بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
اطلعت على كلمة الشيخ أبي محمد العدناني حفظه الله بعنوان (لك الله أيتها الدولة المظلومة)، وعلى بيان مجريات التحقيق في مقتل أبي عبيدة البنشي رحمه الله الذي أصدرته حركة أحرار الشام وفقها الله. وبعد أن أسأل الله أن يوفقنا جميعا لقول الحق والعمل به أقول إخوتي:
1. كلمة الشيخ أبي محمد حفظه الله فيها إشارات طيبة حول منهج الإخوة في جماعة الدولة في التعامل مع فصائل الجيش الحر ومع من يحاول جرهم إلى معارك جانبية، وفيها كذلك تبرؤ مهم من علاقتها بتفجير المساجد والأسواق، وتأكيده على أنها تعتبر عامة المنتسبين إلى أهل السنة في العراق والشام مسلمين، وأنها لا تكفر إلا بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة. بل وفيها خطاب طيب واعٍ للجيش الحر أن الدولة ترفض الانجرار إلى قتال معه.
2. كما ذكر الشيخ حقيقة أن إنجازات الجماعة تُهمش عمدا بينما تعمم أخطاؤها، تمهيدا لضربها والاعتداء عليها. وهذا أمر جلي للمتابع.
3. ومن أحسن ما قاله الشيخ حفظه الله: (وأما الاجتهادات والتصرفات الفردية والأخطاء: فلا يمكن لأحد ضبطها ومنعها بالكليّة في صفوف جيش كامل، وقد كانت موجودة حتى في جيش النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن ثبتت له علينا مظلمة فهذه أموالنا، وهذه ظهورنا، وهذه رقابنا خاضعة لشرع الله، بدءاً من أمير الدولة، وانتهاء بأصغر جندي فيها، وهذه قنوات الاتصال مفتوحة، وتلك مقرّاتنا معلومة).
أقول: كلام الشيخ صحيح، لا بد من أخطاء فردية. وهذا يتطلب من قيادات الفصائل كلها العمل على تجفيف منابع هذه الأخطاء من خلال تربية الأفراد على الأخوة الإيمانية والحب والولاء لإخوانه من الفصائل المجاهدة بقدر ما فيهم من طاعة لله ورسوله بغض النظر عن الجماعات والمسميات.
نتابع فنقول: والموقف الذي أعلنه الشيخ من هذه الأخطاء يستحق الثناء: (ومَن ثبتت له علينا مظلمة فهذه أموالنا، وهذه ظهورنا، وهذه رقابنا خاضعة لشرع الله). من هنا نقول لإخواننا في الدولة حفظهم الله وسددهم:
ها هي قضية أبي عبيدة البنشي رحمه الله تنتظركم أن تطبقوا هذا المنهج الطيب وتلتزموا ما ألزمتم أنفسكم به.
وإذا بحثت عن التقي وجدته رجلا يصدق قوله بفعال
وأنتم لذلك أهل بإذن الله.
أحبتنا وإخوتنا في الدولة أكرمكم الله ورفع قدركم وسددكم، ما يدعو مثلي إلى التمسك بقضية أبي عبيدة هو إعلانها من قِبَل أصحابها منذ حوالي الشهر دون رد واضح من الدولة عليها، وإلا فوالله ليس العبد الفقير منتميا إلى الأحرار ولا إلى غيرهم، ولا أرى إلا أن لدى كل جماعة من الجماعات التي تعلن إرادة الشريعة خيراً أُحب أن أعززه وأخاطبها به، ولدى كل منها ما تناصَح فيه. وكثرة عيوب الناصح وذنوبه لا تمنع الفضلاء من القبول منه.
وكم سمعنا من أمور تُنسب إلى الإخوة فامتثلنا أمر الله تعالى: ((لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين)). ولا والله ما لنا بنقد أي من إخواننا ولع، بل لنا في دعوة عامة المسلمين وتحبيب الشريعة إليهم ومحاولة جمع كلمتهم على الحق والتصدي لأعدائهم وبيان فريتهم على الجهاد وأهله ثم شؤون الحياة الشخصية وهمومها…لنا في ذلك كله شغل عن أن نتسقط أخطاء إخواننا لمجرد القدح فيهم والعلو على أكتافهم!
