بسم الله الرحمن الرحيم
لنا جرح نازف في كل بقعة من الأرض ، فمن تركستان الشرقية التي ترزح تحت الإحتلال البوذي ، إلى كشمير المسلمة والإحتلال الهندوسي ، فأفغانستان والتآمر الصليبي ، وباكستان التي لم تتوقف فيها طائرات القتل الأمريكية ، ومذابح الروهينجا المساكين ، إلى الفلبين وتايلاند وتيمور الشرقية المنسية ، وما يحدث لإخواننا المسلمين في أوزبكستان وكازاخستان ، والشيشان وما أدراك ما الشيشان ، ومظالم إخواننا في الأهواز وإيران ، واحتلال الرافضة للعراق وقتلهم المسلمين ، ثم سوريا الجريحة ، واليمن التي اتفق الخونة على تسليمها للحوثيين ، وآلاف الأسارى من العلماء والدعاة والمجاهدين في جزيرة العرب المنسيين ، وفلسطين التي لا زال يتنطط على جدار أقصاها إخوان القردة الملاعين ، ومصر المكلومة ، والسودان المقسّمة ، والصومال التي جيّشوا لها جيوش الصليب لغزوها المرة تلو المرة ، إلى ليبيا التي كثرت الأيادي العابثة بأمنها ، إلى تونس مهد الثورة التي تسلق عليها العلمانيون مرة أخرى ، إلى مالي التي احتلها الفرنسيون ، وأفريقيا الوسطى ومذابح المسلمين ، وتسلط النصارى على المسلمين في نيجيريا ، وغيرها من المآسي الكثير الكثير ..
كل يوم نفتح أعيننا على مصيبة تحل بالأمة الإسلامية ، وعوام المسلمين مشغولون بحياتهم اليومية كأن الأمر لا يعنيهم ، وعلماء الأمة في سبات عميق إلا من رحم الله ، وأهل الجهاد الذين كنا نظن أنهم صمام أمان الأمة الإسلامية نراهم اليوم قد اشتغلوا بأنفسهم عن عدوّهم ، فالكل يراقب ما يجري في سوريا من نزاع وخلاف وتقاتل زَرع روح اليأس في قلوب كثير من المسلمين ..
واليوم فُجعنا بمقتل الشيخ المجاهد أبي خالد السوري رحمه الله وتقبله في الشهداء ، فأي مصيبة حلّت بالجهاد إذ غاب عنها أمثال هذا الرجل العملاق ، وما أشبه الليلة بالبارحة : لقد اشتغلت المخابرات العربية والأجنبية والفارسية لشهور طويلة تخطط لمقتل الشيخ عبد الله عزام رحمه الله ، الذي كان حلقة الوصل بين المجاهدين الأفغان ، وصمام الأمان ضد استفحال الخلاف والعداء بينهم ، فما أن قُتل حتى سهُل على أعداء الأمة التحريش بين المجاهدين ، فدخلت أفغانستان في دوامة الحرب الأهلية لسنوات أكلت الأخضر واليابس ..
إن من أعجب العجب أن تُعلن دوائر المخابرات العربية والأجنبية دخولها سوريا ، وإشعالها الفتنة ، وحربها على المجاهدين ، والمجاهدون ينجرّون طوعاً للوقوع في براثن مخططاتهم المُعلنة ، فأي عقل وأي منطق يقبل هذا !! روسيا تُرسل عشرات من كبار خبراءها العسكريين إلى سوريا ، وإيران تُرسل أفضل عناصر مخابراتها وجيشها إلى سوريا ، ومخابرات الدول العربية والأوروبية وأمريكا يُعلنون نشاطاتهم في المؤتمرات والتصريحات الصحفية ويُعلنون خططهم الرامية إلى إضعاف المجاهدين عن طريق الإقتتال الداخلي ، رغم أن كل هذا مُعلَن : إلا أن أهل الجهاد لازالوا يتقاتلون فيما بينهم !!
