New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "The Foreign Affairs of The Islamic State"

بسم الله الرحمن الرحيم

الخارجي ليس كائناً نزل من القمر ، أو سراً كونياً لم يطّلع عليه أكثر البشر ، وليس الخارجي لغزاً لا يفكّه غير عباقرة الزمان .. الخارجي إنسان من لحم ودم ، كل ما يميّزه عن بقية المسلمين أنه متنطّع جاهل مغرور يرى نفسه على حق دون غيره ، فجهله هو سبب تنطّعه ، وتنطّعه جرّأه على سفك الدم الحرام ، وصيّره مارقاً عن الدين كما يمرق السّهم من الرميّة ، وبسبب خطره على المسلمين – كونه متهوّر ومقاتل شرس ومستبيح لدمائهم – جاء التحذير منه في النصوص ..

من هو الخارجي ؟ وكيف نميّزه عن غيره ؟

سؤال يخالج صدر كثير من الشباب اليوم لكثرة الآراء والاجتهادات التي صبّها الناس صباً على قارعة الفكر ليقرر أكثرهم “خارجية” بعض المجاهدين والعلماء والمفكرين في زماننا هذا وقبله حتى يَفُضّوا الجموع من حولهم فلا يسمعوا لهم ولا يتبعوهم ويقللوا من جاذبيتهم ومن جاذبية دعوتهم التجديدية في الغالب .. فمن محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة النجدية ، مروراً بحسن البنا ، وسيد قطب وجاعة الإخوان ، ثم عبد الله عزام وأسامة بن لادن وقاعدة الجهاد ، حتى وصلنا إلى “الدولة الإسلامية” ، كل هؤلاء خوارج بغاة مارقة حرورية أهل تنطّع وغلوّ وضلال ، والجامع المشترك بين هؤلاء هو خروجهم عن المألوف في البيئة المحيطة بهم أو ما هو غالب على الأمة في زمانهم : فمن محارب للقبورية ، إلى الداعي للفكرة الإسلامية ، والمطالب بالإستعلاء الإيماني على الكفر العالمي ، ومن محرّض على الجهاد في الأمة ، ومن مُعلنٍ للجهاد العالمي ، ثم الطامة الكبرى والمصيبة العظمى : عدم الاكتفاء بالدعوة والتنظير لقيام الخلافة الإسلامية !!الخروج عن المألوف خارجية بلا شك ، ولكنها ليست الخارجية التي عنتها نصوص خير البريّة صلى الله عليه وسلم ..

هناك خارجيتان : خارجية إبليسية سببها الكِبر والعُجب والجهل بالله تعالى وبأمره والتي كانت نتيجتها {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} (الحجر : 34) ، وخارجية نبوية شرعية على هذا الكفر والكِبر والجهل الذي صيّر المنكر معروفاً {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ} (الحج : 40) ، وتجلّت محاربة هذه الخارجية في أغرب صورة لها على يد الشواذ جنسياً وعقلياً {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (النمل : 56) ، فـ “الخوارج” – بالمعنى اللغوي – هنا هم آل لوط عليه السلام الذين بقوا على الفطرة البشرية السويّة التي لم تستسغها العقول المنحرفة !! الخوارج الذين جاء وصفهم في الأحاديث النبوية شابهوا كثيراً الخارجي الأوّل (الشيطان) في صفة العُجب والكِبر والجهل بالله عز وجل وبحقيقة أمره ، فقد جاء وصفهم في الأحاديث النبوية بأنهم ” يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم” ، “سفهاء الأحلام” ، “قوم يتعبدون ويتدينون حتى يعجبوكم وتعجبهم أنفسهم” ، فهذه الصفات هي التي أخرجت إبليس من رحمة الله تعالى ، فأبى أن يسجد لآدم واستكبر وقاس قياساً فاسداً {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (ص : 76) معارضاً به أمر الله الصريح الذي امتثلت له الملائكة دون تردد ، ولفهم هذه النفسية الغريبة المتكبّرة المتعجرفة العجيبة ينبغي أن نفهم نفسية “ذو الخويصرة التميمي” – أخزاه الله – الذي أتى سيد ولد آدم فقال له : “اعدل ، فإنك لم تعدل” !! أو ذاك الشاب صاحب الزهد والعبادة الذي مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : “أَنشُدُكَ اللهَ هل قلتَ حين وقَفتَ على المجلس : ما في القومِ أحدٌ أفضَلُ مِنِّي أو خيرٌ مِنِّي ؟ قال : اللهمَّ نَعَمْ” فهذا الجاهل المغرور اعتقد في نفسه أنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة رضوان الله عليهم بسبب اغتراره بعبادته ، ولم يُدرك عقله الصغير أن العُجب والكِبر هما سبب هلاكه لا رفعته !!كثير من الناس اليوم يخلط بين الخارجيتين بسبب اختلاط المفاهيم ، وبسبب الجهل الكبير بالأحكام الشرعية الذي هو نتاج الحملة الصليبية على الثوابت الإسلامية ..

كثير من الناس لا يعرف حقيقة الجهاد ويظن أن السِّلم والسّلام والسِّلمية أصول شرعية باطلٌ ضدّها ، وطامة البعض مع الجهاد : اعتقاده ضرورة موافقته للقوانين الدولية التي جاء الجهاد ليكسرها ويمحوها من الوجود !! كثير من الناس لا يعرف حقيقة “الولاء والبراء” فيظن أن القومية والوطنية من الدين فيدعوا لنبذ الطائفية !! وكثير من الناس لا يعرف حقيقة “الحكم بما أنزل الله” فيظن أن الناس يسعهم ترك تحكيم شرع الله أو يسعهم الاستفتاء على ذلك أو يسعهم اختيار نظام الدولة المدنية بالمفهوم الغربي ، بل كثير من الناس لا يعرف حقيقة “أُلوهية الله تعالى” فيصرف العبادة لغير الله عن طريق الإستغاثة والدعاء والخوف والرجاء والاستعانة !! الخوارج المارقة الذين جاء ذكرهم في الأحاديث النبوية أفضل – من الناحية العلمية – من كثير من الناس اليوم ، فالخوارج الأوائل كان جهلهم في فهم بعض النصوص وتأويلها على غير المراد بها ، ولكنهم كانوا منضبطين في الثوابت أكثر من كثير من الناس اليوم ، فلم يكن عندهم انحراف في التوحيد ولا في الولاء والبراء – في الجملة – ولا في أصل الحاكمية ، وإنما انحرافهم كان بسبب تأويل فاسد في حكم مرتكب الكبيرة جرّهم إلى تكفير واستباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والردّة ، ولذلك لم يكفّرهم جمهور العلماء ، واتفق الصحابة على عدم تكفيرهم وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم والصلاة خلفهم ، بينما كثير من الناس اليوم يُنكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة ويقعون في الردّة من حيث لا يشعرون : كمن يدعوا إلى ترك أحكام أهل الذمة وعدم الزام الكفار بالجزية ومساواتهم مع المسلمين في الحقوق والواجبات باسم الوطنية ، والبعض يدعوا إلى تغيير مفهوم الولاء والبراء ، أو إلغاء جهاد الطلب من التراث الإسلامي وإلغاء أحكام السبي والرقّ في الإسلام بزعم وجود قوانين دولية تحرّم هذه الأمور ، وهذا من أعظم المنكرات كونه اعتقاد بجواز نسخ حكم الله بقوانين وضعها الكفار !!

ومما نراه اليوم من بعض طلبة العلم : الفجور في الخصومة ، واستخدام الألفاظ النابية والكلمات البذيئة ، والإكثار من التنابز بالألقاب ، وإنزال النصوص غير موضعها ، ولمز المجاهدين والكذب عليهم والافتراء المفضوح والتلاعب بالنصوص ، وابتداع حدود لمصطلحات حدّها علماء الأمة قبل ألف سنة !! قال الأشعري في مقدمة “مقالات الإسلاميين” : “ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات ويصنفون في النِّحل والدّيانات : من بين مقصّر فيما يحكيه ، وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه ، ومن بين معتمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه ، ومن بين تارك للتقصّي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين ، ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أن الحجة تلزمهم به ، وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين” (انتهى) ..

نتحدّث اليوم عن الدولة الإسلامية : فكما نفينا صفة الخارجية عن “قاعدة الجهاد” وقادتها قبل سنوات بعد الهجمة الإعلامية الشرسة من قبل الحكومات وعلماء السوء وبعض المغرر بهم في ذلك الوقت (ولا زلنا ننفي عنها هذه الصفة البغيضة) ، فإننا ننفيها عن “الدولة الإسلامية” وقيادتها اليوم ، وقد نقلنا من كلام علماء السلف في مقال “بحث في الخوارج” ما يقطع دابر هذا الأمر ، ولكن بعض الناس قلبوا الأمور وقالوا بعدم الأخذ بكلام العلماء ، وزعموا الرجوع إلى النصوص مباشرة ، فلا بأس أن نبيّن من بعض النصوص أمراً واضحاً لا يحتاج كثير بيان ، وليتبين القارئ حقيقة كلام هؤلاء وقلّة ورع بعضهم وتقوّلهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

فمن صفات الخوارج التي وردت في الأحاديث :

1- أنهم “حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام …” (البخاري) ، قال البدر العيني في عمدة القاري : “(حُدثاء الأسنان) أي : الصغار … قوله : (سفهاء الأحلام) أي : ضعفاء العقول ، والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل” (انتهى) .. أما حداثة السنّ : فالغالبية العظمى من الصحابة السابقين إلى الإسلام كانوا من الشباب ، ولما سُئل “خالد بن الوليد” رضي الله عنه عن سبب تأخر إسلامه برر ذلك بكونه كان يرى لشيوخ قريش عقلاً ورأياً وقد تأخروا عن الإسلام ، فكان سبب تأخره رأي الشيوخ !! فليس كل صغير سن خارجي ، بل قد تكون جماعة من الشباب أعقل بكثير من مثلهم من الشيوخ كما هم الصحابة مع شيوخ قريش ، فلا بد أن يكونوا سفهاء أحلام مع حداثة سنّهم ، والعالم كلهه يشهد ، وجميع مراكز الأبحاث في الأرض تشهد بأن الدول الإسلامية أبعد ما تكون عن خفّة العقل .. لقد بايع الدولةَ كثير من وجهاء وشيوخ القبائل والعلماء وطلبة العلم الذين لا يخرجون في الفضائيات في العراق والشام ، وكثير من العلماء وطلبة العلم في البلاد الإسلامية يؤيدونهم ولا يستطيعون إعلان التأييد خوف العقوبة التي تصل إلى الإعدام في بعض البلاد ، وبايعهم الكثير من المجاهدين في القوقاز وخراسان واليمن وأفريقيا وغيرها من البلاد .. رأيت رسالة قال كاتبها بأن الخوارج : “يجذبون إليهم حدثاء الأسنان” ، في إشارة إلى أن هذا هو معنى الحديث ، وهذا خطأ : فحدثاء الأسنان هم الخوارج ذاتهم وقادتهم كما هو ظاهر الحديث ، وكما كان الخوارج في عصر الصحابة .. ليسأل القارئ الكريم نفسه : كم حولك من صغير سن خفيف عقل ؟ لا شك أنهم كثير ، والسؤال : هل هؤلاء خوارج ؟ لا شك أنهم ليسوا خوارج ولم يخطر على بالك أنهم خوارج وذلك أنك تعلم في قرارة نفسك بأن أوصاف الخوارج الأخرى لم تنطبق عليهم ..