يا إخوتي أكرمكم الله وأعلى قدركم وسددكم، أعود فأقول: ما دفعني إلى التمسك بقضية أبي عبيدة البنشي هو إعلان تفاصيلها من إخوتنا في المكتب الشرعي للأحرار دون رد من إخوتنا في الدولة، وإلا فقد نُقلت إلينا حوادث أخرى لكن ما كان من سبيل إلى التوثق منها بدليل ملموس، مهما وثقت في ناقليها. وقد جاء في بيان مجريات التحقيق في مقتل أبي عبيدة رحمه الله أن إخوتكم في أحرار الشام خاطبوكم مرارا وزاروكم في مقراتكم مرارا واستخدموا قنوات الاتصال مطالبينكم بالاحتكام إلى شرع الله في هذه الحادثة، فلقوا تأخرا عن التجاوب معهم.
ولستُ هنا أعاتب على شيء فائت، لكن أطالبكم يا حفظكم الله وسددكم أن تبينوا للناس: هل ما ورد في بيان الأحرار صحيح؟ أم أن لديكم رواية أخرى وتفاصيل تشفي صدور إخوانكم؟ وإن كان ما جاء في البيان صحيحا، فاللهَ اللهَ يا إخوة الإيمان، فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين، فلا يشغلنكم الجهاد عن توفية إخوانكم حقهم وتقديم الجناة لمحاكمة شرعية. وإلا فكيف ترجون معيَّة الله تعالى في جهادكم ونصره لكم وأنتم تعلمون قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن آوى محدثا جانيا ومنع من الاقتصاص منه؟ فهذا أوان أن نرى مصداق كلمة أبي محمد حفظه الله وقوله: (ومَن ثبتت له علينا مظلمة فهذه أموالنا، وهذه ظهورنا، وهذه رقابنا خاضعة لشرع الله).
وهذا الظن بكم وبكل من يعلن إرادة تحكيم شريعة الله تعالى: أن يقوم بها على نفسه أولا. قال ابن القيم في إعلام الموقعين: (فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا، وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء، ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها، وجعل له فرجاً ومخرجاً، وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة، أو في اثنين منها، أو في واحد). وإننا والله يا إخوتي لفي أمس الحاجة إلى كفاية الله لنا وقد رمانا الشانئون عن قوس واحدة.
وإخوانكم إنما يدعونكم إلى الاحتكام إلى الله ورسوله: ((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا على الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا))، فلا تتركوا الشيطان يحرش بينكم وبين إخوانكم ويوغر صدورهم عليكم. وليس ولي المقتول هو المطالب أن يسعى وراء فئة القاتل ليأخذ حقه، بل أنتم أهل لأن تسارعوا في تهدئة النفوس ونزع فتيل الفتنة ذلا وخضوعا وانكسارا لأمر الله تعالى، الذي جعل الذل للمؤمنين من علامات الطائفة المنصورة: ((فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)).
وإنا لنشهد لكم بالعزة على الكافرين والبسالة والقوة والبأس الشديد في قتالهم, ونناشدكم الله أن تقروا أعين إخوانكم بشواهد الشطر الآخر ((أذلة على المؤمنين)).
وليس لنا معكم ومع كل فصيل مجاهد إلا هذا: أن ندافع عنكم جميعا، وندعو لكم جميعا، وأن نسعى في التأليف بينكم وصد شياطين الإنس والجن عنكم، ونرفض فكرة استخدام السلاح ضدكم وضد أي فصيل مجاهد، فالأمة بحاجة إليكم جميعا. فالله الله يا إخوتنا! إن تنازعتم وفشلتم وذهبت ريحكم، فمن للأسيرات العفيفات يحملن في أحشائهن نطف الكلاب، ويتمنين الموت فلا يجدنه؟ من للأرامل واليتامى؟ من للعجائز والثكالى؟ من للأسرى في السجون يعذبون؟ من للمعاقين من أثر الحرب؟ من لأراض فتحتموها أهلها عيال عليكم؟
أسأل الله أن يشرح صدوركم لما يحب ويرضى. ((فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه))
والسلام عليكم ورحمة الله.
_______________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]