وبه نستعين وعليه التكلان،
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، القائل في كتابه العزيز {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخاتم رسله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وبياني، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً ولا يسير إلا ما جعلته ميسراً، فأنت إذا شئت جعلت الصعب سهلاً.
انتهيت من تحرير الموضوع قبل أسبوع من الآن ، وكنت أنتظر عودة شبكة الشموخ المباركة لتشاركني هذا الأجر، وفي الوقت ذاته أحتفل وأتقرب إلى الله تعالى بالمشاركة في هذا المنبر العتيد، إقراراً لأعين الموحدين وإغاظة لأعداء الله من الكفار والمنافقين، ولنقول لهم بأننا ما زلنا على عهد التضحية والفداء والعطاء ماضون، ولن توقفوا هذه المسيرة الإعلامية المباركة مهما كدتم وتربصتم وألحقتم بنا من أضرار وتأخير لهذه المسيرة، فإن كيدكم لا يعدو أن يكون مجرد أذى كما قال رب العزة {لن يضروكم إلا أذى} وهو جزء من ضريبة الحق التي نتشرف ونتقرب إلى الله عز وجل بأدائها عن طيب نفس لنصرة إخواننا ونشر الحق لهداية الخلق أجمعين. أغتنم فرصة حلول شهر رمضان لأبارك لجميع الموحدين قدومه ونسأله سبحانه أن يوفقنا فيه لخير القول والعمل، ويتقبل منا ما نقدم وما نؤخر ويتجاوز عن تقصيرنا، وأتقدم بالتحية والدعاء إلى قادتنا ومشايخنا ومجاهدينا في كل مكان بأن يمكن الله لهم دينهم الذي ارتضى لهم ويحفظهم من كل سوء، ويختم لنا ولهم بشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين، وقبل ذلك بإثخان في أعداء الله بالسنان والبيان وتمكين لدينه وشريعته، إنه سميع مجيب.
ولن أنسى بأن أتقدم بسلامي ودعواتي لإخواننا وأخواتنا في سجون الكفار والمنافقين بأن يربط الله على قلوبهم ويثبتهم على الحق المبين، وان لا ينسونا من دعائهم فهم على ثغر عظيم وفي رباط متواصل، نسأله سبحانه أن يعجل فرجهم ويعين إخوانهم المجاهدين على فك أسرهم عاجلاً غير آجل.
كما لن أنسى إخواننا وأهالينا المرابطين الصابرين في كل مكان، في بلاد الشام وبلاد الرافدين وبلاد خراسان وبلاد القوقاز وبلاد المغرب الإسلامي والساحل الإفريقي وسائر بلاد المسلمين.
والله أكبر ، ولله الحمد والمنة على أفضاله ونعمه.
لقد أثار هذا الموضوع الكثير من النقاش ولا يزال، وحُقَّ له ذلك فهو يمثل منعطف خطير وحاسم وفريد في تاريخ أمتنا المعاصرة، وأهم ما يميز هذه الثورات هو عنصر المفاجأة لمؤيديها ومعارضيها، للشعوب التي ساهمت في صنعها وللحكام وأزلامهم الذين استهدفتهم وسقطوا غير مأسوف عليهم، وهذا ما جعل الكثير من الفرقاء غير مستعدين لاستقبالها وقطف ثمارها أو بالأحرى استغلالها بطريقة جيدة وحكيمة، لأنهم لم يكونوا على استعداد لذلك والكثير منهم لا يمتلكون الكفاءات اللازمة لاستيعاب هذه الثورات، وعلى رأسهم التيار الجهادي الذي يهمنا في المقام الأول.
ففي مصر على وجه الخصوص كما هو الحال في تونس وليبيا، فإن أغلب الجهاديين خرجوا من السجون والمعتقلات وانتهت مرحلة مطاردتهم وحصارهم عقب انتهاء الثورة مباشرة، مما جعلهم غير قادرين على مسايرة هذه الثورات والتأثير أو المساهمة فيها بشكل مباشر فضلاً عن قيادتها وقطف ثمارها كما سبق القول، وهذه حقيقة لا يمكن أن ننكرها وإخواننا يعترفون بهذا وليس هذا نقصاً أو عيباً أو دليلاً على تقصيرهم أو فساد منهجهم، ولكن لكل مرحلة أعمالها وخطتها المناسبة في التحرك بهذا الدين مراعاة لظروف الواقع وللكفاءات التي تتوفر عليها سواء كانت مادية أو بشرية.
لقد شاركوا في هذه الثورات بشكل جزئي وتفاعلوا معها ووقفوا حيث ينبغي أن يكونوا وفقاً للشرع الحنيف ومراعاة لواقع وظروف هذه الثورات ولكنهم لم يقودوها لكي يصلوا بها حيث ينبغي أن تصل نظراً لعنصر المباغتة الذي ذكرت آنفاً.
ومن هنا نفهم حكمة تقسيم الدعوة النبوية إلى مرحلة مكية وهي مرحلة الضعف وتأسيس القواعد المتينة للتجمع الإسلامي ثم المرحلة المدنية التي اتسمت باكتمال هذه القواعد وامتلاك الشوكة والمنعة وإعلان مرحلة الدولة، وهذه سنة قدرية وشرعية لا يمكن الخروج عنها ومخالفتها وحرق مرحلة من مراحلها.
انطلاقاً من هذه الثوابت ننتقل للحديث عن هذه الثورات وما بعدها، وكيفية التعامل مع ما تمخضت عنه من أحداث وتغيرات، وأهمها وصول ما أسميناهم بالإسلاميين الجدد في مقال سابق بعنوان:
” لكم دينكم ولنا دين : الديموقراطية والإسلاميون الجدد ” – (منشورات مؤسسة المأسدة الإعلامية).