2- “هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي” (أحمد ، وسنده حسن) ، و”خير قتلى تحت ظل السماء من قَتَلوه” (أحمد وهو صحيح) ، وجاء : “طوبى لمن قتَلهم وقَتلُوه” (أبوداود وصححه الألباني) .. والدولة – إن شاء الله – من خيار هذه الأمة كونها تجاهد النصارى والنصيرية والرافضة ، وتفك العاني ، وتحكّم شرع الله ، وتُرهب أعداء الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤت الزكاة ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتحيي السنن الشرعية التي أماتها المسلمون ، وقد تكالبت عليها الأمم ، ويقاتلها النصارى (ستين دولة نصرانية ومرتدة) واليهود والرافضة والنصيرية والملاحدة يقصفونها كل يوم فيقتل جنودُها شرار الخليقة من الكفار والمرتدين ، ولا يقول مسلم بأن من تَقتلهم الدولة من النصيرية والرافضة والملاحدة والنصارى هم “خير قتلى تحت أديم السماء” وأنه “طوبى لهم” ، وإنما جاء هذا الوعد لمن يقتله الخوارج ، كون الخوارج لا يقتلون إلا المسلمين كما جاء في النصوص ..

3- وجاء : “قوم يقرءون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم” (مسلم) ، وكثير من جنود الدولة من حفظة القرآن الذين يعقلون ما يقرأون ويستندون إلى تفاسير السلف والخلف المعتدّ بها ، فهذا ينفي عنهم هذه الصفقة ، أما الخوارج فقد جادلوا في القرآن وأنكروا على الصحابة بعض الأمور في حروراء بفهمهم السقيم ، قال الآجري (في الشريعة) : “وهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون” وذكر قول ابن عباس رضي الله عنه فيهم : “يؤمنون بمحكمه ، ويضلّون عند متشابهه” (انتهى) ، وهذا انما يحصل لمن لا يستند إلى كلام السلف وأهل التفسير ولا يأخذ منهم كما تفعل الرافضة وكثير من أهل البدع الذين يؤولون القرآن بفهمهم وهواهم معرضين عن الأخبار الصحيحة ، فالدولة ترجع إلى فهم السلف لكتاب الله لا فهمها هي ، وهذه موادها المرئية والمسموعة والمقروءة تشهد بذلك ، فالفرق بين الهوى والرجوع إلى فهم السلف واضح .. لنسأل أنفسنا : كم إنسان يقرأ كتاب الله لا يتجاوز تراقيهم ؟ هل هؤلاء خوارج ؟ لماذا لا نحكم عليهم بالخارجية !!

4- وجاء : “يتيه قوم قِبل المشرق محلقة رءوسهم” (مسلم) ، وجاء : “سيماهم التحليق” (ابن ماجه وصححه الألباني) ، وجاء : “سيماهم التحليق والتسبيد” (أبو داود وصححه الألباني) ، قال أبو داود : التسبيد استئصال الشعر .. وجنود الدولة ليسوا محلّقة ولم يستأصلوا شعورهم ، وقد كان الخوارج يحلّقون رؤوسهم تطهّراً من المعاصي – على حد زعمهم – وكانت هذه صفة ملازمة لهم قال الكرماني ” والخوارج اتخذوه [التحليق] دَيْدناً ، فصار شِعاراً لهم ، وعُرفوا به” (انتهى) ، وقال القرطبي في المُفهم : “قوله : (سيماهم التحليق) : أي جعلوا ذلك علامةً لهم على رَفْضهم زينة الدنيا ، وشِعاراً لِيُعرَفوا به كما يَفعل بعض رُهْبان النصارى يفحصون عن أوساط رؤوسهم” (انتهى) .. لما انتفت هذه الصفة فيهم ، ورأى البعض طول شعور بعض جنود الدولة في المقاطع المرئية : لجؤوا إلى أثر ضعيف جداً في كتاب الفتن لأبي نعيم في ذكر قوم يطيلون شعورهم وألصقوه بالدولة ، وهذا من الإفلاس في الحجة .. أما “التيه قبل المشرق” فهذه صفة مخصوصة للخوارج الموصوفون في الأحاديث وليست صفة كل من خرج من المشرق كما يقول بعض الجهال ، فجُلّ علماء المسلمين خرجوا من بغداد أو كانوا فيها ، وكانت فيها الدولة العباسية ، وعاصمة الخلافة في عهد علي رضي الله عنه كانت بالكوفة ، والدولة الزنكية خرجت من الموصل ، فالمقصود بهؤلاء من خرج على علي في حروراء ، وقال بعضهم بأن المقصود الأزارقة والنجدات لأنهم خرجوا في اليمامة وهي شرق المدينة ، ولذلك قال بعض معارضي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه خارجي لخروجه في نجد ، وهذا خطأ ..

5- وجاء : “قوماً يتعبّدون” (ابن ماجه وصححه الألباني) ، وجاء : “يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئا ، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا” (أبو داود وصححه الألباني) ، ولا يُعرف عن جنود الدولة فضل عبادة – من صلاة أو صوم – على المسلمين كما عُرف عن الخوارج في عهد الصحابة والتابعين ، بل صلاتهم كصلاة المسلمين وصيامهم كصيامهم وعبادتهم كعبادتهم ، ولنا أن نتخيّل عبادة الصحابة – الذين كان بعضهم يقرأ القرآن في ركعة ، وبعضهم يركع فيحط الطير على ظهره من طول الركوع – ونقارن بها عبادة جنود الدولة لنرى أن هذه الصفة بعيدة كل البعد عن جنود الدولة الذين لم يُنقل عنهم عبادة يحقّر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادَتُهم لعبادتِهم ، وفي حديث ابن عباس عند الطَّبراني في قصة مناظرته للخوارج قال : “فأتيتهم فدخلت على قوم لم أَرَ أَشَدَّ اجتهاداً منهم ، أيديهم كأنها ثفن الإبل ، ووجوههم معلمة من آثار السجود” ، وقيل بأن أتباع ابن الأزرق كانوا على الدوام يقومون الليل ويصومون النهار !! ونتسائل : هل كل من اجتهد في العبادة خارجي ؟ الجواب معروف ؟


6- وجاء : “يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان” (أبو داود وصححه الألباني) ، وهذا لا ينطبق على جنود الدولة كونهم يقاتلون الكفار النصيرية والنصارى والرافضة والملاحدة ، والدولة لا تقتل أهل الإسلام ، بل تدافع عنهم وتموت دونهم ، وليست الفتنة الحاصلة في الشام من هذا الباب ، وإنما هي اقتتال بين مسلمين لأسباب يطول ذكرها ، وقد أعلن قادة الدولة بالكفّ عمن يكف عنهم ، وهذا إعلان لا يصدره الخوارج لكونهم يرون قتل المسلمين ابتداء قربة إلى الله : فكانوا يمتحنون المسلمين في دينهم ورأيهم في الصحابة ويقتلون من لا يوافقهم ، ويتركون النصارى وأهل الذمة لا يقتلونهم ، وهذه صفة منتفية عن الدولة الإسلامية التي في سلطانها ملايين المسلمين الآمنين ، ولو كانوا خوارج لأمتحنوا هؤلاء في عليّ وعمرو ومعاوية رضي الله عنهم ثم قتلوا من لم يكفّرهم ، أو امتحنوهم في عقائد الخوارج من تكفير مرتكب الكبيرة وغيرها من الأصول البدعية ، وهذا لم يُنقل عمن يعيش في كنف الدولة الإسلامية ..


من المؤسف أن الناس لا يعرفون أحوال الخوارج المذكورين في الأحاديث ، ومن لم يعرف أحوالهم لا يستطيع المقارنة بينهم وبين غيرهم ، فعلى المسلم الرجوع إلى كتب السلف لمعرفة أحوال المقصودين بهذه النصوص حتى يرى حجم الكذب والتلبيس والتدليس الحاصل بإنزال هذه النصوص على “الدولة الإسلامية” اليوم كما أنزلوها من قبل على “قاعدة الجهاد” وعلى جماعة “الإخوان المسلمين” وعلى دعوة الشيخ “محمد بن عبد الوهّاب” ، ونحيل من يريد الحق إلى بعض المراجع ليحصل العلم ، فمنها : البداية والنهاية لابن كثير فقد جمع جملة طيبة من الأحاديث في أحداث سنة سبع وثلاثين ، والفصل في الملل والنحل لابن حزم ، والمِلل والنِّحل للشهرستاني ، والفرق بين الفِرق للبغدادي ، والكامل في التاريخ لابن الأثير ، وسِير أعلام النبلاء وتأريخ الإسلام للذهبي ، وفتاوى ابن تيمية ، ومصنف ابن أبي شيبة ، وشروح كتب العقيدة والحديث وغيرها ..

حقيقة رمي الدولة بالخارجية :

إن أخشى ما نخشاه أن يتلاعب بعض من في الثغور بالنصوص الشرعية لتحقيق بعض المكاسب الآنية : فالدولة الإسلامية لم تكن خارجية إلا بعد أن حصل الخلاف ، وبعد أن تمددت الدولة وتمكنت في كثير من البقاع ، ولم تأت الفتاوى إلا بعد أن توقف الكثير من المجاهدين عن قتال الدولة وبدأت البيعات تأتيها من هنا وهناك ، هنا ظهرت الفتاوى لتحل ما حرّم الله من قتال الفتنة واقتتال المسلمين ، وهذا عين ما يفعله الطغاة : فالرافضة إخوة الوطن في بلاد الحرمين ، ورافضة كفار في اليمن ، وحلفاء في العراق ، وجيران في إيران ، فإذا حسُنت العلاقة مع إيران كان الرافضة مسلمون ، وعندما تسوء العلاقة تنطلق الفتاوى بتكفير الرافضة !! أسامة بن لادن – رحمه الله – كان شيخ المجاهدين ، والمقاتلون في أفغانستان كانوا طليعة الأمة المجاهدة ، ولما جاء الأمر الأمريكي أصبح أسامة رأس الخوارج ، وجميع أتباعه خوارج مارقين ضالين مُضلين ، وانطلقت الفتاوى الشرعية المؤصَّلة من بعض العلماء المشهورين تُنزل النصوص على أسامة وإخوانه !! الإخوان المسلمون كانوا مسلمين وسطيين معتدلين ، فلما حصل الإنقلاب أصبحوا خوارج ضالين مضلين إرهابيين !!

الدُّول المانحة – في الشام – اشترطت على “البعض” قتال الدولة الإسلامية ، والجنود إنما حملوا السلاح للجهاد والأجر ، لا لقتال الفتنة ، ولا تستطيع هذه الجماعات تكفير الدولة لأنها تصبح “تكفيرية” فتقع فيما رمت به الدولة ، فكان المخرج رمي الدولة بالخارجية حتى يستحلّوا قتالها ويطمئِن جنودهم فيقاتلوا “الخوارج” طلباً للأجر والثواب ، كيف لا وفي النصوص : “فأينما لقيتوهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة” (البخاري) ، ” لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود” (البخاري) ، “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد” (مسلم) ، “يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق” (مسلم) ، “شر قتلى قُتلوا تحت أديم السماء ، وخير قتيل من قَتلوا” (ابن ماجه وحسنه الألباني) ، “ألا فإذا رأيتموهم فأنيموهم ، ثم إذا رأيتموهم فأنيموهم ، فالمأجور قاتلهم” (أحمد وإسناده قوي) ، فبهذه النصوص يسهل استدبار النصيرية ، واستقبال “المارقة الحرورية” ، فحسبنا الله ونعم الوكيل ..

