New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "My Brother the Mujāhid: Verily I Love You In God"

بسم الله الرحمن الرحيم

من حسين بن محمود إلى أخيه المجاهد .. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد : فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو ، وأصلي وأسلم على سيد المجاهدين وإمام المرسلين رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أخي الكريم ..

لك إخوة في سائر أقطار المعمورة يغبطونك أشد الغبطة ، وكثير منهم ودّ لو باع كل ما يملك ولحق بك وكان عندك .. لقد فضلك الله علينا إذ نفرت وتثاقلنا ، وقمت وقعدنا ، وجاهدت وتخلفنا ، فأين نحن منك ، وأين الثرا من الثريا ، هنيئا لك أخي ، هنيئا !!

إني أحبك في الله .. لا أعرفك ، ولم أرك ، ولم أسمع صوتك ، ولكنني أعرف أنك تجاهد في سبيل الله ، وأن ساعتك خير من حياتي ، وأن لحظاتك خير من عمري ، وأن نومك وجلوسك وخطواتك وضحكك وابتسامتك ومشيك وجميع أمرك خير وأجر وثواب ، وأنا لا أدري ما أفعل هنا ، لا أدري ما أصنع ، وما الله صانع بي ؟

إني أحبك في الله ، أردت أن أقولها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني بإعلانها لمن أحب ، قال صلى الله عليه وسلم “إذا أحب الرجل أخاه ، فليُخبره أنه يُحبه” (أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح) .. لستَ من أهلي ، ولا من قرابتي ، ولكنك مقدّم على مَن هو مِن صلب أبي .. ربما أنسى أخي أو ابن عمي أو حتى نفسي ، ولكن أنت !! هيهات أنساك !!

كم من أخٍ لك لم يلده أبوكا … وأخٍ أبوه أبوك قد يجفوكا
كم إخوة لك لم يلدك أبوهُمُ … وكأنما آباءهم ولدوكا
لو كنت تحملهم على مكروهةٍ … تخشى الحتوف بها لما خذلوكا
وأقاربٌ لو أبصروك معلّقا … بِنِياط قلبك ثمّ ما نصروكا

لا أنتهي من صلاة إلا وأدعوا الله أن يحفظك ، ولا أتذكر الدعاء في سجود أو مطر أو منزل إجابة إلا ونصيبك من الدعاء الأوفر ، إني أدعوا الله لك قبل أن أدعو لنفسي ، وأدعوا الله لك وربما نسيت نفسي ، ربما لأنني لست ذا قيمة في الأمة ، وأنت جوهر الأمة وكنزها ، والقلوب مجبولة على التعلق بالغالي والنفيس ..

والله ما طلعت شمس ولا غابت … إلا وذكرك متروك بأنفاسي

لست وحدي ، كل مَن أعرف ههنا يحبك ، بل كل من أخاطب أو أجالس أو ألتقي يحبك حبا عجيبا لا يعلم كنهه إلا الله ، ولا يعلم مداه إلا الله .. لولاك أخي ما رفعنا رأساً ، ولا خاطَبنا إنساً ، ففعلك أنطقنا ، وعزيمتك سبب عزّنا ، نحن بدونك أذلة ، وبغيرك قلة ، كغثاء السيل ، أنت البعيد القريب ، الغريب الحبيب ..

إن يفترق ماء الوصال فماؤنا … عذب تحدَّر من غمام واحد
أو يفترق نسبٌ ، يؤلف بيننا … دين أقمناه مقـام الوالد

لا أدري أين أنت الآن : أأنت في الشيشان تحت شجرة خضراء !! أم أنت في جبال سليمان تحت صخرة صماء !! أأنت بين ثلوج كشمير !! أتصلي الآن في المسجد الأقصى !! أم أنك ترشف من ماء الفرات أو دجلة !! أو في سهول حمص أو حماة أو الرقة !! قد تكون في الفلبين أو في جنوب تايلاند أو شمال غرب الصين !! أو في المغرب الأوسط أو الأقصى !! أنا لا أدري أين أنت الآن ولكن : كن حيث شئتَ فأنت ههنا معي :

ما غاب عن عيني خيالكَ لحظة … ولا زال عنها والخيال يزول

أراك الآن وقد توسّدت الأرض وأسندت ظهرك للجدار بعد غزوة مباركة تلتقط هذه الورقات لتقرأ هذه الكلمات ، وقد أسند رشاشك ظهره معك .. كم أغبط ذاك الرشاش الذي يصاحبك .. لا أظنك وحدك .. فأنت لا تخلوا من إخوة الطريق .. لله درهم كم أحبهم .. بالله عليك أخبر من جنبك بأني أحبه في الله ، وأني مشتاق لرؤيته ..

