بسم الله الرحمن الرحيم
انحاز جنود الدول الإسلامية قبل أيام من مدينة “تل أبيض” الشامية المحاذية للحدود التركية ، وتكمن أهمية هذه المدينة في كونها منفذاً شمالياً للدولة الإسلامية إلى تركيا ، وكونها قريبة من عاصمتها الرقة ، وهي ذات أهمية استراتيجية لمرتدي الأكراد كونها تربط مناطق نفوذهم في العراق بعين العرب الشامية التي احتلوها قبل أشهر ، وبات الطريق مفتوحاً لهؤلاء الخبثاء إلى شمال غربي الشام فيحققوا حلمهم بالوصول إلى البحر المتوسط وإقامة دولة الأكراد القومية الإشتراكية الصهيونية من فارس مروراً بجنوب تركيا وشمال العراق وشمال ووسط الشام ..
بينما كان الإخوة المجاهدون نيام في الشام يتقاتلون فيما بينهم ويتصارعون على مناطق النفوذ وبعضهم على تحقيق مصالح الداعمين ، وتشاغل البعض بالتكفير والتصنيف والعراك الداخلي : كان الأمريكان والصهاينة ومرتدو الأكراد يخططون لاحتلال المدن الإسلامية ، ويهيؤون السبل ويذللون العقبات ويزيدون نار الفتنة اشتعالاً بين الفصائل المجاهدة حتى تنشغل بنفسها عن حقيقة ما يُدبَّر لبلاد الإسلام ..
بدأ الصهاينة العمل في مناطق الأكراد قبل أكثر من ثلاثين سنة ، ولم يكن أشأم على الأكراد في تأريخهم من “البارزاني” و”الطالباني” اللذان نشرا الإلحاد الشيوعي في البلاد الكردية ابان الحرب الباردة ، ثم عملوا مع الصهاينة على نشر القومية بكل قوة حتى نشأ جيل لا يعرف غير الصنم الكردي ديناً ومذهباً ، وانتشر الإنحلال الخلقي وتفشى الزنا وشرب الخمر والمخدرات بين عناصر هذه الأحزاب التي ربوها منذ الصغر على التفسّخ ، ونشأت عداوة كبيرة بين هؤلاء المرتدين وبين العرب والدين الإسلامي الذي يرونه دخيلاً عليهم ومحتلاً لبلادهم ومثلاً للتخلف والرجعية ..
الخطأ التأريخي الذي وقع فيه المسلمون هو ترك هذه المناطق دون تدخّل يحميها من التغوّل الصهيوني الذي استغل محنة الأكراد في إيران والعراق وتركيا وسوريا ، وزاد الطين بله ما فعله صدام حسين بالأكراد في حلبجة وغيرها ، وسكت عنها حكام العرب والغرب الذين أهدوا صدام الأسلحة الفتاكة التي قتل بها الأكراد ..
استغل اليهود هذه الحوادث لبث الحقد والكراهية لكل ما هو عربي أو إسلامي في المناطق الكردية ، وعبثاً حاول بعض الدعاة الأكراد صد هذه الموجة الشرسة التي أودت بدين جموع كبيرة من الأكراد المسلمين ، ورغم المكر الذي تزول منه الجبال ، ورغم الكيد العظيم ، ورغم التضليل والتشويه والحرب المعلنة على الدين : بقي أغلب الشعب الكردي محتفظاً بهويته الإسلامية ، وخرج من الأكراد جماعات مجاهدة في العراق والشام انضم كثير منهم إلى الدولة الإسلامية ، فلله الحمد والمنة ..
ينبغي أن لا نخلط بين الأكراد المرتدين وبين الذين بقوا على إسلامهم ، فالغالبية العظمى لا زالت متمسكة بدينها وعقيدتها رغم انتشار الجهل فيهم بسبب قلة الدعاة ومحاربة زعماء الأكراد لهم ، أما هذه الجماعات التي تقاتل المجاهدين في الشام والعراق فهي جماعات كفر وردّة صريحة ، وولاءها للدولة الصهيونية عقدي وعلاقتها مصيرية ، وسياستها مع الجميع مصلحية بالدرجة الأولى ، ولا شك في عدائها لكل ما هو عربي أو مسلم ..
