بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَوإن أطعتموهم أَضَلُّوكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ»(1)
إن على كل مسلم ومسلمة أن يتأمل هذا الحديث العظيم الذي يعبر عن روح الإسلام الثورية، والذي يبين أن السلطة كثيرًا ما تكره شرع الله سبحانه، وكتاب الله سبحانه، واتباع دين الله سبحانه.. لماذا؟؛ لأن مصالح رجال السلطة ستصطدم وتتعارض مع دين الله ومع كتاب الله ومع أهل الحق، وليتهم يدعون أهل الحق في حالهم أو يفتحون لهم بابًا لإبداء الرأي وإنكار المنكر، ولكنهم يصارعون الناس ويشتدون بوطأتهم على أهل الحق، لأن هناك صراعًا بين منهجين (منهج دين الله سبحانه وتحت راية كتاب الله) و(منهج الشيطان وسلطان الباطل تحت رايات الجاهلية بأسمائها المختلفة قديمًا وحديثًا) ومادام هؤلاء الأمراء قد فارقوا الكتاب –القرءان- فإن طاعتهم ضلال، واتباع منهجهم طريق إلى جهنم (ووإن أطعتموهم أضلوكم) وفي المقابل فالتمسك بالحق مر (إن عصيتموهم قتلوكم) ومن هنا فإن المر يحتاج إلى طائفة فدائية تقدم التضحيات، ولا تحرف دين الإسلام إرضاءً لأهل السلطان وتحصيلًا لمنافع دنيوية ومناصب ورئاسات زائلة.
وهذه الطائفة هي المتشبهة بالصحابة رضوان الله عليهم أول من حملوا هذا الدين حتى سلموه إلينا ناصعًا عاليًا خفاقًا، وهم أهل الغربة .. (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء) و(هم الذين يصلحون عند فساد الناس) و(هم الذين يصلحون إذا فسد الناس) وهم المتمسكون بدينهم رغم كل المخالفين (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) وهم القابضون على الجمر (يأتي على الناس زمانٌ القابض فيه على الدين كالقابض على الجمر، للعاملين فيه أجر خمسين) لأنهم لا يجدون على الحق أعوانًا ولأن التهديد والوعيد يأتيهم من كل مكان، ولكنهم في سبيل الله حملوا دين الله سبحانه وتعالى ومستعدون لدخول السجون سنين وسنين، ومستعدون لتحمل كل الأذى على اختلاف أشكاله وإن طال .. بل مستعدون للموت في سبيل الله (كونوا كأصحاب عيسى حُملوا على الخشب ونُشروا بالمناشير، فما صدهم ذلك عن دين الله).
هذا الحديث نموذج من نماذج ثورية الإسلام على أهل الباطل، ونموذج على شدة صراع الباطل مع الحق ورسالة إلى حملة الدين أنه لا دين دون تضحية وثبات، ولا علو للدين دون فداء فجهزوا أنفسكم لذلك وربوا الأجيال على هذا.
وبعد هذه الجولة السريعة مع هذا الحديث نذكر جملة من فوائده:
1- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الإسلام على كل حال سواء في حال الشدة أو في حال الرخاء.
2- بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن السلطان وكتاب الله سيفترقان، فولاة الأمور لن يحكموا بشرع الله سبحانه وتعالى كما هو حالنا الآن.
3- بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير كتاب الله ضُلّال مضلون، من أطاعهم ضل عن الحق واتبع الشيطان ولا يغني عن هؤلاء الحكام دفاع علماء السوء عنهم، والتماس العذار لهم فهم أئمة ضُلّال .. (فوإن أطعتموهم أضلوكم).
4- في الحديث بيان أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى.
5- في الحديث بيان أن هؤلاء الحكام الحائدين عن سبيل الله أهل إفساد وإهلاك، يفسدون على الناس أمر دينهم ودنياهم ولا يتورعون عن سفك الدماء بغير حق، فانطبق عليهم الحديث (وإن أطعتموهم أضلوكم إن عصيتموهم قتلوكم) وانطبق عليهم قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ }إبراهيم28
6- في الحديث الأمر بالصبر على دين الله مهما وقع على العبد من بلاء (كونوا كأصحاب عيسى حُملوا على الخشب ونُشروا بالمناشير فما صدهم ذلك عن دين الله).
7- في الحديث بيان ارتباط البلاء بالإيمان والإعلان به كما قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } العنكبوت2-3، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء” وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط”.
8- الحديث فيه دلالة على ثورية الإسلام على الحكام المخالفين لكتاب الله الظالمين لعباده، مهما كان علوهم في الأرض.
9- مادام هؤلاء الحكام المخالفين لكتاب الله على ضلال ومن أطاعهم أضلوه فإن العلماء اللذين يدعون الناس إلى طاعتهم وعدم الخروج عليهم بل يزينون للناس حال هؤلاء الحكام ويسمونهم بولاة أمور المسلمين، ويصفون من يخرج عليهم بأنهم خوارج، فهؤلاء العلماء ضُلّال، بل أئمة ضلال، جمعوا بين كتم الحق وبين اللبس والتلبيس بين الحق والباطل، وهؤلاء يقدمون للناس دينًا كهنوتيًا لا يحتوي على جهاد أو أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، فهم مغضوب عليهم لأن من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود المغضوب عليهم لأنهم ضلوا على علم وهؤلاء ملعونون حتى يتوبوا، ومن شروط توبتهم تبيين ما كتموا من حقٍ للناس كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } البقرة 159-160 فاشترط الله سبحانه في توبتهم التبيين للناس لما كتموه من حقٍ كما قال في هذه الآية: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} ولنا معهم وقفة خاصة بعد ذلك بإذن الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يجمعنا على الحق وأن يستخدمنا لنصرة دينه
آمين
وكتبه؛
حسن عمر
(1)رواه الطبراني . قال الهيثمي : ” ويزيد بن مرثد لم يسمع من معاذ، والوضين بن عطاء وثقه ابن حبان وغيره، وبقية رجاله ثقات”.
إخوانكم في
قسم الإعلام التوعوي
رَصدٌ لأَخبَار المُجاهِدين وَ تَحريضٌ للمُؤمِنين
__________
3 Replies to “The Global Islamic Media Front presents a new article from Shaykh Ḥasan ‘Umar: "The Islamic Perspective on Current Events from the Thoughts of the Egyptian Revolution #1: Islam and the Revolution"”
Comments are closed.