مَن مُبلغ الرفقاء أني بعدهم … أُمسي رفيق كواكب الجوزاء !!

أتدري من أغبط أكثر !! أغبط أخاك الذي بجنبك ، هذا الذي يراك ويجلس معك .. لا أدري كم يحبك في الله !! إن كنت أنا البعيد هكذا ، فكيف القريب الذي معك !! أتعرف أخي سبب غيرتي ممن معك ؟ قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي “قال الله عز وجل : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور ، يغبطهم النبيون والشهداء” (الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح) ، ومعنى “لهم منابر من نور” : أي يجلسون على منابر من نور ، ليست منابر خشبية ولا عاجية ولا ذهبية ، بل منابر من نور يتمنى النبييون والشهداء أن يكون لهم مثل ما لهؤلاء !! آآه لو كنت معكم فأفوز بهذا الحب عَلّي أرى تلك المنابر ، لستُ أطمع اعتلاء مكان أساويكم فيه حتى أصنع ما صنعتم ، فلا يستوي القاعد والمجاهد ، لا يستوون عند الله ..

أذكر لك خبر لعله يفرحك ، ويفرح من يحبك من إخوانك ، وهو “عن أبي إدريس الخولاني رحمه اللَّه ، قال : دخلت مسجد دمشق فإذا فتىً برّاق الثنايا ، وإذا الناس معه ، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه ، فسألت عنه، فقيل : هذا معاذ بن جبل ، فلما كان من الغد: هجّرت [أي : بكّرت] فوجدته قد سبقني بالتهجير ، ووجدته يصلي ، فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قِبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت: والله إني لأحبك لله ، فقال : آلله ؟ فقلت: ألله. فقال : آلله ؟ فقلت : ألله . فأخذ بخبوة ردائي فجبذني إليه ، فقال : أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال اللَّه تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتباذلين فيّ” (حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح).

وكل محبة في الله تبقى … على الحالين من سَعة وضيقِ
وكل محبة فيمن سواه … فكالحلفاءِ في لهـبِ الحريقِ
[الحلفاء : نوع من الشجر]

إنما ذكرت لك هذا الخبر لأدخل السرور إلى قلبك ، وذلك أن “من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن : تقضي عنه دينا ، تقضي له حاجة ، تنفس له كربة” (ذكره الألباني في السلسة الصحيحة) ، ولئن كنت ذكرتُ لك حديثاً فأنت قضيت حوائج الأمة ، ونفّست عنها كُربات ، وقضيت عنها بعض دينها ، وأرغمت أنف عدوها ، فكل ذلك يُدخل من السرور على القلوب ما لا يعلمه غير علّام الغيوب ، فأنت أهل الثناء والشكر ..

سأجعل ما حَييتُ جميل شكري … لما أسدَيْتَ من نِعَمٍ غِدَائي
ولستُ أرى الحياة تطيب ، إلا … بحسن تحَمُّدي لك والثناءِ

لقد زاد حبي لك لمِا وصفك الله به في كتابه ، وعلى لسان نبيه ، بأنك : هيّن ليّن ذليل رحيم خافض جناحك للمؤمنين ، وبأنك : عزيز شديد غليظ مرعب مُرهب مترصِّدٌ ضاربٌ قاطعٌ لرقاب الكافرين ، فأعجبُ كيف زرقك الله تلك الحكمة التي مكنتك من الموازنة بين الأمرين ، وكيف رزقك ذلك العقل الذي يجعلك تفرّق بين الصنفين ، فلله عليك الفضل والمنة ..