مثال لنفي الخارجية :

لعلنا نبسّط الأمر أكثر لعوام المجاهدين في الشام وللمسلمين ، فنقول : الخارجية لا تثبت إلا بتطابق النصوص مع الواقع ، والواقع يشهد بأن الدولة بعيدة كل البعد عن وصف الخوارج كما ظهر ، وما فعله البعض هو انتقاء واختيار بعض ألفاظ الأحاديث للدلالة على رأيه ، وهذا خطأ لأن الأحاديث تصدّق بعضها بعضا ، وتبيّن بعضها بعضا ، فلا يجوز بترها ولا اختيار ما يناسب منها وترك الباقي ، فالخوارج الذين أتت صفتهم في الأحاديث كانوا : جماعة معلومة ، تَظهر في مكان معلوم ، يقاتلهم أولى الطائفتين بالحق ، ولهم آيات يُعرفون بها لا تُخطئهم ولا يتكلّف الإنسان إنزالها عليهم لتطابق الوصف ، وهؤلاء الخوارج كفّروا عموم المسلمين ، وأعلنوا تكفيرهم ، وشددوا على تكفير عليّ ومعاوية وعمرو بن العاص وأمثالهم من الصحابة ، وكانوا يمتحنون الناس في التكفير ويقتلون من لا يوافقهم دون تردد ، وكانوا لا يقربون الكفار ويتورّعون أشد الورع في إيذائهم ، وكانوا يفسّرون القرآن على ظاهره وفق اجتهادهم وفهمهم هم ، ثم بعد ذلك أخذوا بعض عقائد المعتزلة وغيرهم فصار لهم مذهب خاص جمعوا فيه بين الجهل وخفّة العقل والبِدَع ..لنأخذ مثالاً واحداً حتى نبسّط الأمر أكثر ونبيّن كيف تلاعب البعض بالنصوص الشرعية وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل بساطة لتحقيق مآربهم ، وربما مآرب أعداء دينهم : حديث : “يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان” .. البعض يذكر الجزء الأوّل من الجملة ويترك الباقي ، وحتى الجزء الأوّل ليس لهم فيه حجّة ، فمن المعلوم أن جيش علي رضي الله عنه قتلوا طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وهما من العشرة المبشرين بالجنة ، وجيش علي ليس خارجياً اتفاقاً !! جيش معاوية قتل “عمّار بن ياسر” ، واقتتل الصحابة في الجمل وصفين فقُتل عشرات الآلاف من خيرة المسلمين ، فهل الصحابة والتابعون خوارج !! الذي يقتل المسلمين ليس بالضرورة خارجيّ ، فلا بد أن تتفق الصفتان : “يقتلون أهل الإسلام ، ويدَعون أهل الأوثان” مع عدم إهمال بقية الحديث الذي هو جزء من حديث “ذو الخويصرة” المذكور في الصحيحين وغيرهما .. الخوارج في عهد الصحابة كانوا يقتلون المسلمين فقط دون الكفّار ، قال القرطبيّ (في المُفهم) : “وذلك أنهم لَمّا حَكَموا بكفر مَن خرَجُوا عليه من المسلمين ، استباحوا دماءهم ، وتركوا أهل الذّمّة ، وقالوا : نفي بذمّتهم ، وعَدَلُوا عن قتال المشركين ، واشتغلوا بقتال المسلمين عن قتال المشركين” (انتهى) ، بل كانوا شديدي الورع مع الكفار حتى أن أكثر شراح الحديث يوردون قصتهم مع عبد الله بن خباب التي مفادها : “لما خرج إليهم عبد الله بن خباب رسولاً من عند عليّ جعل يعِظهم ، فمرّ أحدهم بتمرة لمعاهد فوضعها في فيه ، فقال له بعض أصحابه : تمرة معاهد استحللتها ؟” (انتهى) ، وعند ابن كثير في البداية والنهاية : “فبينما هو [عبد الله بن خباب] يسير معهم إذ لقي بعضهم خنزيراً لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم بسيفه فشق جلده ، فقال له آخر : لم فعلت هذا وهو لذميّ ؟ فذهب إلى ذلك الذميّ فاستحلّه وأرضاه” (انتهى) ، فأين هذا الورع مع الكفار مما تفعله “الدولة الإسلامية” وقد رأى العالم كله – بالصوت والصورة – ما فعلوا بالنصيرية والرافضة والنصارى من ذبح وقتل ..

قد يقول قائل : الحكم للغالب ، فنقول : أين الدليل من النصوص بأن الحكم للغالب ؟ ثم لو قارنا من قُتل في هذه الفتنة – من جميع الجماعات بما فيهم جنود الدولة – بمن قَتلت الدولة من الرافضة في تكريت فقط لعُلم الغالب ..بل نقول أكثر من هذا : من ثبت عليه في فترة حكمه أنه “قتل أهل الإسلام فقط ولم يقاتل أهل الأوثان” لا نحكم عليه بالخارجية حتى تنطبق عليه بقية الصفات ، فهذا عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – حكم بلاد الإسلام لسنوات وكان قتاله كله ضد المسلمين ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حكم قرابة الخمس سنوات قاتل فيها المسلمين فقط ، وروي عنه أنه قال “أنا من علّم الناس قتال أهل القبلة” ، ولا يقول مسلم بخارجيتهما ، ومعاوية قاتل المسلمين والكفار في خلافته ، ولا يقول مسلم بأن معاوية أفضل من عليّ ، رضي الله عن الصحابة أجمعين ..

بل حتى الذي يسفك دم آلاف المسلمين ، بل مئات الآلاف من المسلمين ، لا يكون خارجياً إلا أن تنطبق عليه صفات الخوارج : فقد قيل بأن الحجاج بن يوسف الثقفي قتل ألف ألف نفس (مليون) واختلف العلماء في كفره ، ولم يرمه أحد بالخارجية !! أبو مسلم الخراساني قتل مئات الآلاف من المسلمين ولم يكن خارجياً ، وقيل بأن بنو العباس كانوا يُخرجون جثث بني أمية من القبور ويحرقونها ولم يقل أحد بأنهم خوارج ، وقتلوا كل من وجدوا من بني أمية في الشام واسرفوا في القتل حتى قيل بأن عبد الله بن علي – عم السفّاح – قتل في الشام خلال ثلاث ساعات : خمسين ألفاً من جنود بني أمية وأمرائهم وأهليهم وأنصارهم وفرّ الباقون إلى المغرب والأندلس (انظر ترجمة أبا مسلم في سير أعلام النبلاء) ، فقتْل المسلمين قد يكون لسلطة أو بغي أو ثأر أو هوى أو لتثبيت حق أو باطل أو غيرها من الأسباب ، وليس بالضرورة خارجية كما يعتقد البعض ..

لا بد أن تنطبق الأحاديث كلها على جماعة بعينها حتى تكون خارجية ، وإن قال البعض : بأن هذا ليس شرطاً ، بل يكفي بعض الوصف ، فنقول : من له حق اختيار بعض الوصف وترك بعضه !! الصفات جميعها انطبقت على الخوارج في عهد علي رضي الله عنه وهو الذي روى الأحاديث وكان من أفقه الصحابة ، ومع ذلك بحث عن صاحب الثُّديَّة حتى يطمئن قلبه وقلوب المسلمين معه ، فمَن مِن العلماء اليوم أعلم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى يجزم بخارجية جماعة فينزل الأحاديث عليها ويختار ما يشاء ويدع !! قال ابن الملقّن في التوضيح في شرح حديث ذي الخويصرة : فإن قلت : أليس قال [صلى الله عليه وسلم] : “لئن أنا أدركتهم” ؟ وكيف لم يدع خالدًا أن يقتله وقد أدركه ؟ قيل : إنما أراد إدراك زمن خروجهم إذا كثروا وامتنعوا بالسلاح واعترضوا الناس بالسيف ، ولم تكن هذِه المعاني مجتمعة إذ ذاك ، فيوجد به الشرط الذي علّق به الحكم ، وإنما أقدر أن يكون ذلك في الزمان المستقبل ، وقد كان كما نبه عليه الخطابي” (انتهى) . فهذا تعليل من العلماء بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أول خارجي لأن المعاني لم تجتمع فيه ، فكيف يأتينا اليوم من يتكلّف إنزال بعض الصفات على جماعة ثم يجزم بخارجيتها ويحكم بقتل أفرادها المسلمين قتل عاد وثمود !!

لو قال قائل بأن الدولة الإسلامية : باغية أو عميلة أو حكم جبري أو قادتها جُهّال متنطّعون ، وقد قيل كل هذا ، فالأمر يختلف ، ويكون غير هذا النقاش ، لكن الخوارج جماعة معلَّمة جاءت فيهم نصوص مخصوصة لا يمكن إنزالها على الدولة الإسلامية ، ومن أعجب العجب أن يدّعي البعض خارجية الدولة ثم يرميها بالكذب والعمالة في نفس المقام ، وهذا كمن يقول بأن فلاناً : “رافضي من أهل السنة والجماعة ” !! لا يمكن أن يكون جارجيّ كذّاب ، ذلك أن الخوارج يكفّرون مرتكب الكبيرة ، والكذب عندهم من أعظم الكبائر ، والنصوص تشهد بأنهم أهل صدق : “يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم” ، “قوم يتعبّدون ويتدينون حتى يعجبوكم وتعجبهم أنفسهم” ، فهم أهل عبادة وإخلاص وصدق حقيقة كما جاءت بذلك النصوص ، لكن عن جهل لا عن نفاق وكذب ، والأخبارهم تشهد – وعلماء السلف يشهدون – بأنهم من أصدق الناس لهجة ، ولم يؤثر عنهم الكذب ، وهذه صفتهم في الأحاديث ، فمن قال بأن الخارجي يكذب فهو كذّاب ، ومن قال بأن الكذّاب خارجيّ فهو كذاب ..

وقل هذا عن العمالة : فالخوارج من أبعد الناس عن العمالة ، وإنما هم شباب أغرار جهّال مندفعون يقاتلون عن عقيدة يؤمنون بها بكل قلوبهم وجوارحهم وينصرون دينهم ومنهجهم بكل إخلاص ، فمن قال بأن العميل خارجيّ فهو كذّاب ، ومن قال بأن الخارجيّ عميل فهو كذّاب .. لا يمكن أن نصدّق من يحلف لنا بأن الدولة يكذبون وهم في نفس الوقت خوارج ، فتصديق مثل هذا تكذيبٌ للنبي صلى الله عليه وسلّم .. إما أن يكونوا كاذبين أو يكونوا خوارج .. الدولة تنفي عن نفسها عقيدة الخوارج جملة وتفصيلاً ، وخصومها يصرّون على أنها تكذب ، وهذا لغز لا حل له !!

