New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "The Fitnah in al-Shām"

بسم الله الرحمن الرحيم

قام الجهاد الأفغاني ضد الإتحاد السوفييتي ، وأعلن السوفييت وقتها أنهم أتوا بناء على طلب الحكومة الأفغانية لتحميها من الإرهابيين !! كان من مصلحة أمريكا والدول الغربية إغراق السوفييت في المستنقع الأفغاني ، ولذلك أذنت أمريكا لحكومات الدول العربية بمساعدة المجاهدين ، فحرّض العلماء المسلمين على الجهاد ، وتطاير الشباب إلى أفغانستان يلبون نداء الإيمان ، وهبّت الأمة كلها تجاهد بالمال وباللسان ، ثم حدث ما لم يكن متوقعاً : استطاع المجاهدون في أفغانستان إلحاق هزيمة نكراء بالسوفييت ، واجتمع في أفغانستان خيرة شباب الأمة الذين اكتسبوا خبرات عسكرية وسياسية وشرعية ، وكانت دعوتهم : “نقاتل في أفغانستان وعيننا على فلسطين” .. انتبه الغرب الصليبي ، وولول اليهود في المحافل الدولية : “لقد أيقظتم المارد الإسلامي” ..

بدأ المكر سنوات قبل دخول المجاهدين كابل ، وبدأ التحضير للتحريش بين المجاهدين عن طريق نشر الشائعات من قبيل : الأفغان قبورية ، والعرب وهابية ، الأفغان مبتدعة حنَفية ، والعرب حنابلة أتوا ليغيروا المذهب الحنفي ، العرب يسْبون نساء الأفغان ويهتكون أعراضهن وخاصة نساء الطاجيك والأوزبك ، والقائد الفلاني عميل لأمريكا ، والقائد فلان عميل لفرنسا ، ثم دخلت الدولارات الأمريكية والأموال النفطية لتشتري ذمم بعض القادة ، واستطاع القوم اغتيال العقلاء والعلماء بمساعدة بعض العملاء ، ثم بدؤوا بالتحريش العملي الذي انتهى بالاقتتال الداخلي ..

لم ينسَ الغرب أثناء هذا المكر أن يسِموا المجاهدين العرب بالإرهاب ، وكان رأس الإرهاب العالمي “الشيخ عبد الله عزام” ، فاغتيل رحمه الله وأبناءه ، وتفرق بعده العرب ، وأمر الأمريكان الحكومات العربية بسجن كل عائد من أفغانستان بتهمة الإرهاب بعد أن كانوا مجاهدين أبطال ، فاشتغلت الآلة الإعلامية الغربية والعربية على وتر الإرهاب الإسلامي ، وحدثت أحداث كثيرة يطول ذكرها إلى أن ظهر الشيخ أسامة بن لادن – رحمه الله – في الساحة وأعلن الجهاد العالمي ، فكان رأس الإرهاب في العالم ، وأتباعه كلهم إرهابيون لأنهم أعلنوا نية قتال أمريكا “هبل العصر” ..

لم تألُ الآلة الإعلامية العربية جهداً في تشويه صورة “قاعدة الجهاد” ، فتارة يسمونهم “خوارج” وتارة “فئة ضالة” ومرة “أهل غلو وتنطّع” وتجرأ بعض الساسة فقال “عملاء أمريكا” وبعضهم ذهب أبعد من ذلك فقال “عملاء للصهيونية العالمية” ورماهم البعض “بالجهل” وآخرين “بالغرور” وغيرهم “بالمفتئتين على الآمة” ، وكان أسامة هو رأس الخوارج المارقين الغلاة المتنطعين الضالين المُضلّين المفتئتين على الأمة ، ثم أتتنا تحليلات أخرى كثيرة : منها أن “الشيخ الظواهري” هو من غرر بأسامة ، وأن أسامة مجرّد صورة ، والظواهري هو الحقيقة ، وأن أسامة ألعوبة في يد الظواهري ، وأن أسامة مسكين وعلى نياته ، والظواهري هو المنظّر الأول للإرهابيين ، وأن المصريين المتعصبين التكفيريين استولوا على قيادة “قاعدة الجهاد” وهمشوا “الخليجيين” المسالمين المعتدلين ، وأن “قاعدة الجهاد” انحرفت عن فكر ومنهج “عبد الله عزام” ، وأن “قادة الجهاد الحقيقيين” من أمثال “رباني” و”سياف” تبرأوا من “قاعدة الجهاد” ، وغيرها كثير من الدعاوى التي عجّت بها الساحة الإعلامية والسياسية والعلمية ..

