NOTE: Click here for the first part in this article series.
—
إخوتي، ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمة ابتداء هو أحداث مسكنة وما عقبها من تصرف الطرفين في جماعتي الأحرار والدولة مع الحادثة. سالت دماء، وخرجت روايات متضاربة لسنا مُلزمين أن نرجح إحداها على الأخرى. فتناقُل روايةٍ غير مُوثقة على أنها الحق المبين وإلزامنا بما جاء فيها هو من التعصب وانعدام الحكمة. وليس قبول رواية أمير جماعة الدولة بمسكنة بأولى من قبول رواية شرعي الأحرار. بل ولا علاقة لقضية التحكيم بقبول أية رواية أو ردها.
ما يهمنا الآن هو أن الطرفين دُعيا إلى التحكيم الشرعي، وهذا هو الجزء البين الظاهر للجميع من القضية، فلا ينبغي أن يشغَّب عليه بروايات متضاربة أو بالطعن في منهج أية جماعة، كم بينت في كلمة (الأخطاء المركبة)، ولا أن يشغَّب عليها بمحاولة إثبات شرعية الدولة، فرفضها للتحاكم المستقل لا يزيد “شرعيتها” إلا نفيا.
الأمر البين الظاهر أن الأحرار أحسنوا معاملة أسيرهم أبي دجانة وأطلقوه، ثم استجابوا لدعوات التحكيم كدعوة الدكتور يوسف الأحمد. وفي المقابل لا زالت جماعة الدولة تحتجز بعض الأسرى من الأحرار، ولا زالت مغتصبة لبعض مقرات وأسلحة الأحرار في مسكنة، ولم تستجب لدعوات التحكيم من طرف محايد، ولم تعلن عن أسبابها لعدم الاستجابة.
وأقول هنا وبصراحة: هذا كله من الظلم والبغي والإعراض عن حكم الشرع! ولا بد من تسمية الأشياء بمسمياتها. ومثل هذا التصرف الظاهر يجعلنا آسفين لا نتسرع في رد ما سمعناه من حوادث كثيرة عن وضع جماعة الدولة يدها على مقرات وأسلحة وممتلكات الفصائل المجاهدة الأخرى دون وجه حق. وحقيقة إخواني الوضع لا يتحمل المجاملة و”الطبطة” على التجاوزات الخطيرة. فالنظام يحشد ضد حلب والتظالم بين المجاهدين أنفسهم موجود!
لماذا ترفض جماعة الدولة الاحتكام إلى الهيئة الشرعية في حلب؟ أو إلى أي طرف شرعي ثالث؟ بأي شرع وبأي عقل تريد الجماعة أن تكون الخصم والحكم في الوقت ذاته؟
أصدرت جماعة الدولة في حلب عقب امتناعها عن التحكيم بيانا تقول فيه أنها لا ترفض الاحتكام إلى الشرع بدليل أنها أنشأت محاكم مشتركة في العديد من القضايا. طيب وما الفائدة في هذه المحاكم إن كان صاحب الخصومة مع الدولة يصر على رأيه وروايته وتصر جماعة الدولة على رأيها وروايتها، فلا يبت في الأمر طرف ثالث، فتبقى القضية معلقة؟!
ما الفائدة إذا كانت الجماعة لا تمكن طرفا ثالثا من التحري وتقصي الحقائق ولا تعتبر حكم أحدٍ غيرها ملزما؟!
ثم هل الوقت مناسب لترك الدولة أسبوعا وأسبوعين قبل أن تقبل بتحكيم ثالث، ثم مثلها أو أكثر لتحديد هذا الثالث، ثم مثلها أو أكثر لعقد الجلسة الأولى؟؟!! النظام يتوجه لحلب ويدكها يا عباد الله! والكل يستعد لسحق المجاهدين قبل جنيف2 !
هل تقبل الدولة حقيقة برقابة الأمة ومحاسبتها وتوجيهها؟ أم أن الناصح الطليق مشكوك في أمره لأن الطواغيت تركوه، والأسير لا يُقبل حكمه لأنه محجوب عن الواقع، والذي خارجَ ساحة الجهاد قاعد لا يفتي لمجاهد، والذي في الساحة خالطَ فصائل “ملوثة” فغسلوا دماغه؟!