قواعد في الحكم على جماعة بالخارجية :

هناك قاعدة مهمة في التصنيف ذكرها الشيخ سفر الحوالي في شرح الطحاوية ، فقال : “قاعدة مهمة : كل مذهب من المذاهب ومبدأ من المبادئ له أصول ، من استكملها فقد استكمل المذهب ، كما نقول : مذهب أهل السنة والجماعة له أصول ، من استكملها فهو من أهل السنة ، ومن نقص واحداً منها : نقص من أصول أهل السنة شيئاً ، وتعرضنا لهذا في معرفة الفِرق ، ونقول : المعتزلي هو من يؤمن بالأصول الخمسة ، فإن جاءنا من يوافق المعتزلة في أصلهم الذي يسمونه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو يعني – عندهم- : الخروج على أئمة الجور ، فهل نقول : هذا معتزلي بإطلاق ؟ الجواب : لا . لكن نقول : هذا الرجل وافق المعتزلة في رأيهم في هذه القضية ، ونقول : هو معتزلي في مسألة الخروج ، فنقيّد المسألة” (انتهى).. قال الشيخ ابن باز بعد أن ذكر صفة الخوراج : “والحكم عام في كل من اعتقد عقيدتهم في كل زمان ومكان” (فتاوى اللجنة الدائمة ج2) ، فمناط الحكم هو الاعتقاد ، وهذا مثل أن نقول : فلان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فهو مسلم ، ولكن إذا أتى ببعض نواقض الإسلام فإننا نُخرجه من دائرة الإسلام (بشروطه) ، فلا يكون مسلماً وهو يوالي أعداء الله ويعادئ أولياء الله ويحكم بغير ما أنزل الله ويسجد للأصنام أو للصليب ويذبح لغير الله ، فهذا لا يكون ، وكذلك من خرج على بعض المسلمين أو قتل بعض المسلمين أو كفّر بعض المسلمين فهذا لا يكون خارجياً إذا لم تجتمع فيه صفات الخوارج المنصوص عليها ولم يعتقد ما اتفقت عليه الخوارج ، فإن خرج عن بعض اعتقادهم لا يكون خارجياً ..قال الشيخ سليمان بن سحمان في “الضياء الشارق في رد شبهة المازق المارق” : “فإذا وضح لك ما تقدم ذكره فاعلم أنه لا يكون من الخوارج وعلى مذهبهم إلا من يستن بسنة هؤلاء الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه وسلك مسلكهم مِن قتلٍ لأهل الإسلام ، وترك أهل الأوثان ، وتكفير من لا يعتقد معتقدهم ، وإباحة دمه وماله وأهله ، وأن عثمان وعلياً وأصحاب الجمل وصفّين وكل من رضي بالتحكيم كفّار ، وأن من أتى كبيرة فهو كافر مخلّد في النار أبداً ، وأن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم ، وإبطال رجم المُحصن ، وقطع يد السارق من الإبط ، وإيجاب الصلاة على الحائض في حال حيضها ، وكفر من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادراً وإن لم يكن قادراً فقد ارتكب كبيرة ، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر ، وسائر معتقداتهم الفاسدة ، وأعمالهم الزائغة .. فإذا تبيّن لك هذا فالشيخ [محمد بن عبد الوهاب] وأتباعه لا يعتقدون شيئاً من عقائدهم ، ولا يعملون بشيء من أعمالهم …” (انتهى) ..

انظر كيف أبطل الشيخ “سليمان بن سحمان” الخارجية عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ثم قارنه بكلام بعض المتعالمين الذين أتوا بقواعد جديدة للتصنيف زعموا أنهم استقرؤوها من النصوص ، فيا لله ما أجرأ البعض على دين الله : يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويتقوّلون على رسول الله ، ويتعالون على علماء الأمة فلا يرضون أقوالهم ، ويستحدثون حدوداً وأحكاماً يخالفون بها سلف الأمة ليثبتوا أموراً لا تثبت إلا بمثل هذا التلاعب بالنصوص والقواعد الشرعية ، والغريب أنهم يرمون الدولة الإسلامية بكل هذا !!

جاء في رسالة بعضهم بأن الوصف الجامع للخوارج هو : “تكفير المسلمين بغير حق واستحلال دمائهم” (انتهى) ، في محاولة لضرب الحدود التي وضعها العلماء عرض الحائط ، وفي محاولة للالتفاف على النصوص الشرعية ، وقد بينا بأن التكفير لم يرد في النصوص ، وهذا الوصف “الجامع” لم يرد عن علماء الأمة المعتبرين ، وقد قرر الكاتب في رسالته أنه يتبع النصوص ، لا كلام أهل العلم ، ونحن نسأله : أين في النصوص مسألة التكفير ؟ بل حتى لفظ الاستحلال لم يأت في النصوص !! ثم نتسائل : هل اذا اختلف بعض العلماء في تكفير شخص ، فكفّره بعضهم واستحلوا دمه يكون هؤلاء خوارج عند من لك يكفّروهم !! مثال آخر : الحنابلة يرون بأن تارك الصلاة كافر يُستتاب ، فإن تاب وإلا قُتل ، والأحناف لا يرونه كافراً ولا يرون قتله بل يرون تعزيره ، فبتعريف هذا الكاتب يكون الحنابلة خوارج عند الأحناف لأنهم يكفّرون مسلماً بغير حق – في نظرهم – ويستحلون دمه ، فهل يقتل الأحنافُ الحنابلةَ قتل عادٍ وثمود !! وإذا قيل بأن المقصود تكفير جميع المسلمين ، فنقول : الدولة لا تكفّر جميع المسلمين فضلاً عن أن تستحل دمائهم ، فابتداع حد للخوارج لم يقله العلماء ولا ورد في النصوص ثم إنزاله على جماعة لا ينطبق عليها حتى هذا الوصف المبتدع يعد من أعظم التلبيس والتدليس ..

إن كان الكاتب صادقاً في متابعة النصوص فليأتِ بحد للخوارج من ألفاظ النصوص ذاتها ، كأن يقول : الخوارج هم “قوم يخرجون من قبل المشرق ، على حين فرقة من الناس ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، ليست قراءتكم [أي الصحابة] إلى قراءتهم شيئا ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئا ، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا ، حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، هم شر الخلق والخليقة ، سيماهم التحليق والتسبيد ، يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان ، يحسنون القيل ويسيئون الفعل ، أشدّاء أحدّاء ، ذلقة ألسنتهم بالقرآن ، يسألون كتاب الله وهم أعداؤه ، يتعبدون ويتدينون حتى يعجبوكم وتعجبهم أنفسهم ، شر قَتلى قُتلوا تحت أديم السماء ، وخير قتيل من قَتلوا” (انتهى) .. هذه هي ألفاظ الأحاديث لم شاء اتباع النصوص ..تَرك الحدود التي حدّها علماء السلف ، واستنبط حداً من عنده لم تأت كلماته في النصوص الشرعية ، ثم زعم أنه يتبع النصوص الشرعية !! هل علماء السلف الذين وضعوا حدوداً لفرقة الخوارج استنبطوها من النصوص البوذيّة !! ألا يكفي ما وضع الأشعري وابن تيمية وابن حزم وابن حجر والنووي والبغدادي والشهرستاني وغيرهم من علماء الأمة حتى يخترع لنا البعض حدوداً من عنده لم تأت بها النصوص !!

لكي نفهم حقيقة إنزال النصوص على فرقة بعينها : نأخذ الجيش المصري – على سبيل المثال – فننزل عليه الأوصاف التي جاءت في النصوص وننظر إن كان جيشاً خارجياً !!جنود الجيش المصري : أكثرهم حدثاء أسنان ، سفهاء أحلام ، يحلقون رؤوسهم ، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، يحسنون القيل ويسيئون الفعل ، أشدّاء أحدّاء .. هذه الصفات رآها الناس فيهم مؤخراً ، ولكن هل تنطبق عليهم بقية الصفات ؟ هم لا يقرؤون القرآن فضلاً عن أن يحسبوه لهم ، ولا يقولون من قول خير البرية ، وليس فيهم من يحقّر الصحابة صلاتهم إلى صلاتهم ولا صيامهم إلى صيامهم ولا تُعجبهم أنفسهم من كثرة العبادة بل لا يكادون يذكرون الله إلا قليلاً .. بما أن جميع الصفات لم تنطبق عليهم فهم ليسوا خوارج ، بل فرقة أخرى لها وصف آخر غير الخارجية ، فقد يكونون : بغاة أو كفار أو مرتدون أو ظلمة أو خونة أو عملاء ، لكن ليسوا خوارج لعدم تطابق جميع الوصف ، ولذلك لا نستطيع أن نقول بقتلهم قتل عاد وثمود ، وأن خير قتلى من قتلوه وأنه طوبى لمن قتلهم .. قد نجيز قتلهم من باب آخر : كالدفاع عن النفس ، أو من باب الردّة أو غيره أو كونهم أعوان المرتدين والكفار ، فنفرّق بين كونهم يقتلون المسلمين ويتركون الكفار وكوننا نجيز قتلهم ، وبين كونهم خوارج تنطبق عليهم الصفات المذكورة في النصوص ..

هناك نقولات أخرى تفيد كيفية الحكم على الفرقة بالخارجية في “الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية” ، وهي قول العلماء في أن المرء لا يتبع جماعة إلا إذا وافق أصولها وأفعالها فضلاً عن أوصافها التي أتت في النصوص الصحيحة ، كما جاء في جواب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين عندما سُئل عن القدرية والمعتزلة والخوارج ، فقال نافياً الخارجية عن دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب : “فإذا عرفت مذهبهم [مذهب الخوارج] : أن أصله التكفير بالذنوب ، وكفّروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستحلّوا قتلهم ، متقربين بذلك إلى الله ! إذا تبيّن لك ذلك ، تبيّن لك : ضلالة كثير من أهل هذه الأزمنة ، في زعمهم : أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – واتباعه خوارج ، ومذهبهم مخالف لمذهب الخوارج ، لأنهم يوالون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعتقدون فضلهم على مَن بعدهم ، ويوجبون اتّباعهم ، ويدعون لهم ، ويُضلّلون من قدح فيهم ، أو تنقّص أحداً منهم ، ولا يكفّرون بالذنوب ، ولا يُخرجون أصحابها من الإسلام ، وإنما يُكفّرون من أشرك بالله ، أو حسّن الشرك ، والمشرك : كافر بكتاب الله ، والسنة ، والإجماع ، فكيف يُجعل هؤلاء مثل أولئك” (انتهى من الدرر السنية ج 1 ص362) ، وهناك كلام كثير في الدرر السنية يدور حول هذا المعنى فليراجعه من شاء ..

جاء سؤال للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في شأن الشيخ سفر الحوالي – شفاه الله – مفاده : أن بعض الناس يرمون الشيخ سفر بالخارجية ، فما كان من الشيخ ابن عثيمين إلا أن سأل الشيخ سفر سؤالين فقط في نفس المجلس : “هل تقول بكفر مرتكب الكبيرة” ؟ “هل تقول بجواز الخروج على الأئمة” ؟ فأجاب الشيخ سفر بالنفي ، فقال الشيخ ابن عثيمين : هذه أبرز صفات الخوارج ، وبما أن الشيخ سفر أجاب بالنفي فهو ليس خارجياً ، وعزا الشيخ العثيمين هذا القول إلى الحسد .. وهذا هو رابط المقطع الصوتي في الشبكة : (https://www.youtube.com/watch?v=ZAu5Ki3md2Q) .. فإذا انتفت “أبرز” صفتين فلا حاجة للبحث في باقي الصفات ..