أبو خالد السوري – رحمه الله وتقبله في الشهداء – لن يكون آخر من يُغتال من كبار قادة الجهاد ، فالمشوار طويل ، والقادة كُثر ، والجماعات كثيرة ، فمقتل كل قائد واتهام الجماعات بعضها لبعض يزيد فتيل الأزمة ، فهل قادة الجهاد بهذه السطحية !! وهل الذين عركتهم المعارك في أفغانستان والعراق والبوسنة والشيشان وليبيا بهذه السذاجة !! أيُعقل أن يكون عِلم المجاهدين قاصر على العمليات العسكرية فقط !! أليس في قادة الجهاد من يقدّم مصلحة الأمة على بعض المصالح الضيقة !! أليس في قادة الجهاد من يرى الصورة الكليّة للمؤامرة العالمية ضد الإسلام في سوريا !! هل الجهاد في سوريا مقتصر على فتح معبر أو قرية أو تدمير آليات أو فتح مطارات واحتلال مخازن أسلحة أم أن الجهاد في الشام هو جهاد هذه الأمة – كل الأمة – ضد أعداء دينها من النصيرية والنصارى والرافضة واليهود والمرتدين !!
لنرسم الصورة الأخرى : العمليات العسكرية ضد المسلمين في سوريا تجري بتنسيق كبير بين عناصر “حزب اللات” اللبناني ، ورافضة العراق ، والنصيرية ، ورافضة إيران ، ويهود ، وخبراء روس ، وأجهزة استخبارات عربية وأجنبية !!
لنفكّك هذه الصورة : الرافضة الإثنا عشرية (حزب اللات ورافضة العراق وإيران) يُكفّرون النصيرية ، وفتاوى ملاليهم أكثر من أن تُحصى في هذا الشأن ..
النصيرية يُكفّرون الرافضة الإثنا عشرية كفر يدينون به ، لا خلاف بينهم في ذلك ..
هناك تنافس شديد بين رافضة إيران ورافضة العراق على سيادة العالم الرافضي يصل إلى درجة التكفير في بعض الأحيان ..
الروس : نصارى أرثوذكس ، وفرنسا : كاثوليك ، وبريطانيا وأمريكا : بروتستانت ، وهؤلاء بينهم أحقاد تاريخية ودينية وحروب طاحنة على مدار قرون طويلة ، وبينهم منافسة كبيرة على مناطق النفوذ ومقدرات الشعوب ، هذا مع اختلاف مذاهبهم ولغاتهم وأعرافهم وأعراقهم ..
اليهود الذين يُبغضون كل من عداهم ، ومرتدوا العرب الذين سخّروا أموال دولهم وخبراتهم وأجهزتهم في سبيل إفشال الثورات العربية وإفساد الجهاد السوري تحقيقاً للمصالح الغربية وحفاظاً على كراسيهم وحقداً وكرهاً لكل ما يمت للإسلام بصلة ..
هذا الخليط المتنافر المتباغض المتعادي الذي لا يجمعه دين ولا لغة ولا خُلق غير حقده وبغضه وكرهه للإسلام والمسلمين : يعمل بتناغم وانسجام في سبيل تحقيق غاية اجتمعوا عليها ، ونحن أهل الإسلام الذين يجمعنا دين واحد ، ونبي واحد ، ومصير واحد ، وأعداء متفرقون اجتمعوا علينا : نفترق ونتقاتل ونتنازع ونتباغض لأتفه الأسباب ، وفي بعض الأحيان : بلا سبب !!
من الذي قتل الشيخ المجاهد أبي خالد السوري رحمه الله ؟
كلنا قتله ..
قتلناه بخلافاتنا .. قتلناه بتناحرنا .. قتلناه بسذاجتنا .. قتلناه بنظرتنا الضيقة .. قتلناه بوقوعنا في كل حفرة يحفرها العدو لنا .. قتلناه لأننا لا نرى الصورة كاملة .. قتلناه لأننا مشغولون بخلافاتنا في وقت تكالبت الأمم علينا .. قتلناه لأننا سمحنا لعدونا بالتغلغل بيننا واللعب بعقولنا ونحن في غفلتنا .. قتلناه لأننا لا نستحق بقائه معنا .. قتلناه لأن مجاهدينا اشتغلوا بأنفسهم عن عدوهم .. قتلناه لأن أنصار المجاهدين اشتغلوا بتأجيج خلافاتنا .. قتلناه لأن علماءنا لم يعملوا ما أمرهم الله من إصلاح ذات بيننا .. قتلناه لأن الجيوش الكافرة تحاصر حمص والغوطة ويبرود وحلب ونحن نحاصر بعضنا .. قتلناه لأن أسرانا لا زالوا في سجون النصيرية ونحن نأسر بعضنا .. قتلناه لأن “حسن نصر اللات” خرج على القنوات الفضائية يسخر من تفرقنا واقتتالنا ولم يحرك ذلك الغيرة في قلوبنا .. قتلناه لأننا قتلنا ما يمثله الشيخ من توافق وتقريب وجمع كلمة ..
