بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في مقالة سابقة (فهم عاصفة الحزم) أن هذا التحالف الذي يقصف اليمن لا يجتمع لمصلحة المسلمين ، وأننا عرفنا هذا بتتبعنا واستقراءنا تاريخه الطويل في العمالة والخيانة ، وقلنا قبل أيام في مقالة بعنوان “صولة العصافير” أن هناك مخطط لتدخل خارجي تركي إيراني عربي في العراق والشام ، وذكرنا في مقالة “مع من أنت” : “هذه العاصفة [عاصفة الحزم] ستهدأ قريباً لأن أعضاءها غير مخلصين ، وليسوا على قلب رجل واحد ، وكلهم أصحاب مصالح شخصية ، وتتحكم فيهم الأنانية ، وتغلب عليهم الإنتهازية ، وإيران ستلتف حولهم مستغلة هذه الثغرات ، وما يهمنا منها هو إضعاف الحوثيين وعلي صالح ، ولن يستطيعوا القضاء عليهم بالقصف” (انتهى) ..
الحقيقة أنني كنت شبه متأكد مما سيحصل في بلاد الحرمين ، وقلت لبعض الأحبة : بأن القوم يريدون ترتيب البيت “السعودي” بتسليم الحكم “لابن نايف” ثم “لابن سلمان” ، وجعل الحكم في عقب سلمان وفي البيت السديري إن استطاعوا ، وقد حاول “عبد الله بن عبد العزيز” جعل الأمر في عقبه عن طريق ولده “متعب” ، ولم يستطع ..
لعل البعض يتسائل : ما دخل هذا بعاصفة الحزم التي أصبحت “إعادة الأمل” ؟
إذا تقرر لدينا بأن القوم ليست لهم نية في نصرة دين ولا شعب ، وأن الأمر مصالح : فقد كانت “عاصفة الحزم” لتلميع “ولد سلمان” الصغير الذي نيطت به قيادة الدفاع لتَعرفه العامة ، فهذا الولد الذي لم يبلغ الثلاثين بعد ، والذي لا يعرفه أحد : صار أشهر شخصية قيادية في جزيرة العرب بعد “عاصفة الحزم” وأختها ، فتدمير البنى التحتية لليمن ، وقصف الجيش اليمني والحوثيين كان سببه الأكبر إظهار “محمد بن سلمان” وتعريف الناس به ..
لم يكتفوا بالمكر بغيرهم ، بل هو بينهم أشد : حيث أمر ملكهم “الحرس الوطني” الموالي لمتعب – ومن قبله والده عبد الله – بالتدخل في اليمن ، ولم يأمر الجيش كما هو العرف في الحروب ، والهدف من ذلك : إضعاف الحرس الوطني ، ومن ثم “متعب” ، فإن نجح “متعب” فالفضل لملكهم سلمان الآمر بالتدخل ، فمتعب خاسر في كلا الحالين ، ولذلك لم يتدخل بقواته إلى الآن ، ولا أظنه يفعل إلا أن يُحاط به ، فهذا جانب من المنافسة على الحكم الذي أُقصي بسببه كثير من الأمراء الكبار في السن من أحفاد عبد العزيز ليتقدّمهم شاب لا خبرة له ولا دراية ، ولنا أن نتخيل حجم الحنق والغضب الذي أثارته هذه القرارات ..
ما الذي حصل ؟
بعد موت “عبد الله بن عبد العزيز” : عمل “ابن نايف” على طرد حاشيته التي قلبت البيت “السعودي” رأساً على عقب وابعدت القسم “السديري” عن الحكم ، ثم اتفق مع سلمان وابنه لإبرازهما كقياديين ، فكان قرار التدخل في اليمن الذي يجمع لهم بعض المصالح الأخرى التي منها : إظهار سلمان بمظهر القيادي ، وأنه مخلّص الأمة من المد الرافضي ، وأنه لا داعي للجماعات الجهادية في وجود حكومة “سعودية” قوية تحمي مصالح الأمة ، وإضعاف الحكومة اليمنية ومن ثم إدخال اليمن في بيت الطاعة “السعودي” ، والتخلص من الشغب الحوثي جنوب حدود البلاد ، وقطع الباب أمام إيران إن أرادت خلق المشاكل في اليمن وباب المندب ، والتحضير للتدخل العسكري في الشام ضد المجاهدين وبأسم محاربة الحكومة السورية ، وغيرها من الفوائد والمصالح !!
كانت عقبة التدخل هي إيران ، فاتفق القوم صورياً مع “نواز شريف” و”أردوغان” على دعم “المملكة” ، وأمريكا حاضرة تراقب الأمر برمته ، وقدّمت الإستشارات والدعم المعنوي والسياسي والمخابراتي ثم العسكري لاحقاً ..
