NOTE: The title of this article is in reference to Qura’nic verse 108:3.
—
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكبير المتعال القوي العزيز المنتقم الملك الجبار المتكبر ، ثم الصلاة والسلام على أشرف الخلق وإمام الأنبياء وسيد المرسلين محمد رسول رب العالمين خير من عبد الله في العلانية والسّر ، وعلى أنبياء الله وآل نبينا وأصاحبه ومن جاهد لهذا الدين مقبلاً غير مدبر ، ومن تبعهم بإحسان في اليسر والعُسر .. أما بعد ..
قال تعالى على لسان نبيه الكريم عيسى بن مريم عليه السلام {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} (مريم : 30 – 33) ، وقال تعالى {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البقرة : 253) ، وقال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ..} (البقرة : 87) .. وقال تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة : 136)
فهذه هي العقيدة الحقة في أنبياء الله ورسله ومن اصطفى من خلقه ، وتلك هي الأخلاق التي علمنا إياها كتاب ربنا وشدد عليها نبينا صلى الله عليه وسلم : من احترام للأنبياء ومعرفة حقهم وذكرهم بكل خير والذب عنهم ونصرتهم وتأييدهم ، فكل نبي بعثه الله للخلق هو نبي للمؤمنين يحبونه ويوقرونه ولا يصح إسلام مسلم بغير هذا ، فنوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وأيوب وداود وسليمان وعيس وغيرهم من الأنبياء والمرسلين مصابيح الدجى ومنارات الهدى ملكوا علينا شغاف القلب نحبهم أشد من حبنا أبنائنا وآبائنا وأنفسنا ، فعليهم من الله أفضل الصلاة والسلام ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “فينبغي للعاقل أن يعلم أن قيام دين الله في الأرض إنما هو بواسطة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فلولا الرسل لما عُبِد الله وحده لا شريك له ، ولما علم الناس أكثر ما يستحقه سبحانه من الأسماء الحسنى والصفات العلى ، ولا كانت له شريعة في الأرض …. والقدر الذي تعجز العقول عن إدراكه علموهم إياه ، وأنبأوهم به ؛ فالطعن فيهم طعن في توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه ودينه وشرائعه وأنبيائه وثوابه وعقابه وعامة الأسباب التي بينه وبين خلقه … ” (مختصر من الصارم المسلول : ج1)
ولذلك كان النيل من هؤلاء الأنبياء من أشد الجرم وأعظم الشناعة في الأرض ، وليس هذا خاص بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، بل هو عام في جميع الرسل ، قال الإمام أحمد بن عبد الحليم الحراني شيخ الإسلام رحمه الله “والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سبِّ نبينا ، فمن سبِّ نبيًّا مسمى بإسمه من الأنبياء المعروفين كالمذكورين في القرآن أو موصوفاً بالنبوة – مثل أن يَذكر حديثاً أن نبيًّا فعل كذا أو قال كذا ، فيسب ذلك القائل أو الفاعل ، مع العلم بأنهُ نبيٌّ ، وإن لم يعلم من هو ، أو يسب نوعَ الأنبياءِ على الإطلاق – فالحكمُ في هذا كما تقدم [القتل ، وسيأتي بيانه] ، لأن الإيمان بهم واجبٌ عُموماً ، وواجبٌ الإيمانُ خصوصاً بمن قصه اللهُ علينا في كتابه ، وسبهم كفرٌ ورِدةٌ إن كان من مسلمٍ، ومحاربةٌ إن كان من ذميّ.” (الصارم : ج2)
إن هذا الدين المحرف الذي عند النصارى واليهود لم يكن ليهديهم لغير هذه الأخلاق الذميمة ، لأن التحريف أتى على صفاء العقيدة وروح الشريعة فطغى بنتنه وقبحه على جمال الوحي فكان أن تحولت القلوب إلى القسوة ، والأدب إلى خسة ، والحياء إلى وقاحة ، وهذا ما بينه الله في كتابه حين قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمران : 118 – 119) ، فهذا الذي ظهر من استهزاء وسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم – قبل بضعة أشهر – هو غيض من فيض ما في تلك الصدور المريضة من حقد وكراهية للحق وأهله ..
ولكن : هل يكتفي المسلمون بالنحيب والشجب والبكاء !! ما دورنا نحن المسلمون ، وما موقفنا من هذه الجرأة على نبي البشرية وخير البرية ، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ..
إن الذي لا يشك فيه مسلم – ولا ينبغي له – أن النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أحب الناس إليه ، قال عليه الصلاة والسلام “فوالذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده” (البخاري) ، وقال صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين” (البخاري) ..
بل يجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلى نفسه من نفسه ، وهذا ما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته وهو ما ترجموه عمليا وجعلوه واقعا في حياتهم ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : يا رسول الله ، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لا ، والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك” . فقال له عمر : فإنه الآن ، والله لأنت أحب إليّ من نفسي” ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “الآن يا عمر” (البخاري) ..
اللهُ تعالى يكفي نبيَّه المستهزئين
إن الله سبحانه وتعالى ناصر رسله والذين آمنوا ، وقد آذن من عادى أوليائه : بالحرب ، وليس أكرم عليه في خلقه من الأنبياء ، وليس نبي أكرم عند الله من خليله محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أخبرنا رب العزة بأنه يكفيه المتستهزئين وأن من شانه فإنما تدور الدائرة عليه .. قال تعالى ** إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهزِئِين } ، وقال تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} ..
أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبريل. فغمز جبريل بأصبعه فوقع مثل الظفر في أجسادهم، فصارت قروحا نتنة. فلم يستطع أحد أن يدنوا منهم. وأنزل الله {إنا كفيناك المستهزئين}.