بعد القصف المركّز على “تل أبيض” : اختار مجاهدوا الدولة الإسلامية الإنحياز منها والانتشار حولها .. وفور دخول المرتدين إليها قاموا بما يلي :
1- منعوا جميع المظاهر الدالة على إسلامية المدينة ، وأولها الأذان ..
2- قاموا بتهجير كل من ليس كردي من المدينة والقرى التي حولها ونهبوا بيوتهم وحرقوا محاصيلهم في عملية تطهير وإحلال وتهجير جماعي ..
3- قاموا بإهانة الرموز العربية التي في هذه القُرى وفي المدينة ..
4- قاموا بإذلال وإهانة العناصر المرتدّة في الجيش الحر الذين اشتركوا معهم في احتلال تل أبيض !!
5- أعلنوا نيتهم احتلال الرقة ، اغتراراً بانحياز الدولة من تل أبيض وعين العرب ..
6- أعلنوا نيتهم الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ، ما يعني : احتلال جميع الأراضي التي فيها المقاومة السورية بغض النظر عن اتجاهاتها ، فما دامت عربية أو مسلمة فهي عدوّة ، وهي في طريق هدفهم المنشود ..
دخل الأكراد الإسلام في بداية الفتوحات الإسلامية ، وكان منهم الكثير من العلماء والفاتحين الذين اشتهر منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام المحدّث ابن حجر والقائد المظفّر صلاح الدين الأيوبي ، فهؤلاء ، وكثير من الأكراد ، كانت لهم مساهمات جليلة في الإسلام .. ونكاية بهم ، وخاصة بصلاح الدين فاتح القدس ، عمل الإحتلال الأوروبي على تفريق الأكراد وتوزيع بلادهم بعد أن دوّخ الأكراد الأوروبيين وكانوا حجر عثرة في طريق كثير من مخططاتهم ، فمشكلة الأكراد – في الحقيقة – ليست مع المسلمين ، بل مع الأوروبيين ، ولكن استطاع الأوروبيون عن طريق العملاء الأكراد والصهاينة أن يقلبوا الحقائق ويوغروا صدور بعض الأكراد السذّج على العرب والمسلمين ..
إن القتال تحت هذه الرايات الكردية المتصهينة تعد من الردّة عن الدين بلا شك ، وكذلك من يُعينهم على حرب المسلمين في الشام والعراق فهو مرتد عن الدين ، ومن ظن أن هؤلاء لهم عهد ووعد كونهم أبناء صلاح الدين ، فنقول له : إن صلاح الدين بريئ من المرتدين والخونة المتصهينين الموالين لليهود والنصارى ، فهؤلاء ليسوا من صلاح الدين ولا هو منهم ، وليس تاريخه تاريخهم ولا عقيدته عقيدتهم ، فالإسلام وحده هو تاريخ صلاح الدين ، والإسلام وحده هو عقيدته ، ومن فرّط في الإسلام ووالى أعداء الدين فلا تاريخ له في هذه الأمة ولا ارتباط له بها ..
ما حدث في تل أبيض في بضعة أيام هو صورة مصغّرة لما سيحصل في بقية البلاد التي سيدخلها الأكراد مستقبلاً : فلا مكان للإسلام فيها ، ولا مكان لمسلم ، ولا موطئ قدم لعربي ، وكل من يدخلها من هؤلاء سيجد الإذلال والقمع وربما القتل ، وسيستبيح الأكراد أموال ونساء وبيوت العرب المسلمين في كل قرية أو مدينة يدخلونها ، سواء كانت تابعة للدولة الإسلامية أو لغيرها من الفصائل ، فكل هؤلاء عند مرتدي الأكراد : من العرب أو المسلمين الأعداء للقومية الكردية ، ومن ظن أنه في مأمن بتعاونه مع الأمريكان فلينظر إلى هؤلاء الصليبيين كيف تحوم طائراتهم فوق مرتدي الأكراد ليشكلوا منطقة عزل جوي نادى بها السوريون لأربع سنوات دون جدوى ، وكيف تم قصف المجاهدين في عين العرب وحول إربيل وتل أبيض بينما يدخل جنود حزب اللات والنصيرية المدن السورية دون قصف ليقتلوا المسلمين ويهتكوا أعراضهم ..