بدأت الحرب في العراق ، وكان صدام حسين وقتها في الإعلام الغربي هو رأس الإرهاب في العالم ، ورأس الشر في كل مكان ، ويملك أسلحة دمار شامل ، أما في الدول العربية فقد كان “صدام حسين” بعثي كافر مُجمع على كفره ، يعذّب المسلمين ويقتلهم ، وفتحوا ملفات صدام القديمة كحلبجة وغيرها ، رغم كونهم حلفاء صدام أيام مجزرة حلبجة .. ثارت ثائرة الشعوب على صدام بسبب الإعلام ، وأفتى العلماء بجواز “الإستعانة” بالصليبيين لقتال البعثيين لأنهم أشد ضرراً على المسلمين ، وعبثاً حاول بعض العقلاء بيان مخططات الأمريكان لاحتلال جزيرة العرب وتدمير العراق من أجل عيون اليهود ، وضاعت هذه الأصوات وسط صخب الإعلام ، وسُجن أصحابها ..

دُمّرت العراق ، وأعلن الشيخ أسامة الحرب على أمريكا التي احتلت جزيرة العرب ، وقام الرافضة وبعض المنتسبين لأهل السنة بمساندة الأمريكان ليدمروا بلادهم ، ثم اتفق الأمريكان مع الرافضة على تولي الأخيرة حكم العراق والنكاية بالمسلمين فيها والمحافظة على المصالح الأمريكية ، ودخلت إيران على الخط ، وقُتل صدّام ، وقامت بعض الجماعات المسلحة بالقتال ، وأُعلن الجهاد في العراق ، فاشتغل الإعلام الصليبي الرافضي العربي على وتر الوهابية والإرهاب والسنيّة والقاعدة وغيرها من التصنيفات ..

دخل الزرقاوي العراق ، وبدأ بالعمل سراً ، وجمع حوله الرجال ، وقام بعمليات نوعية ظهر فيها كقوة عسكرية عالية الكفاءة ، وقام بنحر بعض الأمريكان ونشر ذلك على الملأ ، ثم بايع “قاعدة الجهاد” ليكسب زخماً كبيراً وليلتف حوله المجاهدون ، فكان الزرقاوي هو الإرهابي الأول في العالم ، وهو الذي يشوه صورة الإسلام ويقوّض جهود الأمريكان والرافضة لبناء عراق ديمقراطي حر ، ثم قُتل الزرقاوي رحمه الله ، ولكنه قبل مقتله نشر سياسة بين أتباعه مفادها : أرهب عدوك ثم أرعبه وزلزل الأرض تحته حتى يفرق من لقاءك ، ومشى أتباعه وجنوده على هذه السياسة الزرقاوية الشرعية القرآنية المستمدة من قول الله تعالى {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأنفال : 57) ..

قامت الدولة الإسلامية في العراق فأذاقت الأمريكان والرافضة الويلات ، وفتحت بعض الولايات ، وسيطرت على بعض المحافظات ، وخاف القوم من بطشها وقوتها رغم الفارق الكبير في العدد والعتاد ، ورغم القصف والمجازر والتنكيل والتضييق ، أخذت هذه الدولة في التمدد ، وازدادت قوة ، فأدرك الأمريكان بأنه لا مجال لمقاومة الدولة إلا بأهل السنة ..

اشتغلت الدعاية الإعلامية على الدولة في أوساط السنة : وهابية تكفيرية خوارج غلاة همج رعاع لا يريدون الخير للعراق ، يريدون خلق فتنة طائفية بين السنة وإخوانهم الشيعة ، رجعيون سلفيون لا وطنيون ، إقصائيون غرباء دخلاء بعثيون عملاء للأمريكان والصهيونية !! بهذه الشعارات استطاع بعض زعماء القبائل استنهاض أفرادها لقتال الدولة الإسلامية في العراق ، فقام هؤلاء بالمهمة خير قيام ، وعبثاً حاولت الدولة ثنيهم عن القتال : فالدولارات النفطية والأمريكية أتخمت جيوب زعماء القبائل وأعمت عيونهم ، فاستطاع هؤلاء الحد من انتشار وتوسع الدول الإسلامية الوليدة حتى ألجأتها إلى البراري أو الذوبان في المدن ، وحتى بيع بعض أتباع الدولة الإسلامية للرافضة والأمريكان بثمن بخس ، وهذا يفسر حقيقة حنق الدولة على ما يسمى بالصحوات ، لكن بقيت للدولة بقية قوة مع القيادة التي لم تتقوف عن التفجيرات وبعض العمليات النوعية هنا وهناك ، واستطاعت هذه القوة ترتيب صفوفها ، وتحالفت مع بعض القبائل ، وغيرت سياستها مع المجتمع العراقي ، وتغلغلت في أوساطه ، واستطاعت استرجاع قوتها – وأكثر – في زمن قصير حتى خرج الأمريكان من العراق مهزومين ..
قامت الثورة في الشام ، وحمل أهل الشام السلاح بعد السلمية ، وتأسس الجيش الحر على يد بعض الوطنيين السوريين ، وقاموا ببعض العمليات التي قوبلت ببطش النصيرية ، ثم قامت جماعات هنا وهناك ، ورفعت في غالبها شعار الإسلام لكنها لم تصمد أمام القوة النظامية ، وهنا التفت المجاهدون في العراق غرباً ، فأرسل أمير دولة العراق جنوداً من عنده شاطرهم ميزانية الدولة ، فقامت “دولة العراق الإسلامية” بعمل عظيم في الشام تحت مسمى “جبهة النصرة” ، واستطاعت ترجيح الكفة أو موازنتها على أقل تقدير ، فانتبه الغرب وحكومات الدول العربية المحاربة للثورة السورية لهذا الخطر القادم ، فنعتوا القوة الجديدة بالإرهاب ، وقالوا دخيلة غريبة تكفيرية قاعدية عراقية تريد إفساد الثورة السورية الوطنية الإسلامية الخالصة ، وحرضوا بعض الجماعات على قتال فرع “دولة العراق الإسلامية” في الشام ، وكانت بعض المناوشات البسيطة ، لكن غالبية المقاتلين رفضوا وسم “جبهة النصرة” بالإرهاب ..