قال السعدي رحمه الله : {إنا كفيناك المستهزئين} بك وبما جئت به , وهذا وعد من الله لرسوله , أن لا يضره المستهزئون , وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} : وقد فعل تعالى , فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله , وقتله شر قتلة” (تيسير الكريم الرحمن) ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله؛ فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه ، كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكاتب المفتَري، وكما قال سبحانه : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِيَن * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهزِئِين}.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في قوله تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} : فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله تعالى يقطع دابره ، ويمحق عينه وأثره” (الصارم المسلول : ج1) ، وقال في موضع آخر “فبيّن الله أن الذي يشنأه هو الأبتر لا هو ، والشنآنُ منه ما هو باطنٌ في القلبِ لم يظهر ومنه ما يظهر على اللسان ، وهو أعظم الشنآنِ وأشدهُ ، وكل جرمٍ استحق فاعلهُ عقوبةً من اللهِ إذا أظهر ذلك الجرم عندنا وجب أن نعاقبهُ ونقيمَ عليه حدَّ الله ، فيجبُ أن نبتر من أظهر شنآنه وأبدى عداوته ، وإذا كان ذلك واجباً وجب قتلهُ ، وإن أظهر التوبةَ بعد القدرةِ ، وإلا لما انبترَ لهُ شَانِئٌ بأيدينا في غالب الأمر ، لأنه لا يشاءُ شانئٌ أن يُظهر شنآنه ثم يُظهر المتاب بعد رؤية السيف إلا فعل ، فإن ذلك سهلٌ على من يخاف السيف. (الصارم : ج2)
ومثال هذا ما روى البخاري في “صحيحه” عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس قال: كان رجلاً نصرانياً ، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبتُ له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لَفَظَتْه الأرض، فقالوا: هذا فِعْلُ محمدٍ وأصحابه، نَبَشُوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له و أعمقوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه” ..
قال ابن تيمية رحمه الله ” فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له ، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مراراً ، وهذا أمر خارج عن العادة ، يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله ، وأنه كان كاذباً ؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا ، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد ؛ إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب ؛ إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد”
ثم قال رحمه الله “ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عِرْضِه، تعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يُفتح المكان عَنْوَة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوه فيه.
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك، ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين. (الصارم المسلول) ..
حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
لما أجمعت قريش على صلب الصحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه ، قال له أبو سفيان صخر بن حرب : أيسرك أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) عندنا نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ فقال : لا والله ، ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ..
وقصة صلح الحديبية ، ومقولة سفير قريش “سُهيل بن عمرو” دليل على عظيم حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال ابن إسحاق : فقام [سُهيل] من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه : لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ، ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه . ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه . فرجع إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إني قد جئت كسرى في ملكه . وقيصر في ملكه . والنجاشي في ملكه . وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً ، فروا رأيكم ” ..
وجاء في روايات عدة قصة عبد الله بن أبي بن سلول ، مفادها أن رجلاً من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار وذلك بعد الفراغ من غزوة المريسيع ، فقال المهاجري : ياللمهاجرين ، وقال الأنصاري : ياللأنصار ، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال “ما بال دعوى الجاهلية” !! قالوا : رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “دعوها فإنها منتنة” ، فسمع ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول فقال : أوقد فعلوها ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه” ، وقال غير عمر .. وكان ابن هذا المنافق – وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي – رجلاً صالحاً من الصحابة الأخيار ، فتبرأ من أبيه ، ووقف له على باب المدينة ، واستل سيفه ، فلما جاء ابن أبي قال له : والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه العزيز وأنت الذليل [وفي رواية للترمذي : والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ، ففعل] ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أذن له فخلي سبيله ، وكان قد قال عبد الله بن عبد الله بن أبي : يا رسول الله ، إن أردت قتله فمرني بذلك ، فأنا والله أحمل إليك رأسه.
وكان الصحابة يفدون النبي صلى الله عليه وسلم بأعراضهم وبكل غال عندهم ولا يتحملون سماع كلمة واحدة في حقه صلى الله عليه وسلم ، وكان شعارهم في ذلك ما قال شاعرهم وشاعر الإسلام المؤيد بروح القدر حسان رضي الله عنه :
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه … وعند الله في ذاك الجزاءُ
فإن أبي ووالده وعرضي … لعرض محمدٍ منكم وقاءُ
روى أبو إسحاق الفزاري في كتابه عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم عبدالله بن رواحة وجابر، فلما صافوا المشركين أقبل رجلٌ منهم يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل من المسلمين فقال : أنا فلان بن فُلان ، وأمي فلانة ، فَسُبَّني وسُبَّ أمي ، وكُفَّ عن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزده ذلك إلا إغْرَاء ، فأعاد مثل ذلك ، وعاد الرجل مثل ذلك ، فقال في الثالثة : لَئنْ عُدت لأرْحَلَنَّك بسيفي ، فعاد ، فحمل عليه الرجل ، فولّى مُدبراً ، فاتَّبعه الرجل حتى خرق صفوف المشركين ، فضربه بسيفه ، وأحاط به المشركون فقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَعَجِبْتُمْ مِنْ رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَه؟” ثم إن الرجل برئ من جراحه ، فأسلم، فكان يسمى “الرحيل” (ورواه الأموي في مغازيه) ..
وكانت هذه الغيرة وهذا الحب في المرأة والرجل وفي الكبير والصغير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فقد جاء في “الصحيحين” عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: إني لواقفٌ في الصفِّ يوم بدرٍ ، فنظرت عن يميني وعن شمالي ، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثةٍ أسنانُهما ، فَتَمَنَّيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما، فقال : أي عم ، هل تعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم ، فما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال : أُخبرت أنه يسبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لئن رايته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت العجل مِنّا، قال: فتعجبتُ لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه …” والغلامين : معاذ بن عمرو بن الجموح ومُعَوِّذ ابن عفراء ..
حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيمن سبه
ولما كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ممثلاً لكل ما هو وحي وحق من عند الله جل في علاه ، كان القدح فيه والنيل من شخصه ليس كقدح في غيره لأن في ذلك تنفير من الدين واستخفاف بالحق الذي جاء به من عند ا لله ، ولذلك كان من سنته وهديه صلى الله عليه وسلم قتل كل من نال من شخصه وهجاه بالشعر الذي هو جهاز إعلام العرب في ذلك الوقت ، فقد قال صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما نال منه كعب بن الأشرف : “من لكعب بن الأشرف ، فإنه قد آذى الله ورسوله” ، فقام محمد بن مسلمة فقال : أنا يا رسول الله ، أتحب أن أقتله ؟ قال: ”نعم”. قال: فائذن لي أن أقول شيئاً. قال: ”قل” ، ونهض مع ابن مسلمة عَبَّاد بن بشر، وأبو نائلة – واسمه سِلْكَان بن سلامة ، وهو أخو كعب من الرضاعة – والحارث بن أوس ، وأبو عَبْس بن جبر ، وكان قائد هذه المفرزة محمد بن مسلمة فقتلوا هذا الكافر ، فأفلحت وجوههم ... والقصة مشهورة ..
ولشيخ الإسلام تعليق قيّم على هذه الواقعة في كلام طويل من جملته ذكر شبهة الأمان التي أعطاها الصحابة لهذا الخبيث ، فقال “هذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمناً ، وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان، ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر؛ فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمناً بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه ، وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذاه للهِ ورسوله ، ومن حَلَّ قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمانٍ ولا بعهد كما لو آمن المسلم مَن وجب قتله لأجل قطع الطريق ومحاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل، أو آمن من وجب قتله لأجل زِناه ، أو آمن مَن وجب قتله لأجل الردة أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك ، ولا يجوز أن يَعقِدَ له عقد عهد ، سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة ؛ لأن قتله حد من الحدود …” (الصارم المسلول : ج1) ، وقال في موضع آخر “دل هذا الحديث على أن أذى الله ورسوله علةٌ للانتداب إلى قتل كل أحدٍ ، فيكون ذلك علةً أخرى غير مجرد الكفر والردة ، فإن ذكر الوصف بعد الحكم بحرف الفاء دليلٌ على أنه علةٌ ، والأذى لله ورسولهِ يوجبُ القتل، ويوجبُ نقضَ العهدِ، ويوجبُ الردة. (الصارم المسلول : ج2) .. وفي هذا رد على من زعم زوراً وبهتانا وكذبا بأن للأمريكان والبريطانيين أمان في بلاد المسلمين وهم يقتلون أهل الإسلام ويحاربون دينهم ويستهزؤون بنبيهم ويدوسون على القرآن ويهتكون الأعراض ويسفكون الدماء ، فهؤلاء لا يجوز لأحد إعطائهم أمان أبدا ، ومثل هذا العقد باطل شرعا وعقلاً ..
وعن حِزام بن هشام بن خالد الكعبي عن أبيه قال: خرج عمرو بن سالم الخُزاعي في أربعين راكباً من خُزَاعَةَ يستنصرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويخبرونه بالذي أصابهم”، ـ وذكر قصة فيها إنشاد القصيدة التي أولها :
اللهم إني ناشدٌ محمداً …
قال: “فلما فرغ الرَّكْبُ قالوا: يا رسول الله، إن أنس بن زُنَيْم الدَّيلي قد هجاك ، فندر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه” .. قال ابن تيمية : أي: أهدره ، ولم يندر دم غيره …. وهذا نص في أن المعاهد الهاجي يباح دمه …. وأن الهجاء أغْلَظُ من نقض العهد بالقتال بحيث إذا نقض قومٌ العهدَ بالقتال وآخرون هَجَوا ثم أسلموا عُصِمَ دَمُ الذي قاتل، وجاز الانتقام من الهاجي …. والمهادن المقيم ببلده يظهر ببلده ما شاء من مُنْكَرات الأقوال والأفعال المتعلقة بدينه ودنياه ، ولا ينتقض بذلك عهده حتى يحارب ؛ فعلم أن الهجاء من جنس الحراب وأغلظ منه ، وأن الهاجي لا ذمة له . (مختصرا من الصارم المسلول : ج1) ..
وقصة القينتان اللتان أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهما – في الفتح مع أربعة نفر – مشهورة ، فقد قال ابن إسحاق: حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أنهم كانوا ستة، فكتم اسم رجلين وأخبرني بأربعة، قال: النسوة قَيْنَتَا ابن خطل، وسارة مولاة لبني عبد المطلب، ثم قال: و القينتان كانتا تغنيان بهجائه، وسارة مولاة أبي لهب كانت تؤذيه بلسانها .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ” وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير، واستفاض نقله استفاضة يُستغنى بها عن رواية الواحد” ، وقال ” فوجه الدلالة : أن تعمد قتل المرأة لمجرد الكفر الأصلي لا يجوز بالإجماع” … إلى أن قال رحمه الله ” هؤلاء النسوة كن معصومات بالأنوثة ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن لمجرد كونهن كن يهجينه ، وهنَّ في دار حرب ، فعلم أن من هجاه و سبَّه جاز قتله بكل حال” ، وقال ” النبي صلى الله عليه وسلم آمن جميع أهل مكة إلا أن يقاتِلوا، مع كونهم قد حاربوه وقتلوا أصحابه ونقضوا العهد الذي بينهم وبينه، ثم إنه أهدر دماء هؤلاء النسوة فيمن استثناه وإن لم يقاتلن لكونهن كن يؤذينه ، فثبت أن جرم المؤذِي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالسب ونحوه أغلظ من جرم القتال وغيره ، وأنه يقتل في الحال التي ينهى فيها عن قتال من قتل وقاتل” ، وقال ” أن القينتين كانتا أَمَتَين مأمورتين بالهجاء، وقتل الأمة أبعد من قتل الحرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل العسيف ، وكونها مأمورة بالهجاء أخف لجرمها حيث لم تقصده ابتداء ، ثم مع هذا أمر بقتلهما ، فعُلم أن السب من أغلظ الموجبات للقتل”.. (الصارم المسلول :ج1) ..