فتىً عند العدى صابٌ مُمرٌّ … وفي خِلّانه عسلٌ وماءُ
هُمامٌ لم يزل يحمي ويَقْري … إذا كلَبَ الرزايا والشِّتاءُ

أحبُّك لحُب الله لك ، فقد أخبر أنه يحبك ، قال عزّ من قائل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة : 54) ، يزعم الإعلام بأن الناس لا يحبونك ، ويشهد الله ثم يشهد المسلمون – عربهم وعجمهم – بأن هذا محض كذب .. المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ودَّ كبيرهم قبل صغيرهم لو يقبّلوا رأسك ، وأنيسك عن هذا الإعلام الكاذب أن الله يحبك ، وأنك تحب الله ، وأنك لا تخاف لومة لائم ، وأن الله شاء أن يتفضل عليك بمحبته سبحانه ، ومن أحبه الله أحبه جبريل وملائكة السماء ثم يُجعل له القبول في الأرض ، فلينفخ القوم في إعلامهم ، ولينعقوا بأعلى صوتهم ، فوالله إنا نحبك ، وإنا نرى ونسمع الحجيج وزوار بيت الله الحرام يلهجون لك بالدعاء ، ويتضرعون إلى الله وقد سقوا أرض مكة بالدموع في مواطن السجود ..

لله درك من مجاهد اجتمع عليك أهل الكفر في الأرض من عرب وعجم وإنس وجن فلم يفتّ ذلك من عضدك ، ولم يوهن من عزيمتك ، بل أنت صامد مقاتل مفرّق لجموع الكفار ، فلم يقر لهم بوجودك قرار ، ورغم كل إنجازاتك : لا زلت مطأطئ الرأس ، خافت الصوت ، معفَّر الوجه ، قائم الليل ، مُكبّ على كتاب ربك ، مُشفق أن لا يقبل الله منك رغم كل ما عملت !!

أخبَرروني عن تواضعك الشيء الكثير ، ولعل هذا سر رفعتك ، فمن تواضع لله رفعه ، وما زلتَ مرتفعا حتى جاوزت الثريا بتواضعك .. رحمك الله ، فقد ذكرتني بسلمان رضي الله عنه حين قال له عمر رضي الله عنه ، وقد دوّن الدوواين :مع أي الناس نكتبك ؟ فقال سلمان رضي الله عنه {مع الذين لا يريدون علوّاً في الأرض} ..

أخبَروني عن حلمك مع إخوانك وتلطفك بهم وإيثارهم على نفسك ، وزادت الأخبار حتى تذكرت سلفنا الصالح وأخبارهم ، فالحمد لله الذي جعل في آخر هذه الأمة أخبار أوائلها وأفعالهم ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ..

أنا أعلم أنك لم تخرج حمية لحزب أو جماعة .. لم تخرج لعصبية قبلية أو لقُطر أو جنس .. لم تخرج لغنيمة أو سبي ، لم تخرج لمدح أو ثناء أو حمد ، خرجتَ وخلّفت وراء ظهرك كل راية عميّة تدعو لعصبيّة أو تنصر عصبيّة : حزبيّة كانت أو قطريّة أو جماعاتيّة ..

أنا أعلم أنك تبتغي ما عند الله ، تجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمته ودحر أعداء الله .. خرجتَ دفاعا عن أعراض المسلمات وحُرمات المسلمين ودمائهم وأموالهم .. خرجت لبغضك للكفار وحبك للمسلمين .. خرجتَ وروحك على كفك مسابقا الريح تبتغي الموت مظانة ، خرجت ولسان حالك يقول :

سأحمل روحي على راحتي … وأُلقي بها في مهاوي الرّدى
فإما حـياة تَسرُّ الصديق … وإما ممـاتٌ يغيظ العـدا

أنت ناصر للدين لا لحزب أو جماعة .. أنت ناصر للملة لا لقومية أو قبلية .. أنت ناصر للشريعة لا لرئاسة أو قيادة .. أنت ناصر للا إله إلا الله محمد رسول الله ، وكل شعار غير هذا هو تحت قدميك لا تبالي به ، كل سنين التحزب والتفرق والتشتت والسقم والمرض الذي أصاب المسلمين دست عليها برجلك لترقى سلّم الجهاد في سبيل الله ، ولذلك أحبك ، لأنّك تجرّدت لله وحده ..

طاعتك لله ، وعملك لله ، ووقتك لله ، وجهدك لله .. كم غدوة غدوتها في سبيل الله “لغدوة أو روحة في سبيل الله خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وغرُبت” (متفق عليه) ..