بعد النجاح الكبير التي حققته “جبهة النصرة” المتفرعة عن “دولة العراق الإسلامية” ، رأى قادة الدولة أن الوقت قد حان لدمج القوى ، ولكسر الحدود ، ولوصل المجاهدين بعضهم ببعض : فأعلنت القيادة العامة – في خطوة فاجأت الجميع – قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ، وكان من المتفاجئين قائد “جبهة النصرة” أبي محمد الجولاني ، فرأى أن الأمر لم يحن لمثل هذا الإعلان ، وأنه لم يُستشر ، وأن هذا قد يضر بالجهاد في الشام ، فأعلن من فوره مبايعة “قاعدة الجهاد” الأم ليقطع الطريق على قيادته العراقية ..

هنا حصل الخلاف : فجبهة النصرة تتبع تنظيمياً للدولة الإسلامية ، وهذا الإعلان يسحب جميع جنود الجبهة ليكونوا تحت قيادة الدولة ، ومبايعة الجولاني لقاعدة الجهاد يضمن شرعية الجبهة واستقلاليتها عن “الدولة الإسلامية” ويضمن بقاء الجنود في الجبهة ، وقاعدة الجهاد ترى بأن الدولة الإسلامية تبع لها وأنه لا يسعها مثل هذا الإعلان دون موافقتها ، فهذه الدائرة خلطت الأمر على الجنود : فمنهم من بقي في جبهة النصرة ، ومنهم من رجع إلى الدولة الإسلامية ، واقتسم الفريقات الجنود والأنصار ، وحصل خلاف ومشادات أدت الى التراشق باللسان والإتهام بالخيانة ثم الاقتتال !!

لا يخفى أن مثل هذا الخلاف يعد فرصة كبيرة للمتربصين بالجهاد ، فأعمل هؤلاء على إذكاء روح الخلاف ، ودخل الدخلاء بين الفريقين ، وحاولت القيادة العامة لقاعدة الجهاد في خراسان رأب الصدع ، وحاولت القيادة العامة في العراق اقناع فرعها في الشام بالتزام القرار ، ولكن “جبهة النصرة” آثرت عدم ربط اسمها بالعراق ، فما كان من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلا أن دخلت الشام بجنودها واكتسحت الجهة الشرقية منها ، ثم تقدمت حتى وصلت اللاذقية معقل النصيرية غرباً ، وهنا أعلن العالم الغربي والعربي النفير ..

بداية : كان المخطط العربي يقضي بإفشال الثورة السورية – كما اليمنية والمصرية والتونسية – عن طريق ضخ الأموال لبشار ليُعمل قتلاً في الثوار فيستسلموا ، ولكن بعد صمود الثوار بسبب دخول “دولة العراق الإسلامية” – الممثلة بجبهة النصرة – ونجدتها للمسلمين ، أيقن الغرب والعرب أن الأمر سيطول ، وقد يتفاقم وتحدث مشاكل لليهود في فلسطين ، فكانت الخطة الغربية تقضي بتسليم الساحل السوري مع الجولان للنصيرية كي يحموا حدود فلسطين ، وتنشأ حكومة “علمانية” صديقة للغرب والعرب في دمشق ، ولكن تبعثرت الأوراق بعد دخول “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ووصولها اللاذقية ، وتدخل الصين وروسيا وإيران و”حزب اللات” ، وزاد طين الكفار بله : إعلان الخلافة الإسلامية ، وهذا ما قلب الطاولة على رؤوس الجميع ، خاصة مع الاستقطاب السريع والكبير الذي تبع هذا الإعلان ، فأصبح كل حل في الشام والعراق مؤجل إلى حين إسقاط هذه “الخلافة” التي يعرف الغرب جيداً معناها ، بغض النظر عن رأي البعض في الإعلان ..