لا يُعقَل أن يقال “فلان نصراني” وهو يكفُر بعيسى ، أو يقال “فلان يهودي” وهو كافر بموسى ، أو “فلان مسلم” وهو كافر بالله ثم بمحمد صلى الله على أنبياء الله أجمعين !! هذا لا يستقيم عقلاً ولا شرعاً ولا يقوله أحد من العلماء ولا حتى العوام .. إذا خالف الإنسان أصول معتقد جماعة فكيف يكون منها .. إذا وافق الإنسان الخوارج على أصولهم المتفق عليها بينهم كان خارجياً ، ولكن إذا وافقهم على أمر واحد لا يكون خارجياً ، بل نقول : وافق الخوارج في هذا الأمر ، ولا نُنزل عليه أحاديث الخوارج التي جاءت بقتله ابتغاء الأجر ، فليس هذا من أصول أهل السنة في شيء ، فانظر – يا رعاك الله – إلى أقوال العلماء وكيفية إنزالهم النصوص منزلها ، ثم انظر ما يفعله البعض اليوم ..

لعل البعض يقول : إنّ بعض من يرمي “الدولة الإسلامية” بالخارجية هم من طلبة العلم وأصحاب الشهادات ، فنقول : الذين رموا الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالخارجية هم من كبار علماء الأمة في ذلك الوقت ، ولا يُقارن من يرمي الدولة بعلم أولئك ولا يقربوهم ، فقد كان منهم الفقهاء والمحدّثون المشهود لهم (كابن عابدين صاحب الحاشية في الفقه الحنفي ، والعلّامة الآلوسي ، وبعض كبار فقهاء ومحدثوا الهند وخراسان ومصر والمغرب والشام بل وجزيرة العرب ، ولا زالت بعض المدارس في الهند تصف “الوهابية” بالخوارج) ، هؤلاء اتهموا الدعوة النجدية بالخارجية جهلاً بها أو كذباً عليها أو فجوراً في الخصومة أو حسداً ، ذلك أن الدعوة خرجت عن المألوف في ذلك الوقت من الاعتقاد بالأموات والقبور والعقائد الاعتزالية والصوفية الغالية والرافضية والأشعرية وغيرها ، فكانت رَدة فعل هؤلاء العلماء أن رموا الدعوة بالخارجية لأنها تكفّر عموم المسلمين في نظرهم ، وليُنفّروا الناس منها وليسهّلوا على الناس محاربتها ، ولن تجد أمراً رُميت به الدولة الإسلامية إلا وقيل في الدعوة النجدية أكثر منه ، فما أشبه الليلة بالبارحة !!بعض الذين رموا “قاعدة الجهاد” بالخارجية هم من كبار العلماء ، وتبعهم بعض طلبتهم ، وكانوا كلهم على باطل في هذه المسألة ، علموا ذلك أم جهلوا ، وأعظم “منصب ديني” في الأمة هو “مشيخة الأزهر” ، وها هو “شيخ الأزهر” يرمي الإخوان المسلمين بالخارجية ، ويقول عن “الشيخ القرضاوي” بأنه رأس الخوارج !! القرضاوي الذي أفتى بنات المسلمين بجواز لبس ملابس السباحة أمام الرجال في جامعات الدول الغربية هو رأس الخوارج في هذا الزمان “لتنطّعه في الدين” وخروجه على ولي الأمر “السيسي” !! ناهيك عن مفتي مصر ووزير الأوقاف ، فهذه المناصب والألقاب لا تُغن عن الحق شيئاً ، وليست من الاجتهاد في شيء ، وليس لها قيمة شرعية ، فالحق فيما جاء في كتاب الله تعالى وما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه علماء الأمة ، فهذا هو الحق المتبوع الذي لا يسع أحد مخالفته ، والأسلم اتباع علماء السلف في مثل هذه الأمور ، خاصة في هذا الزمان الذي قل فيه الإخلاص ، وزاد خوف بعض العلماء من السلاطين ، وزاد تملّق بعضهم لهم ، وكثر فيه الكذب في الخصومات وزاد الفجور فيها ..

تحذير للعلماء وطلبة العلم :

نذكّر من حباه الله بعلم : أن العلم أمانة ، والخائن من دلّس على الناس ولبّس ، والكذب في الدين – بإنزال النصوص غير منزلها – ليس كالكذب في غيره ، فليتق البعضُ اللهَ فإنه يحاسبهم على كل كلمة يقولونها أو يكتبونها في شأن المسلمين عامة ، والمجاهدين خاصة ، فهؤلاء أقرب الناس لأن يكونوا أولياءه ، وقد آذن الله تعالى من يعادي أولياءه بالحرب ، ولم نجد في زماننا من رمى المجاهدين بشيء إلا فضحه الله وهتك ستره وفضّ جمعه ، فليتّق اللهَ من يرمي المجاهدين بما ليس فيهم {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (الأحزاب : 58) ، ولا ينفع البعض مداهنة هؤلاء الحكام لتثبيت دنياهم بإضاعة دينه ، ولا ينفع البعض أن يقول : أناصر هذه الجماعة أو تلك على الدولة ، فالنصرة شيء ، والكذب في الدين شيء آخر..

كما أن هذا الكلام لبيان حقيقة الخوارج والتحذير من سقوط بعض الشباب في مستنقع الغلو والتشدد في معاملة المسلمين والتساهل في إراقة دمائهم ، فهذه من صفات الخوارج الذين حذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم منهم ومن جهلهم وقلة فهمهم ، فعلى الشباب الرجوع إلى العلماء الربانيين في المسائل الشائكة ، ولا ينبغي الخوض في المسائل العظيمة – كالتكفير واستحلال الدماء – إلا لمن ملك آلة الإجتهاد أو سأل العلماء الربانيين ونقل عنهم كلامهم ، قال الغزالي : “الذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا ، فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد” (التفرقة بين الإيمان والزندقة) ..
ليس سؤال العلماء دليل قلة علم – كما يوسوس الشيطان للبعض – وإنما هو دليل كمال العقل والطاعة لله تعالى في قوله سبحانه {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل : 43) ، وقوله جل وعلا {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (النساء : 83) ، ودليل خوف وحذر من عاقبة الجرأة على الله {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} (الإسراء : 36) ..

من قال بأن الدولة الإسلامية خارجية فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينبغي لمن سمع أو قرأ هذا عن الدولة أن يُلقي على صاحب الكلام قول النبي صلى الله عليه وسلم “من كذبَ عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار” (صحيح متواتر) ، ذلك أن إنزال الأحاديث غير منزلها : من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ، فالمُنزل – جاهلاً أو متحاملاً أو فاجراً في خصومة – يزعم بأن هذا هو مُراد النبي صلى الله عليه وسلم من كلامه ..

الكذب والفجور في الخصومة من صفات المنافقين “أربعُ خلالٍ مَن كُنَّ فيه كان مُنافقاً خالصاً : من إذا حدَّث كذَب ، وإذا وعد أخلَف ، وإذا عاهد غدَر ، وإذا خاصمَ فجَر . ومن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كانت فيه خَصلةٌ منَ النِّفاقِ حتى يدَعَها” (البخاري) ، وانظر إلى من كانت فيه خصلة : لم يقل النبي أنه منافق خالص النفاق ، بل قال : فيه خصلة من النفاق ، وهذه الخصلة غير كافية بالحكم على الشخص بالنفاق الذي يكون مآله الدرك الأسفل من النار ، وقارن هذا بما يفعله البعض بأحاديث الخوارج التي يبترونها ويقتطعون منها ما شاؤوا ، وربما أخذوا حديثاً واحداً ورموا به جماعة ثم جزموا بخارجيتها : لأن صفة واحدة تحققت في هذه الجماعة على حد زعمهم !!

الإعلام والكذب على الدولة :

الإعلام من أكذب الآلات اليوم : فما لبث يضخّم أخطاء الدولة ويفتري عليها ويترك الطوام الحقيقية : انظروا إلى حكم إعدام سبعة آلاف مسلم في العراق كيف يمر مرور الكرام ، ولكن إذا قتلت الدولة أمريكياً صليبياً كافراً تقوم قيامة الإعلام لأيام طويلة ، وإذا قتلت عبَدة الشيطان من اليزيدية طاروا بخبر عنف وشدة الدولة ، وإذا سبَت الدولة من اليزيدية أو النصيرية ولولوا وهاجوا وماجوا ، ولم يتكلم أحد عما يفعله الرافضة والنصيرية بنساء المسلمين في السجون ، وبأطفال المسلمين الذين تفجّر قنابل النصيرية والنصارى والعرب والرافضة رؤوسهم كل يوم في الفلوجة والرقة وغيرها !! فأي فجور وأي كذب وأي خيانة للأمانة أكثر من هذا ، وليسأل المرء نفسه : لماذا تضخيم أفعال الدولة الإسلامية اليوم ومهاجمتها في الإعلام المنافق والكافر والسكوت عن أعمال الرافضة والنصيرية والنصارى والملاحدة والمرتدين ، أليست البراميل المتفجرة والصواريخ الموجّهة تفعل بالأطفال والنساء والشيوخ أضعاف أضعاف ما تفعله سكاكين الدولة بالرجال المحاربين !! لن ننسى تلك القنوات التي قالت بأن الدولة الإسلامية تريد إعادة صياغة القرآن الكريم ، أو أنها تبيع البنات المسلمات في السوق وأتوا بمقطع لطفلة تقرأ القرآن في أمسية قرآنية وزعموا أن الممسك بها تزوجها غصباً ، لن ننسى تلك القنوات الكاذبة الفاجرة التي صدّقها من لا عقل له !!

وآخر يقول : الدولة الإسلامية منعت صلاة التراويح في الموصل ، ونقله بعض الجهال بصيغة الجزم ولم يعتذروا حتى لمتابعيهم بعد أن تبيّن كذبه !! ولا زلنا نذكر قالتهم لما أرادت الدولة دخول مخيم اليرموك : “المسلمون في خطر ، والدولة ستقطع رؤوس الفلسطينيين ، وعلى العالم إنقاذ المسلمين في المخيّم” فولولوا وصرخوا وتعالت أصواتهم ، ثم خرجت بعض الجماعات (الفلسطينية المجاهدة المقاومة) من عباءة التقية فانحازت إلى النصيرية علناً لتقصف سكان المخيم الذين يزعمون أنهم يدافعون عنهم ، واليوم نرى بأن الدولة الإسلامية لم تُحدث مجزرة بسكان المخيّم ، بل إن سكان المخيّم يشكرون الدولة أن أنقذتهم من ظلم وجور الجماعات المتاجرة بدمائهم ، فيا لله ما أكذب هؤلاء وما أقبح افتراءهم ، فآلة الكذب لم تتوقف منذ أعلن الكفار والمرتدون الحرب على الدولة : فرموها بكل نقيصة ، وافتروا عليها من الكذب المفضوح ما يجعل إبليس في حيرة من أمره ، وكل كذبهم رُدَّ في نحورهم “وما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً” (مسلم) ، فدُمغت علامة الكذب على جباههم في الدنيا ، وفُضحوا بين الناس ، فنسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم ويحفظ المسلمين من شرورهم {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النحل : 105) ، ومن قلة حيائهم أنهم لا يعتذرون عن الكذب ولا يستحون من نقل كل ما يسمعون وما يقرؤون المرة تلو الأخرى و”كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكل ما سمع” (مسلم) ..

