بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد ..
فقد استمعت – كما استمع كثير من المسلمين – لكلمة أبي محمد العدناني الشامي المتحدث باسم الدول الإسلامية بعنوان {يا قومنا أجيبوا داعي الله} ، والتي هي في قرابة النصف ساعة ، حرّض فيها على الجهاد في رمضان ، وحذّر من تولي الكفار ، وأنذر العملاء ، وتوعّد الصليبيين ، وأعلن قبول بيعة القوقازيين ، وأعطى الأمان للعراقيين ، وبيّن لهم حقيقة الروافض ، وحذّر المخالفين ، وشد على أيدي المجاهدين ، وأثنى على “الدولة الإسلامية” وحذّر من قتالها ، وتكلّم على نوع من العلماء ، وتكلّم عن “الصحوات” ، وحرّض المسلمين في بعض الدول على حكامهم وعلى نصرة أنفسهم والمسلمين ، وتكلم عن خراسان … كل هذا تركه البعض وجعل نصب عينيه جملة صغيرة قالها العدناني ، فأقام بها وأقعد ، وشرّق بها وغرّب ، وأرعد لها وأزبد !!
هذه جملتهم التي قالها العدناني : “فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري” ..
هذه هي الجملة الخطيرة التي طار بها البعض فكتب المعلّقات ، والبعض صار عصفوراً من كثرة التغريدات ، وتنهّد البعض الصعداء وكأنه فتح القدس وحرر الأندلس !! فما حقيقة هذه الكلمة ، ولم كل هذا الاحتفال !!
هذه الجملة جاءت في صياغ كلامٍ نُقل بالحرف من المقطع الصوتي مباشرة ، وهو في الدقيقة الخامسة عشر ، وصياغ كلام العدناني الآتي :
“وكما نجدّد دعوتنا لجنود الفصائل في الشام وليبيا ، ندعوهم ليتفكّروا مليّاً قبل أن يُقدموا على قتال الدولة الإسلامية ، التي تحكم بما أنزل الله ، تَذكّر أيها المفتون قبل أن تُقدم على قتالها : أنه لا يوجد على وجه الأرض بقعة يُطبّق فيها شرع الله والحكم فيها كله لله سوى أراضي الدولة الإسلامية ، تذكّر أنك إن استطعت أن تأخذ منها شبراً أو قرية أو مدينة : سيُستَبدل فيها حكم الله بحكم البشر ، ثم اسأل نفسك : ما حكم من يستبدل أو يتسبب باستبدال حكم الله بحكم البشر ؟ نعم ، إنك تكفر بذلك ، فاحذر ، فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري ، ثم تفكّر بجميع الذرائع التي يتذرّع لك بها الدعاة على أبواب جهنّم لتقاتل الدولة الإسلامية ، تجد أنها كلها ذرائع باطلة …” (انتهى النقل) ..
كم هي شنيعة صنعة التدليس التي أتقنها البعض ، وكم هي الغفلة في نقل البعض للكلام في غير الصياغ ، وكم هو الظلم الذي جعل البعض يصيب الدولة بجهالة نتيجة عدم التثبّت في النقل ، فكل هذه الأمور تجعلنا نزيد من شكوكنا حول بعض الأشخاص وبعض الجماعات التي لا تلتزم النقد العلمي ، والتي تتعلقّ بالقش الوهمي ، فإن كان مثل هذا دليل على خارجية الدولة أو تكفيرها ، فهذا هو الفجور بعينه ..
أما كلمة العدناني : فلا يحتاج من سمعها أو قرأها كاملة كثير نظر ليُدرك حقيقة الأمر ، فالقصد فيها لا يغيب عن طالب الحق المنصف ، فالرجل يقصد بأن الذي يُعين على أخذ بلاد تُحكم بشرع الله ليُستَبدل شرع الله بغيره فهذا كفر والعياذ بالله ، ولا أدري ما كنا نتحدّث عنه طوال العقود الماضية إن لم يكن هذا هو الكفر !!