فقد علم القاصي والداني من المسلمين ما عرفته العديد من بلدان هذه الأمة من تدافع وأحداث عظام انتهت بتغيير رؤوس الحكم فيها ولا زال الحبل على الجرار في بلدان أخرى والتدافع على أشده، ولا زالت دماء الشعوب المسلمة تهرق بكل وحشية وعنف من قبل عصابات الحكم، دون رحمة ولا شفقة، ولا تفريق بين محارب مشارك ومحايد مستضعف من النساء والولدان والعجزة، الكل يوضع في محرقة الطواغيت وتُهدم بيوتهم على رؤوسهم وهم نيام وتنتهك أعراض نسائهم ويُذبح أطفالهم قرباناً للشيطان وتأجيجاً لنار العصبية البغيضة والطائفية المقيتة، سعياً من هؤلاء إلى الحفاظ على كراسيهم ومواصلة نهب ثروات الشعوب على حين غفلة منها.
لابد أن نكون منصفين اتجاه هذه الثورات الأخيرة، فقد مكنت هذه الأحداث أو ما اصطلح عليه بثورات الربيع العربي من كسر جزء كبير من حاجز الخوف الذي كان يمنع ويكبل الشعوب المسلمة من مجرد الأنين أو الصراخ جهراً في وجه الطغاة فضلاً عن الشكوى أو الاحتجاج وصولاً إلى الانتفاض، فكان هذا فضل كبير وانجاز عظيم تحقق بفضل الله تعالى ورحمة بهذه الشعوب المظلومة، مما فتح مجالات واسعة للحركة كما سمح كذلك بخروج كل المعتقلين من سجون الطواغيت والتحاقهم بأهليهم وذويهم بعد عقود من الحرمان والغياب المهين، وأدى ذلك أيضاً إلى هدم آلة الرعب والقهر التي كان يمتلكها هؤلاء الطواغيت ويروضون بها شعوبهم لتبقى تحت خط الفقر وفي حظيرة الحيوانية والعبودية المطلقة.
فهناك إذن مصالح كثيرة تحققت من جراء هذه الثورات لا يمكن أن ينكرها عاقل فضلاً عن منصف ينبغي أن ينظر بعين الحكمة للأحداث التي تدور من حوله فيستفيد منها لخدمة مبادئه، والإعراض عن الاستفزازات وتفادي العقبات التي ستعطل مسيرته أو ستوقفها نهائياً.
واقع الحركة الجهادية في مصر
لا ننسى أيها الأفاضل أن الحركة الجهادية اليوم ما زالت تعيش – جزئياً- مرحلة الضعف أو ما يصطلح عليه بالمرحلة المكية المعاصرة في الكثير من البلدان وعلى رأسها أرض الكنانة، مع فارق واضح وجلي وهو اكتمال الشريعة والدين بخلاف المرحلة المكية الأولى حيث كانت الشريعة غير نهائية والدين غير مكتمل بعد، وفي هذا الإطار ينبغي أن يتحرك الموحدون بمزيد من الحكمة والحنكة ليكملوا بناء مؤسساتهم ونشر دعوتهم وتجنيد الموحدين الجدد استعداداً للمرحلة المدنية القادمة، والتي تتسم أساساً بالخروج القوي والحسم النهائي وبسط نفوذ الشرع ولو كره المخالفون، وهو ما يشير إليه قوله تعالى {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
ولكن هذا لا يعني أنه محرم علينا بيان الأحكام الشرعية النهائية في المستجدات والمسائل العظيمة، أو أننا مطالبون بمداهنة الكفر وأصحاب الأهواء حتى نتفادى مكرهم فيكون ذلك على حساب مبادئنا وأصول ديننا، كلا، بل إن الحكمة الحقيقية تكمن في التصدي لكل هذه الاستدراجات وتحدي كل الاستفزازات وتجاوزها بالثبات على المبادئ وقول كلمة الحق غير ناقصة رغم الحصار المضروب علينا حتى يتبين للناس الحق.
فالغالب على الساحة المصرية اليوم وكذلك في جل البلدان الأخرى هو التوجه الإسلامي المعتدل أو المدجن وهو هذا الخليط من الشعارات الإسلامية والمذاهب الكفرية الأخرى مثل الديموقراطية والعلمانية، فقد انخدعت الجماهير بهذا التوجه ورأت فيه الخلاص المؤقت لما تعانيه من قهر وحرمان، وقد عاينت بعض الانفراج والتغيير بعد هذه الثورات مما زاد من ترسيخ هذا المنهج في نفوسهم واعتقادهم بأنه هو السبيل الأمثل لهم نحو حياة أفضل.
يجد الإخوة أنفسهم أمام هذا الواقع وهذه الحقائق الصارخة، وعليهم أن يتعاملوا معها ويبحثوا عن سبل الخروج مع تثبيت أقدامهم على الأرض وترسيخ منهجهم في النفوس ،مع مراعاة طاقاتهم المحدودة والمرحلة التي يعيشونها والتي تتسم بمداواة جروحهم بعد فترات السجن الطويلة والحصار المحكم ثم محاولة رص الصفوف وبناء القواعد المتينة والبنيات التحتية التي ستكون حضناً لهذه الجموع الغفيرة التي تنتظرهم في الشارع.
