بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
أضع هنا ملاحظات بخصوص الجبهة الإسلامية التي تشكلت حديثا وأعلنت ميثاقها:
1. من جاء ليرى إن كنت مع تشكيل الجبهة أم لا فلن يـُحصِّل بغيته، ولن ألخص موقفي في النهاية بكلمتين. إذ أريد أن يلتفت الإخوة إلى نقاط مهمة هنا ولا يُحجبوا عنها بفرز المتحدثين إلى “مع” و”ضد”. ولسنا في مرحلة الاصطفاف في معسكرين متناوئين، بل لا بد من مناصحة الجميع ومحاولة جمع الكلمة على الحق.
2. المسلم مأمور بأخذ الناس بظواهرهم في الخير وضده. وعلى هذا سنسير هنا دون سوء ظن جائر ولا تعذُّرٍ وتبرير للأخطاء.
3. اجتماع كلمة المجاهدين مطلب شرعي، واتحاد فصائل متفرقة في كيان واحد هو خطوة في طريق هذا المطلب، شريطة أن تسير هذه الفصائل بسير أنقاها منهجا وأبعدها عن مواطن الريبة، لا أن يدخل على أنقاها الخلل من جهة من عندها نقص.
4. عضوية قيادات بعض الفصائل المكونة للجبهة في المجلس العسكري الذي يرأسه سليم إدريس إشكالية حقيقية. ولسنا هنا نحاكم النوايا ولا الأعذار فيما بينهم وبين الله تعالى، بل نعتمد ما قدمنا به من الأخذ بالظاهر. ولو كان الأمر إلينا لما ارتأينا تشكيل الجبهة إلا بعد أن تنسحب هذه القيادات من المجلس. أما وقد تشكلت، فإنا نطالب هذه القيادات التي نحسبها محبة لله صادقة في إرادة إقامة دينه أن تلتزم بما ألزمت به نفسها في الميثاق من عدم التبعية ولا تلقي الإملاءات الخارجية، ومن ذلك عدم استمرارها في عضوية مجلس يرأسه هذا الرجل المعلن التبعية للنظام الدولي. ونسأل الله أن نرى انسحابهم من المجلس عاجلا.
5. ميثاق الجبهة جيد جدا، ومما يستحق الثناء فيه تصريحه بسيادة الشريعة وحسن خطاب يستميل قلوب العامة ويلبي حاجاتهم مع الانضباط بالشريعة.
6. من أهم ما جاء في ميثاق الجبهة المادة العاشرة التي تنص على رفض المشاركة في أية عملية سياسية تجعل السيادة لغير شرع الله عز وجل. وأحسب أن الجبهة حين وضعت هذه المادة تدرك أبعادها المهمة، ومع ذلك فسأشير إلى سيناريو خطير قد يحدث في الشام فتصبح عنده الحاجة إلى هذه المادة ملحة:
7. إذا أطاح المجاهدون بالنظام النصيري ثم لم يحصل تمكين حقيقي للمجاهدين وأُبرزت في الصورة شخصيات “وطنية” تنادي بدولة مدنية وتحظى بدعم دولي وقوة عسكرية وتعالت أصوات الناس أنا قد تعبنا من الحرب ونريد حلا يُنهي المعاناة ويحقن الدماء. ماذا ستفعل الجبهة حينئذ؟
ماذا ستفعل إذا أفتى لها الـمُفتون والدعاة بأن ما لا يدرك كله لا يُترك جله، وأن هناك فرقا بين المأمول والمتاح، وأن مصلحة حقن الدماء وتجنب مفسدة مجابهة المجتمع واستئصالِ المجاهدين تقتضي القبول بالـمحاصصة السياسية والاشتراك في الحكم الجديد والعمل على بناء دولة العدل إن لم يمكن إقامة دولة الشرع، ثم تطبيق الشريعة “بالتدريج” وعدم ترك الساحة للعملاء والعلمانيين والفلول؟
إذا قبلت فصائل مجاهدة –لا قدر الله- بذلك فإنا نراه أخطر مصير للجهاد الشامي! وستراها فصائل مجاهدة أخرى شريكة في حكم طاغوتي جديد ومثبتة له ومضفية للــ”شرعية” عليه في عيون الناس، فيقع بينهما اقتتال عقدي يطحن الطرفين.
