سأجيب هنا في عجالة وقد أفصل لاحقا.
كان السلف يقولون: (من علامة فتنة المرء أن يرى حلالا ما كان يراه من قبل حراما)…ويُحمل كلامهم على أن المقصود به مَن غير رأيه دون دليل شرعي ظهر له. قبل عام من الآن كان الجميع يرى المشاركة في هذه المؤتمرات خيانة لله ثم لعباده. ونخشى أنَّ تطاول أمد المحنة ثم ما حصل من فتنة أليمة في الأسابيع الأخيرة قد يجعل البعض يرونها مسألة قابلة للنقاش والتفكير. ولا شك أن التحريش الدولي في هذه الفتنة كان من أهدافه دفع الكتائب بهذا الاتجاه، فاللهم لا تقر لهم عينا.
نقول بلا تردد: لا يُقبل أبدا من أي فصيل مقاتل المشاركة في هذه مؤامرة جنيف 2، لأسباب عديدة منها:
1. هذا المؤتمر يتم برعاية النظام الدولي وتحت مظلته وسلطانه وبإشراف أمريكي روسي. فهو الداعي إليه وهو المؤطر لحدوده والمشرف على تنفيذ بنوده. وهو يفرض مبدأ أن الأطراف المشاركة ممثلة للشعب السوري، والالتزام بما يتمخض عنه (أيا كان) فيه التزام بــ”الشرعية الدولية” وآلياتها. فلا يمكن بحال قياسه على صلح الحديبية الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم مستقلا عن أية مظلة كافرة ولا يخضع لرعايتها بل مستقلا بقراره وشروطه.
2. مشاركة بعض الفصائل فيها خيانة للفصائل الأخرى. حيث يُسلط الضوء إعلاميا على الفصائل المشاركة على أنها تريد حلولا سلمية وتقبل بمبدأ التفاوض، بينما الأخرى مشاغبة متمردة لا تحتكم إلا إلى لغة “العنف” مع أن “رفاق نضالها” قبلوا بالمشاركة، مما يسهل محاربة تلم الفصائل المعتزلة إعلاميا وعسكريا، وتصنيفها ضمن لائحة الإرهاب وتضييق منافذها ومحاسبة داعميها. ومن حل ذلك يصر النظام الدولي على إشراك أكبر قدر من الفصائل لتبدو ممثلة بالفعل للشعب بالشام وتبدو الأخرى شاذة عن السياق.
3. كنا نقول للفصائل التي اختارت الجلوس مع أدوات النظام الدولي: ليس الجلوس بحد ذاته محرما، لكن ما يجلس من أجله، فهذا حقل ألغام يسهل فيه الانزلاق ويحتم عليكم القبول برقابة ومناصحة العلماء والدعاة واضحي المنهج منعا للانزلاق. مع حملة جنيف 2 يتوقع لهؤلاء العلماء والدعاة والمتابعين أن يتعرضوا لحملة من تكميم الأفواه والتغييب. فبعدما تكلم العديد منهم عن خطأ الجانب الآخر من الطيف (الغلو والتخوين والصحونة) وأتى دورهم ليناصحوا ويحذروا الطرف الآخر من الخيانة والانزلاق إذا بهم يغيبون. فحتى على فرض أن الفصائل تقدمت بــ”شروط صارمة”، فإن هذه الشروط ستتساقط شيئا فشيئا ويزداد الانحراف يوما بعد يوم ولا منذر ولا نكير!
4. القبول بالمشاركة يسقط دعوى “الدعم غير المشروط” من الدول الوظيفية، ويبين أن هذا الدعم قد أدى في النهاية إلى ارتهان قرار هذه الفصائل بيد “داعميها”.
5. قبول بعض الفصائل بعد امتناع علامة ضعف أمام النظام الدولي يسهل ابتزازها ومطالبتها بالمزيد من التنازلات.
6. هذا المؤتمر استمرار لجنيف 1 واستكمال له ومحدد بمحدداته، والتي أملاها مجلس الأمن والنظام الدولي. فالحديث عن “شروط صارمة” لا مكان له هنا! ولعل هذا من كيدهم ألا تُدفع الفصائل إلى المشاركة في المؤتمر الأول فيظهر الابتزاز بل إلى مؤتمر مبني عليه لا يخرج عن إطاره.
7. على ماذا يتفاوض المشاركون في جنيف 2؟ على إقامة دولة إسلامية؟ لم يقيموها بالقوة أفيقيمونها بالمفاوضات؟! أم على وقف القتال مع النظام؟ وما دور المجاهدين بعدها إذن؟ وما موقفهم من الفصائل التي ترفض المشاركة؟ وماذا سيصبح دور السلاح الذي بأيدي المتفاوضين؟ هل سيطلب منهم حراسة مقررات المؤتمر من “المتمردين” المغردين خارج السرب؟ أم سيتم التفاوض على سقوط النظام بكافة أركانه؟ وما الذي يدفع النظام إلى هذا والمجاهدون الآن في حالة ضعف نسبي مع الاقتتال بين الفصائل؟!
بل قد يمعن النظام في القتل والإبادة قبيل وأثناء المؤتمر لتركيع المفاوضين وإلجائهم إلى القبول بشروطه، وكل هذا بالطبع بضوء أخضر من النظام الدولي.
من أجل ما سبق جميعا فإن الموقف من هذا المؤتمر يجب أن يكون الاعتزال والتبرؤ وإعلان أنه غير ملزم لأحد ولا ممثل للمسلمين في الشام، وتركه للخفافيش الذين أمضوا سنوات الثورة بين الفنادق يبحثون عن كرسي على أشلاء وجماجم شعبهم الذي نبذهم ولم يعترف بهم.
كما ينبغي للفصائل المجاهدة أن تحذر من سوء تمثيلها سياسيا، وأن تحذر من أن تكون الثوابت والمسلمات التي لا يقبل المقاتلون التفاوض عليها محل نظر وتردد لدى الشق السياسي منها، فإن هذا يعني أن قتالها في النهاية يصب في غير ما قاتلوا وبذلوا الدماء والأرواح من أجله.
أسأل الله أن ينجي إخواننا في الشام ويحفظهم من مكر الماكرين وكيد المتآمرين.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
___________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]