فليس من الحكمة بمكان في هذه الظروف أن يقوم الإخوة بتطبيق مواقفهم المتضاربة مع هذا الواقع المعيش، من قبيل الدخول في صدام أو صراع مع باقي التيارات الحاضرة في الساحة وعلى رأسها المجلس العسكري والجماعات “الإسلاموديوقراطية” أو الإسلاميون الجدد والذي يشكل ” الإخوان” و ” السلفيون” عمودها الفقري ، إضافة إلى باقي التجمعات العلمانية والجالية النصرانية وهما العدوان المباشران للإسلام والمسلمين.
تفادي الصدام ليس ضعفاً بقدر ما هو تقدير للأوضاع بحكمة وروية، وبعد نظر تحتمه المرحلة، وهو بمثابة امتلاك للنفس وكبح جماحها طمعاً في تحقيق ما هو أعظم للمنهج مقابل نتائج قد لا تتحقق لو دخل الإخوة الآن في صراع وتدافع وبدأوا في استدراج خصومهم بواسطة حرب كلامية والإعلان عن مواقفهم بحدة.
الشعب المصري – وغيره من الشعوب المسلمة- لا زال بحاجة إلى جرعات زائدة من الوعي والمعرفة فيما يتعلق بأصول منهج التوحيد، وهذه الدروس سيتلقاها بطريقة عملية على أرض الواقع بواسطة سفراء التوحيد بثباتهم وصبرهم وحكمتهم، وهو الاستعلاء الإيماني دون التنازل عن مبادئهم، والنزول إلى الساحات للاحتكاك بهذا الشعب قصد الارتفاع به إلى النصاب المطلوب من الالتزام والتضحية والفداء لهذا الدين العظيم، وهي المرحلة التي تصل فيها شعوبنا بأن تفرق بين الحق والباطل وتميز بين الصادق والكاذب ، ومن ثم تتخذ الموقف الصحيح من كل طائفة تدَّعي خدمة مصالحها والدفاع عنها.
لا ينبغي أن نتصور أننا سننجح في ضم غالبية الشعب إلى جانبنا ويصير هؤلاء جنود مجندة ووقف لهذا الدين، هذا لم يتحقق حتى للأنبياء والرسل الكرام من قبلنا مع ما كان معهم من تأييد وآيات ربانية، فكانت القلة هي التي تلتزم وتضحي وتصبر وتواصل المسير حتى يحقق الله بها النصر والتمكين، بينما الكثرة تكون دوماً تبعاً ويكون انضمامها بعد تحقيق النصر، وهو ما يشير إليه قوله تعالى في سورة النصر.
الغايات الخفية من وراء الانتخابات في مصر
إن معركة الديموقراطية أو حرب الانتخابات العصرية تعتبر بديلاً ممسوخاً لمعركة الجهاد المشروعة، وهي فخ محكم نصبه أعداء الله تعالى لكي يزجوا بالقوى الإسلامية في هذه المتاهات وفي هذه المعارك الناعمة دون تقديم أي تضحيات أو دماء لتحقيق النصر.
كل ما يتطلب الأمر هو مجرد تصويت ورمي لورقات داخل صناديق زجاجية ثم ب”قدرة قادر” وفجأة يتحقق النصر والتمكين لهؤلاء المغفلين السذج ويستحوذون على مجالس التشريع ثم الحكومة التنفيذية بل حتى رئاسة الدولة نفسها، وما أسهلها من طريقة وما أرخصها من تكاليف!!!
بل قل ما أفلسها من صفقة تلك التي يقدم فيها المرء رأس ماله كله مقابل ربح غير مضمون، بل ربح موهوم لا يلبث أن يتحول إلى سراب ثم خزي وندامة.
ما كان ستؤول إليه هذه الانتخابات ليس بجديد ، فاستراتيجية أعدائنا من الخارج وغايتهم حتى من دون أن يعترفوا أو يصرحوا بها، هو تقديم الإسلاميين المعتدلين إلى الحكم الصوري، فقد لمسناها منذ مدة ليست بالقصيرة عبر المنهجية الجديدة التي ينتهجونها في تعاملهم مع الإسلاميين الديموقراطيين، سواء في تركيا أو تونس أو المغرب، والتسهيل لهم في الساحة لكي يصلوا إلى مراكز الحكم الصوري كواجهة تزين كفرهم وفسادهم ، ومن أجل تنفيذ سياسات أسيادهم الذين بيدهم القرارات الحقيقية والحكم الحقيقي.
الجديد في الأمر هو أن المعركة القادمة ستكون بين هؤلاء الإسلاميين الديموقراطيين أو المعتدلين بدعم مما يسمى بالنظام العالمي الجديد أو المنظمات الدوليةمن جهة، وبين الحركات الجهادية بشكل عام وتنظيم قاعدة الجهاد بشكل خاص، وهو التوجه الذي يمثل الإرهاب في نظر أعدائنا.
إنهم يستعجلون المواجهة بيننا وبين هؤلاء الإسلاميون الجدد ويقومون باستدراجنا واستفزازنا إلى ساحة المعركة، وهي خطة مكشوفة سيضربون بها عصفورين بحجر واحد، إضعاف المد الجهادي وإشغاله في معارك هامشية وجانبية بعيداً عن المعركة الأساسية معهم، والغاية الثانية هو تشويه الحل الإسلامي في نظر الشعوب حينما يرون الصراع على أشده بين فرقاء تنتمي إلى المنهج الإسلامي وتقاتل على المناصب والمصالح الدنيوية كما ستفهمه الشعوب.
