الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فهذه مقال قد أتبعه بآخر، أحاول فيه مناقشة مواثيق بعض الجماعات الإسلامية في سوريا مناقشة سريعة، راجيا من إخواني مراعاة ما يلي:
1 لسنا منتسبين إلى جماعة بعينها، وإنما يهمنا إعانة كل المشاريع الإسلامية الهادفة إلى نصرة المستضعفين في سوريا ومن ثم تحكيم شريعة الله عز وجل، ومناصحة هذه المشاريع وجمع كلمتها.
2 الحكم على ميثاق جماعة ما بالخطأ والصواب سيكون بمعزل عن واقعها، ليس لأن الواقع غير مؤثر في فهم الميثاق، وإنما لأننا نعتمد في ذلك أسلوب التفكيك ثم التجميع. فنوضح ما نراه حقاً وباطلاً في المفردات ثم عند جمع القطع في صورة متكاملة فإن العمومات تخَصَّص والمطلقات تقيَّد والتضارب يظهر. وأنا أترك مهمة تجميع المفردات لغيري ممن هم أكثر متابعة، آملاً أن يساعدهم ما أكتب هنا ولو قليلا.
3 أنا –إياد قنيبي- لست متخصصا في الساحة السورية ولا متابعا لكافة تفاصيل تصرفات وعلاقات وبيانات الكتائب المقاتلة وتطور مواقفها يوما بيوم. بل معلوماتي عن ذلك كله قليلة جدا. وهذا مهم للغاية لمن يقرأ كلامي هنا.
وإنما آمُلُ من مناقشة المواثيق مناصحة إخواني المشاركين في صياغتها، وتعزيز ما فيها من خير، ومطالبتهم بسد نقائصها حيث وجدت، وتقريبا بين العاملين في الساحة بحيث لا يختلفون في غير موطن الاختلاف… ولو كان هذا بإسهام بسيط.
4 قد يكون الميثاق المعلن لجماعة ما مقبولاً لكنه لا ينسجم مع واقعها. وحينئذ فبدلاً من رفض ميثاقها لمخالفة واقعها له، فإنا نميل إلى إقرار ما كان صواباً منه ومطالبتها بتبيان مبهماته ثم إلزامها بموافقة واقعها له، فذلك أقرب إلى الإنصاف وأجدر بحصول اجتماع الكلمة. وإلا اختلفنا وافترقنا دون فهم ما نختلف عليه!
5 نذكر الجماعات العاملة في الساحة دعوة وجهاداً أن هنا فصائل في ساحات أخرى كأفغانستان والعراق كان لها مواثيق تثلج الصدور، لكنها انحرفت انحرافات تبدو بسيطة في البداية أدَّت بها في نهاية المطاف إلى ممالأة المحتل ومحاربة إخوة العقيدة. فلسان الحال أبلغ من لسان المقال، ولا شك أننا نرى الانضواء تحت المشاريع الدولية نقيصة وانحرافاً ينذر بعاقبة غير حميدة، فنسأل الله لإخواننا المجاهدين جميعا البعد عن ذلك ونرجو لهم السداد والرشاد.
6 مقياسنا في تقييم ميثاق أية جماعة هو موافقته لدين الله تعالى، وخاصة في مسألة العصر التي حصل عليها التنازع، ألا وهي الاحتكام إلى شريعة الله تعالى وآليات الوصول إليه. وإلا فمسائل إغاثة المنكوبين وتحقيق العدل ومقاصد الشريعة العامة فهي مما لا تختلف عليه مواثيق الجماعات التي ترفع شعاراً إسلامياً.
ثم الثناء على موافقة ميثاق ما للشريعة في صياغاته لا يعني بالضرورة تأييدها تأييداً مطلقاً في كل ما تفعل: إنما هو مناقشة علمية مجردة للأدبيات المعلنة.
7 سنضطر إلى الاختصار لشدة الانشغال. فلا يعتب علينا إخواننا بأننا لم نعط موضوعاً ما حقه. فليس بالإمكان أحسن مما كان, وتأجيل الحديث إلى حين الفراغ يقلل الفائدة.