لماذا لا يُقبل بالدكتور عبد الله المحيسني مثلا كمحكم؟ فالرجل صاحب علم شرعي ومجاهد وصاحب منهج نقي –نحسبه والله حسيبه- وساع على الأرملة والمسكين وقريب إلى المجاهدين جميعا ولم يتكلم في أحد منهم بسوء.
وإذا كانت جماعة الدولة لا ترى إلا نفسها فهل مشروعها مشروع أمة بالفعل؟!
وإذا كانت لا تقبل بهيئة شرعية مستقلة فإلى من يتحاكم عوام الناس ممن ليس لديهم قدرات إعلامية ليطلعوا الناس على مظلمتهم مع الدولة؟ سيقول قائل: (تنصب نفسك محاميا عن هؤلاء الناس؟). نعم! وإلا فماذا نفعل بالأحاديث الكثيرة عن منع إنكار الظلم وتغييره وإلا يعم العقاب وندعو فلا يستجاب؟! إنها سفينة خرقها في جانب يؤدي إلى غرق الجميع.
عندما تقع مظالم، ويرى عامة الناس في حلب مثلا أن “الشريعة” ليست أمرا متفقا عليه بين المجاهدين أنفسهم. فالمحكمة الشرعية التي رضي بها المجاهدون ليست شرعية عند جماعة الدولة، وتقع عليهم مظالم فلا يستطيعون الشكوى إلى إلا فئة من ظلمهم نفسه، فماذا نتوقع من عامة الناس إن اجتاح النظام حلب في قابل الأيام، وهو ما تظهر له إرهاصات؟ وهل سنكفرهم حينئذ إن لم يثقوا بالمجاهدين ولا بدعوتهم إلى الشريعة؟ وهل سنضع اللوم كله عليهم إن نشأت صحوات؟ ونتغنى بمظلومية الدولة بعدها؟!
ثم لو أصدرت محكمة شرعية ارتضاها عامة المجاهدين حكما بحق أحد أفراد جماعة الدولة فامتنعت الجماعة عن تسليمه لها فماذا يعني هذا إلا عدم الاعتراف بشرعية هذه المحكمة؟ وما سبب عدم شرعيتها عندكم يا شباب الدولة؟ ألأنها تحكم بغير الشرع؟ فبينوا هذا للناس وأثبتوه، وإلا فما المانع من نفاذ قضائها فيكم؟
رفض التحاكم إلى هيئة مستقلة ليس خطأ ثانويا يمكن تجاوزه، بل هو نقض لما شُرع الجهاد من أجله.
ثم بأي حق تحتجز جماعة الدولة أسرى من المجاهدين؟! دخلت النارَ امرأة في هرة حبستها على هيئة ظالمة. فكيف بمن يحبس مسلما، بل مجاهدا في وقت جهاد والعدو بالأبواب؟!
ثم بأي حق تستولي على مقراتٍ وأسلحة للأحرار؟! وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لـَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته))، أي تأخر القادر على سداد بالمال يحل إغلاظ القول له والتشنيع عليه ويحل للقاضي عقوبته كالحبس. هذا في المال المأخوذ عن طيب نفس من أخيك وتأخرت في سداده، فكيف بممتلكات مغصوبة، بل بأسلحة في وقت حرب؟! فهل يلام إخوانكم إن نالوا منكم وأغلظوا لكم القول لأجل ذلك؟! وهل يتفرغ عاقل للومهم بدل أن يأمركم أنتم بأداء ما عليكم وحسم المشكلة؟!
وإن كان يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّين كما روى مسلم، فكيف بسلاح مغصوب وقت حرب يا شباب الدولة هداكم الله؟
أقول ذلك كله بصراحة ووضوح في الوقت ذاته الذي أهدئ فيه إخواني الأحرار وأدعوهم إلى ضبط النفس. وحتى تكون دعوتي هذه مقبولة فلا بد من إنصافهم وبيان أنهم أحسنوا بإطلاق الأسير وقبول التحاكم وأساء الآخرون.
أقولها من أجل هذا المولود الذي انتظره الجميع وبشر به النبي صلى الله عليه وسلم…جهاد الشام.
أقولها لحقن الدماء ولأستحث هممكم يا أحبتي عقلاء الدولة ويا من هاجرتم في سبيل الله نحسبكم.
