ليبيا ..
إذا رأيت فلول القذافي يجتمعون في شرق ليبيا تصلهم أموال النفط من الخليج والمعلومات والدعم اللوجستي والعتاد العسكري من المخابرات الحربية المصرية ، ورأيت في صفوفهم ضباطاً من الجيش المصري ، ورأيت الجزائر تحشد أربعين ألف جندي على حدود ليبيا الغربية ، ورأيت الأمريكان يحشدون جنودهم في جزيرة صقلية تحسباً لوقوع أحداث في أفريقيا فاعلم أن وراء الأكمة ما وراءها ، وعلى المسلمين في ليبيا أن يعدو العدة لجولة جديدة من الثورة ضد الثورة المضادة التي “خفتر” صورتها الخارجية فقط .. لقد جرفت دولارات النفط قلوب الكثير من ضباط القذافي في الجيش الليبي الذين وقفت الثورة سداً منيعاً أمام أيامهم الخوالي يوم كانوا يأكلون السحت ويمتصون دماء الشعب الليبي ، فدغدغت الدولارات مشاعرهم وذكّرتهم بتلك الأيام السعيدة ، أيام المال الحرام والظلم والجبروت ، وها هم يريدون إعادة الكرّة من جديد في ظل غفلة كثير من المسلمين الذين نزلوا من جبل الرماة ابتغاء جمع الغنائم !!
ألا فليعلم كل مسلم بأنه إذا قال “لا إله إلا الله” مخلصاً بها قلبه ، وكان في يده سلاح فهو عدوٌ لكل نصراني ويهودي وكافر ومشرك ومنافق ومرتد في هذه الأرض ، وإن قالها وكان في يده مصحف فقط فهو كذلك ، وإن قالها ولم يكن رأس ماله غير الكلام فهو كذلك ، وإن قالها وسكت ولكن تكفهر وجهه في وجه الظلم كان كذلك ، وإن قالها وسكت وبشّ وهشّ وانحنى ليركب ظهره كل كافر وطاغية ومنافق ومرتد : كان هو المسلم الوسطيّ اللاإرهابي اللاغالي اللامتنطّع المتحضّر الديمقراطي الليبرالي العلماني العقلاني التنويري …
يا أحفاد عمر المختار : تعصبوا بعصابة عكاشة ، وألقوا تمرات ابن الحمام ، واكسروا جفون السيوف ، واستعدوا للنزال ، فهذه جولة ثانية من جولات الحرب ، فلا تخلدوا إلى الأرض ، ولا تثاقلوا ، ولا تتخلفوا ، وكونوا أشداء على هؤلاء العملاء ، واضربوا فوق الأعناق ، واضربوا منهم كل بنان ، وأثخنوا فيهم ، وشرّدوا بهم من خلفهم ممن تسوّل له نفسه اللعب في مراتع الأُسد الضارية ..
النصيحة لـ “غرفة ثوار ليبيا” : لا تنزلوا بثقلكم في بداية المعركة ، وحرضوا الجيش على ضرب قوات حفتر بالطائرات والقذائف الصاروخية ، وليقاتلوا أمامكم ، فإن من مع حفتر ليسوا كل الخونة ، وانظروا من تثقون به ثقة خالصة فاجعلوه في غرفة الشورى ولا تُطلعوا أحداً على أسراركم ، ولتكن دائرة القرار ضيّقة ، وبثوا دعاتكم يحرضون الشباب على الجهاد في سبيل الله ويلهبون حماسهم ، فهم وقود كل حرب ، وهذه حرب إيمان وكفر ، فتوقعوا الغدر من كل مائع أو فاقد للدين ، واحذروا الإنكشاف للعدو فليبيا كبيرة ، وليكن سلاحكم الرمي بالطائرات والصواريخ البعيدة المدى ولا تلتحموا إلا للضرورة ، وباغتوا الخونة في وقت وكيفية لا يتوقعونها ثم أبيدوا خضرائهم واحصدوهم حصدا ، وخاطبوا قبائل الشرق والغرب والشمال والجنوب وبينوا لهم حقيقة الأمر وذكّروهم بالله وبوعده ، وأشعلوا جذوة الإيمان في قلوبهم ، ، وقبل كل هذا : استعينوا بالله على عدوّكم وتوكّلوا عليه ، وأجمعوا أمركم ، وتشاوروا فيما بينكم ، وكونوا يداً واحدةً على من سواكم ، واجتنبوا المعاصي صغيرها وكبيرها فإنها أعظم داء الجيوش وأشدها خطراً وأكثرها سببا للخذلان .. نسأل الله لكم النصر والتمكين ..