هذهالثورات العربية التي حدثت ولا تزال قائمة في عالمنا العربي، تمخضت عنميلاد هذا التوجه المسخ ، وهو خليط من شعارات إسلامية خالية من التطبيق وهو ما يسمونه بالإسلام المعتدل الذي يتصالح مع الغرب ويقبل بالتعاملمع قوانينه الدولية المخالفة لشريعة الإسلام، وغايتهم الكبرى ليست تطبيقهذه القوانين على الشعوب المسلمة فحسب بقدر ما هي محاولة لاستئصال التوجهالمعادي لهم وهو هذه الجماعات الجهادية والتوجه الجهادي بشكل عام في الأمة.
فالمعركة ستكون طويلة ومكلفة، كما أنها ستكون بحاجة إلى حكمة بالغة في تسييرها من قبل قادة الجهاد في كل مكان، فالساحة مليئة بالألغام، والشعوب بدورها ستكون مادة الصراع، نسأل الله أن ينصر عباده الموحدين على هذه الأحزاب مجتمعة.
نصائح وتوجيهات للإخوة الموحدين في مصر
لقد صُدم الشعب المصري المسلم وخاصة أنصار الجهاد وأصحاب التوجه السلفي الجهادي، من هول ما رأوا وسمعوا على ألسنة قادة الإخوان وعلى رأسهم الرئيس المنتخب ” محمد مرسي”، وتنكرهم المستهجن للشريعة الإسلامية ووقوفهم إلى جانب النصارى والعلمانيين والحداثيين بحجة تغليب كفة الوطنية على كفة العقيدة، وكأن الوطنية قد نسخت الإسلام ولم يعد لعقيدة الولاء والبراء مكان في الدين الجديد لهؤلاء، فصارت الوطنية هي المقياس الأساسي للتعامل مع الناس، ثم تليها القوانين الدولية التي تشرعها المؤسسات الصهيوصليبية العالمية التي يفرضون علينا احترامها والانضباط بتعاليمها.
هذا الواقع المرير لاشك أنه سيستفز إخوة التوحيد في مصر وسيدفعهم إلى المسارعة لكسب المزيد من الأنصار وامتلاك المزيد من المواقع في المجتمع إذا كانوا قدوة لمن حولهم وجسدوا تعاليم دينهم رغم هذا الحصار وهذه الحرب المفتوحة عليهم.
فأهم شيء في هذه المعركة هو امتلاك النفس وعدم الانجرار وراء استفزازات الخصوم والأعداء، وتوقيت الخروج والإحجام والانتظار بكثير من الحكمة وبعد النظر، حتى تفوتوا على هؤلاء فرص توريطكم في معارك لستم مستعدين لخوضها، أو إقحامكم في مواقف ستُحرجون فيها بسبب عدم اكتمال القدرات اللازمة.
فمن السهل جداً أن نفتح على أنفسنا أكثر من معركة على أكثر من صعيد، ولكن من الصعب جداً أن ننهي كل معركة فتحناها بنصر وتمكين، خاصة في مرحلة التكوين وبناء المؤسسات والهياكل الأولى، وهذا ما ينبغي أن يتنبه له الإخوة الموحدون في مصر، ويتسلحوا بالصبر الإيجابي البناء في مقابل الإقدام المتعجل الهدام.
من بين أكبر وأهم التحديات التي تنتظر الإخوة هو السعي الحثيث نحو نشر المنهج واستغلال هذه الظروف والهوامش المتاحة لتأسيس البنيات التحتية وبناء النفوس المؤمنة لتكون هي الرصيد الجوهري والأساس للعمل والتوسع المستقبلي، ولا بأس من وجود بعض التشنج وبعض المخاض فهو نافع جداً في مرحلة التكوين، حتى لو اضطر الإخوة إلى خلقه من وقت لآخر لأنه يشكل البيئة المناسبة والمثلى لعملية التكوين والتربية المطلوبة.
فلا تنسوا أنكم تريدون تكوين جيل من المربين والمضحين والبناءين للنفوس والجنود المؤمنة، وهذا لا يتأتى لرجال تنقصهم صفات الربانية إلى جانب الصبر على المحن والشهوات علىمختلف أنواعها.
نريد منكم أن تكونوا قادة ومربين وموجهين وجنوداً في نفس الوقت، لقد مضى عهد العمل الترقيعي الأعرج الذي يعتمد على القائد فقط، بحيث يكون هذا الأخير هو الجماعة كلها حتى إذا فُقد تجمد العمل وتشتتت الجماعة وبقي الأعضاء مشردين كالأيتام وربما تعرضوا للفتنة وانقلبوا على أعقابهم.
فهذه المنهجية في العمل لن تقود إلى التمكين ولن تؤهلكم لكي تكونوا أئمة تهدون بأمر الله، فالواقع أصبح اليوم من التعقيد بحيث يتطلب جنوداً من نوع خاص يتمكنون من إطفاء كل نيران الفتنة التي يشعلها أعداؤنا بيننا وبين شعوبنا ونسف كل الشبهات المطروحة حول المنهج بغية تشويهه وصرف الناس عنه، وقادرين على بناء عمل دعوي وجهادي مستقل حتى لو كانوا بعيداً عن القيادة الفعلية للجماعة ، بالرجال فقط دون الحاجة إلى العتاد، لأن الرجال بإمكانهم أن يوفروا كل ما يلزم لإنجاح كل عمل يقوم في سبيل الله.