هذا السيناريو يخيفنا حقيقة، خاصة مع عدم انضباط فقه المصلحة والمفسدة لدى جمع كبير من العلماء كما بدا واضحا أيام التجربة المصرية ومشاركة “الإسلاميين” فيها وفتنة الدستور.
قد يقول قائل يوما: (لا بد لهم من القبول بالمشاركة السياسية وهذا لا ينافي إعلان أن سيادة الشريعة هي الهدف، فإنما مشاركتهم هي في سبيل الوصول إلى الهدف الذي لا يستطيعون تحقيقه الآن)!
نص الجبهة في ميثاقها على رفض المشاركة في أية عملية سياسية تجعل السيادة لغير شرع الله يقتضي رفضها المشاركة في الحالة المذكورة، وهذا ما نأمل أن تلتزم به بإذن الله فإن الزلل فيه خطير.
8. بخصوص المادة الرابعة عشرة: (تحرص الجبهة الإسلامية على أن تتمتع بعلاقات دولية جيدة مع جميع الدول التي لم تناصبها العداء، بما يحقق المصلحة وفق الضوابط الشرعية): ندرك أن إخواننا في الجبهة بمحدودية قدراتهم ليسوا مطالبين باستعداء العالم وإنذار أنظمة الجوار أنهم سيطالونها إن مُكنوا. لكن في الوقت ذاته لا نريد أن يُفهم هذا على أنه تنكب لمشروع الخلافة الإسلامية. فإقامة الشريعة تستلزم عدم الاعتراف بحدود مصطنعة ولا الإقرار بمفهوم دولة إسلامية قطرية، بل السعي إلى بسط سيادة الإسلام بحسب القدرة.
كذلك ما ورد في المادة الخامسة عشرة أن المهاجرين (إخوة ناصرونا في الجهاد…فلهم ما لنا وعليهم ما علينا). فهذا النص على جودته إلا أنه ينبغي التذكير بأن كل مسلم يدخل في دولة إسلامية فله ما لإخوانه وعليه ما عليهم، لا من باب الوفاء لجهاده ونصرته، بل من أجل إسلامه ابتداء، والذي يعطيه هذه الحقوق تلقائيا دون هبة من أحد، وهذا من لوازم كون الدولة إسلامية لا تعترف بالقطرية.
9. رحبت الجبهة في المادة العاشرة بأي دعم يسهم في إسقاط النظام بشرط ألا يحتوي على إملاءات خارجية تصادر قرارها. هنا نلاحظ أن كثيرين يشككون ويخونون قائدا أو فصيلا ما بسبب قبوله دعم أنظمة معروفة بأنها لا تريد بالإسلام والمسلمين خيرا. فنقول لهؤلاء: هل قبول الدعم في هذه الحالة محرم؟ ونحن نرى اضطرارهم إليه والأطفال يُذبحون والنساء تُغتصب؟ هل من دليل على عدم جواز أخذ الدعم والسلاح في هذه الحالة؟
أم أن الـمحرم هو قبول شروط فيها تضييع للدين في مقابلة هذا الدعم؟
فما دام إخواننا ينصون على عدم قبول إملاء الشروط فليس لنا أن نتهمهم بغير ذلك ونسيء الظن فيما يحدث في الغرف المغلقة أو بما قد يحصل مستقبلا، بل لنا الظاهر الحاضر. لكن إن فعلوا ما يدل على الاستجابة لشروط فيها تضييع للدين فإنا حينئذ ننكر عليهم ولا نتعذر لهم بأنهم قد ينوون خلاف ما أظهروا. إذ لنا في ذلك الظاهر أيضا.
نقول هذا ونحن نعلم حقيقة هذه الجهات التي تعطي الدعم وأنها كالحية في كم من يتعامل معها، ونعلم كذلك أن نظرية “تقاطع المصالح” كثيرا ما كانت مزلقا خطرا، وأن هذه الجهات لا تقبل أبدا بقيام كيان إسلامي مستقل نقي ولا ترى في ذلك مصلحة يُتقاطع معها! ونسأل الله أن يكفي المجاهدين شرها ومكرها ويغنيهم عنها وأن يوفقهم للثبات أمام أية شروط يمكن أن تمليها.
هذا وما كان في الكلام من صواب فمن الله وحده وله الحمد، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي وأستغفر منه الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
___________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]