كان إعلان “الخلافة” خنجراً طعن قلب الدول الصليبية ، حيث استعاد هؤلاء ذكريات فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا بلمح البصر ، تلك الفتوحات التي لا يعرف عنها أبناء المسلمين شيئا ، واستذكر الغرب : الغافقي والداخل وطارق وابن تاشفين وبارباروسا وسليم الأول ومحمد الفاتح وسليمان القانوني ، وهذه الأسماء ذكرها بعض الساسة الغرب في خطباتهم وبياتهم في معرض تحذيرهم من “الخلافة” الجديدة ، وأعلنت الدول الصليبية النفير العام لمواجهة هذه “الخلافة” الوليدة التي يُقبل رجالها على الموت بإصرار عجيب لإبقاء جذوتها ، ومع تمدد “دولة الخلافة” كل يوم وتحقيق انتصارات مبهرة – رغم قوة وشراسة عدوها – يزيد قلق الغرب من تمكّن هذه الحقيقة في صدور المسلمين ، تلك الحقيقة التي عملوا لأكثر تسعين سنة على محوها من ذاكرتهم ..

بدأت الحرب الحقيقية على الدولة الإسلامية ، واستنفر الغرب كل قوته ، وأتت الطائرات والجيوش والعتاد والسلاح ، والكل يضرب بشكل جنوني لعلمهم أن الأمر مصيري لا يحتمل التهاون ، ومع هذه الحرب العسكرية الشرسة : بدأت الحرب الإعلامية الخبيثة تأخذ شكلاً منظماً في سابقة ربما لم توجد في التأريخ القديم أو الحديث ..

نستطيع أن نسمي سياسة الحرب الإعلامية الحديثة على المجاهدين بسياسة “الطُّعم المُبعثر” ، فالعدو يُلقي بالطعم هنا وهناك بأنواعه المختلفة وينظر من يلتقطه ، معتمداً مقولة “لكل ساقطة لاقطة” ، فيصدر الألقاب والإتهامات والتصنيفات المناسبة لجميع الأذواق والدرجات الفكرية والتوجهات ، فكلٌّ يأخذ ما يناسبة ليصدّقه ويتبناه : فمن لم يصدّق بأن الدول الإسلامية عميلة لإيران : يصدق بأنها عميلة لآل سعود ، ومن لم يصدق بأنها عميلة للمالكي : يصدق بأنها عميلة للصهيونية العالمية ، ومن لم يصدق بأنها بعثية : يصدّق بأنها عميلة للأمريكان ، ومن لم يُصدق بأنها خارجية : يصدق بأنها إرجائية ، ومن لم يصدق بأنها تكفيرية : يصدق بأنها عميلة لبشار ، ومن لم يصدّق بأنها إقصائية : يصدّق أنها تجميعية تحوي كل من هب ودب ، ومن لم يصدّق بأنها مفتئتة على الإسلام : يصدق بأنها متنطعة ، وربما جمعوا بين تهمتين أو أكثر ، وبين المتناقضين أحياناً !!

لا يألوا الإعلام جهداً في الإبتكار ، فقد يطلق أمور لا يصدقها أحد ، فيتجاهلها الإعلام ولا يذكرها ويأت بجديد يلقيه في الساحة ليجرب مدى تجاوب الناس ، ومثال هذا : أمير الدولة الإسلامية : قيل في البداية بأنه لا وجود له ، ثم قيل موجود لكن مجهول ، وقد اقسم بعضهم إن خرج “البغدادي” على الملأ أنه يمشي بين الناس عارياً !! ثم قيل بأنه ضابط بعثي ، ثم قيل بأنه عزت الدوري ، ثم لما ظهر في الخطبة المشهورة في الموصل : أخرج هؤلاء صوراً فيها بعض ملامحه ليقولوا : هو عميل مخابرات صهيوني ، ثم هو جاسوس لبشار ، ثم مغني !! ثم قيل بأن نسبه مجهول ، ثم قيل بأنه ليس عراقي ، والآن – وبعد أن بطلت جميع هذه النظريات ، ولم يستسغ الناس أي طعم منها – قالوا : هو ابراهيم البدري الحسيني القرشي السامرائي ولكنه مجرد صورة تجميلية لمن وراءه من القادة البعثيين ، وهذا الطعم يذكرنا بقالتهم في أسامة مع الظواهري ، ولا ندري ما يقولون بعد أن تسقط هذه النظرية كسابقاتها ..

من كذب مرة : يكذب عشر مرات ، فكيف بمن كذب عشراً ، ألا يكذب مرة أخرى !! نحن نسألهم : من هم القادة البعثيون الذين يتحكمون بأخطر رجل في العالم كما يراه الغرب كله ، الرجل الذي يأتمر بأمره آلاف الجنود الذين يرون الموت هدفاً يتسابقون إليه ، وما يمنعه أن يشير إشارة – وهو خليفة المسلمين في نظر جنوده – فتطير رقاب أهل البعث لتجري الفرات بدمائهم !!

