماع جميع من تعمل الدولة لصالحهم لقصفها إلا أنها بقيت ولا زالت تتمدد !!
ستون دولة تحاربها ، وستون دولة تقصفها ، وإعلام الأرض يشوّه صورتها ، وبعض العلماء يُفتون بخارجيتها ، والمحللون يقولون بعمالتها ، والثوار يحاربونها ، وإخوة الأمس يطعنونها ، رغم هذا تأتيها البيعات من شتى بقاع الأرض ، ويُقبل عليها كل يوم عشرات الشباب المسلم من جميع البلاد ، وجميع استطلاعات الرأي تُظهر شعبيتها لدى الشعوب المسلمة وغير المسلمة ، فلا بد أن تكون هذه الدولة عميلة لجهة ما ..
لا يُعقل أن تواجه كل هذا الكيد والمكر والغدر وهذه الجيوش والأسلحة وهذه العقول بمفردها !! كيف تقصفها الطائرات في الشرق ، فتفتح المدن والقرى في الغرب !! تهاجمها الجيوش الجراراة من الجنوب ، فتزحف شمالاً وتحرر البلاد !! يشوهون صورتها فتزيد شعبيتها !! فقد وزير خارجية أمريكا الصليبي النصراني صوابه من أفعال الدولة لدرجة أنه بدأ يفتي في أصول الدين الإسلامي رغم عدم توفّر شوط المفتي فيه ، وأوباما رجع إلى أصله الكيني ليُنظّر في السياسة الشرعية ، وكثير من المفتين في الدول العربية تبع للشيخين ..
الدولة الإسلامية عميلة بلا شك ، ولكن : ليس لمخلوق ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
24 ذو القعدة 1436هـ
_________________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]