لا نريد أن تتكرر الكبوات وتكثر فتصير هي الأصل في العمل بينما تحقيق التقدم وتثبيت المنهج يكون هو الاستثناء، أمامنا تجارب عديدة ونماذج فريدة لابد أن نستفيد منها ونكمل ما تبقى من البناء لأننا نؤمن بالتكامل ونرضى بالتعاون والتنسيق مع كل إخواننا ونقبل نقل تجاربهم إلى أرضنا، ونحن نعتبر إخواننا في المنهج جزء لا يتجزأ منا ومشروعهم هو مشروعنا وكل جهودهم لابد أنها ستصب في خدمة مشروعنا في الداخل، فنحن كتلة واحدة وإن تعددت الأذرع والفروع.
وليكن لنا في أعدائنا قدوة في هذا المجال، وانظروا كيف تتكاثف جهودهم وتجتمع آراؤهم وتتوحد قواتهم من أجل محاربتنا وحصارنا ، ويتبادلون الخبرات والتجارب في السر والعلن ويتناسون أو يغضون الطرف عن خلافاتهم بينما نبقى نحن مشتتون ويعمل كل واحد منا على حدة في جبهته فيكون في ذلك تشتيت للجهود وتكون الجماعة عرضة للهزيمة.
إنزلوا إلى المجتمع وتقربوا من الناس وانغمسوا بينهم وعيشوا مشاكلهم وهمومهم لتكسبوا ثقتهم فتضمنوا سماعهم لخطاباتكم ومن ثم انضمامهم إلى صفوفكم لتحمل جزء من مسئولياتهم اتجاه نصرة دينهم.
هذا هو رصيدكم الحقيقي الذي ينبغي الاعتماد عليه – بعد معية الله عز وجل وتوفيقه -، فالناس قد ملوا من الخطابات المنافقة الجوفاء، التي ليس لها أي صدى وتأثير في الواقع، لقد يئسوا من هذه الأحزاب المتلونة كالحرباء، ومن هذه الجماعات التي لبست لبوس الدين،كل يوم مع منهج ودين ومبدأ مخالف يتلون حسب المحيط والظروف القائمة، في حين أنكم تتميزون بالمفاصلة عن الواقع الفاسد وكل مؤسساته الفاسدة ثم الثبات المتواصل على هذه المفاصلة مهما طرأ من أمر.
لا تكونوا مثل هؤلاء ” السلفيين” ، ملأوا الدنيا كلاماً وشعارات وخطباً حول الكفر بالطاغوت والقوانين الوضعية ثم الكفر بالديموقراطية كوسيلة لبلوغ الحكم، ثم حينما طرأت على الساحة المصرية بعض التغييرات على مستوى رؤوس النظام وليس النظام نفسه، سارعوا إلى المشاركة في اللعبة السياسية تحت قبة شرعية المجلس العسكري، ثم أعطوا ولاءهم لهذا المجلس المرتد بحجة الحفاظ على المصالح الوطنية وأن هذا الجيش هو حامي حمى الدين والوطن، وبعد ذلك أحلوا الديموقراطية كوسيلة شرعية للوصول إلى الحكم، ولبَّس عليهم الشيطان وأعمى أبصارهم حينما توهموا أنهم بالوصول إلى مجلس الشعب سوف يقومون بكتابة دستور إسلامي، ثم بعدما أوقعهم في هذا الشرك والفخ ، زادوا من انبطاحهم وتنازلاتهم فاختاروا لجنة من الجاهلين والعلمانيين والقوميين والمتأسلمين لكي يقوموا بمهمة تدوين الدستور، وهذه كانت طامة الطوام ومصيبة المصيبات، وهنا الدليل القاطع على أن من سلك طريقاً غير سبيل المؤمنين لتحكيم شرع الله عز وجل فإنه سينتهي به المطاف أن يكون ألعوبة بأيدي الطواغيت وأضحوكة السفهاء ، ويكون الشيطان بذلك قد صدق عليهم ظنه ولات حين مندم، وأعظم من هذا وذاك سيكون هؤلاء من الذين سقطوا في كفر التشريع من دون الله تعالى وهو الزيادة في الكفر بعد أن رضوا بالحكم بغير ما أنزل الله، فجعلوا الشعب هو المشرع من دون الله عز وجل وصار بذلك رباً وإلهاً برضاهم.
إياكم والإغترار بالسلطة الملوثة والركض وراء المكاسب السياسية دون تقديم التضحيات المطلوبة لذلك، فإن نصر الله وتمكينه لا يؤتى لمن بدل دين الله أو أطاع أعداء الله أو حتى مجرد تنازل عن جزء من دينه، فطريق النصر دونه الدماء والأشلاء والجراح والآهات والتشريد والمطاردات، ليس هناك طريق غيرها، فهي صراط الله المستقيم وغيرها سبل الشيطان فلا يغرنكم كثرة سالكيها (أي هذه السبل) كما لا ينبغي أن يثبطكم قلة سالكيه (أي الصراط)، ومن هنا ينبغي عليكم أن تعدوا العدة اللازمة والمطلوبة لسلك هذا الطريق، فلكل سفر زاده، ولكل معركة عدتها، ولكل حرب رجالها وجنودها، فاجمعوا بين السيف القلم، وبين العقل والحلم، وبين الصبر والشجاعة، وبين التضحية والعزة.