حاول الأعداء – طوال الفترة السابقة – تدريب جماعات سورية في الأردن وتركيا وجزيرة العرب لمواجهة الدولة الإسلامية ، لكنهم اكتشفوا بأن هؤلاء المرتزقة لا قبل لهم بجنود الدولة أصحاب العقيدة الراسخة ، فتفتقت عقولهم عن فكرة خبيثة ربما تلحق ضرراً كبيراً بالجهاد والمجاهدين في سوريا : اتفق القوم على إلصاق وصف “الخارجية” بالدولة الإسلامية ، ويكمن خطر هذا الوصف بتبني بعض الجماعات الإسلامية له ، وتنظير بعض مشايخ هذه الجماعات لهذه الفكرة وكتابة رسائل وفتاوى وبيانات ، وسبب خطورة هذه الخطة الخبيثة : وجود مخلصين في هذه الجماعات ، وهؤلاء سيقاتلون الدولة الإسلامية تديناً وطلباً للأجر والثواب ، وهم ليسوا أقل إخلاصاً من جنود الدولة ، فالعدو يريد فلّ الحديد بالحديد ، ولا شك أن في مثل هذا القتال هدر لطاقة أهل الجهاد جميعاً ، وإضعاف لهم ، وربما إذهاب لشوكتهم وفشلهم ، بينما تبقى الجماعات العلمانية على الحياد ليفنى المجهادون ، فيقطف أولئك ثمرة الجهاد كما حصل في أفغانستان وفلسطين والجزائر وليبيا ومصر وجزيرة العرب ..

ليفكّر معي المجاهد الذي تُخالج فكرة “خارجية” الدولة عقله : كم وصف وصفوا الدولة قبل أن يصلوا بك إلى هذا الوصف ؟ كم طعم ألقوه أمامك قبل أن تفكر في التقاط هذا الطعم ؟ ألم يقولوا عملاء لإيران ؟ ألم يقولوا عملاء للمالكي ؟ ألم يقولوا عملاء للأمريكان ؟ ألم يقولوا عملاء للصهاينة ؟ ألم يقولوا عملاء للبعث ؟ هذا كله قبل دخول الدولة الشام .. ثم لما دخلت الدولة الشام قالوا : عملاء لبشار ، ثم وهابية ، ثم سلفية جهادية تريد تخريب الثورة السورية ، ثم قاعدة ، ثم غرباء ، ثم تكفيريون ، ثم بعثيون ، ثم خوارج !! وكلما انتفت فرية يأتون بغيرها استخفافاً بعقلك ، وتمكيناً لمكرهم وخبيث نياتهم ..

سمعت بأذني أناس يسِمون الشيخ عبد الله عزام بالخارجية قبل وفاته رحمه الله ، ثم كان الشيخ أسامة – رحمه الله – رأس الخوارج في الأرض ، وخرجت الفتاوى والكتب تعلن خارجية “قاعدة الجهاد” وأنها تخالف منهج الشيخ عبد الله عزام السلمي الشرعي الحكيم ، ثم قالوا بأن الشيخ أيمن الظواهري خارجي يخالف منهج أسامة ، ثم قالوا بأن “الدولة الإسلامية” خارجية تخالف منهج قاعدة الجهاد المتمثلة في “الظواهري ، وهكذا هم في تطور مستمر يلقون إليك بالأفكار والخيوط والشباك علك تعْلَق في واحدة فيصطادوك من حيث لا تشعر ..

سلّحوا الرافضة في العراق ودربوهم ليقاتلوا الدولة الإسلامية فوجدوا بأن الرافضة جبناء ينسحبون من أمام جنود الدولة بأعداد كبيرة لا يلوون على شيء ، ثم قالوا : نجرّب الأكراد فهم أهل حرب وشدة ، فانقض عليهم جنود الدولة وكادوا يلتهموا “اربيل” لولا تدخّل الطيران النصراني اليهودي في الوقت المناسب ، نعم : لقد شاركت الطائرات اليهودية في حماية اربيل من الدولة ، ولولا هذه الطائرات لكانت اربيل ولاية أخرى من ولايات الدولة ..

قالوا نجرّب جنود الشام ، فدرّبوا بعض الفصائل تدريباً عسكرياً مكثفاً – في الأردن – على حرب العصابات وعلى استخدام أسلحة متطورة ، وجعلوا ظهور هذه الجماعات لبشار يحميهم من خلفهم ليتفرغوا لقتال الدولة ، ولكن الدولة علمت بذلك فنكّلت بهم شر تنكيل ، فأُسقط بيد القوم ، ونظروا حولهم فلم يجدوا إلا المخلصين الذين يحملون هم الأمة في قلوبهم ، وهؤلاء لا يمكن أن يقاتلوا إخوانهم المسلمين ، وليس هناك طريقة لإقناعهم إلا بتشويه صورة “الدولة الإسلامية” والتحريش بينهم ، ثم رميها بالخارجية وجعل قتالها من الواجبات الشرعية ، والأعداء اليوم في هذا الطور الخطير من هذه الخطة الخبيثة للنيل من المسلمين ، كل المسلمين ..