قيمة العرش !!
بعد موت أكثر أبناء عبد العزيز آل سعود ، واحتدام المنافسة بين أبناء الأبناء لخلافة آبائهم ، استطاع عبد الله بن عبد العزيز أن يعقد صفقة مع الأمريكان ليثبّت ابنه متعب بن عبد الله في ولاية العهد ويكون المُلْك في ذريّته بعده .. فما هي هذه الصفقة ؟ وما طبيعة هذا الإتفاق ؟
تركّزت الصفقة على ضرب الثورة العربية في مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن ، والحيلولة دون وصول أي جماعة ترفع شعار الإسلام للحكم في أي بقعة من الأرض ، فالمبادرة الخليجية وبضعة مئات من الملايين كانت كفيلة باجهاض الثورة اليمنية والسكوت عن جماعة الحوثي الرافضية لتحتل شمال اليمن ..
بضعة مليارات من الدولارات ، مع قتل بضعة آلاف من المسلمين والتمثيل بجثثهم ، وسجن عشرات الآلاف ، وهتك أعراض الرجال والنساء في السجون ، وإعلان الإخوان منظمة إرهابية ، وشراء ذمم بعض الساسة الأوروبيين (كبلير وغيره) ، ودعم اللوبي اليهودي في أمريكا في هذا الإتجاه كان ثمن الإطاحة بحكومة الإخوان في مصر ..
دعم التيارات الليبرالية في تونس واقناعها بالخروج في الشوارع رغم خوفها الشديد من الجماعات المجاهدة ، ودعم الجيش التونسي لضرب الجماعات المجاهدة ، والإيعاز للحكومة التونسية بالتضييق على هذه الجماعات ، وضرب التيارات الإسلامية بعضها ببعض أتى أُكله في تونس ..
أما ليبيا فجاري العمل على رشوة زعماء القبائل في الشرق الليبي وكل من يقبل الخيانة من الجيش وضباطه لإعمال الفوضى في ليبيا ومحاولة تقسيمها وتبرير التدخل الأجنبي فيها لضرب التيار الإسلامي المسلّح ابتغاء نزع السلاح منه وتركيع الشعب الليبي والتسلّط عليه مرة أخرى ..
وفي سوريا دعموا بشار بالأموال ، ومنعوا جمع التبرعات الواجبة للمجاهدين ، ومنعوا الناس من النفير للجهاد أو التحريض عليه ، وأحدثوا جماعات مسلحّة في سوريا هدفها نشر الفوضى والاقتتال الداخلي ، وتقاربوا مع إيران علانية للوقوف في وجه المد الجهادي الشامي ، وضغطوا على تركيا لوقف مساعداتها للداخل السوري ، ويعملون على إيجاد وطن للنصيرية غرب سوريا حفاظاً على أمن دولة الصهاينة في فلسطين المحتلة ..
وضغطوا على الجنرالات في الجزائر وأقنعوهم بضرورة ترشيح المومياء بوتفليقة للحكم فيها ..
كل هذه الأموال التي أُهدرت (والتي هي أموال المسلمين) ، وكل هذه الدماء التي سالت من أجساد المسلمين ، وكل هذه الأرواح التي أُزهقت ، وكل هذه الأعراض التي انتُهكت ، وكل هذه البلاد التي دُمّرت كانت ضمن صفقة بين عبد الله بن عبد العزيز آل سعود والحكومة الأمريكية لتدعم ابنه “متعب” ضد منافسيه في السلطة !!
بمثل هذه الصفقات سقطت فلسطين ، وبمثلها تربّع على عروش البلاد العربية من لا خلاق لهم ولا دين ، وبسبب غفلة المسلمين وسكوتهم وتثاقلهم إلى الأرض وتركهم الجهاد أذلّهم الله تعالى وسامهم سوء العذاب على أيدي هؤلاء الطغاة ..