اعتبروا ” محمد مرسي” كأنه واحد من عامة الشعب الذين غلَّبوا واتخذوا الوطنية البغيضة ديناً، وتعاملوا معه على أنه رئيس دولة جاء بديلاً عن اللامبارك المجرم، في خضم أحداث الثورة ، حيث تجَمَّع القوم وفكروا وقدروا وأجمعوا على جعل ” محمد مرسي” رئيساً للبلاد لأنه الشخص الأنسب للمرحلة، ولأن جماعة ” الإخوان المسلمون” هم من يمتلك المؤهلات والميزات التي تجمع بين الوطنية وشعارات إسلامية وبين الديموقراطية لكي يتترس بهم المجتمع الدولي في مواجهة المد الجهادي القادم، وفي الوقت ذاته يكسب به ولاء الشعب ويُخمد به شرارات الثورة التي لا تزال متوقدة والتي يخافون أن تنتقل إلى بقية شعوب المنطقة (منطقة الخليج) لتحرقها وتحرق معها مصالحهم ومشاريعهم البعيدة المدى، وعلى رأسها أمن اليهود واستقرارهم.
عليكم أن تستغلوا هوامش الحركية الممنوحة لكم في الساحة إلى حين امتلاك القوة والشوكة التي تمكنكم من بدء بسط نفوذكم ونشر منهجكم، وليس من الحكمة بمكان أن تستعجلوا المعركة مع خصومكم ما لم يكتمل بنيانكم التنظيمي وتضمنوا تعاطف عدد لا بأس به من جماهير الأمة.
تعاملوا مع هذه التجمعات والأحزاب المحسوبة على الإسلام كأنها أحزاب سياسية، ما دامت لم تلتزم بتعاليم الإسلام الحقيقية في تعاملاتها واحكموا في هذه المرحلة على الأقوال والفعال ولا تحكموا على الأعيان لأن ذلك لن يفيدكم في شيء، لأن بيان المنهج وكشف عواره وفساده هو المطلوب حتى لا تدخلوا في متاهات وتبتعدوا عن الغايات العظمى لدعوتكم وجهادكم.
هناك الكثير من المخدوعين والمغفلين في صفوف هؤلاء بحاجة إلى حكمتكم وصبركم واستقامتكم لكي تهدوهم إلى سواء السبيل، فركزوا جهودكم عليهم واعتبروهم جزءاً من وسائل النصر والتمكين لهذا الدين، فأنتم دعاة وهداة قبل كل شيء، ومن حق هؤلاء عليكم أن تخرجوهم مما هم فيه من تيه وضياع وبدعة وضلال.
إن أعداءكم ينتظرون منكم أن تدخلوا في صدامات مع خصومكم قبل الأوان، فكونوا أذكى منه وأكثر فطنة ، وبينوا للناس حقيقة المنهج وما غاب عنهم من أصول الدين وأسسه في مسائل الإيمان والكفر ومسائل الحاكمية ومسائل الولاء والبراء ليكتشفوا بأنفسهم حقائق الرجال ومدى بعدهم أو قربهم من المنهج الحق.
أنتم جزء من هذا الصراع القائم ولستم بمنأى عما يحدث في مصر أو غيرها من البلدان التي سيطرت فيها الديموقراطية على زمام الأمر، فأنتم تتابعون الأوضاع هناك أولاً بأول ويحس الواحد منكم كأنه يعيش في قلب الحدث، وهذا من فضل الله على هذه الأمة التي جعلها كالجسد الواحد، ويحمل المسلم هموم إخوانه مهما أبعدتهم الحدود المصطنعة عنه، لكنه يعتبر نفسه جندي للدفاع عن الدين وعن أعراض إخوانه وأخواته في كل مكان. من هذا المنطلق يتحرك المؤمن ويتابع الأحداث ويعلق عليها ويشارك في صنعها ويبحث عن الحلول المناسبة لكي يتقدم المنهج الصحيح ويحقق انتصارات في نهاية المطاف.
اعلموا أيها الأفاضل أن ما ترونه من بنيان ومكاسب لهؤلاء الإسلاميين الجدد إنما هو سراب سرعان ما يسقط على رؤوس أصحابه لأنه بني على باطل وأساسه هش وأهون من بيت العنكبوت، فلا تغتروا بما نالوا ولا تأسوا على ما فاتكم من نصر مزيف ملغوم، فالعاقبة تكون لمن رضي بالله رباً واتبع دينه وهدي نبيه، فلا تستعجلوا قطف الثمرة قبل أوانها، ولم تخسروا شيئاً ما لم تخسروا عقيدتكم وثباتكم عليها، فإن الله تعالى يدَّخر لكم كنوزه من النصر والتمكين والأتباع للوقت المناسب فأيقنوا واصبروا وصابروا وأعدوا ما يلزم من أوقاتكم وأموالكم وأنفسكم.
أنتم اليوم أمام جموع من أنصار الباطل وأتباع الهوى، وكلهم مجمعون في صعيد واحد يزين لهم الشيطان أعمالهم وما جنوه من مكتسبات، فيحسبون أنفسهم على شيء وهم أبعد الخلق عن الحق، وأقربهم إلى الباطل.
كونوا أنصار الله بالانتصار على أنفسهم وإخضاع أهوائكم للحق الذي جاءكم به نبيكم، فما لم تنتصروا على حظوظ أنفسكم فلن تنصروا حقاً ولن تهدموا باطلاً، واعلموا أن النصر والتمكين ما هو إلا ثمرة هذا الجهاد العظيم الذي لابد من خوضه قبل خوض غمار المعارك بالخيل والعتاد.