كل كلمة قيلت في الدولة الإسلامية : قالوا مثلها في غيرها من قبل ، وهذه المصطلحات الشرعية يتقن استغلالها أجهزة المخابرات العربية (وعلى رأسها : الجزائر ومصر والأردن والسعودية) ، فهؤلاء هم من يقود هذه الحرب الإعلامية على المسلمين ، ولهؤلاء سلف قديم قدم الصراع بين الحق والباطل : فقد قال فرعون لقومه {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} (غافر : 26) ، فانظر إلى التهم التي اتهم بها كليم الله موسى {يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ } وقارنها بدعاوى القوم اليوم !!
المصيبة أن بعض المخلصين ينطقون على لسان فرعون من حيث لا يشعرون ، ويحسبون التحريش بين المسلمين واقتتالهم قربة إلى الله ، وعندهم حرص شديد على عدم الاجتماع أو الاتفاق أو مجرّد الكفّ عن العداوة ، وهذا من أعظم الجهل بدين الله تعالى ، وعبثاً تحاول إقناع بعضهم بأن مصلحة الإسلام تقتضي طمس بعض الخلاف والتغاضي عن بعض الزلات – وإن كانت دماء – لتحقيق مصلحة الدين بالتفرّغ لقتال الكفار المعتدين من النصيرية والرافضة والصليبيين ، ولولا معرفتنا ببعض هؤلاء وعلمنا أنهم من أهل الإخلاص لقلنا بأنهم عملاء للصليبيين والحكام المرتدين ، ولكننا نقول : هو جهل أو قصر نظر أو اجتهاد خاطئ أو تعصّب أو غضب ، ونكل سرائرهم إلى الله ..

إذا كان موسى عليه السلام يُظهر في الأرض الفساد ، ومحمد صلى الله عليه وسلم شاعر ساحر كذاب مفسد مفرّق بين الناس ، فأي إنسان يسلم من اتهام بعدهما ؟ هي ذات الدعاوى وذات العقلية التي تكيد بالمصلحين في كل زمان ومكان : فالإمام أحمد بن حنبل اتهم بالخارجية ، وابن تيمية خارجي ، ومحمد بن عبد الوهاب رأس الخوارج في زمانه – وإلى الآن – في كثير من أقطار المسلمين ، وأسامة رأس خوارج العصر ، و”الظواهري” منظّر الخوارج ، و”قاعدة الجهاد” خارجية ، و”جبهة النصرة” خارجية ، و”الدولة الإسلامية”خارجية ، ولا ندري من بقي على أصل الإسلام إن كان كل هؤلاء خوارج !!

إذا كانت الدولة الإسلامية خارجية أو بعثية فهل كانت تبايع الشيخ “الظواهري” – كما قال – أو يراسلها أو يُثني على قادتها قبل هذه الخلافات !! إذا كان قادة الدولة بعثيون أو خوراج فلم كان “الجولاني” يقاتل تحت رايتهم وفي العراق جماعات أخرى مجاهدة !! قالوا الدولة الإسلامية بعثية تريد استرداد الحكم في العراق ، هل الذي يريد استرداد الحكم في العراق يتنازل عن شطر ماله ويبعث رجاله للقتال في الشام لنجدة المسلمين ضد النصيرية البعثيين !! ولم لم يبعثوا بعثياً بدلاً من الجولاني ، أم هو بعثي خارجي تائب ، أم نافق وتمسْكن في العراق حتى تمكّن في الشام كما فعل السيسي مع مرسي !! هل أمريكا واليهود حريصون كل هذا الحرص على قتال الخوارج والبعثيين !! لمَ يكون القصف فقط على الدولة الإسلامية في الشام وفي العراق دون غيرها ، الأنها تشوه صورة الإسلام ؟ وهل الصليبيون حريصون كل هذا الحرص على قتل من يشوه صورة الإسلام !!

بعض الجماعات تخرج في استعراضات عسكرية على مرمى حجر من دمشق تحوم حولها الطائرات ولا تراها ، ولا تعلم عنها أجهزة المخابرات النصيرية ولا الأقمار الاصطناعية الأمريكية ، بينما جنود الدولة يُقصفون وهم في المخابئ والكهوف وتحت الأرض !! لمَ كلما اقتربت الدولة من دمشق أو اللاذقية تُعلن بعض الفصائل الحرب عليها وتستعرض جنودها وآلياتها التي لو استخدمتها ضد النصيرية لكانوا أثراً بعد عين ، هؤلاء الذين انبهروا وصفقوا لهذا الاستعراض “المهيب” الذي ظهرت فيه “عزة الإسلام” بزعمهم ، هم ذاتهم الذي تساؤلوا قبل شهر : كيف تقتل الدولة الإسلامية أسرى على الشاطئ الليبي – الذي طوله أكثر من ألف كيلومتر – ولا تراهم الأقمار الإصطناعية ، ثم استنتجوا بأن الدولة عميلة للغرب وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين : 1-3) ..