لعل ما حصل في “تل أبيض” : إنذار إلهي للمجاهدين في الشام ، وتحذير وبيان من الله تعالى لما سيحصل بهم إن هم بقوا على نزاعهم واختلافهم ولم يجتمعوا على راية واحدة ولم يعتصموا بحبل الله جميعا وينبذوا الفرقة ، فالله تعالى لا يحابي ولا يجامل وليس أحد عنده فوق قدَره الشرعي ، ومصير من يضع يده في يد أعداء الله تعالى هو الذلّة والمهانة كما حصل لمرتدي الجيش الحر ، وسينال هؤلاء غضب الله تعالى في الدنيا والآخرة ، فليتق الله الذين يسارعون في تولي الكفار ويقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ، فما عند الله خير وأبقى ، والله هو الناصر المعزّ لدينه ولأولياءه ، ومن يبتغ العزة عند أعداء الله : لم يوقن بأن العزّة لله جميعا ..
نوجّه هذا النداء المشفق في هذا الشهر المبارك لإخوان العقيدة : أن يراجعوا أنفسهم ، ويفتحوا قلوبهم ، ويُعملوا عقولهم ، وينظروا حولهم ليروا كيد ومكر عدوهم بهم ، وكيف اجتمع الكفار والمنافقون والمرتدون على حربهم ، بينما هم في شقاق وخلاف ونزاع واقتتال ، فيا لله ما أعظم الغفلة التي فيها بعض هؤلاء ، وما أعظم الجهل الذي قاد البعض لنبذ ما أمر الله به ليتّبع خطوات الشيطان ثم يرفع يده طلباً للنصر !! أي نصر يرجوه عاصٍ لله ، وأي نُصرة يطلبها المصرّ على معصية الله ..
إن التنازع والاختلاف والتقاتل بين المسلمين من أعظم المعاصي والذنوب ، وهي في مثل هذه الظروف من أكبر الجهل والغفلة ، فالكل يعمل لمصلحته ويجتمع مع غيره لتحقيق مصالح مشتركة إلا أهل الإسلام الذين آثروا الفرقة والمفاصلة التي تضمن لهم الفشل وذهاب الريح بنص كتاب الله !!
يا أهل الإسلام في الشام : أنتم المقصودون بهذه الحرب وليس النصيرية أو الرافضة أو مرتدي الأكراد أو من لا دين له ، أنتم فقط من يراد بكم الأذى ، أنتم فقط من سيدفع ثمن هذه الغفلة وهذا التشرذم وهذا التنازع والاختلاف فيما بينكم ، إن لم يتحرّك العقلاء فيكم فستكون الدائرة عليكم بقدر الله الشرعي ، فالله تعالى بيّن بما لا مزيد بيان في كتابه فقال سبحانه {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال : 46) ، فمن عصى الله تعالى وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكف عن التنازع فإن الفشل مآله لا محالة ، وإن ذهاب الريح مصيره يقيناً ، فلا يلومن أحد إلا نفسه ، ولا يسألن أحد بعد أن يدخل النصارى واليهود والمرتدون بلاد الإسلام يستبيحون الحرمات ويقتلون الأنفس {أنا هذا} ، فلا أعجب من أناس – نحسبهم عقلاء – يقرؤون قول الله تعالى {ولا تنازعوا فتفشلوا} ثم يتنازعون ، ويظنون أنهم لا يفشلون !!