في اعتقادي أن أسهل طريقة وأفضلها لكشف عوار هؤلاء المنحرفين هو مواصلة الثبات على الحق ونشر منهج المجاهدين الأخيار، وتبني قضايا الأمة الكبيرة والمصيرية قولاً وعملاً، والانغماس وسط الشعوب المسلمة والوقوف إلى جانب المستضعفين في السراء والضراء قبل أن نطلب منهم أن يكونوا تبعاً لنا وأنصاراً لهذا الدين، فالمنهج الصحيح يدخل إلى قلوب الناس انطلاقاً من أعمال أصحابه وتضحياتهم وثباتهم عليه،ولا يحتاج صاحب الحق إلى كثير كلام لكي يُقنع الناس بأنه على الحق، فيكفي أن يكون هو صادقاً مع ربه ومع المنهج الذي يحمله، وحينئذ سترى كرامة الله وهدايته لمن حولك من حيث لا تحتسب، وستجد أنصاراً وجنوداً لم تكن تنتظرهم يعملون في السر والعلن لنصرة هذا الدين ويكفرون بالطاغوت وبأعوانه وفي طليعتهم هذا الطابور من علماء السوء وطوائف البدعة ومنها هؤلاء الإسلاميون الجدد أتباع دين الديموقراطية.
وفي الوقت ذاته ينبغي على المجاهدين وأنصارهم أن يكثفوا من نشر سير علمائنا الصادقين الصادعين بالحق ونشر علمهم بين الناس، والتسلح بالعلم الشرعي والمسارعة إلى تكوين علمائهم وطلبة العلم الجامعين بين العلم والجهاد والحرص عليهم ليسدوا الثغرات الموجودة لدى الناس في هذا المجال.
وهناك فئات من أهل العلم (علماء وطلبة علم) يمكننا اعتبارهم فئات وسط، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بمعنى أنهم ليسوا مؤيدين للمنهج الجهادي مطلقاً ولا أنصاراً للطواغيت وهم كثر، ينبغي التركيز عليهم ومحاولة استقطابهم وكسب تعاطفهم وذلك بأن نوصل إليهم أخبار المجاهدين في الثغور وأبحاثهم الشرعية ونشراتهم السياسية التي تتبنى قضايا الأمة وتوجه الناس لنصرة الدين والتضحية في سبيله.
الغاية هو أن نوصل حقيقة المجاهدين للناس جميعاً ليقفوا إلى جانب الحق ويفرقوا بين من ينصر الحق ومن يخذله، هذا واجب وفرض عين على كل مسلم لأنه داخل في قوله تعالى ﴿ وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾فهذا أمر رباني بأن نقف إلى جانب الحق وأهله وننصرهم بما نستطيع، ومن صور نصرة المجاهدين أن ننشر أخبارهم وأعمالهم التي يخدمون بها دين الله ويدافعون بها عن العباد من أجل إخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة ربهم الأحد.
وأما وسائل إيصال هذا الحق للناس ومنهم العلماء، خاصة العلماء الذين نتوخى فيهم الخير وننتظر منهم مواقف تتلاءم والعلم الذي يحملونه، أقول بأن هذه الوسائل تختلف من محيط لآخر ومن بيئة لأخرى، فأهل البلد أدرى بما يتناسب مع بيئتهم وظروفهم الأمنية والاجتماعية. ومن بينها استغلال الشبكة العنكبوتية بما فيها من منابر طيبة نوصل من خلالها ما نريد من أخبار وحقائق عن هؤلاء المجاهدين وعن جهادهم ضد أعداء الدين.
أما في المناطق التي يتعذر على أهلها استعمال الشبكة فالمطلوب أن نوصل مطبوعات وتسجيلات المجاهدين إلى هؤلاء العلماء – بطرق مباشرة أو غير مباشرة- لأسباب أمنية لا تخفى على كل عاقل،وعدم الاندفاع بالعاطفة الجياشة حتى لا يصبح الإخوة أوراقاً محروقة فتتوقف بسببهم أعمال خير كثيرة.، فلا تنسوا أيها الأحبة أنكم تعيشون وسط ألغام وكمائن تترقبكم وتترصد تحركاتكم وتنتظر منكم أدنى غفلة وتفريط لكي تحصدكم.
هناك الكثير ممن يُحسبون على العلم ويعتبرون أنفسهم أو يعتبرهم الناس علماء أو طلبة علم ، لهم موقف وسط، بحيث لا ينصرون باطلاً ولا ينصرون حقاً، خوفاً من الطواغيت وهم لا يدخلون في صفوف هذه الأنظمة المرتدة المحاربة لله ولرسوله وقد تراهم في بعض التجمعات الخاصة يعلنون عداءهم لهذه الأنظمة وتعاطفهم مع المجاهدين إجمالاً، ولكن في نفس الوقت تراهم ينقدون بعض مواقف المجاهدين الناتجة عن الصورة السيئة التي يحملونها عن هؤلاء، وهذا لعمري تناقض كبير وغريب، بحيث يتعذر على أصحاب العقول فهم هذه الظاهرة الفريدة والعجيبة لدى هؤلاء، ولكنها موجودة ومستشرية في أوساط هذه الأصناف من أهل العلم.
أما بخصوص أسباب هذه الظاهرة ففي اعتقادي تتلخص في جهل هؤلاء بواقع المجاهدين وحقيقتهم وهذا راجع إلى وجود العديد من الشبهات الرائجة والمنتشرة على ألْسِنة خصوم المجاهدين، سواء من قبل علماء السوء المؤيدين للحكومات المرتدة أو من قبل الجماعات البدعية التي تعادي التوجه الجهادي مبدئياً مثل أدعياء السلفية أو الفرق الصوفية أو الروافض وأذيالهم في بلداننا أو من طرف بعض الكتاب الإسلاميين/ العلمانيين الذين يسمون بالمتنورين الجدد أو من قبل الإسلاميين/ الديموقراطيين – وما أكثرهم هذه الأيام – وغيرهم من الفرق الضالة المعادية للتوجه الجهادي بشكل عام.