لمَ بايعت عشرات الفصائل وعشرات العشائر الدولة الإسلامية ، ولمَ يتدفق كل هؤلاء المجاهدون من شتى بقاع الأرض إلى الدولة الإسلامية ، ولمَ خوف حكومات العالم والصحافة العالمية من الدولة الإسلامية ، هل من المعقول أن الدولة خدعت جميع العالم وأخفت بعثيتها وخارجيتها !! هل جميع هذه العشائر والقبائل الكبيرة المتنفذة – والتي هي بالملايين – خارجية بعثية يجب قتالها تديناً ورغبة في الأجر !! هل البعثيون والخوارج يعلّمون الأطفال في المدارس القرآن والحديث وينشؤونهم على كتب علماء السلف والخلف في العقيدة والولاء والبراء والجهاد !! هل البعثيون يعلمون أطفالهم كفر المذهب البعثي !! هل الخوارج يُبقون على أكثر من أربعة عشر مليون مسلم تحت سلطانهم لا يقتلونهم ولا يكفّرونهم !!

هذا تحذير لكل مجاهد في الشام يريد أن تكون كلمة الله هي العليا : أعمل عقلك قبل أن تلقط أي طعم .. لا تكن وقوداً لحربٍ صليبية كافرة على الإسلام والمسلمين .. لا تُفسد جهادك بقتالك إخوانك المجاهدين .. لا ترهن عقلك لأي إنسان .. اقرأ كلام نبيك صلى الله عليه وسلم لتعلم من هم الخوارج حقيقة .. ستجد أحاديث الخوارج في الصحاح والسنن والمسانيد والمجاميع فاقرأها واقرأ معها شروحها المعتبرة .. اقرأ عن الخوارج في كتاب “الملل والنحل” للشهرستاني ، وكتاب “الفصل في الملل والأهواء والنِّحل” لابن حزم ، وكتاب “الفَرق بين الفِرق” لعبد القادر البغدادي ، وكتاب “الإبانة لأصول الديانة” أو “مقالات الإسلاميين” للأشعري ..

أخي المجاهد : إن كنت ستأخذ موقفاً من جماعة أصلها الإسلام فيجب أن تبني هذا الموقف على أسس شرعية ، فإن قيل لك بأن الجماعة الفلانية “خارجية” فيجب أن تعلم من هم الخوارج ، وكيف يكون الإنسان خارجي ، وتأخذ هذا العلم من مصادره المعتبرة ، ثم يجب أن تعلم صفات هذه الجماعة حقيقة – لا ظناً – لتعلم يقيناً دخولها تحت هذا التصنيف ، ذلك أن الأمر أمر دماء ، وأنت في فسحة من دينك ما لم تُصب دماً حراماً ، فالله الله في دينك ، لا تكن مطية لغيرك يوجّهك لأسباب قد لا تكون شرعية فتخسر دنياك وآخرتك ..
ليس كل من لبس عمامة وطالت لحيته وقصر ثوبه ونطق ببعض الآيات أو كتب بعض الكلمات أو جعل قبل اسمه “دالاً” يكون عالماً أو مخلصاً أو ثقة ، فقد رأيتَ ما فعل “شيخ الأزهر” و”المفتي” و”وزير الأوقاف” في مصر ، وما يفعله “حسّون” في سوريا ، فبعض هذه الألقاب في غير موضعها ولغير مستحقيها ، فليست كل “دال” دليل صدق : فبعضها تعني “دعيّ” أو “دخيل” على الشريعة لم يدرسها ولم يتخصص فيها ، أو تخصص في جانب دون غيره ، وبعضها تعني “دلخ” وهو السمين : يأكل بدينه حتى ينتفخ ، وبعضها تعني “دلّال” : يبيع دينه لمن يدفع أكثر ، وبعض الدال “دابة” يركبها الحكام ليصلوا إلى مآربهم ، وبعضها تعني “دَيّن” ودليل علم وفضل وتقوى وإخلاص ، فينبغي معرفة حقيقة “الدال” حتى لا ننخدع ، وقد رأينا بعض “الدكاترة” المتخرجين بتخصص علم الحديث لا يحفظون “البيقونية” ، وبعضهم في الفقه لا يعرف أحكام الطهارة ، وبعضهم يتخصص في مجال ويفتي في غيره ، ورحم الله أحد مشايخنا (من الصعيد) كان إذا رأى أمثال هؤلاء قال “دُوكَ تُور” أي “هذا ثور” ..

خذ من كتاب الله مباشرة ، واقرأ التفاسير المعتبرة .. خذ من حديث رسول الله صلى الله علي وسلم مباشرة واقرأ الشروح المعتبرة .. خذ من كتب السلف مباشرة .. لا تأخذ مني ولا من غيري ، خذ من المصدر مباشرة ثم حكّم عقلك ، لا تعتمد عقل غيرك ، أنت أحوط لنفسك ولآخرتك من غيرك لك ، لا تلقي بنفسك في أتون معركة لا تعرف غايتها ولا رايتها حقيقة ، ولقد علمتَ بأن “كلّ المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه” (مسلم) ، وتعلم قول الله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء : 93) فلا تتجاوز هذا الوعيد الشديد بظنٍّ أو شبهة أو شك أو رأي إنسان ربما يكون له مصلحة الله أعلم بكنهها ، أو هوى ، أو اجتهد فأخطأ .. انجُ بنفسك ، وأعمل عقلك ، واستفت قلبك ، واستخر ربك ، وتعلّم واقرأ ، ثم اختر ما تراه أقرب لنجاتك من النار ، واحتط للدماء أشد من حذرك من قنابل ورصاص الأعداء ..

