الحمد لله وكفى
وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد ،،
إنّ مما يندى له الجبين أن يخوض العالم والجاهل في النوازل على قدر سواء ، فيؤخذ من الصالح والطالح في نفس الوقت وبنفس الأسلوب ولنفس المكان ! فتختلط الأمور على النّاس ، ويتفرّق جمعهم ، ويصعب قيادهم ، فيتسلّط عليهم أعداؤهم .!
وإنّني أتعجّب مّما لاحظته من خلال متابعتي في الفترة الأخيرة من ردود الأفعال والأقوال على الثورات الطيّبة التي تشهدها بعض الدول العربيّة ، ويزيد عجبي ممن يوصفون بأنهم طلّاب الحقّ وطلّاب العلم حينما يخوضون بآرائهم التي لا سند علمي لها ولا دراسة عليها ولا خبرة مجرّبة لمثلها سوى ما يتبادر إلى أذهان أصحابها من آراء ، وفي كثير من الأحيان ما يتبادر إليها من أهواء ، فلم يسعهم سكوتهم ولا رجوعهم لأهل العلم ، إنما أرادوا أن يسيّروا شعوباً وأمماً بما يطرأ لهم من تصوّرات آنيّة لأحداث عظام ، لو عرضت على الراسخين في العلم لاحتاروا في شأنها !
ولقد توقّفنا عن الحديث في الكثير ممّا يجري حتى نسمع ممن هم أعلم وأكثر خبرة منّا ، وقلنا في موضع سابق قبل مدّة – في مقدّمة كتاب حربنا لم تبدأ بعد – بأننا نحن بإذن الله من سيقود الثورات في جزئها الثاني ، لأننا نعلم بأن هذه الثورات التي تقوم اليوم ويتم سرقتها لابد لها من بعد استفراغ وسعها ووصولها لمرحلة مقفلة عن الحلول من الانقلاب عليها ، ولكن سيتمّ ذلك من بعد تهيئة الشعوب وتصحيح المفاهيم التي تعتقد بها ، ثمّ ستنضم إلينا الأفواج ، وحينها ، سيكون الوضع مهيّئاً للقيام بالثورة الإسلاميّة الكبرى ..
إنني اليوم أدعو أولاً لإنجاح الثورات الحاليّة والاستحواذ على أكبر المكاسب الإسلاميّة والسياديّة التي تتحرّر على إثرها من تبعات الولاية لأعداء الأمّة المسلمة ، وبقدر المستطاع ، وأحذّر ثانياً من القيام بالعمليات الميدانية العسكريّة في هذه الأيّام في الدول التي سقط طواغيتها ، فإن من أهم أهداف أعداء الأمّة المسلمة أن تبقى الشعوب المتحرّرة من طواغيتها بعيدة ومنفصلة عن المجاهدين حتى يواصلوا استعبادها ، وإن أفضل الحلول “التقليدية” لمشكلتهم هذه هو استفزاز المجاهدين وأنصارهم للقيام بالعمليات التي سيقومون على إثرها بسنّ القوانين التي تفصلهم عن شعوبهم ويشرّدوا بهم من خلفهم ، ثمّ تبقى هذه الثورات مرتعاً خصباً لكل زارع من دون زرّاع أهل الحقّ ..
إن مثل الشعوب المتحرّرة من طواغيتها اليوم كمثل الإنسان الذي يبحث عن الهدى والرشاد ، فإما أن يبقى أهل الحقّ قريبين منه ويتوّددون إليه ويراعون ظروف جاهليّته الطويلة المريرة ، فيهدونه بمشيئة الله ، وإما أن تتلقّفه الشياطين حينما تخلو لها الساحّة من أهل الحقّ، فتضيع الشعوب ، ويبقى ذنبهم جميعاً في رقبة من أغواهم أو ساهم في إبعاد أهل الحقّ عن الساحّة وتركها لمن يغويهم ، أو من لم يأخذ على يد الخائضين في النوازل بغير علم فنفّروا النّاس عن الحقّ وأهله ، فساهموا – حينما لم يأخذوا على أيديهم – كذلك في تضييعهم ..
إن هذه الشعوب ستأتي إلينا إن شاء الله راغبة بقلوب مطمئنة ، بل وستنافس طليعة الأمّة المسلمة في نصرة هذه الأمّة بل وفي الدفاع عن طليعتها ، ومن خلال نظرة بسيطة للفترة اليسيرة التي مرّت من بعد سقوط طاغية مصر وتونس وليبيا ، يتبيّن بوضوح مدى إقبال النّاس على الدين وانتشار أصحاب الحقّ ومنهجهم والتبرّؤ من أعداء الدين وزيادة بغضهم والعمل على كشف مخططاتهم وإفشالها ، كل هذا بفضل الله في فترة يسيرة ، ونحن أمامنا مشوار طويل قبل ابتداء الثورات التالية لهذه الثورات ، فإما أن نتعامل بحكمة أو نسير وراء المتكلّمين بآراء تائهة مُضيّعة .
والله أعلم ..
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..
كتبه / أسد الجهاد2
14 شوّال 1432هـ
12/9/2011
_______