الدولة الإسلامية العميلة !!

لن ننسى أبداً ما قال البعض في بداية الأحداث من أن الدولة الإسلامية عميلة لأمريكا ، وعميلة لإيران ، وعميلة للنصيرية ، وأنها لا تُقاتل النصيرية ولا يقصفها النصيرية ولا الأمريكان ، وأنها عميلة للصهيونية العالمية ، وأن الدولة تُديرها المخابرات الأجنبية ، وأنها تُدار من قبل البعثيين ، وأن أميرها مجهول لا وجود له ، وتحدّوا ظهوره ، ثم تحدوا الدولة بدخول دير الزور ، ثم دخول الرقة ، ثم الهجوم على معسكرات الجيش النصيري ، ثم لما فعلت الدولة كل هذا قالوا : لم لا تقصف اليهود ، فقصفت اليهود من سيناء ، فقالوا : تريد أن تضيّق على حماس وتورطها وتُفسد “مقاومتها” ، ولو كانت صادقة لقصفت إيران {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ} (الأنعام : 7) ، ثم هي خارجية مهما فعلت ومهما قالت !! كل هذه الاتهامات والتناقضات والأكاذيب أخجلت مسيلمة الكذاب ، فكل هذا اتضح كذبه وبطلانه ، ولا زال البعض يكذب ويتحرى الكذب ، وآخر كذبة أن الدولة اتفقت مع النصيرية على قتال الجماعات المسلّحة ورأس “زهران علّوش” مقابل إعطاء الدولة أكثر من ثلث سوريا !! لو قالوا : رأس “الجولاني” أو رأس “قائد أحرار الشام” لكان أقرب إلى عقول البعض ، لكن رأس “علّوش” !!

إن كان نتيجة الإتفاق المزعوم : قتل جنود النصيرية وحز رؤوسهم في حلب وحمص والحسكة والقلمون والغوطة بالعشرات كل يوم وتفجيرها ورميها بالرصاص من قبل الشباب الصغار على مسرح تدمر مقابل الرأس الغالي جداً – رأس علّوش الذي هو تحت مرمى نيران الطيران النصيري الذي لا يراه رغم استعراضاته العسكرية المُعلنة في الغوطة ، والذي تتجاوزه الطائرات النصيرية كل يوم لتقصف الرقة ودير الزور والحسكة ودرعا وإدلب – فنحن نحث جميع الجماعات المقاتلة أن تحذوا حذو الدولة وتبرم مثل هذ الاتفاق مع النظام ..

ومثل هذا من لا زال يدندن بأن الدولة عميلة لإيران !! إن كانت العمالة معناها قتل الجنود الإيرانيين وضباطهم وجنرالاتهم – كما تفعل الدولة التي لم يقتل غيرها في التأريخ الحديث ما قتلت من جنود الفرس – فندعوا الجميع أن يكونوا عملاء لإيران .. البعض يتسائل بخبث : لم لا تضرب الدول الإسلامية إيران بالصواريخ ؟ الجواب : لما أرادت الدولة التقدم نحو أربيل ، وولولت إيران ، من الذي هبّ لنصرة إيران وقصفَ جنود الدولة الإسلامية !! من الذي يقصفها ليمنعها دخول كركوك !! من الذي يمنعها من الاقتراب من إيران !! إذا كانت “الدولة الإسلامية” عميلة لإيران أو صنيعة لها وهي تفجّر في بلادكم لصالح إيران ، فدونكم إيران اقصفوها أو اقطعوا علاقاتكم معها أو حتى اعتبوا عليها عتاب الحبيب .. كيفت تنسّق طائراتكم مع طائرات إيران لقصف عملاء إيران !! لمَ تعطي حكوماتكم المليارات للحكومة الرافضية في بغداد لمقاتلة الدولة !! هل يُعقل أن تعطوا الأموال للرافضة لقتال عملاء إيران !! ألستم تقولون بأن إيران وأمريكا أصدقاء وأحباب !! لم تدخل حكوماتكم تحت الراية الصليبية الصديقة للإيرانيين الذين صنعوا “الدولة الإسلامية” لقتالكم وقتلكم !! هل يُعقل أن تدعم إيران “دولة إسلامية سنية” تقتل الرافضة في العراق والنصيرية في الشام وتحز رقابهم وتفجّر أعناقهم وتهدم مراقدهم وتهدد مزاراتهم !! أين الخلل في هذه الصورة ؟

إن كانت الدولة عميلة لأمريكا والفرس والنصيرية واليهود والرافضة فلِم لا تقصف الطائرات العربية : حاملات الطائرات الأمريكية الرابضة في موانئها ، وقواعد أمريكا العسكرية في بلادها !! لم لا تقصف الطائرات العربية : اليهود في فلسطين ، ولم لا تقصف النصيرية في دمشق واللاذقية ، ولم لا تقصف طهران وقم ، ولم لا تقصف بغداد والنجف !! لم كل القصف على الدولة وهي لا ذنب لها سوى كونها “عميلة” فقط ، وهذه الدول هي العدو الحقيقي كما يزعمون !! لم تطير طائرات الرافضة والفرس والعرب والنصيرية واليهود والصليبيين في فضاء واحد وبتنسيق تام من غرف عمليات مشتركة لتقصف جماعة واحدة هي عميلة للجميع !! لم لا تقطع هذه الدول علاقاتها مع بعضها البعض وكل واحدة تُعلن بكل وقاحة أن الدولة الإسلامية عميلة “لأعداءها” الذين يجلسون بجانبها في غرف العمليات المشتركة !! لم نر في حياتنا أعداء مثل هؤلاء الذين فتحوا لبعضهم البعض السفارات ، وأبقوا على العلاقات السياسية والاقتصادية ، ويدعم بعضهم بعض بالمال والأرض والسلاح والرجال في سبيل الخلاص من عملاء هم صناعة الجميع !! ليست هذه المصيبة ، المصيبة أن هناك من يصدّق كل هذا الهراء ، ويبني عليه تصوراً في عقله المغيَّب !!

قبل أن تسألوا عن حقيقة الدولة : اسألوا طائرات الصليبيين من أين لها الوقود الذي في بطونها ؟ اسألوا عمن دفع ثمن الصواريخ التي تقتل المسلمين في العراق والشام ؟ اسألوا عمن يدفع رواتب الطيارين النصارى واليهود الذين يقصفون المسلمين في الشام والعراق ، ومن يدفع رواتب الجنود ؟ اسألوا أمريكا الصليبية كم تستفيد من أموالنا التي يدفعها الحكام لقتل المسلمين ليحفظوا كراسيهم ، كما فعلوا في مصر ؟ لا تسألوا عن خارجية الدولة وعنفها وشدتها بل اسألوا عن كفر وردّة من يعين الصليبيين والرافضة واليهود والنصيرية والملاحدة على قتل المسلمين وهتك أعراضهم ..

نحن لا نُنكر أن يختلط على البعض أمر الدولة من حيث شدتها وقسوتها على البعض في بعض الأحيان ، لكن أن تكون عميلة لجهات تقتل منها العشرات كل يوم – وفي أيام مئات – وتحز رؤوسهم ، وتفجّر رقابهم وتحرقهم ، ثم يصدّق البعض بأنها عميلة ، هذا يسمى في عرف جميع البشر : “حماقة” .. ربما نعذر البعض بتصديق بعض الكذب على الدولة لكثرة المردّدين ، ولكن أن يتبيّن الكذب على الدولة كل يوم وكل حين ، وتنتفي الكذبة تلو الأخرى ، ثم يبقى من يصدّق كل كذبة تُقال عن الدولة من نفس المصادر التي كذبت عشرات المرات ، فهذا في عرف جميع العقلاء يسمى : “استِحمار” ..

هذه تجربة تبيّن مدى التحامل على الدولة الإسلامية : قام أحد الإخوة ببث إشاعة تسيء إلى الدولة في برنامج “المغرّد” ، وقال : أتتني الإشاعة بعد ساعتين من كثير ممن أتابعهم ، ونشرَت جهات كثيرة الإشاعة بشكل كبير وبصفة الجزم ، ثم قمتُ في اليوم التالي بنشر نفيٍ للإشاعة من نفس الحساب ونشرته في نفس القنوات ، وانتظرت يومين ، فأتاني التكذيب من مناصري الدولة فقط !! المصدر واحد ، والخبر كذب ، ولكن النقل الكبير أتى بصيغة الجزم ، ثم لما عُلم انتفاء الخبر : لم ينقل هؤلاء النفي ، ولم يعتذر واحد منهم على نقل خبر كاذب ، بل مر الأمر وكأن لم يكن !! إذا كان العلماء وطلبة العلم يستحلّون الكذب ولا يعتذرون منه ، فكيف بالعوام !!

من المسؤول عن تضليل الأمة :

إننا نحمّل بعض العلماء وطلبة العلم مسؤولية تضليل الأمة وشبابها : فمن يرمي الدولة بالخارجية والضلال والعمالة وهو يرى الطائرات تنطلق من قرب بيته لتدكّ بيوت المسلمين في سوريا والعراق ، وتفجّر أجساد الأطفال والنساء والشيوخ المسلمين تحت راية الصليب الأمريكية تُساند الملاحدة الأكراد الذين يسبّون الله ورسولَه جهرة ، وتساند الرافضة الذين يسبّون الصحابة ويتهمون النبي صلى الله عليه وسلم في عرضه ، وتساند النصيرية الكفار الذين يهتكون أعراض المسلمات في الشام ، من يرى – من العلماء وطلبة العلم – كل هذا ثم لا يكون همّه إلا النيل من المجاهدين : فهذا خائن لأمانة العلم ، خائن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وسيكون هؤلاء المجاهدون خصومه يوم القيامة ، وسيكون شهداءهم – وأطفال وشيوخ ونساء المسلمين الذين قُتلوا بقنابل أولياء أمره – خصومه يوم القيامة ، وإن كان المقتول الواحد يُمسك بناصية ورأس القاتل حتى يدنيه من العرش ويقول “يا ربّ سل هذا فيم قتلني” (الترمذي وهو صحيح) ، فإن هذه الفتاوى تقتل الآلاف من أبناء ونساء وشيوخ المسلمين ، وتقتل المجاهدين ، فيا لله كم إنسان يأتِ برأس هذا العالم يجرجره يوم القيامة ، ويا لله كم جنى هؤلاء على أنفسهم وعلى المسلمين أن جعلوا خصومهم يوم القيامة من حملوا أرواحهم على أكفّهم ليقاتلوا دون أعراض ودماء المسلمين !!