لماذا التركيز على مصطلح “الخوارج” الآن ؟ لأنهم يعلمون أنك تريد الأجر ، وأنك لن تقاتل إخوانك إلا إذا كان هناك دافع شرعي ، ولا دافع شرعي أعظم من وعد النبي صلى الله عليه وسلم بالأجر الجزيل .. لماذا لا يقولون دولة باغية كما قالوا بالأمس ؟ لأن الأعداء قرروا أن الوقت قد حان لقتال الدولة ابتداءً ، فلا مجال للمصالحة أو التردد في قتالها ، لا بد أن يكون الجميع مستعدون لساعة الصفر ، فمن ليس على استعداد لقتال الدولة فهو عدو يجب قتاله !! لا تقل بأن الذي يفتيك طالب علم أو عالم ، فقد أفتى بخارجية أسامة علماء يشار إليهم بالبنان ، وقالوا بأن أسامة يكفّر المسلمين ويقتلهم ويفسد في البلاد ، فكذبوا ، وفتاواهم مسجلة ومطبوعة ..

لا تلتفت لإنسان يُظهر مودّتك فإذا خاصمته أو اختلفت معه : فجَر في الخصومة وكتب عنك ولعنك وشتمك وكفّرك ورماك بالخارجية والعمالة والخيانة ، مثل هذا فيه خصلة من خصال المنافقين “وإذا خاصم فجر” ، ومثل هذه الخصومة تكون في العوام ، وهي في أهل العلم أشد ، لأنهم يتحاسدون ..

قد يقول قائل : لم كل هذه الاستماتة في الدفاع عن الدولة الإسلامية ؟ الجواب : ليس هذا دفاعاً عن الدولة الإسلامية ، وإنما هو رجاء حقن دماء المسلمين ، فالدولة ستقاتل من يقاتلها ، وستُسفك دماء المسلمين في هذه الفتنة الهوجاء من كل الجماعات المسلمة ، وليس هناك فرق بين مسلم في هذه الجماعة أو تلك ، فكلها دماء معصومة ، وإن كان أمر : فإشفاق على من ليس من الدولة أكثر من جنود الدولة لأن الدولة أقوى من هذه الجماعات ، ولهذا أقول لبقية الجماعات ما قال أمير الدولة الإسلامية : “كفوا عنهم يكفون عنكم” ، واشتغلوا جميعاً بقتال النصيرية والرافضة ومن ناصرهم ، ولا تقتلوا بعضكم بعضاً فإن هذا من أعظم الجهل والخذلان ..

إنما أكتب هذا الكلام لأني أرى بوادر فتنة مطلة في الشام ، فتنة قد يكون وقودها شباب مخلص مجاهد يريد نصرة الدين ، وبعض الجهلاء والعملاء يريدون استدراج هؤلاء الشباب لقتال داخلي بين المسلمين يفنى فيه المخلصون ويفعل بعضهم ببعض ما عجز عنه النصيرية والرافضة والنصارى واليهود والمرتدون .. كل قطرة دم تراق في هذه الفتنة ستكون في رقبة من يشرّع لهؤلاء الشباب الاقتتال فيما بينهم ، وفي رقبة كل من يقدر على وقف هذا الاقتتال – من القادة والعلماء – ولم يفعل ..

لا يهمنا من بدأ الفتنة ، ولا يهمنا من هو على حق ومن هو ظالم ، ولا يهمنا في هذا الوقت بالذات استرجاع بعض الحقوق ، الذي يهمنا الآن هو وقف الاقتتال بين المسلمين وحقن دمائهم ، فهذا هو المطلوب الآن ، وهذا ما ينبغي لعلماء المسلمين وطلبة العلم فيهم التركيز عليه ، وقد تنازل الحسن بن علي – رضي الله عنهما – عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – رغم كون معواية “باغٍ” كما هو قول علماء المسلمين ، فكان هذا سبب سؤدد الحسن بن علي ، وذلك أنه رجّح مصلحة الأمة وفضّل حقن دمائها على قتال معاوية رضي الله عنه ، فكان بحق “سيد شباب أهل الجنة” ، ولم يبحث الحسن مسألة البادئ ولا المحقّ ولا الظالم ، ولا بحث في الحقوق ، بل تنازل وبايع لمعاوية وأرغم أنوف المتربصين وآثر الباقية على الفانية ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
كتبه
حسين بن محمود
15 رجب 1436هـ

_______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]