هل كان قتال المجاهدين إلا لتحكيم شرع الله عز وجلّ ، فأي خطأ وقع فيه العدناني وهو يبيّن أمراً اتفق عليه المسلمون ، اللهم إلا إن كان قصد البعض بأن المقاتِل قد لا يقصد هذا بقتاله ، فقد يقاتل عداوة للدولة أو جهلاً أو تأويلاً أو غيرها من الأعذار التي قد تكون مشروعة ، فلا يقع في الكفر ، ونقول : كان العدناني دقيقاً عندما قال “فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري” فهنا كفّر العمل ولم يكفّر المعيّن ، فالعدناني يرى بأن الفعل – وهو قتال الدولة التي تحكم بشرع الله ، وتمكين من لا يحكم بشرع الله في بلد – يوقع في الكفر ، وهذا ظاهر معلوم ، أما المُقاتل فقد لا تكون هذه نيته فيكون فعله كفراً دون شخصه ..
فقول العدناني “تقع بالكفر” ليس من تكفير المعيّن ، بل من بيان الكفر وحكم الفعل ، وهذا لا يحتاج كثير نظر لمن عرف كلام العلماء وتقريرهم في المسألة .. فالعدناني قرر مسألة وذكر واقعاً وبيّن حكمه الذي هو مُجمَع عليه ، ثم حذّر من يقاتل الدولة من الوقوع في هذا الكفر ، فالكلمة ليس فيها تكفير أشخاص ولا جماعات ولا هي من صفات الخوارج ولا فيها إثبات عصمة للدولة ولا تنزيه لها ، وإنما هي حكم على حال ، فكل هذا الشغب لا يساوي فلساً أمام هذه الحقيقة الواضحة التي يراها كل من تجرّد للحق ، فينبغي للبعض التنزّه عن مثل هذا الفعل الذي لا يليق بطالب الحق ، والابتعاد عن الفجور في الخصومة .. كما ينبغي للعلماء وطلبة العلم أن يُعملوا علمهم وأقلامهم فيما فيه صلاح المسلمين من جمع الكلمة ، فهذا هو المطلوب منهم شرعاً في مثل هذه الظروف ..
ننتهز هذه الفرصة لنقدّم بعض النصائح لأخينا العدناني ، عل الله ينفع بها :
1- أنصح العدناني بعدم التعرّض للعلماء ، فمهما اختلفنا مع البعض فإن الأخوّة الإسلامية باقية بأحكامها ، وفضل العلماء لا يجهله أمثالكم ..
2- عليك بالرفق الذي ما كان في شيء إلا زانه ، والشدّة والبأس على الكفّار دون المسلمين ..
3- ينبغي الحذر الشديد من قضية التكفير ، فهي مزلة قدم ، وليتها تغيب من أبجديات المجاهدين ..
4- ينبغي التفريق بين الجماعات المقاتلة في الشام وعدم حشرها جميعاً في زاوية واحدة ، فهناك جماعات مخلصة مجاهدة يجب كسبها بكل وسيلة مشروعة ..
5- لا ينبغي استعداء أي جماعة في أي مكان ، وعليكم بتحسين العلاقات مع الجماعات المجاهدة في خراسان وليبيا واليمن والشام وغيرها ، فالعالم رماكم عن قوس واحدة ، وأنتم في غنىً عن الأعداء الجدد ، ومهما أوتيتم من قوة فإن القتال في جبهات كثيرة يُنهك القوة ويشتتها ، وأنتم أقوياء – بعد الله – بإخوانكم ..
6- الحلم والأناة صفتان يحبهما الله في العبد ، والعفو عند المقدرة دليل قوة ، ولا ينبغي للإنسان أن يتكلّم وهو غضبان ، خاصة من يتحدّث باسم غيره ..
7- ينبغي حفظ مقام أهل السابقة في الجهاد ، فقد تصبحوا أنتم كذلك يوماً ، فلا يليق بمن يأتي بعدكم الانتقاص منكم ، فالله الله في هؤلاء فإنهم الأصول التي تفرّعتم عنها ، ولعلكم جزء من حسناتهم ، ولا يمنع الخلاف حفظ المقام ، وتوقير أهل السابقة من صفات أهل الإيمان ..
أسأل الله عز وجل أن يحفظ جميع المجاهدين في كل مكان ، وأن يجمع كلمتهم ، ويوحّد صفوفهم ، ويجعل نكايتهم في أعداء أمتهم ، ويرد عنهم كل كيد ومكر ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
7 رمضان 1436هـ
_______________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]