قال الأموي: سعيد بن يحيى بن سعيد في مغازيه: ثنا أبي قال: أخبرني عبدالملك بن جريج عن رجلٍ أخبره عن عكرمة عن عبدالله بن عباس أن رجلاً من المشركين شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من يكفيني عدوي” ، فقام الزبير بن العوام فقال: أنا ، فبارزه ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ، ولا أحْسِبه إلا في خيبر حين قُتل ياسر ، ورواه عبدالرزاق أيضاً.
قال شيخ الإسلام رحمه الله “وقد ثبت بالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بقتل الساب لأجل السب فقط لا لمجرد الكفر الذي لا عهد معه ، فإذا وجد هذا السب وهو موجب للقتل والعهد لم يعصم من موجبه تعين القتل ، ولأن أكثر ما في ذلك أنه كافر حربي ساب، والمسلم إذا سب يصير مرتداً ساباً، وقتل المرتد أوجب من قتل الكافر الأصلي، والذمي إذا سب فإنه يصير كافراً محارباً ساباً بعد عهد متقدم ، وقتل مثل هذا أغلظ.” (الصارم المسلول :ج1)..
موقف الصحابة ممن سب النبي صلى الله عليه وسلم
وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون حكم القتل في من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يختلفوا في هذا ، فقد روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن عبدالله بن مُطَرِّف عن أبي برزة قال : كنتُ عند أبي بكر رضي الله عنه ، فتغيَّض على رجل فاشتد عليه ، فقلت : تأذن لي يا خليفة رسول الله أضرب عنقه قال : فأذهَبَتْ كلمتي غضبه ، فقام فدخل ، فأرسل إليَّ فقال : ما الذي قُلَتَ آنفاً ؟ قلت : ائذن لي أضْرِبْ عنقه ، قال: أكنت فاعلاً لو أمرتك؟ قلت : نعم ، قال: لا ، والله ما كانت لبشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
روى الشَّعبيُّ عن علي أن يهوديةً كانت تَشْتُم النبي صلى الله عليه وسلم وتَقَع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت فأَبْطَل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها، (قال ابن تيمية في الصارم : رواه أبو داود في سننه وابن بطة في سننه وهو من جملة ما استدلَّ به الإمامُ أحمد في رواية ابنه عبدالله ، وقال: ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: كان رجل من المسلمين – أعني أعمى – يَأْوِي إلى امرأة يهودية، فكانت تُطْعِمه وتحسن إليه، فكانت لا تزال تشتم النبي وتؤذيه ، فلما كان ليلة من الليالي خَنَقَها فماتت ، فلما أصبح ذُكِر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنشد الناس في أمرها ، فقام الأعمى فذكر له أمرها ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها. (قال ابن تيمية في الصارم المسلول : وهذا الحديث جيد …. إلى أن قال رحمه الله “وهذا الحديث نَصٌّ في جواز قتلها لأجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، ودليل على قتل الرجل الذمي وقتل المسلم والمسلمة إذا سبَّا بطريق الأَولى؛ لأن هذه المرأة كانت مُوادعة مُهادِنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وَادَعَ جميع اليهود الذين كانوا بها مُوَادَعة مطلقة، ولم يضرب عليهم جِزْيَةً، وهذا مشهور عند أهل العلم بمنزلة المتواتر بينهم، حتى قال الشافعي: “لم أعلم مخالفاً من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة وادَعَ يهود كافة على غير جزية”. وهو كما قال الشافعي. (الصارم المسلول :ج1) ..
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعْمَى كانت له أمُّ ولدٍ تَشْتُمُ النبي صلى الله عليه وسلم وتَقَعُ فيه؛ فَيَنْهَاها فلا تَنْتَهِي، ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جَعَلَت تقعُ في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه؛ فأخَذَ المِغْول فوضَعَه في بطنها واتَّكَأَ عليها فقتلها ، فلما أصْبَحَ ذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجمع الناسَ فقال: “أنْشدُ الله رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌ إِلاَّ قَامَ”، فقام الأعْمَى يتخطَّى الناسَ وهو يتدلدل، حتى قَعَدَ بين يَدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله أنا صَاحِبُهَا، كانت تشتمك و تَقَعُ فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجُرُها فلا تَنزَجر، ولي منها ابْنَانِ مِثْلُ اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقعُ فيك، فأخذت المِغْول فوضعته في بطنها واتَّكَأْتُ عليه حتى قتلتُهَا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “ألا اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ” (رواه أبو داود والنسائي).
وروى أبو إسحاق الفَزَارِي في كتابه المشهور في السير عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن سُميع عن مالك بن عمير قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لقيت أبي في المشركين ، فسمعت منه مقالة قبيحة لك ، فما صبرت أن طعنته بالرمح فقتلته، فما شقَّ ذلك عليه.
وهذا الصحابي عمير بن عدي حين بلغه أذى بنت مروان للنبي صلى الله عليه وسلم في وقعة بدر ، قال : اللهم إنَّ عليَّ نذراً لئن رددت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لأَقتلنَّها، فقتلها بدون إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “إِذَا أَحْبَبْتُم أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَه بِالغَيْبِ فَانْظُرُوا إِلَى عُمَيْر بنِ عَدِيٍّ”.
وروى حَرْبٌ في مسائله عن لَيْث بن أبي سُلَيم عن مجاهد قال: أُتي عُمَرُ برَجُل سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقتله ، ثم قال عمر: مَنْ سَبَّ الله أو سب أحداً من الأنبياء فاقتلوه ، قال ليث : وحدثني مجاهد عن ابن عباس قال: أيما مسلم سب الله أو سب أحداً من الأنبياء فقد كَذَّبَ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي رِدَّةٌ، يُسْتتاب فإنْ رَجَع وإلا قُتِلَ، وأيما معاهدٍ عاند فسب الله أو سبّ أحداً من الأنبياء أو جهر به فقد نَقَضَ العهد فاقتلوه. (الصارم المسلول : ج1) ..