اصطدم نواز شريف بالبرلمان الباكستاني الذي فيه نسبة كبيرة من الرافضة ، فاكتفى بإعلان دعم باكستان للمقدسات الإسلامية ، وحرّك “ابن نايف” الجماعات الإسلامية في باكستان لتُعلن في مسيرات مليونية استعدادها للتدخل عسكريا لحماية بلاد الحرمين من أي تدخل إيراني لترهب إيران وتضغط على الحكومة الباكستانية ، ثم أعلن أردوغان وقوفه بجانب “آل سعود” ، وكان شرط أردوغان : إنهاء حكم بشار في سوريا ، وإيقاف دعم آل سعود للإنقلاب في مصر ، وبالطبع : تحركت المدمرات الأمريكية إلى مضيق باب المندب لتؤكد لإيران جديّة الأمر ، فسكتت إيران ، وقصفت الطائرات “السعودية” والعربية مواقع الحوثيين وجيش علي صالح ودمرت البنى التحتية لليمن لتصبح في المستقبل عالة على المساعدات “السعودية” ، ولا نستبعد أن تضم “السعودية” بعد الأراضي اليمنية الجديدة إلى حدودها مقابل نصرة “الشرعية” ..
الدعم الأمريكي لعاصفة “الغبار” هذه لا بد أن يكون له ثمن ، والثمن هو : ضمان أمن حدود يهود في فلسطين ، والقضاء على المجاهدين عامة ، وعلى الدولة الإسلامية وجماعات قاعدة الجهاد خاصة ، وتمويل القصف الصليبي على العراق الشام ، وقد تحرك القوم لتنفيذ هذه الخطة : فاستطاعوا تدريب وتسليح بعض الجماعات ، وقامت بعض طائراتهم بقصف مواقع النصيرية إعلاناً لبدئ المرحلة القادمة ، ولعل بعض النصيرية ينقلب على بشار في الأمد القريب بعد أن أيقنوا أن الأمور قد تحسم لصالح التحالف الصليبي العربي التركي ..
هذه الخطة طبقوها في أفغانستان – ابان الحرب السوفييتية – فأتوا بصبغة الله مجددي ليحكم أفغانستان ، ولم تستقر الأمور لضعفه ولوجود قوى منافسة ، فقامت الحرب الداخلية التي انتهت بظهور الطالبان ، واستطاعوا القضاء على طالبان بنفس الخطة ، وطبقوا هذه النظرية في الصومال وفي مالي والبوسنة وفلسطين ، وفي كل مرة يقع المسلمون بكل سذاجة في فخهم بسبب انعدام الثقة فيما بينهم ، وبسبب العداوة التي أوجدها العدو بينهم ، وبسبب جهل البعض بطبيعة الراية الشرعية التي ينبغي أن يقاتل تحتها المسلمون ..
لعل الأيام القادمة تكشف لنا عمق الغباء السياسي لبعض الجماعات مقابل مكر وخبث الأعداء ، فالجماعات التي دخلت تحت كنف هذا التحالف باسم تحرير الشام من النصيرية ستجد نفسها خارج اللعبة السياسية قريباً كما حصل لرباني وسياف ، وسيأتي القوم ب”كرزاي” سوري ليحكم الشام ، وقد يستخدم القوم هذه الجماعات المقاتلة لقتال الدولة الإسلامية وقاعدة الجهاد والجماعات المخلصة مقابل وعود كاذبة بالمشاركة السياسية ، وسيأخذ القوم عهوداً على هذه الجماعات بعدم الاقتراب من حدود يهود ، وربما تتعهد بعض الجماعات بحماية حدود اليهود من أي اعتداء من داخل الأراضي السورية باسم الدولة المدنية الحديثة التي تحترم القوانين والأعراف الدولية ، وذلك لضمان المشاركة السياسية ..
إن هزيمة النصيرية كان من السهولة بمكان لولا تدخّل الدول العربية والغربية لصالح بشار : فمنعوا الجماعات المقاتلة من شراء السلاح الفعّال المضاد للطائرات ، ومكّنوا بشار من قصف المدن السورية وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين لترضخ هذه الجماعات لشروط وإملاءات “الدول الصديقة” ، وكانت هذه الدول تبعث السلاح والعتاد والأموال لبشار لضمان عدم تقدم “الثوار” في الوقت الذي كانت تجهر بعداوته ، ولعل الأوان قد حان لتنفيذ بقية المخطط بعد أن أدى بشار مهمته على أكمل وجه ، ولعلهم يُخرجونه من سوريا وعائلته وملياراته لتستقبله بعض الدول التي صارت ملاذاً آمناً للمجرمين ..
هذه هي الصورة العامة للمسرحية الخبيثة التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين ، وهتكت فيها أعراض عشرات الآلاف من المسلمات ، ودمّرت بلاد ، وشُرّد بسببها الملايين من أبناء الإسلام ، كل هذا مقابل : حفظ أمن يهود ، وترتيب “البيت السعودي” وتمكين القسم “السديري” فيه مرة أخرى بعد أن أُقصي في عهد “عبد الله بن عبد العزيز” ، وحفظ مصالح الدول الصليبية وعلى رأسها أمريكا ، ومحاربة المجاهدين وعلى رأسهم الدولة الإسلامية التي حرمت الأمريكان النفط العراقي المجاني ، ومحاربة قاعدة الجهاد التي لا زال الأمريكان يعدونها مصدر “الشر” الأوّل في العالم ..