كم مرة اغبرت قدماك في سبيل الله “من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ” (البخاري) ..

كم طلقة أو قذيفة قذفتها في سبيل الله ” أيما مسلم رمى بسهم في سبيل الله فبلغ مخطئا أو مصيبا فله من الأجر كرقبة أعتقها من ولد اسماعيل …” (صحيح: رواه الطبراني عن عمرو بن عبسه ، وهو في صحيح الجامع) ..

كم كافرا قتلت في سبيل الله “لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً” (مسلم) ..

كم دمعة سكبت في ظلمة الليل مناجيا فيها ربك ، وكم قطرة من دمك سكبت في النهار مقاتلا في سبيل دينك “ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين أو أثرتين ، قطرة دمعة من خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله” . (حديث حسن رواه الترمذي)

بقاء الـدين والـدُّنيا جميعاً … بكُلِّ مُقــاتلٍ ثَبْتِ الجَنانِ
إذا شهدوا الحروب رأيت أُسداً … تهُشُّ كَـرامةً نحو الطِّعانِ
همُ بِيضٌ وفي الأَيمانِ بِيضٌ … فما تدري مَن السَّيف اليماني !!

عجبت من خروجك وقد أحجم الناس ، لمَ خرجتَ ولم تُقاتل !! أتقاتل دون مال الناس ، أتقاتل دون دماء المستضعفين ، أتقاتل من أجل حفظ الدين ، أتقاتل دون أعراض المسلمين “من قُتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد” (أبوداود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح) ، فكم شهادة تطلب ، جُعِلتُ فداك !!

سبقتَ الناس إلى شرف الدنيا ، ولا أراك – إن امتثلت هذا الطريق – إلا سابقهم في الآخرة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا وقف الناس للحساب ، جاء قوم واضعوا سيوفهم على عواتقهم تقطر دماً فازدحموا على باب الجنة فقيل : من هؤلاء ؟ قيل : الشهداء كانوا أحياء مرزوقين” (حسن: الطبراني في مسند الشاميين) !!

جاهد تصل للعيش من باب الردى … واقْبس بنار الحرب أنوارَ الهدى
وإذا أردتَ لباس حُلّة سُندسٍ … فالْقَ الأعادي بالحُسام مُجرّدا
فالحور تستحيي إذا ما لم تشُمْ … خدَّ المُهنّد بالنَّجيع مُوَرّردا
والربُّ يضحكُ من شهيدٍ حاسرٍ … لا يبتغي لِبْس الدِّلاصِ مُـسرَّدا
هو يخلع الجُثمان في يوم الوغى … كيف الدروع ، لقد تعطَّر واهتدى
يا من يريد على الإله وفـادةً … اجعل مطيّتك الجـهاد المُجْهِـدا
وصِلِ المهنّد بالضِّــراب لتجتبي … صـدراً برُمّان النُّهودِ مُنهّدا
أو عانق السُّمْر الطوال فبعدها … بيض تُحاكيها الغصـونُ تأوّدا
عجبا لأحـوال الشهيـد فإنه … في لمحة من دهــره بلغ المدى
لا يجتبي ثمرَ الأسنّةِ والقنــا … إلا ويسقُط عندها مثـل الندى

لم ترضى لنفسك أن تعيش مثل الناس ، ولا أن تموت مثلهم ، فمن أنت يا أخي ، وما هذه الهمة ، من أين أتيت بهذا الإصرار وهذه العزيمة !! ثلاثة قرون والكفار والمنافقون جلبوا على قلوب المسلمين بخيلهم ورجلهم وبإعلامهم وكيدهم ومكرهم .. ثلاثة قرون والكفار يعملون على مسخ هوية الأمة وقتل كل أمل في قلوب أبنائها وإرساء روح الإستسلام والإنهزام فيها !! ثلاثة قرون كان إعلامهم المقروء والمسموع والمرئي أعاصير وبراكين أحرقت جذوة الحق في قلوب أكثر البشر .. ثلاثة قرون ثم تأتي أنت بكل بساطة لتنسف عمل ثلاثة قرون ومئات الآلاف من الخبراء ومليارات الدراهم والدنانير والدولارات ، كل هذا تجعله بخروجك للجهاد هباء منثورا ، وحسرة على الكفار وأذنابهم !! لقد طار عقل الكفار وأُسقط في يدهم وجُنّ جنونهم !! لقد هزمت كيدهم ، وأبطلت سحرهم من أول خطوة خطوتها !!