قال شيخ الإسلام رحمه الله “وهذا الذي ذكرناه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحتم قتل مَنْ كان يسبه من المشركين مع العفو عَمْن هو مثله في الكفر كان مستقراً في نفوس أصحابه على عهده وبعد عهده، يقصدون قتل السابِّ، و يحرضون عليه، وإن أمسكوا عن غيره، ويجعلون ذلك هو الموجب لقتله، ويبذلون في ذلك نفوسهم، كما تقدم من حديث الذي قال: سُبَّني وسُب أبي وأمي وكُفَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حمل عليه حتى قتل، وحديث الذي قتل أباه لما سمعه يسبُّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث الأنصاريِّ الذي نَذَرَ أن يقتل العَصْماءَ فَقَتَلَهَا، وحديث الذي نذر أن يقتل ابن أبي سرح وكَفَّ النبي صلى الله عليه وسلم عن مبايعته ليوفي بنذره. (الصارم المسلول :ج1) ..
الجن ينتصرون للنبي صلى الله عليه وسلم
قال سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه : حدثني محمد بن سعيد – يعني عمه – قال : قال محمد بن المُنْكَدِر: إنه ذُكِر له عن ابن عباس أنه قال: هتف هاتف من الجن على جبل أبي قبيس، فقال:
قَـبَّحَ اللهُ رَأْيَكُـمْ آلَ فِـهْرٍ … مَـا أَدَقَّ العُقُولَ وَ الأَحْلامِ
حِيْنَ تُغْضِي لـمنْ يَعِيْبُ عَلَيْهَا … دِيْـنَ آبَائِها الحُْمَاةِ الكِرَامِ
حَالَفَ الجِنّ جِنّ بُصْرَى عَلَيْكُمْ … وَرِجَـال النَّخِيْلِ والآطَامِ
تُوشِكُ الْـَخيْلُ أنْ تَرَوْهَا نَهَاراً … تَقْـتُلُ القَوْمَ فِي حرامِ تِهَامِ
هَلْ كَـرِيمٌ مِنْكُمْ لَهُ نَفْسُ حُرٍّ … مَاجِدُ الْجَـدَّتَيْنِ والأَعْمَامِ
ضَـارِباً ضَـرْبَةً تَكُونُ نَكَالاً … وَرَوَاحـاً مِنْ كُرْبَةٍ وَاغْتِنَامِ
قال ابن عباس: فأصبح هذا الشعر حديثاً لأهل مكة، يتناشدوه بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “هَذَا شَيْطَانٌ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الأَوثَان يُقَالُ لَهُ: مِسْعَر، وَاللهُ مُخْزِيهِ” فمكثوا ثلاثة أيام فإذا هاتف يهتف على الجبل يقول:
نَحْنُ قَتَلْنَا فِي ثَلاثٍ مِسْعَرَاً … إِذْ سَفَّهَ الْحَقَّ وَسَنَّ الْمُنكَرَا
قَنَّعْتُُهُ سَيْفاً حُسـَاماً مُبَتّراً … بِشَتْـمِهِ نَبِيِّـنَا المُطَـهَّرَا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “هَذَا عِفْرِيتٌ مِن الجِنَّ اسْمُه سَمْحَج، آمَنَ بِي ، سَمَّيتُهُ عَبْدَاللهِ ، أَخْبَرنِي أَنَّهُ فِي طَلَبِهِ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ”، فقال علي : جزاه الله خيرا يا رسول الله.
أقوال العلماء في من سب النبي صلى الله عليه وسلم
صدّر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول” (صلى الله عليه وسلم) كلامه بـ : “المسألة الأولى : أنَّ مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فانه يجب قتله ، هذا مذهَبُ عامةِ أهلِ العلم، قال ابنُ المُنْذِرِ: “أجمعَ عوامُّ أهلِ العلمِ على أَنَّ حَدَّ من سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم القتل، وممن قاله مالكٌ واللَّيثُ وأحمدُ وإسحاقُ، وهو مذهبُ الشافعي …” (الصارم المسلول :ج1) ..
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : “تحرير القول في حكم الساب ، وتحرير القول فيها : أنَّ السابَّ إن كان مسلماً فانه يَكفُرُ ويُقْتَلُ بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد تقدم ممن حكى الإجماعَ على ذلك من الأئمة مثل إسحاقُ بن رَاهُوْيَه وغيره، وان كان ذمِّيّاً فانه يقتل أيضاً في مذهب مالكٍ وأهْلِ المدينة، وسيأتي حكايةُ ألفاظهم ، وهو مذهبُ أحمد وفقهاءِ الحديث وقد نَصَّ أحمدُ على ذلك في مواضعَ متعددة. “قال حَنْبَل: سمعت أبا عبدالله يقول: “كلُّ من شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقَّصه – مسلماً كان أو كافراً – فعليه القتلُ، وأرى أن يُقتل ولا يُستتاب”. (الصارم المسلول :ج1) ..
قال شيخ الإسلام رحمه الله : “قال أبو الصقر: سألت أبا عبدالله عن رجل من أهل الذمَّة شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، ماذا عليه؟ قال : إذا قامت عليه البينة يقتل مَنْ شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، مسلماً كان أو كافراً”، رواهما الخَلاَّل.
وقال في رواية عبدالله وأبي طالب وقد سُئل عمن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “يُقتل”، قيل له: فيه أحاديث؟ قال: نعم، أحاديث منها : حديثُ الأعمى الذي قَتَلَ المرأة ، قال : سمعتها تَشتمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وحديثُ حصينٍ أن ابن عمر قال : من شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم قُتل ، وعمر ابن عبدالعزيز يقول : يُقتل، وذلك أنه من شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فهو مُرْتَدٌّ عن الإسلام ، ولا يشتم مسلمٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم”.
زاد عبدُالله: “سألتُ أبي عمن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، يُستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتلُ، ولا يُستتاب؛ خالد بن الوليد قَتَلَ رجلاً شتم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَسْتَتِبْه”، رواهما أبو بكر في “الشافي”، وفي رواية أبي طالب: “سئل أحمدُ عمن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، قال: يُقْتَلُ، قد نَقَضَ العَهْدَ.