الأولى بالعلماء أن يُنكروا الكفر والردّة الصريحة المُجمع عليها بين علماء الإسلام قاطبة : مِن تولّي الكفار والدخول تحت رايتهم الصليبية لقتال المسلمين ، فهذا هو الكفر البواح والردّة الصراح التي لا خلاف عليها ولا جدال بين علماء الإسلام قاطبة ، ناهيك عن الحكم بغير ما أنزل الله ، والعداوة لكل ما يمت للإسلام بصلة ، ومحاربة مظاهر التديّن في الأمة والسخرية من الدين في وسائل الإعلام المملوكة لولاة أمرهم ، وقتل المسلمين وحرقهم أحياء بعد “الثورات العربية” ، وإجهاض حلم الأمة بالنهوض من كبوتها بقتل وأسر كل من يريد لها الخير ، وترك العنان للمرتدين (الليبراليين) يكتبون ما شاؤوا من الطعن بالدين ، فهذا كله تُرك لصالح محاربة المجاهدين الذين يقارعون أعداء الدين في العراق والشام !! قال ابن القيم في الداء والدواء : “ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظلم ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم ، وغير ذلك . ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى نرى الرجل يشار إليه بالدين ، والزهد ، والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً ، وينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد بين المشرق والمغرب . وكم ترى من رجل متورّع عن الفواحش والظلم ، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول” (انتهى) .. كيف لو رأى ابن القيم زماننا هذا ورأى هؤلاء وقد أطلقوا ألسنتهم في المجاهدين يرمونهم بأشنع الأوصاف في مثل هذه الأوقات !!

فليفرح البعض بخروجه في الفضائيات ، وبنشره التغريدات ، وبكثرة المتابعات واللقاءات ، فإن كل هذا لا يُغني عنه من الله شيئاً ، فقد آذن الله تعالى من يعادي أولياءه بالحرب ، وليس أولى من المجاهدين بهذه الصفة اليوم ، فهم الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الدين ، وهم الذين أرجعوا للأمة بعض كرامتها ، وهم الذين أحيوا ما أمات الناس من التوحيد الخالص الخالي من العبودية للبشر بالخوف والرجاء ، وهم الذين أحيوا الكثير من السنن والأحكام الشرعية ، وهم الذين ذكرهم الله في كتابه فأثنى عليهم كما لم يُثن على غيرهم وجعل لهم من الدرجات ما لم يجعل لغيرهم سوى الأنبياء ، وجاء على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم في فضلهم ما لم يأت في فضل سواهم من غير الأنبياء ، فأي جريمة يرتكبها البعض وأي جناية على الشرع أن يلمزوا المجاهدين ويرموهم بالألقاب لتزهيد الناس فيهم ولصرف الناس عنهم خدمة لأعداء الدين من الصليبيين والرافضة والنصيرية وأهل الردّة ..

نقول لبعض الدعاة والعلماء ، هدانا الله وإياهم إلى الحق : لا يكون شرط الطبري في تاريخه سندكم في نقل أخبار الدولة الإسلامية ، وشرط البخاري في نقلكم أخبار حكامكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة : 8) ، فأكثر ما تسمعون عن الدولة كذب عليها وإن جاءكم من الثغور ، فأكثر من يَنقل الأخبار هم خصوم الدولة ومخالفيها وبعض العملاء والمندسين ، ولا يجوز تصديق الخصوم بالدعوة المجرّدة ، وقد بوّب ابن عبد البر في جامعه : “باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض” وروى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : “استمعوا علم العلماء ولا تصدّقوا بعضهم على بعض فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايرا من التيوس في زروبها” ، وفي رواية “الفقهاء” وعن مالك بن دينار “القرّاء” (انتهى) ، وبسنده عن أحمد بن صالح قال : “سألت عبد الله بن وهب عن عبد الله بن زياد بن سمعان ، فقال : ثقة ، فقلت : إن مالكا يقول فيه كذاب فقال : لا يُقبل قول بعضهم في بعض” (انتهى) ، وبسنده عن يحيى بن أبي كثير قال : “لا يزال أهل البصرة بشرٍّ ما أبقى الله فيهم قتادة” !! وعن قتادة : “متى كان العلم في السمّاكين ؟ يعرّض بيحيى بن أبي كثير وكان أهل بيته سماكين” (انتهى) ، فإذا كان هذا في العلماء والفقهاء والقراء الذين لا عداوة بينهم سوى الحسد ، وإذا قيل هذا في الإمام مالك على جلالته ، وكان هذا قول قتادة في يحيى ويحيى في قتادة ، فكيف بعوام المسلمين الذين رفعوا السلاح في وجه بعضهم البعض !! (انظر الباب المذكور في كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ففيه من النقولات ما يحيّر العقول) ..

البعض يزعم بأنه ذهب إلى الشام وتأكّد بنفسه من الأخبار ، وهو لم يذهب إلى مناطق الدولة بل ذهب إلى أطراف الشام أو إلى خصوم الدولة وسمع منهم ثم نادى : أنا النذير العريان !! أما ما يُكتَب في الشبكة العالمية والبرامج الإجتماعية من سب وشتم وتكفير فأكثره من عملاء المخابرات التي أخذت على عاتقها تشويه صورة المجاهدين بنشر كل ما يُسيء لهم على أنه من أهل الجهاد ومناصريهم ، وقد اكتشفنا مؤخراً حسابات لبعض هؤلاء يدّعون نصرة الدولة أو جبهة النصرة أو الأحرار : فينشرون ما يشوهون به صورة الدولة عند الجماعات الأخرى ويحاولون إظهارها بمظهر الخوارج ، وفي نفس الوقت ينشرون ما يحاولون به إثبات ردّة الجبهة والأحرار عند الدولة ، كل هذا ليضربوا المجاهدين بعضهم ببعض ، ولا ندري كيف ينام إخواننا المجاهدون عن مثل هذا المكر ، وكيف ينطلي عليهم !! تناقلت وسائل الإعلام الغربية قبل فترة : إستعانة بعض الحكومات العربية بمخرجين أجانب (نصارى ويهود) لعمل مقاطع مرئية تُسيء للدولة الإسلامية خاصة وللمجاهدين عامة ، وقد بدؤوا فعلاً في أعمالهم الشيطانية ببث مقاطع “لتائبين” رجعوا من الشام ، والمقاطع فيها حرفية عالية ومؤثرات وإخراج لم نعهده من الأعراب ، ولكن المخجل أنهم لم يجدوا ممثلين عرب على المستوى المطلوب ، فالإخراج جيّد لكن المادة ضعيفة جداً والممثلين أضعف ، فهل يأتونا بعد مدة بممثلين أجانب يزعمون أنهم “انفصلوا” عن الدولة وتابوا من الجهاد !!

يجب على من أراد الحق وتجرّد له أن يذهب إلى مناطق حكم الدولة ويرى بنفسه حال المسلمين هناك ويسألهم عن الدولة الإسلامية وتعاملها معهم .. بعض الكفار النصارى ذهبوا إلى مناطق الدولة – وهم من ألدّ أعدائها – ونقلوا غير الصورة التي ينقلها بعض المسلمين الذين لم تطب لهم نفوسهم ذكر حسنة واحدة للدولة الإسلامية رغم كل ما فعلته لصالح المسلمين !! وها هم أعداء الإسلام يُعملون خطة جديدة لصرف الناس عن النفير للدولة بقصف مناطقها وقتل المسلمين فيها فلا يبقى مكاناً آمناً يفكّر المسلم الهجرة إليه بعد أن أعجزتهم الحيَل ، ونحن نرى مناطق الرافضة آمنة من هذه الطائرات الصليبية العربية اليهودية ، بينما يُقتَل المُسلمون في بيوتهم في الرقة والفلوجة وغيرها لإيقاف المدّ الإسلامي ، ولصرف القبائل عن بيعة الدولة الإسلامية ، ولإضعاف أهل السنة لصالح المشروع الصفوي الرافضي المجوسي ..

إن فكاك أسر امرأة مسلمة واحدة خير من جميع أقوال وأفعال – بل وحياة – هؤلاء العلماء ، فقد تقرر عند علماء السلف بأنه إذا سُبيت امرأة في المشرق وجب على أهل المغرب استنقاذها ، فامرأة مسلمة واحدة تستحق حياة جيوش مسلمة بأكملها ، فكيف بآلاف النساء اللاتي كنّ يُغتصبنَ في سجون الرافضة والنصيرية ، واللاتي استنقذهن جنود الدولة الإسلامية ، وقد كتب الروافض الأنجاس على أبواب السجون “استمتعوا بعائشة” لمن كان اسمها عائشة ، فكان يدخل عليها العشرات يهتكون عرضها كل يوم ، وشيخونا مشغولون بإثبات الخارجية على الدولة الإسلامية !! ها هي الدولة الإسلامية تحاول استنقاذ المسلمات من سجون الحسكة والطائرات تنطلق من جزيرة العرب والأردن لتُبقي المسلمات في أسر الملاحدة والنصيرية ، فأي خزي وأي عار يلحق بمن يسكت عن هذا ، بل يحاول النيل من المجاهدين وكسر شوكتهم !!

نقول لو ثبتت الخارجية على الدولة يقيناً ، بل لو ثبتت البوذية والنصرانية والهندوسية واليهودية وكل ملل الكفر على الدولة الإسلامية ، وهي على حالها تفك أسرى المسلمات من هذه السجون ، لكان العقل والدين والمروءة تحتّم على المسلمين الوقوف خلفها ومناصرتها لمثل هذا الموقف ، فكيف وهي دولة مسلمة يقاتلها النصارى والملاحدة والنصيرية والرافضة وأهل الردّة !! البعض يطالب المنظمات الدولية (النصرانية اليهودية) بفك أسرى المسلمات من السجون العراقية ، ولما ينتدب المسلمون لفكاكهن يرميهم بالخارجية !! أي مصيبة حلّت بالأمة الإسلامية أن وُجد فيها أمثال هؤلاء !! لو اعتقدوا الأخوة الإسلامية ، وكان مَن في السجون من النساء أخواتهم لما قالوا ما قالوا ، ولكنها الوطنية البغيضة التي جعلت البعض يقلل من شأن أعراض المسلمات في غير “وطنه” وينصر حكامه وسياساتهم الكفرية ..
قال ابن حزم في المحلى في شأن الغزو مع الفاسق : “فمن غزا مع فاسق : فليقتُل الكفار وليُفسد زروعهم ودورهم وثمارهم ، وليجلب النساء والصبيان ولا بد [يقصد السبي] ، فإن إخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام فرضٌ يَعصي الله من تركه قادراً عليه ، وإثمهم على من غلهم ، وكل معصية فهي أقل من تركهم في الكفر وعونهم على البقاء فيه ، ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار وأمر بإسلام حريم المسلمين [إليهم] من أجل فسق رجل مسلم لا يحاسب غيره بفسقه؟ ” (انتهى) أتسمعون هذا يا معشر “العلماء” و”طلبة العلم” : لا إثم بعد الكفر أعظم من هذا !! أتقرؤون يا معشر من آمن بالسِّلمية وأسلم نساء المسلمين “للسيسيّة” اليهودية !!

هل الدولة لها أخطاء ؟

قد يكون بعض ما يقال عن الدولة حق ، ولكنه ليس الأصل فيهم “من الذي ما ساء قط ، ومن له الحُسنى فقط” ، وأكثر ما يقال عنها فيه تهويل ومبالغة وكذب وتضليل ، ونظرة صادقة إلى كل ما قيل عن الدولة في الماضي وما تبيّن كذبه للعالم أجمع ينبينا عن نسبة الكذب على الدولة الإسلامية ، فكيف نصدّق الفرية تلو الأخرى ، والكذبة تلو الأخرى ، ونقع في الجحر تلو الآخر ، ويخدعنا الخبّ المرة تلو الأخرى !! من استحل الكذب ألف مرة يستحله مرّة أخرى ، ومن لم يتثبّت مائة مرة لا نتوقّع منه التثبّت بعدها ، ومن لبّس ألفاً ودلّس ألفاً سيدلّس ويلبّس مرة أخرى .. إننا لا نتّهم شخصاً بعينه ، ولا جماعة بعينها ، ولكننا نتّهم الأخبار التي لا توافق الأصل في أهل الجهاد ، فهذه نردّها حتّى نتبيّن ، فلا نصيب قوماً بجهالة ، هكذا أمرنا الله تعالى في كتابه ، وأمرنا بالبرهان وبعدم الظلم والبهتان ، فلا نقع أسرى أعداء الله في التفريق بين المجاهدين وإزهاد الناس فيهم ، بل نحرّض الناس على الجهاد ونحض أهل الجهاد على العودة إلى أصل العلاقة بين أهل الإسلام : الأخوّة ..