ما الواجب علينا ؟
أولاً : علينا أن ندرك حجم المؤامرة التي أطرافها الصليبيون واليهود والرافضة وحكام العرب ، فهؤلاء هم أساس كل بلاء حل بالأمة في العقود الماضية ..
ثانياً : لا ينغي لنا الانجرار خلف كل شعار ، بل علينا معرفة أصله ومن وراءه ودوافعه وحقيقته ..
ثالثاً : يجب أن لا نكون جبريين في العمل السياسي ، بل نعمل بكل ما أوتينا من قوة ، ونمكر بالأعداء كما يمكرون بنا ، ونوقن بأن التوكل الصحيح هو المصاحب للعمل بقدر الوسع ..
رابعاً : علينا أن ندرس مخططات العدو ، ونعلم حقيقة مكره وكيده ، ثم نرسم خططنا بناء على معرفة تامة بكل ما يُراد بنا ، ولا ينبغي أن تكون مخططاتنا ردات فعل فقط ، بل ينبغي أن نبادر نحن بالتخطيط ونجبر العدو على ردات فعل نرسمها له لتحقيق مصالحنا ، ولا نستسلم لمخططات الأعداء ونعتقد أنها نافدة لا محالة ، بل نعمل ونمكر بهم ..
خامساً : علينا أن نعلم يقيناً بأن أهل الصدق هم الذين يبذلون الدماء في ساحات النزال ضد الأعداء ، فهؤلاء هم أهل ثقتنا ، ولا ينبغي أن نثق بالمتلوّن المُوالي للصليبيين وإن لبس ثياب الواعظين ، ولا بمن يقاتل حمية عن وطن وتراب ودولة مدنية ديمقراطية ، ولا بمن وضع أوراقه في سلة حكام العرب والعجم ..
سادساً : على الجماعات المقاتلة في سوريا أن لا تقع ضحية المخدرات السياسية ، وأن لا تثق الجماعات الصادقة – ولو للحظة – بأي دولة عربية أو غير عربية مهما كان الظاهر ، فإن هذه الدول لا تعمل إلا لمصالحها ، وإن تقاطعت بعض المصالح اليوم فإنها ستفترق غدا ، بل هي مفترقة ولكنهم لا يظهرونه ، وليس للمجاهدين – بعد الله – إلا أنفسهم وإخوانهم ، فليعيد البعض حساباته ، وليعلم أن المكر في طور متقدّم ..
ربما تشهد الأيام القادمة تقلبات سياسية وعسكرية كبيرة ، وأحداث متسارعة ، ولكنها كلها وفق مخطط مدروس يهدف لزعزعة الثقة ، والتحريش بين المسلمين ، وربما تقوم بعض الجماعات بالتحرّش بالدولة الإسلامية (وأخواتها) في سوريا بمبررات يختلقونها ، وسيحاولون إشغال الدولة بمعارك جانبية إلى حين ترتيب الوضع في دمشق واللاذقية ، ومن ثم سيوجهون سهام الجماعات الموالية لهم في نحر الدولة الإسلامية (وأخواتها) بمساعدة قوات عربية وتركية ، وطائرات غربية وعربية وتركية وربما يهودية ، فالكل عازم على استئصال الدولة الإسلامية وكل جماعة تابعة لقاعدة الجهاد أو تؤمن بالجهاد الشرعي اللاوطني اللاقطري ، وسيحاولون الإبقاء على بعض الجماعات الموالية لضمان “إنتخاب” حكومة وطنية سورية ، وربما يستصدرون حكماً من مجلس الأمن بضرورة تواجد قوات أجنبية (عربية أو غير عربية) لضمان الأمن والاستقرار في سوريا ، ولمحاربة الإرهاب ..
إن الذين فعلوا ما فعلوا باليمن وبعلي صالح – حليفهم وصديقهم – ليجروا عملية تجميل لوجه “ابن نايف” القبيح وليُظهروا “ابن سلمان” الصغير ، لنا أن نتخيّل ما سيفعلونه بالمجاهدين !! هؤلاء موقنون بخطر الجهاد عليهم ، ويعلمون جيداً أن بقائهم في الحكم مرهون ببركات أمريكا ، وأن أمريكا لا يرضيها المساس بأمن يهود في فلسطين المحتلة ، ولا أن تكون جماعة مجاهدة في الأرض ، فلنا أن نتخيل حجم وبشاعة ما هو قادم في سوريا بالذات ..
نسأل الله أن يرد كل كيدٍ ومكرٍ عن المسلمين ، وأن يجعل الدائرة على أعداء الدين ، وأن يجمع كلمة المجاهدين ويحقن دمائهم وينصرهم على عدوهم ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
10 رجب 1436هـ
_____________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]