أقولها وأنا أعلم أني أهيج عش دبابير النت. أقولها وأنا أعلم أن الإصلاح والتصويب أمر لا يروق للنظام العالمي البوليسي الذي يغذي الغلو وخطاب الكراهية لتشويه صورة الجهاد
فإن كان كلامي سيؤدي إلى الهجوم علي أو أذيتي من هؤلاء جميعا فأنا فداءكم وفداء الحفاظ على هجرتكم وجهادكم، فوالله إني لأحب عقلاءكم الأشداء على الكفار الرحماء بالمؤمنين.
ولقد رأيت في حياتي أناسا يسعى أحدهم على أرملة أخيه الذي توفي في الجهاد ليُعِفها وأطفالها عن طلب العون من أحد على الرغم مما كان بينه وبين أخيه من خلاف، في الوقت ذاته الذي يقعد فيه سفهاء من خلف الشاشات يطعنون في هذا المخلص -نحسبه- بدعوى الانتصار للمتوفى في هذا الخلاف، وهم لم يعينوا الأرملة وأيتامها بشيء !! فارتفع في عيني الناصح الرحيم وسقط المجعجع مُدعي المناصرة!
فيا قادة الدولة اتقوا الله ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها، ولا تسحبوا من رصيدكم عند الله ثم عند الناس.
ويا شباب الدولة، يا من يُشهد لكم بالشدة على الكفار والاستبسال في سبيل الله فيما نحسبكم، أربا بكم أن تقعوا فيما نشنع عليه عند غيرنا فتكونوا ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا يشعرون!
فتأمرون الناس بالتحاكم إلى كتاب الله وتتلون قوله تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) ثم إذا دعيتم إليه قلتم عندنا محاكمنا فتحكمتم بالنص وعطلتم دلالته!
وإن استجزتم شيئا من الظلم لـ”مصلحة الإسلام” في نظركم فعلتم كما فعل أصحاب الشعارات الإسلامية في مصر إذ عصوا بحجة المصلحة!
وإن أطعتم قادتكم طاعة عمياء أو خفتم مساءلتهم ومراجعتهم شابهتم في هذا جنود الجيوش النظامية ببلاد المسلمين وهربتم من فتنة الطواغيت إلى فتنة الأمراء!
ولا تلتفتوا إلى من يوهم بأن البديل عن مشروع الدولة هو المشاريع “الديمقراطية” المسيسة، بل في الساحة فصائل عديدة دعوتها دعوتكم.
وأقول هنا: نحن اليوم نهدئ النفوس وننفر عن رفع السلاح ضمن معطيات الحاضر، لكن إن استمر رفض الاحتكام ووقعت فتن أخرى لا يمكن تحديد الباغي فيها دون احتكام فانفلت زمام الأمور ووقع ممن نهدئهم اقتصاص -بل وبغي- فلا يعيرنا أحد بفعلهم، بل ليقل لنفسه: (يداك أوكتا وفوك نفخ)!
ختاما: من أجل #نزع_فتيل_الفتنة_بالشام، فإن على الأطراف التي ترفع شعار أنها مشروع الأمة وتريد دعم الأمة أن تقبل برقابة الأمة، خاصة من الذين يعينون المجاهدين بعلمهم ودعوتهم وما يملكون على جعل كلمة الله هي العليا والدينِ كله لله، لا لديمقراطيات ولا تطويع لنظام الاستعباد الدولي. على الجبهة الإسلامية أن تقبل هذه الرقابة وأن تتمتع بمصداقية كاملة وهي تسير في حقل ألغام بين مشاريع الاحتواء والتطويع، وأن تؤكد براءتها من أية مشاريع مشوبة لمن يدعون بها وصلا، وعلى جماعة الدولة أن تقبل هذه الرقابة والتوجيه وتثبت قدرتها على إشراك الأمة في مشروعها، وتسارع إلى إطلاق أسرى إخوانها من الأحرار وتخلية مقراتهم وسلاحهم وقبول التحاكم إلى هيئة مستقلة في القضايا العالقة والتي ستستجد. وعلى مناصري الجهاد أن يعلقوا مناصرتهم لأي فصيل على ما سبق.
والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
_________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]