همسة في أذن أهل الجهاد وأنصارهم
هذه بعض الملاحظات التي تستحق أن ينظر فيها أهل الجهاد وأنصارهم ، وهي بوادر لأمور يُخشى أن تستفحل فلا تجد من يردها أو ينصح بردها وإبطالها :
الملاحظة الأولى : كثير من الإخوة المجاهدين والأنصار لا يكادون يذكرون غير ثلاثة أو أربعة علماء عند حديثهم في الأمور الشرعية ، وجل هؤلاء في السجون ، وليس هذا من العدل ، ففي الأمة غير هؤلاء ، وفيها من هم أعلم منهم ، وإن كنا نحفظ منزلة هؤلاء ومكانتهم لما بذلوا في سبيل الحق ولما أوذوا وصبروا ، إلا أن الأمة ليست هؤلاء فقط ، والعلم والصدق والأمانة والتقوى ليست محصورة فيهم ، بل هناك علماء في جميع بقاع الأرض ، وكثير منهم مخلص لدينه ، فينبغي البحث عن العلماء الثقات ومراسلتهم – ولو سراً – لمعرفة رأيهم في النوازل ..
الثانية : بعض الإخوة المجاهدين أوجدوا مذهباً للشيخ أسامة – رحمه الله وتقبله في الشهداء – وهذا أمر خطير جداً ، فأسامة رجل مجاهد وليس صاحب مذهب ، وهو يجتهد حسب علمه فيصيب ويُخطئ ، فلا ينبغي تقليده في الأمور ، أو الإستشهاد بكلامه كما يُستشهد بالنص ، وهذا ما لاحظناه في التسجيلات الأخيرة لبعض المجاهدين ، فلا ينبغي هذا ، وقد بلغنا أن الشيخ أسامة رحمه الله كان كثير المشاورة والمراسلة للعملاء ، وهذا هو المطلوب ، وأخشى أن يتطور الأمر فيغلوا الناس في الشيخ ، وهذا لا شك أنه أمر غير محمود ، فلا بد من الإجتهاد ، ولا بد من الرجوع إلى النصوص الشرعية والإطلاع على كتب العلماء والأخذ من حيث أخذ أسامة ، ولا بأس من الإستئناس ببعض أقوال الشيخ – رحمه الله – ولكن دون تعصّب ، ودون غلو ..
الثالثة : لاحظنا تراجع البعض عن بعض الحق أمام الكم الهائل من المشاركات المشبوهة في المنتديات والبرامج الإجتماعية ، فمن الملاحظ أن أجهزة الاستخبارات العربية وغيرها دخلت بقوة في هذه المنافذ ، فلا ينبغي لأهل الحق أن يضعفوا ، ولا ينبغي لأهل الحق أن يسقطوا ، بل يجب مواجهة الباطل ودحضه بالحق ، ويجب التصدي لك من يحاول شق الصف الإسلامي عامة ، والجهادي خاصة ، فأهل الحق أقوى إن عرفوا ما عندهم حق المعرفة وأخذوه بقوة ..
الملاحظة الرابعة : لا بد من الإستناد إلى القواعد والضوابط الشرعية في كل أقوالنا وأفعالنا ، ولا بد أن يذكّر بعضنا بعضاً بأخلاق المسلمين وبثوابت الدين : فحسن الخلق من ثوابت الدين ، ووحدة الصف من ثوابت الدين ، وحرمة الإقتتال بين المسلمين من ثوابت الدين ، ولا يجوز الإنجرار خلف الأقوال والوقائع المخالفة للدين مهما كان قائلها أو فاعلها ، وعلى المسلم أن يعمل لتحقيق المقاصد الشرعية لا الإستهانة بها وادعاء الإجتهاد فيما هو منصوص عليه ومعلوم من الدين بالضرورة ، أو اتباع غيره – وإن عرف الحقائق الشرعية المخالفة – فهذا مما يولّد الحسرات يوم القيامة ..
أين الله …
عجيب أمر الشعوب المسلمة .. يهتف الشيوعي بشيوعيته ، والعلماني يجاهر بعلمانيته ، والليبرالي يجاهر بليبراليته ، والنصراني يجاهر بنصرانيته ، واليهودي يفخر بيهوديّته ، والهندوسي يهتف بهندوسيته ، والبوذي ينشر بين الناس بوذيّته ، وأهل الإسلام يستحون من إظهار إسلامهم مع أنه الدين الحق الذي لا يصلح غيره في الأرض !!
عندما يقول ليبرالي أو يساري أو علماني أو نصراني بأنه يريد دولة مدنية فإنه يقول هذا مرتكزاً على عقيدته ، أما بعض المسلمين فإنه يخاف أن يطالب بالدولة إسلامية !! يخاف أن يرتكز على عقيدته !!