نعم ، الدولة لها أخطاء كثيرة لأنها تعمل كثيراً ، ولو كان عملها قليل لقل خطأها ، فالمسألة نسبية ، ويُغفر لها خطأها لأنها أعظم قوة للمسلمين اليوم : تدافع عنهم ، وتدحر عدوّهم ، وتفكّ أسيرهم ، وتحرر بلادهم ، قال الإمام الذهبي في سِيَر أعلام النبلاء في ترجمة “عبد الرحمن بن محمد” صاحب الأندلس : “وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد ، احتُملت له هنّات ، وحسابه على الله ، أما إذا أمات الجهاد ، وظلم العباد ، وللخزائن أباد ، فإن ربك لبالمرصاد” (انتهى) ، ولذلك كان الصدّيق رضي الله عنه يُجيب عمر – رضي الله عنه – على هنّات سيف الله خالد بن الوليد بقوله “لا أُشيم سيفاً سلّه الله على الكفار” ، والكل يعلم من : أمات الجهاد في هذا الزمان ، وظلم العباد ، وللخزائن أباد ..

حقيقة الدولة الإسلامية وحقيقة بعض معارضيها :

لأول مرّة منذ قرون تقوم في الأمة الإسلامية : دولة تحكم بشرع الله حقاً ، دولة تحتضن جميع المسلمين دون تفريق بين عرق وجنس ، دولة تكفُر بالقوانين الوضعية وبالمنظمات الدولية وبالحدود المصطنعة ، دولة تدافع عن المسلمين وتُنكئ في أعداء الدين ، دولة مجاهدة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ، دولة بات الكفار يعقدون لحربها المؤتمرات الدولية ويؤسسون المؤسسات المهنية للتقليل من خطرها ، دولة كبيرة بلا حدود تروم جمع شمل الأمة في كيان واحد ، دولة تحاربها روسيا والصين وأمريكا وأوروبا والفرس والعرب والأكراد واليهود فلم يقدروا على هزيمتها !! لأول مرّة منذ قرون تقوم لأهل السنّة دولة إسلامية – لا قومية لا شعوبية لا وطنية لا عرقية لا قطرية – تدافع عنهم ..

ماذا يفعل أهل السنة ؟ هم أوّل من يحارب هذه الدولة رغم وجود الخطر الرافضي والنصيري والكافر والنصراني واليهودي على الأبواب ، ورغم إعلان الأعداء عن خطتهم بضرب أهل السنّة بالسنّة ونشر ذلك في وسائل الإعلام !! ها هم الأعداء اليوم يفكرون جديّاً في الاقتراب من بعض الجماعات الإسلامية على الساحة (كالإخوان وغيرهم) ليحملوهم على مقارعة الدولة فكرياً ، ثم يقارعوها عسكرياً عن طريق بعض الجماعات الإسلامية المسلّحة (كقاعدة الجهاد وحماس وغيرها) ، وهذا ليس سراً ، بل هو منشور في إعلامهم ، وهذه آخر ورقة يلعب بها أعداء الأمة ليكسروا شوكة المسلمين فيَضعفوا ليقوى عدوّهم الرافضي واليهودي بسبب غباء أهل السنة الذين أتقنوا فن كسر كل سيف يقوم لنصرتهم ، وأتقنوا فن الإختلاف والتنازع فيما بينهم ، وأتقنوا فن تقوية عدوّهم عليهم ، وأتقنوا فن إضعاف أنفسهم ، وأتقنوا فن البكاء على حالهم الذي يصلون إليه بغفلتهم !!

وإن أردت البكاء على عقول قوم فابك على بعض من يترحّم على “وزير خارجية آل سعود” الذي عمل مع “حسني مبارك” لثلاثين سنة في وأد الحركة الإسلامية في مصر ، ثم دفع “للسيسي” إثنا عشر مليار دولار لحرق الشباب المسلم في رابعة وقتلهم في النهضة وسحقهم وحصار المسلمين في غزة وتدمير بيوت أهل سيناء – بل وتدمير مصر كلها – وهتك أعراض المسلمات فيها .. هذا “الوزير” الذي وقف مع الأمريكان في حربهم ضد المسلمين في أفغانستان والعراق والتي قُتل فيها ملايين المسلمين وشُرّد الملايين ، هذا الذي دعم النصيرية في سوريا ، والرافضة في العراق ، والنصارى والرافضة في لبنان ، و”حفتر” في ليبيا ، والمرتدين في تونس ، ودعم “جون قرنق” النصراني ضد المسلمين في السودان حتى فصل جنوب السودان عن جسد الأمة .. هذا “الوزير” أصبح “المرحوم” الذي يتباكى عليه ضحاياه !! أي ذلّة وأي مهانة وأي نفس ترضى لنفسها هذه الدونية والمسكنة أن يبكي المجلود ذكرى جلّاده !! البعض يُنكر على المجاهدين قتل الجنود الذين قتلوا إخوانه في رابعة والنهضة وهتكوا عرض أخواته ، ويبكي مَن دفع المليارات لهؤلاء الجنود لقتله ويقدّم “واجب” العزاء لأهله !! قليل من الحياء ، فدماء الشباب ودموع أهليهم لم تجف بعد ..

إلى جنود الدولة الإسلامية :

أما أنتم يا جنود الدولة الإسلامية ، فامضوا في طريقكم ، فأنتم على حق ، والحقُّ وعدكم بالنصر إن نصرتم دينه ، فلا تلتفتوا لقيل وقال ، بل تجاذبوا الأعنّة ، وأشهروا الأسنّة ، واقطعوا دابر الكفر بحدّ السيف ، وعليكم بضرب الرقاب ، وحزّ الأعناق ، وضرب كل بنان .. احملوا على الرافضة المجوس ، والنصيرية التّيوس ، وكل من والاهم وأعانهم على حرب الإسلام والمسلمين ، لا تأخذكم فيهم رأفة ولا رحمة ، أرهبوهم وألقوا الرعب في قلوبهم وزلزلوا الأرض تحت أقدامهم .. فجّروهم بالمفخخات والصواريخ والقنابل واحرقوا عليهم دورهم وبيوتهم كما يفعلون بالمسلمين جزاءً وفاقا .. إنكم إلى الآن لم تبلغوا مدى إرهاب نبيّكم الذي نُصر بالُّرعب مسيرة شهر ، ولم تصلوا لإرهاب صحابة نبيّكم الذين شذ منهم رجل في قرية فشهر سيفه وأعلن : الإسلام أو الجزية ، فأقروا بالجزية رهبة .. ليكن رعب عدوّكم بحيث يفرّ إن علم وجهتكم ، ويفكّر ألف مرّة قبل المساس بجندي من جنودكم في أي مكان في الأرض ، ويفكّر ألف ألف مرّة قبل أن يقصف أرضاً تحت سلطانكم ، وتفكّر الدول ألف ألف ألف مرة قبل المشاركة في حربكم ، بمثل هذا الخوف منكم تكونوا حققتم بعض الإرهاب الشرعي ، فأكثروا الإثخان في الأرض ، وشرّدوا بمن حضركم الغائب عنكم .. املؤوا الأرض تفخيخاً وتفجيراً ورعباً ودويّاً وناراً ودماراً فلا يبقى كافر في مشرق الأرض ومغربها إلا ألزمتموه بيته {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} ..
في المقابل : ارأفوا بالمسلمين ، وارحموهم ، واقبلوا منهم العذر ، وتجاوزوا عن مسيئهم ، ولينوا لهم ، واخفضوا الجناح ، ومدوا أيديكم إليهم ألف مرة ومرة ، فخيركم من يبدأ بالسلام ، وليكن حلمكم أعظم من جرمهم ، وعطفكم أسبق من عقوبتكم ، وليكن نصيب الكفار منكم : العدل ، والمسلمين : الفضل ، بهذا تكونوا كما قال المولى سبحانه {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ، فأغيظوا الكفار بتقرّبكم إلى المسلمين ومحبتهم تحصلوا موعود ربّكم {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح : 29) انظروا إلى هذه الآية في سورة الفتح وقارنوها بآية الاستخلاف في سورة النور تجدوها متطابقة الألفاظ والمعاني : {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور : 55) فاستخلاف أهل الإيمان يكون بسبب ما تقرر في الأمر الشرعي من شدة على الكفار ورحمة بالمؤمنين وإغاظة للكفار وإعجاب للمؤمنين ، وهذا من صميم الإيمان والعمل الصالح ، ومن أعظم أسباب الإستخلاف ..

حقيقة خارجية الدولة الإسلامية :

الدولة الإسلامية خارجية لأنها : خرجت عن مألوف التنظير إلى الواقع العملي ، وخرجت على القوانين والأعراف الدولية التي وضعها اليهود والنصارى ، وخرجت على المنظمات الدولية ولم تعترف بها ، وخرجت من بدعة السلمية إلى الإرهاب الإسلامي ، وخرجت على واقع الحدود المصطنعة التي حدّها النصارى ، وخرجت على منطق المؤتمرات والحوارات والنقاشات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع ، وخرجت على القومية والوطنية والقطرية وجعلتها إسلامية ، وخرجت من واقع الاستضعاف إلى منطق القوّة ، وخرجت من منطق المُعتَدى عليه إلى واقع المُعتدي ، ومن واقع المقتول إلى واقع القاتل ، وخرجت على دجل الحكومات وتخديرها للشعوب لتشق طريقها في الأرض ، خرجت من طوق الإعتماد على البشر إلى محض التوكّل على الله ، خرجت من طوق الكهنة أصحاب العمائم المذهّبة والمناصب المنمّقة لتُعلن إلغاء البابوية ، خرجت من عباءة الصوفية البدعية والإرجاء الخبيث والجبرية إلى السنّة النبوية ، خرجت من كذبة حوار الأديان إلى حقيقة أن الدين كله للواحد الديّان ، خرجت لتقطع رؤوس الكفار والصليبيين والملاحدة والمرتدين فتُعيد سنّة ضرب الرقاب .. هي خارجية لأنها خرجت عن المألوف من سكون ودعة ودونية وتمسكن وضعف وذلّ وجُبن وسلبية إلى حركة وحرب وعزة وقوة وإرهاب وحزم وعزم وشدّة ، خرجت لتُعلن للناس كافة الكفر بكذبة السلام العالمي ، خرجت لتصرخ في الأرض : إنما هو الإسلام الظاهر على الدين كلّه ولو كره الكافرون .. خرجت لتقول لمن خرج عن الدين : عودوا إلى رشدكم قبل القدرة عليكم .. فنعمت الخارجية : خارجية الدولة الإسلامية ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
23 رمضان 1436هـ

_______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]