8 ما أكتبه هنا هو حتى تاريخه (الاثنين 09-ربيع الأول-1434 الموافق 21-1-2013)، وما يحدث بعد ذلك فــــــ ((ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين)).
وقد أبديت رأيي سابقاً في بيان أبي محمد الجولاني قائد النصرة. أما اليوم فنظرة سريعة في ميثاق الجبهة الإسلامية السورية وفق الله الجميع وسددهم.
فأقول بعد الاستعانة بالله تعالى:
1) حمل بيان الجبهة الإسلامية السورية –نسأل الله أن يسدِّدها ويجبر نقصنا ونقصها- عبارات جيدة صريحة في تحكيم الشريعة، مما يجعله من المواثيق التي يمكن قبولها قبولا مجملا مع مناقشة جزئياتها والسعي في تحسينها، بخلاف المنهجيات التي تنادي بالدولة الديمقراطية التي تجعل سيادة الشعب حاكمة على كل شيء، بما فيه الشريعة.
من هذه العبارات السديدة في بيان الجبهة:
“الرؤية: بناء مجتمع إسﻼمي حضاري في سوريا، يُحكم بشرع اﷲ الذي ارتضاه لهم”.
وأيضا: “وتعتبر الهيئة الشرعية هي الضابط الشرعي لكافة أعمال الجبهة وقراراتها ملزمة للجبهة”.
وبغض النظر هنا عن انسحاب أو عدم انسحاب هذه العبارة على مؤسسة الحكم فيما بعد التحرير، وعن المناقشة الفقهية لكون الشورى ملزمة أو غير ملزمة للحاكم المسلم، فإن ما يهمنا في هذه العبارة أنها لا تجعل المرجعية التشريعية للغالبية الشعبية، بل لهيئة تستمد شرعيتها من الشريعة.
وكذلك عبارة: “اﻹسﻼم هو دين الدولة، وهو المصدر الرئيس والوحيد للتشريع”
عدا عن عبارات أخرى محمودة في هذا البيان.
2) حمل البيان عبارات محتملة تحتاج تفسيرا، مثل:
“تقوم مرجعية هذا الميثاق على أصول الشريعة وقواعدها الكلية ومقاصدها العامة”
وعبارة “اﻷخذ بالتدرج المرحلي المنضبط”
وعبارة: “سنعمل بكافة اﻷساليب الشرعية الممكنة على أن ﻻ يكون في البﻼد أي قانون يخالف الثوابت المعتمدة في الشريعة اﻹسﻼمية”
وهي عبارات لا تُقبل ولا تُرفض حتى يتم تفسيرها، خاصة وأن لها مفاهيم معهودة في الأذهان علقت من التجربة المصرية. فما يحتاج تفسيرا هو “أصول الشريعة وقواعدها ومقاصدها” و”التدرج المنضبط” و”الأساليب الشرعية الممكنة” و”الثوابت المعتمدة”.
وقد يقول قائل أن هذا ليس الأوان المناسب لتفسير المجملات، وذلك دفعاً للخلاف واستعداء الأعداء. لكن لا يخفى إخواني أنها الآن سوق يعرض كل فيها بضاعته ويجتذب فيها المقاتلين وعامة الناس إلى منهجه، خاصة وأن البيان يتكلم بنفس من يريد أن ينضوي الآخرون تحت جناحه –وهو أمر لا يذم ولا يمدح لذاته- ففي مثل هذا المقام لا بد من التفصيل ليتخذ المستهدفون بهذا البيان مواقفهم على بينة، وإلا فلنقبل منه إجماله ثم إن وجدنا في مواثيق غيره من الجماعات ما هو أصرح فهي ميزة له عنه عن الميثاق المجمل في مواضع منه.
ونقول للجبهة: هل المقصود بهذا الميثاق حمل الفصائل الأخرى وعموم الناس على التعاون معكم في حربكم ضد النظام الأسدي المجرم؟ إن كان كذلك فالميثاق كاف في إلزام القوى الإسلامية بهذا التعاون.