وقال حرب: “سألتُ أحمد عن رجلٍ من أهل الذمة شتم النبيَّ ، قال: يقتل، إذا شتم النبيَّ”. رواهما الخَلاَّل، وقد نص على هذا في غير هذه الجوابات.
فأقوالُه كلُّها نصٌّ في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلافٌ. (الصارم المسلول :ج1) ..
وقال ابن تيمية بعد أن ذكر أحاديث قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم وناله منه “فهذه الأحاديث كلها تدل على أن من كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه من الكفار فإنه كان يقصد قتله ، ويحض عليه لأجل ذلك، وكذلك أصحابه بأمر يفعلون ذلك، مع كَفِّه عن غيره ممن هو على مثل حاله في أنه كافر غير معاهد، بل مع أمانه لأولئك أو إحسانه إليهم من غير عهد بينه وبينهم” (الصارم المسلول : ج1) ..
وقال “بما ذكرناه من هذه الأحاديث أن الساب يجب قتله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الساب في مواضع، والأمر يقتضي الوجوب، ولم يبلغه عن أحد السب إلا ندر دمه [أي: أهدر دمه] ، وكذلك أصحابه، هذا مع ما قد كان يمكنه من العفو عنه، فحيث لا يمكنه العفو عنه يجب أن يكون قتل الساب أوكد ، والحرص عليه أشد ، وهذا الفعل منه هو نوع من الجهاد والإغلاظ على الكافرين والمنافقين وإظهار دين الله وإعلاء كلمته ، ومعلوم أن هذا واجب” (الصارم المسلول : ج1)
عن خُلَيْد أن رجلاً سب عمر بن عبد العزيز، فكتب عمر: “إنه لا يُقتل إلا من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن اجلده على رأسه أسواطاً، ولولا أني أعلم أن ذلك خيرٌ له لم أفعل” رواه حرب وذكره الإمام أحمد ، و هذا مشهور عن عمر بن عبدالعزيز ، وهو خليفة راشد عالم بالسنة متبع لها. (الصارم المسلول : ج1) ..
وقال شيخ الإسلام رحمه الله “تطهير الأرض من إظهار سب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب حسب الإمكان؛ لأنه من تمام ظهور دين الله وعلو كلمة الله وكون الدين كله لله، فحيث ما ظهر سبه ولم ينتقم ممن فعل ذلك لم يكن الدين ظاهراً ولا كلمة الله عالية ، وهذا كما يجب تطهيرها من الزناة والسُّرَّاق وقُطَّاع الطريق بحسب الإمكان ، بخلاف تطهيرها من أصل الكفر فإنه ليس بواجب، لجواز إقرار أهل الكتابين على دينهم بالذمة لأن إقرارهم بالذمة ملتزمين جَرَيان حكم الله ورسوله عليهم لا ينافي إظهار الدين وعلو الكلمة، وإنما تجوز مهادنة الكافر وأمانه عند العجز أو المصلحة المرجوة في ذلك، وكل جناية وجب تطهير الأرض منها بحسب القدرة يتعين عقوبة فاعلها العقوبة المحدودة في الشرع إذا لم يكن لها مستحق معين، فوجب أن يتعين قتل هذا؛ لأنه ليس لهذه الجناية مستحق معين ، لأنه تعلق بها حق الله ورسوله وجميع المؤمنين، وبهذا يظهر الفرق بين الساب وبين الكافر، لجواز إقرار ذلك على كفره مستخفياً به ملتزماً حكم الله ورسوله، بخلاف المظهر للسب.” (الصارم المسلول : ج1) ..
وقال رحمه الله ” قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قتل كافر فهو حد من الحدود، ليس قتلاً على مجرد الكفر والحراب، لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه جناية زائدة على مجرد الكفر والمحاربة ومن أن النبي وأصحابه أَمروا فيه بالقتل عيناً ، وليس هذا موجب الكفر والمحاربة ، ولما تقدم من قول الصديق رضي الله عنه في التي سبت النبي صلى الله عليه وسلم : “إن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود”، ومعلوم أن قتل الأسير الحربي ونحوه من الكفار والمحاربين لا يسمى حداً ، ولأن ظهور سبه في ديار المسلمين فساد عظيم أعظم من جرائم كثيرة ، فلا بد أن يشرع له حد يزجر عنه من يتعاطاه ، فإن الشارع لا يهمل مثل هذه المفاسد ولا يُخْليها من الزواجر ، وقد ثبت أن حده القتل بالسنة والإجماع ، وهو حد لغير معين حي لأن الحق فيه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم – وهو ميت – ولكل مؤمن ، وكل حد يكون بهذه المثابة فإنه يتعين إقامته بالاتفاق.” (الصارم المسلول : ج1) ..
وقال “نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره واجب، وقتل سابه مشروع كما تقدم ، فلو جاز ترك قتله لم يكن ذلك نصراً له ولا تعزيراً ولا توقيراً ، بل ذلك أقل نصره؛ لأن الساب في أيدينا ونحن متمكنون منه ، فإن لم نقتله مع أن قتله جائز لكان ذلك غاية في الخذلان وترك التعزير له والتوقير، وهذا ظاهر.” .. (الصارم المسلول) ..
وقال القاضي في “خلافه” وابنه أبو الحسين: إذا سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل، ولَم تقبل توبته، مسلماً كان أو كافراً، ويجعله ناقصاً للعهد، نص عليه أحمد.
وقال أبو المواهب العكبريُّ: يجب لقذف النبي صلى الله عليه وسلم الحدُّ المغلَّظ وهو القتل ، تاب أو لم يتب ، ذمِّياً كان أو مسلماً.
وقال القاضي الشريف أبو علي بن أبي موسى في “الإرشاد” وهو ممن يعتمد نقله: ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولم يستتب، ومن سبه صلى الله عليه وسلم من أهل الذمَّة قتل وإن أسلم.