وكرد فعل على هذا التوجه، يجدر بأنصار الجهاد من الكتاب والعلماء وطلبة العلم أن يشحذوا الهمم لدحض هذه الشبهات بالحجة والبيان ويواصلوا نشر المنهج الجهادي في أوساط الناس بثباتهم وصدقهم وتضحياتهم لكي ينسفوا هذه الشبهات ويهدموا هذه السدود ويتخطوا هذه العقبات ويصلوا إلى قلوب الناس وعلى رأسهم هذه الفئات التي تُحسب على العلم والتي ينبغي استهدافها لتصبح من جنود الحق بدلاً من معاداتها فتصير جنوداً للباطل أو تخذل الحق في أضعف الحالات.
وبعد،
فإن ما تحقق من مكاسب بعد ما يسمى بالثورات العربية لا يمكن إهماله بل المطلوب استغلاله في خدمة الدين ونشر المنهج الحق في ظل ما توفر من هوامش للحركة بالبيان والعمل، ولا ينبغي أن يكون سبباً في تشتيت صف الإخوة الساعين إلى التغيير وفق المنهج الإسلامي الصحيح { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
قد تختلف وجهات النظر والرؤى والاجتهادات حول هذه المسألة ولكن أبداً لا ينبغي أن تكون سبباً في التنافر والتناحر وخلق أجواء من الشحناء فيما بيننا، سواء بالنسبة للإخوة في داخل مصر أو خارجها ، وأنا اعتبر أن من بالخارج يقع على عاتقهم قسط وافر من مسئولية التغيير ومد يد العون لإخوانه بالرأي والمشورة والنصيحة الصادقة، بعيداً عن اتهام النيات ونسف جهود الإخوة بسبب اتخاذهم مواقف قد تختلف مع مواقفنا وقناعاتنا.
فأكثر ما يسعى الأعداء إلى تحقيقه من وراء هذه الثورات وتقديم الإسلاميين الجدد إلى سدة الحكم الصوري، هو خلق هذه الأجواء من التطاحن والتفرقة والتباين بين أنصار الجهاد وقادتهم لكي تظل الأوضاع كما يريدون، ونصاب بنوع من العقم والجمود والانبهار بما حصل، وندخل في مرحلة طويلة من الجدال وسوء الظن وإسقاط بعضنا البعض بل وتبادل الاتهامات بدون وجه حق في حق بعضنا البعض.
هذا في الوقت الذي ينبغي أن نسعى إلى البحث عن القواسم المشتركة المتوفرة وهي كثيرة وتعزيزها وتقويتها بالتعاون والتناصح، وقبول الآخر واعتبار رأيه وقناعته جزء من الحل المنشود، فإن تعدد الآراء ظاهرة صحية ومصدر قوة لنا معشر الموحدين ما لم يكن هناك ولاء للذين ظلموا وتزيين لباطل المبطلين ونصرة لشركياتهم مهما كان لونهم وشكلهم، فنحن نحكم على ظاهر العمل دون النظر إلى الأشخاص أو التنقيب على قلوبهم، أو اعتبار ماضيهم الدعوي مانعاً شرعياً من موانع التكفير المطلق.
كما ينبغي علينا معشر الأنصار من خارج البلد أن نترك الأمر لإخواننا في الداخل، ففيهم العلماء وذوي الحكمة والبصيرة وطلبة علم ومجاهدون ، قادرون على إصدار الأحكام اللازمة على الظاهرة، واختيار التعامل الأنسب معها مراعاة لظروفهم ولسنا نحن من يقرر في مكانهم وذلك لعدم توفر فقه الواقع أكثر مما يتوفر فيهم هم إلى جانب المؤهلات الشرعية العالية التي يتوفر عليها الإخوة هناك تمكنهم من الاجتهاد اتجاه هذه الظاهرة الطارئة والنازلة الفريدة .
كلمة أخيرة أوجهها لأحبتنا في مجال الإعلام الجهادي، وهم دوماً يحملون العبء الأكبر من مسئولية التبليغ ونشر ما هو مفيد ومطلوب للمرحلة.
سددوا وقاربوا ولا تتعجلوا في إطلاق الأحكام قبل الرجوع إلى أولي الأمر منكم وذوي الكفاءات العلمية ، فإن الاستعجال في إطلاق الأحكام على الأفراد والجماعات يعتبر موقف شرعي قد يعتبره القارئ أو السامع حكماً رسمياً ونهائياً للمنبر الإعلامي الذي خرج منه، وله من التبعات ما له، من الصعب تداركها لو أخطأنا في هذا الحكم، بينما التأني والرجوع إلى أهل الرأي والعلم وأولي أمر الجهاد سيكون فيه خير عظيم وسوف يراعي أموراً كثيرة قد تغيب عنا نحن معشر الأنصار في وقت إصدار أحكامنا على مخالفينا.
أقول ما تسمعون وتقرأون ، وأسأل الله جل في علاه أن يجنبنا اتباع الهوى والزيغ عن الحق، والتمسك بالعروة الوثقى مع إخواننا الصادقين، وأن يرزقنا الإخلاص والصدق في أقوالنا وأفعالنا كلها، وأن ينصر عباده الموحدين المجاهدين في سبيله ، ويبلغنا هذا الشهر الفضيل ويجعله شهر خير وبركات ومغفرة ورضوان، لنا ولأمتنا جمعاء ، غنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو سعد العاملي – الأول من رمضان المبارك 1433 هـ.
__________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]