إن لم يجتمع المسلمون في الشام تحت راية واحدة ، وأخص بالذكر الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وأحرار الشام ومن على نهجهم ، إن لم يجتمع هؤلاء ويتداركوا أمرهم فإن الدائرة ستكون على المسلمين في الشام ، ومن يحاجج بغير هذا فبيننا وبينه كتاب الله عز وجل ، فليتّق الله الذين ينفخون نار الفرقة والخلاف ، والذين يدْعون إلى المفاصلة والنزاع ، والذين يؤصّلون لهذه الأمور ويفتون المسلمين بالتقاتل فيما بينهم ، فوالله إنها الحالقة التي تحلق الدين ، وإنها المعصية التي تذهب بدماء المسلمين ، فيا لله ما أعظمها من خيانة ، ويا لله ما أعظم الأمانة التي على عاتق العلماء بتذكير المجاهدين ونصحهم وإرشادهم إلى أمر ربهم ، فلا يكونن أحدنا ظهيراً للكافرين ، ومعيناً لهم على هزيمة المسلمين ، والعتب كل العتب على طلبة العلم والعلماء في الثغور الذين كنا نرجوا منهم العقل والحكمة والأناة والحلم والبصيرة ، فإذا بهم يتراشقون بآيات كتاب الله ، وبأحاديث رسول الله ، وكأن أمر الأمة لا يعنيهم !!
المسألة ليست مغالبة شرعية ، ولا أبحاث فقهية : إنها الدماء والأعراض ، إنه الدين ، إنه مستقبل الأمة ، فأي عبث هذا ، وأي تبلّد حسّ ، وأي نظرة قاصرة لا ترى سوى الانتصار لجماعة على أختها بينما العدو الحقيقي يسرح ويمرح في البلاد ويحتل ويهجّر المسلمين ويلقي عليهم البراميل ويحصدهم حصدا !!
هل كان هذا العدو يبقى إن اتحدت هذه القوى !! هل تبقى للعدو قوّة إن اجتمع المجاهدون !! هل يبقى مكان لكافر في الشام إن أطاع المجاهدون الله وعصوا من رضي بالتحريش بينهم !! أليس كل عاقل على وجه الأرض يرى هذا ويعلمه يقيناً !! أليست مصلحة الأمة في اجتماع الكلمة ؟ لمَ يعمل البعض ضد مصلحة الأمة !! لم يريد البعض إطالة هذه الحرب بتفريق الكلمة !! لم يريد البعض توهين المسلمين وإضعافهم وتقوية عدوهم !! المصلحة معلومة ، والمفسدة معلومة ، والبعض يعمل لتقليل المصالح وزيادة المفاسد !!
من قال إن في التنازع مصلحة للدين فقد كذّب الله تعالى ، ومن قال بأن في المفاصلة مصلحة للجهاد فقد كذّب الله تعالى ، ومن قال بأن اقتتال المسلمين من مصلحة الدين فقد كذّب الله تعالى ، فكم يكذب البعض في سبيل إرضاء شهوته ونزوته الاستعلائية على حساب دماء وأعراض المسلمين ، وعلى حساب الدين ومستقبل الأمة !!
أناشد العلماء وطلبة العلم في الشام أن لا تكون مبادرة واحدة ، بل ألف مبادرة ومبادرة : يراسلون أمراء الجبهات ، وقادة الجماعات ، يذكّرونهم بالله ، ويحضّونهم على طاعته ولزوم أمره باجتماع الكلمة ، وعليهم بإصلاح ذات البين ، وإنهاء أسباب الخلاف ، وتقريب وجهات النظر ، فهذا هو واجب العلماء الذي يحاسبهم الله عليه ، والله تعالى أمرنا بالصبر والمصابرة والمجاهدة حتى يتحقق أمره ، فلا يقنطنّ أحدنا من روح الله ورحمته ، ولا يستسلمنّ أحدنا للشيطان ، بل يقهر الشيطان بتحقيق ما يغيظه ، ولا أغيظ لشياطين الإنس والجن من اجتماع كلمة المسلمين ..
اللهم احقن دماء المسلمين ، ووحّد صفوف المجاهدين ، واهد العلماء وطلبة العلم لما فيه صلاح الأمة في الدارين ، يا رب العالمين ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
2 رمضان 1436هـ
______________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]