وقال أبو علي بن البناء في “الخصال والأقسام” له: ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم وجب قتله، ولا تقبل توبته، وإن كان كافراً فأسلم فالصحيح من المذهب أَنَّهُ يقتل أيضاً ولا يستتاب.
قال مالكٌ في رواية ابن القاسم ومُطرِّف: ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم قتل ولم يستتب .. قال ابن القاسم : من سبه أو شتمه أو عابهُ أو تنقَّصه فإنه يقتل كالزنديق .. وقال أبو مُصْعب وابن أبي أويْسٍ : سمعنا مالكاً يقول : من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل ، مسلماً كان أو كافراً، ولا يستتاب.
وقال القاضي عياضُ : “جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خِصَاله أو عَرَّض بِهِ أو شبّهه بشيءٍ على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم الساب: يقتلُ ، ولا نستثن فصلاً من فصول هذا الباب عن هذا المقصد ، ولا نمترِ فيه ، تصريحاً كان أو تلويحاً ، وكذلك من لعنه ، أو تمنى مضرة له ، أو دعا عليه ، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذَّم ، أو عيَّبه في جهته العزيزة بسُخْفٍ من الكلام وهُجْرٍ ومنكرٍ من القول وزورٍ ، أو عيَّره بشيءٍ مما يجري من البلاء والمحنة عليه ، أو غَمَصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه ، قال : هذا كله إجماعٌ من العلماء وأئمةِ الفتوى من لدن أصحابه وهلم جرَّا”.
وكذلك قال محمد بن عبدالحكم : أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من النبيِّيْنَ من مسلم أو كافر قُتِلَ، ولم يستتب ، قال: ورُوي لنا عن مالكٍ: إلا أن يسلم الكافر وقال أشهب عنه : من سب النبي صلى الله عليه وسلم مِن مُسلم أو كافر قتل ولم يستتب” (الصارم : ج1)
قال شيخ الإسلام ” الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطلقةٌ بقتل سابه،لم يؤمر فيها باستتابةٍ، ولم يستثن منها من تاب وأسلم، كما هي مطلقةٌ عنهم في قتل الزاني المحصن، ولو كان يستثنى منها حالٌ دون حالٍ لوجب بيان ذلك، فإن سب النبي صلى الله عليه وسلم قد وقع منه، وهو الذي عُلِّق القتل عليه، ولم يبلغنا حديثٌ ولا أثرٌ يعارض ذلك، وهذا بخلاف قوله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه” فإن المبدِّل للدين هو المستمر على التبديل، دون مَن عَاد، وكذلك قوله: “التَّارِكِ لِدْينِهِ المُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ”، فإن مَن عادَ إلى دينه لم يَجُزْ أنْ يقال: هُوَ تَارِكٌ لِدِيْنِهِ وَلاَ مُفَارِقٌ لِلْجَمَاعَةِ، وهذا المسلمُ أو المعاهد إذا سبَّ الرسول ، فإن هذا الوصف واقعٌ عليه تاب أو لم يتب، كما يقع على الزاني والسارق والقاذف وغيرهم. (الصارم : ج2) ..
ليس لأحد إسقاط حد قتل الساب
وهنا أنقل بعض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لما رأيت من افتيات بعضهم على أحكام الله وتحريفهم لحُكمه ومحاولة ليّ النصوص بإسم “الحكمة” التي أصبحت مرادفة في قاموس كثير من الناس “للخور والجبن” ، وبإسم “العقل” الذي أصبح معناه مقلوباً ، وبإسم “المصلحة” التي تنافي ما نصه الله في كتابه وبلغنا عن نبيه صلى الله عليه وسلم !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية “ومعلوم أن النّيْل منه أعظم من انتهاك المحارم، لكن لما دخل فيها حقه كان الأمر إليه في العفو أو الانتقام، فكان يختار العفو، وربما أمر بالقتل إذا رأى المصلحة في ذلك، بخلاف ما لاحق له فيه من زنى أو سرقة أو ظلم لغيره فإنه يجب عليه القيام به.
وقد كان أصحابه إذا رأوا مَن يؤذيه أرادوا قتله؛ لعلمهم بأنه يستحق القتل، فيعفو هو عنه صلى الله عليه وسلم ، ويبين لهم أن عفوه أصلح مع إقراره لهم على جواز قتله؛ ولو قتله قاتل قبل عفو النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرض له النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لعلمه بأنه قد انتصر لله ورسوله، بل يحمده على ذلك ويثني عليه ، كما قتل عمر رضي لله عنه الرجل الذي لم يرضَ بحكمه ، وكما قتل رجل بنت مروان، وآخر اليهودية السابة، فإذا تعذر عفوه بموته صلى الله عليه وسلم بقي حقاً محضاً لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه ، فتجب إقامته. (الصارم المسلول) ..
وقال بعدها بقليل ” النبي صلى الله عليه وسلم قد كان له أن يعفو عمن سبه ، وليس للأمة أن تعفو عمن سبه، كما قد كان يعفو عمن سبه من المسلمين، مع أنه لا خلاف بين المسلمين في وجوب قتل من سبه من المسلمين.”
وقال في موضع آخر ” وتمام هذا المعنى أن يقال : بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم يتعين القتل؛ لأن المستحق لا يمكن منه المطالبة والعفو” ..