أم أن المقصود به دعوة الفصائل الأخرى إلى الانضمام إليكم في مشروع دولة ما بعد الأسد؟ وهذا ما يفهم من صياغات الميثاق مثل عبارة (وجوب أن يكون للتيار اﻹسﻼمي صوت موحد يعبر عن مطالبه…) والسياقات المشعر بأن الجبهة هي هذا الصوت… وحينئذ فإننا نلتمس منكم التفصيل والبيان للمحتملات.
فمع تفهمنا التام لحرصكم على ألا تخسروا بعض الفصائل بالخوض في التفاصيل التي قد لا تجتمع عليها الكلمة، إلا أننا ندعوكم إلى أن تأخذوا بالحسبان فصائل أخرى وأفرادا يودون أن يكونوا على بينة من تفاصيل مشروعكم ومنهجكم وقد يكونون أولى باهتمامكم ومحاولات استقطابكم.
3) حمل البيان صياغات دقيقة كان واضحاً أنها تحاول الطمأنة في الإجابة عن تساؤلات كثيراً ما يطرحها الإعلام، وفي الوقت ذاته لا تجعل هذه الطمأنة وفق المصطلحات الدولية الديمقراطية التي تجعل المواطنة أساس التعامل مع الأقليات. مثال ذلك جملة:
“التعايش بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت مشاربهم وتباينت عقائدهم، ويترتب على ذلك حقوق وواجبات متبادلة، وتجعل أصل حرمة الدماء والأموال والأعراض مشتركاً بين الجميع، ولا مساس بشيء من ذلك إلا وفق أحكام الشريعة الإسلامية”.
ومثل هذه الجمل، وإن لم تكن صريحة في تقرير عقيدة الولاء والبراء وإبطال الأديان سوى دين الإسلام، إلا أنها في الوقت ذاته لا تحمل مخالفة صريحة لهذه العقيدة. فـ”التعايش بين أبناء الوطن الواحد” لا يعني التسوية بينهم في القيمة على أساس المواطنة، ولا تعني ضرورة الاكتفاء بالحدود القطرية والتنكر لمشروع الخلافة الإسلامية.
وعبارة “حقوق وواجبات متبادلة” لا تعني متماثلة.
وجملة (تجعل أصل حرمة الدماء والأموال والأعراض مشتركا بين الجميع) أضيفت فيه كلمة (أصل) بعناية وجعلت الجملة محتملة، وإلا لو رُفعت لفسد المعنى شرعا.
فما أدعو إليه إخواني من أنصار الفصائل الأخرى –إذ الخوف على بعض الأنصار أن يشطوا أكثر منه على الفصائل ذاتها- هو عدم التسرع في استنكار مثل هذه العبارات وتحميلها ما لا تحتمل، ومساواتها بالعبارات الناصة صراحة على التسوية بين أبناء الأديان على أساس المواطنة دون قيد من الشريعة.
فهذا التسرع قد يؤدي إلى صراعات فكرية يضيع فيها الإنصاف وتحري الدقة.
كانت هذه قراءة سريعة في ميثاق الجبهة الإسلامية السورية، نسأل الله أن يسددها ويجمع كلمتها بإخوانها العاملين في الساحة السورية ويجعل لها سهماً كبيراً في بناء دولة الإسلام الرحيمة العزيزة، وأن يجنبها مشاريع الاستدراج إلى سياسات الغرب ووكلائه في المنطقة.
ولا بد هنا من إعادة التأكيد على أني غير مطلع على واقع الفصائل الإسلامية وإنما كان ما سبق مناقشة مجردة لميثاق أحدها، ويبقى أن نرى الأفعال فنؤيّد ما كان منها موافقاً ونناصح في ما كان منها مخالفاً ما دمنا نتفق على الأصل من وجوب الاحتكام إلى الشريعة.
وما كان في ذلك من صواب فمن الله وله الحمد، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي وأستغفر الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
_________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]
1 Reply to “New article from Dr. Iyād Qanībī: "A Look at the Charter of the Syrian Islamic Front"”
Comments are closed.