لقد قتلنا في الشام معاني الإخوة الإسلامية ، وذبحنا بسكّين التعصّب مفهوم الوحدة الإيمانية ، وفجّرنا بغفلتنا سدّ النزاع لنَغرق في الفشل ، ورغم كل هذه الجيوش وهذه الأعداد الكبيرة من الجنود والعتاد إلا أننا غثاء نُزعت مهابتنا من قلوب أعداءنا .. تفرّقنا واجتمع العدو علينا ، أسأنا الظن بإخواننا واتفق العدو علينا ، نخاطب بعضنا البعض من خلف الخنادق بوجوه عابسة وأعدائنا يتحاورون في ساحات الفنادق بابتسامات ساخرة !!
هذه صورة أخرى : قال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه : فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين عليّ ما كان ، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلّية ، لا على يديه ولا على يديّ عليّ ، وطمع في معاويةَ ملكُ الروم بعد أن كان قد أخسأه وأذلّه ، وقهر جنده ودحاهم ، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب عليّ تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة ، وطمع فيه ، فكتب إليه معاوية : “والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك ، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت” . فعند ذلك خاف ملك الروم وانكفّ ، وبعث يطلب الهدنة. (انتهى) ..
ها قد جمع الروم والفرس والعرب جيوشهم ، وأعملوا مكرهم ، واستغلوا انشغال المجاهدين بأنفسهم : فاسترجعوا بعض البقاع ، وتوقفت الفتوحات ، فهل عاقل مثل معاوية – رضي الله عنه – يرسل رسالة عملية إلى النصيرية والرافضة والصليبيين ، ويضع يده في يد إخوانه ليضيّق الأرض على أعداء الدين بما رحبت ، أم هل هناك سيّد من سادات المسلمين يُعلن الصلح على الملأ ويتنازل عن بعض حظ نفسه ليحقن دماء المسلمين كما فعل سيّد شباب أهل الجنة السبط الحسن بن عليّ رضي الله عنهما ، أم هل خلت الأرض من العقلاء النجباء الأسياد !!
كفى يا أهل الجهاد : كفى ، فقد قطّعتم قلوب المسلمين ، وأسلتم دموع المصلّين ، وشمت فينا وفيكم أعداء الدين .. كفى تشرذماً وتفرقاً وتناحرا .. كفى ، فإن ما فينا يكفينا .. يا قادة الجهاد : كفى ..
يا أهل الجهاد : أقيلوا العثرات ، وتجاوزوا عن الزلّات ، ولينوا لإخوانكم ، ، فالعفو يزيد العبد عزّة ، والتواضع يزيد العبد رفعة ، واللهُ يقذف المتكبّر في النار ولا يبالي ، ومن يتحرى الخير يُعطه ، ومن يتوَقّ الشر يوقَه .. أغلظوا على عدوكم ، واطلبوا الباقية ، وطلّقوا الفانية ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وكونوا عباد الله إخوانا .. لا تظلموا أنفسكم ، ولا تظلموا بعضكم ، ولا تظلموا الأمة باختلافكم ، ولا تُفسدوا جهاد من كان قبلكم ، فالأمة تناشدكم بالله أن تتقوا فيها الله وتُصلحوا ذات بينكم وتعودوا لسابق عهدكم من إثخان في أعداء الله ، ابتغاء مرضاة الله ..
الله الله في أمة نبيكم .. الله الله في جهادكم لا ينسلخ منه الإخلاص فتخسروا دنياكم وآخرتكم .. لا تفجعونا بدماء المسلمين ، وأقروا أعيننا بتطاير رقاب الكافرين ، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ..
رحمك الله أبا خالد وجعلك في عليّين ، وألحقك بالشهداء والصالحين ، وجعل من خلفك يسيرون على هدى ويقين ، غير مبدّلين ولا مُغيّرين ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
24 ربيع الثاني 1435هـ
______________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]