وقال “فلما انقلب إلى رضوان الله وكرامته ، لم يبق واحدٌ مخصوصٌ من الخلق إليه استيفاء هذه العقوبة والعفو عنها ، والحق فيها ثابت لله سبحانه ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولعباده المؤمنين، وعلم كل ذي عقل أن المسلمين إنما يقتلونه لحفظ الدين ، وحفظ حمى الرسول ، ووقاية عرضه فقط – كما يقتلون قاطع الطريق لأمن الطرقات من المفسدين، وكما يقطعون السارق لحفظ الأموال، كما يقتلون المرتد صوناً للداخلين في الدين عن الخروج عنه – ولم يبق هنا توهم مقصودٍ جزوي كما قد كان يتوهم في زمانه أن قتل الساب كذلك وتقرير ذلك بالساب له من المسلمين ، فإنه قد كان له أن يعفو عنه مع أنه لا يحل للأُمة إلا إراقة دمه ، فحاصله أن في حياته قد غُلِّب في هذه الجناية حقه ليتمكن من الاستيفاء والعفو ، وبعد موته فهي جنايةٌ على الدين مطلقاً ، ليس لها من يمكنه العفو عنها ، فوجب استيفاؤها ، وهذا مسلكٌ جيدٌ لمن تدبر غوره.” (الصارم المسلول : ج2)
وفي هذا كله رد على من خالفوا نهج النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع صحابته وعلماء المسلمين ، وطالبوا الحكومة الدنمركية بالإعتذار للمسلمين ، ويكتفون بذلك ، فهذا ليس لهم ، وليس لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق : لا عالم ولا حاكم ، بل يجب قتل هذا الكافر وتطهير الأرض منه ومن أمثاله حتى لا يتجرأ أحد على نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحتى يُحفظ جناب الدين وتُعظم حرمات الأنبياء والمرسلين ..
أما المقاطعة الإقتصادية فحسنة ، ولكنها لا تكفي وليست هي الحد الشرعي ، إذ كيف يسبون نبينا وقرّة أعيننا وأغلى مخلوق عندنا ونكتفي نحن بعدم أكل الجبن !! أي ذل هذا وأي صغار !! ليس عز إلا بما أمر به الله ورسوله : القتل ، والقتل فقط ، هذا هو حكم الله ورسوله ، وكل من علم حكم الله وقال بغيره فهو : كافر أو ظالم أو فاسق ..
سب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من الردة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية “سب رسول الله صلى الله عليه وسلم – مع كونه من جنس الكفر والحراب – أعظم من مجرد الردة عن الإسلام، فإنه من المسلم ردة وزيادة كما تقدم تقريره، فإذا كان كفر المرتد قد تغلظ لكونه قد خرج من الدين بعد أن دخل فيه، فأوجب القتل عيناً؛ فكفر الساب الذي آذى الله ورسوله وجميع المؤمنين من عباده أولى أن يتغلظ فيوجب القتل عيناً، لأن مفسدة السب في أنواع الكفر أعظم من مفسدة مجرد الردة.
وقد اختلف الناس في قتل المرتدة، وإن كان المختار قتلها، ونحن قد قدمنا نصوصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في قتل السابة الذمية وغير الذمية، والمرتد يستتاب من الردة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قتلوا الساب ولم يستتيبوه، فعلم أن كفره أغلظ، فيكون تعيين قتله أولى. (الصارم المسلول : ج1) ..
ونحن نقول لمن يدعي الإسلام وينشر مثل هذا بين المسلمين استخفافاً بالنبي الكريم : بأن عليهم أن يعلموا أنهم لا يُعجزون الله ، وأن حكمهم الردة والقتل ، فلينتهوا ، وإلا : فلا يلومن امرؤ إلا نفسه ..
الخلاصة :
يتضح مما سبق ، ومن كلام الأئمة في غير ما نقلنا ، وتقرير شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القيّم “الصارم المسلول على شاتم الرسول” أن حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم والتنقص منه هو كالآتي :
1- إذا كان الساب مسلم فإنه يكون مرتداً ساباً ، يُقتل وإن تاب .
2- وإن كان الساب ذميا فإنه يُقتل : كافراً محارباً ساباً وإن أراد تجديد عهده أو أراد الإسلام.
3- وإن كان الساب حربيا فهو حلال الدم أصلاً ، فيُقتل لكونه كافر حربي ويُقتل لكونه سب النبي صلى الله عليه سلم ، وهذا دون استتابته أو عرض الإسلام عليه ..
والمعلوم المشهور في هذه الحادثة أن هذا الذي رسم هذه الرسوم ونشرها في الجرائد الدنماركية وغيرها إنما هو كافر حربي أصلاً لكون الدنمارك مشاركة في الحرب الصليبية على العراق ، فهو حلال الدم أصلاً ، وقد تحول جواز قتله إلى الوجوب لفعلته هذه ، فهذا حد لا يجوز إسقاطه والمسلمون مأمورون بقتله ..
أما بيان أجر من قتله ، فأقول : جاء في الحديث الصحيح “من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد” (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي) ، فكيف بمن مات دون عرض النبي صلى الله عليه وسلم ، أليس النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم !! أليس حق النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من حق أحدنا على نفسه !!
إن في قتل هذا الكافر فرصة عظيمة لمن أراد إدراك فعل الصحابة ، فإن قاتله ناصر للنبي صلى الله عليه وسلم مشابه بفعله فعل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يقدمون نحورهم دون نحره وأرواحهم دون روحه فلا يرضى أحدهم أن يُمس النبي صلى الله عليه وسلم بشوكة وينجو هو من القتل والصلب والتقطيع ..
أنترك هذا العلج يسب رسولنا وقد قال ربنا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة : 128) ، أفيكون النبي صلى الله عليه وسلم حريص علينا وبنا رؤوف رحيم ، ونحن لا نأبه بمثل هذا ولا نغضب له ونعجز عن عُليج في الدنمارك ، ونكتفي بالمظاهرات والشجب والإستنكار ونطالب بالإعتذار الذي هو في حقيقته ذل وصغار علينا !!
من لها ..
من يغضب غضبة خالدية عمرية للنبي صلى الله عليه وسلم !!
إنها ميتة واحدة ، وما أجمل أن تكون في الذب عن عرض الحبيب أبي القاسم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ..
من ينتدب لهذا الخبيث فيأتينا بخبره !!
مَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وحياته !!
من يكفينا به الله هذا الكويفر .. من يشين الله به وجه الكافر الملعون .. من يبتر لنا رأس هذا الخبيث .. من ينصر دين الله ..
من لهذا الكافر الدنماركي ، فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
كتبه
نُصرة لنبيه وراجياً عفو ربه
حسين بن محمود
6 محرم 1427هـ
____________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]