بعض المسلمين يقولون بأنه “لا دولة دينية في الإسلام” !! ونحن نقول : ماذا تقصدون بـالدينية ؟ أتقصدون الدولة التي تستمد قوانينها من دينها !! إن قصدتم هذا كفرتم بالإجماع .. أما إن قصدّتم ما يقصده الغرب من أن دينهم المحرّف لا يصلح لحكم البلاد – كما حصل في عصورهم الوسطى – فهذا حق ، ولكنه عندهم وليس عندنا ، فديننا ليس محرّفاً ، ولا يصلح غيره لحكم البلاد والعباد ، وكل حكم مخالف للشرع الحق فهو ظلم محض .. البعض يقول : نستأنس بالأحكام الشرعية ، وهذا من الكفر أيظا لأن الله لم ينزل كتابه لنختار نحن ما نريد ونترك ما نريد ، والصحيح أن يُقال بأننا نستأنس بالوسائل في النظم الحديثة بشرط أن لا تخالف شرعنا ، أما شرع الله فهو الأصل الوحيد للحكم بين الخلائق ..
فليعلنها كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أنه يريد دولة إسلامية تحكم بشريعة الله ، ولا يرضى بغير شرع الله ، ولا يرضى أن يتحاكم لزبالة عقول البشر من النصارى اليهود الذين وضعوا القوانين الفرنسية والإنجليزية والأمريكية واستمدوها من دينهم المحرّف ومن عقولهم العفنة!!
الله وحده يحكم بين عباده ، وأي إنسان يرضى بحكم غير الله فهو مشرك بالله ، وأي دعوى لدولة لا تتحاكم لشرع الله هي دعوة للكفر والشرك والعياذ بالله ، قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في شرحه لرياض الصالحين (ج2 ص261-263): “إن الذين يحكّمون القوانين الآن ، ويتركون وراءهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما هم بمؤمنين ؛ ليسوا بمؤمنين ، لقول الله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ولقوله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44) ، وهؤلاء المحكّمون للقوانين لا يحكّمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة ، لهوى أو لظلم ، ولكنهم استبدلوا الدين بهذا القانون ، وجعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله ، وهذا كفر ؛ حتى لو صلّوا وصاموا وتصدّقوا وحجّوا ، فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله ـ وهم يعلمون بحكم الله …”. (انتهى) ..
رقعة الشطرنج ..
وزير خارجية الدولة العظمى يتعامل مع الحكومات والدول كلاعب الشطرنج ، فيحرك هذه الدولة ، ويوقف هذه الدولة ، ويثبّت هذا الحاكم ، ويطيح بالآخر ، ولايزال يفعل ذلك حتى يقابله لاعب أفضل منه فيطيح بقطعه ، ويغلبه ، فيصبح الغالب قوة عظمى ، أو يساويه ويجاريه في اللعب ، وهذا هو ما يسمى توازن القوى ، وإذا كان في الأرض أكثر من قوتين فإن قواعب اللعبة تتغير : فإما أن تتحالف بعض القوى على الأخرى ، أو تعيش الأرض مرحلة تربّص وحرب باردة ، ولا يمكن لقوّة كبيرة قويّة أن ترضى بمنافس ، مهما بلغت درجة تلك المنافسة ..
أمريكا اليوم دولة قوية ، وروسيا – بقيادة بوتين – تريد استعادة قوتها ، والصين دولة قوية ، والهند دولة صاعدة ، والبرازيل كذلك ، وألمانيا قوة اقتصادية ، واليابان مثل ألمانيا ، فهذه دول منافسة لأمريكا ، فلماذا لا تقاتل أمريكا هذه الدول ؟ الجواب : لأن هذه الدول قوية ، وتكلفة حربها كبيرة ، وأمريكا وجدت لقمة سائغة في الدول العربية تغذيها الأحقاد الصليبية والأطماع الإقتصادية في الثروات النفطية وغيرها .. الأرض اليوم تعيش مرحلة حرب باردة صامتة إلا في عالمنا العربي الذي يشهد مخاضاً طالما تكرر في التاريخ الإسلامي ، فهذه الصحوة الجهادية التي تغذّيها إرادة الحرية من قبل الشعوب العربية هي قنبلة كبيرة توشك أن تنفجر لتهز العالم أجمع ، والعالم كلّه بات يُدرك ذلك إلا بعض سفهاء العرب الذين لا زالوا يعتقدون أنهم يستطيعون حجب ضوء الشمس بأيديهم ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
19 رجب 1435هـ
___________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]