بسـم الله الرحمـن الرحيـم
قال تعالى :{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى
أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: من الآية13].
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين… وبعد:
فمنذ الانطلاقة المباركة لفريضة الجهاد في هذا العصر، وظهوره واقعاً حياً في حياة المسلمين، قدّمت أمّة الإسلام لأجله خيرة أبناءها وفلذات أكبادها، في مسيرة قلّ نظيرها في تأريخنا المتأخر، وكنتيجة حتمية لإحياء هذه العبادة العظيمة، القائمة أساساً على المفاصلة مع الكفّار، ومناهجهم الجاهلية التي شوّهت ولعقود طويلة بفعل الكيد الشيطانيِّ ومكر اللّيل والنّهار معالم الطريق إلى الله؛ انقسم العالم اليوم إلى فسطاطي الإيمان والكفر، وظهرت علامات الابتلاء الذي قدّره الله على السّائرين في هذا الدّرب ليعلم – وهو علاّم الغيوب – الصّادقَ من الكاذبِ: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1-3].
وكان من مظاهر هذا الابتلاء والتّمحيص، تعدّد الجماعات التي ترفع راية القتال ومدافعة الكفار صدقاً ودعوى، في البلاد التي قدّرها اللهُ مواطنَ للجهاد، ومنها هذه البلاد التي غزاها عبّاد الصّليب وأذنابهم، وأصبح هذا الأمر وبتزيين شياطين الإنس والجنّ، مدخلاً مهمّاً لتكريس الفُرقة وما ينتجُ عنه من التنازع، وليصبح مع الوقت وكأنّه أمرٌ لازمٌ لا انفكاك عنه ولا سبيل للخروج منه، إلا بتمييع الأصول، وموافقة كلّ ظلومٍ جهول.
فكان ميلاد دولة الإسلام المباركة مطلباً شرعياً، ونتيجة طبيعيّة لا تختلف عليها العقول السليمة والفِطر المستقيمة، إذ هي الغاية التي تسعى لها أيُّ جماعة شرعية تتخذ من الكتاب والسنّة منهجاً، ومن الجهاد سبيلاً، وأصبح وجود الدّولة على الأرض فضلا من الله، ونواةً لجمع كلمة المسلمين ورصِّ صفوفهم وتوحيد جهودهم، وسبباً لإقامة الدين وتحكيم شرع ربّ العالمين، وتنفيذاً لخير وصيّةٍ لخير خلْق الله من الرّسل عليهم الصلاة والسّلام أجمعين: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: من الآية13].
وكان الاجتماع على منهجٍ نقيٍّ واضح لا شائبة فيه، ورايةٍ سنّيةٍ لا بدعة فيها، تقرّبت إلى الله بالبراءة من كلّ دعوى عصبيّةٍ أو منهجٍ جاهليٍّ، وتعبّدت لله بالتّذلّل لأهل التّوحيد المخلصين، ودعوتهم للّحاق بالرّكب، والامتثال لأوامر الرّب، فباركها شيوخ الجهاد الرّبانيّون، وتعلّقت بها قلوب الموحّدين، وهاجر إليها من تمكّن من الهجرة منهم، وبُني صرحُها لبِنةً لبِنةً بأشلاء المهاجرين والأنصار، ورُويت بدماء الصّادقين الأبرار، أفراداً وجماعات، ولولا مكرُ الكفّار، وخيانة الفجّار، لقرّتْ أعين الموحّدين بدار الخلافة على أرض الخلافة.
فيا عباد الله المخلصين المجاهدين من أهل التّوحيد: المعادلةُ بسيطة، وسبيلُ الله واضح، ودينُه لا يُحابي أحداً، فالحقُّ راسخٌ أبلج، والباطل متذبذبٌ لجْلج، والقافلةُ إذا سارت فلا يلومنّ المتخلّف عنها إلا نفسه، واللهُ الذي نفرتم لأمره بقوله: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:41]، هو الذي ألزمكم بنهيه في قوله: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[الروم:31-32].
والله أكبر
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
وزارة الإعلام / دولة العراق الإسلامية
المصدر: (مركز الفجر للإعلام)