ما أعجبك : أنت في جبال سليمان وتهتز لعزيمتك جدران الفاتيكان !! أنت في الشيشان والكفار يولولون في كل مكان !! أنت في العراق وقد علا في واشنطن صوت النعاق !! أنت في كشمير وقد بكى الهندوس في دلهي على المصير !! أنت في شمال غرب الصين تهتز لصولتك حكومة بكين !! تغدو وتروح في الرقة والقوم منك في مشقّة !! في فلسطين مرّغت وجه يهود في الطين وذكّرت الصليبيين زلزال حطين !! ربما ترشف الشاي أو تشرب القهوة أو تأكل الحلوى وأكثر طغاة الأرض : عظمت عليهم البلوى !!

ما أعجب ما أنت فيه من عز ورفعة ، وما أعظم ما ألقيت في قلوب أعداءك من خوف ورهبة ، خلعت أفئدة الكفار وألقيت في قلوبهم الرعب فقد أيقنوا أنك وقود إعصار إسلامي جارف يأكل الأخضر واليابس ويزلزل الأرض ويحرر الأقصى ويفتح القسطنطينية ويلتهم روما ، ولن يتوقف هذا الإعصار حتى يقاتل آخرنا الدجال ..

لا تلمني إن أحببتك في الله ، فأنت فينا معنى العزة والرفعة والسمو والعلو والسؤدد .. لم أفهم معاني آيات التوبة والأنفال إلا بعد أن رأيتك تحمل السلاح وتقاتل الأعداء : فتضرب عنق هذا ، وتقطع رقبة هذا ، عندها عرفت معنى قول الله تعالى {قاتلوا} ، وقبلها لم أكن أعرف معنى هذه الكلمة !! كنت أظنها ضرباً من الخيال !!

أخي الكريم

من فرْط حبي لك أردت أن أبلغك بعض كلمات ليكون طريقك أكثر نقاء وأعظم صفاء حتى تلقى الله وقد رضي عنك ، وحتى ترتقي أكثر في منازل من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. هي وصايا ربك في كتابه ، ووصايا نبيك في سنته ، فاحفظها واجعلها منهج حياتك وأصل طباعك ..

أخي : لا تكن طعّانا ولا لعّانا ولا فاحشاً ولا بذيئا ، ولا تلمز الناس ولا تنابزهم بالألقاب ، واترك عنك الغيبة والنميمة والكذب وكل أمر يقدح في المروءة ، واترك كل ذميمة .. وقّر الكبير ، واعطف على الصغير ، وأكرم عزيز القوم ، وارحم الضعيف .. لا تتبع عثرات إخوانك ، واستر عوراتهم ، واحرص على جمع كلمتهم ..

ابتعد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ولا تدخل في ما لا يعنيك ، ولا ما لا يُعينك على طاعة ربك ، والزم الحق ، واجتنب المعاصي : فإنما تُهزم الجيوش بسببها .. غضّ بصرك ، واخفض صوتك ، وأقلّ من الكلام ، وأكثر من النكاية في العدو وضرب الهام ، واحرص على الدعاء فإنك في موطن إجابة .. عليك بالوقار في ساحات القتال ، ولا يخيفك النزال ، واستعن بالله في جميع أمرك ، واجعله نصب عينك ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ..
إعلم بأنك إن كنت تألم فإن العدو يألم كما تألم ، وأنك ترجوا من الله ما لا يرجوا ، فاصبر فإن النصر صبر ساعة .. جدّ في الحرب ، وشد على الكفار ، وأعدّ لهم ما تستطيع من قوة ، وأخلص النية ، فإن انتصرت : فمنّة من الله وحده ، فاحمد الله على نعمه ، وإن كانت الأخرى – لا قدّر الله – فاتهم نفسك فإن الله ينصر من ينصره ، ونصره بطاعته واجتناب معصيته ، واعلم بأن الله ينظر إليك : فلا يرى منك زلة ، واعلم بأنه سبحانه يباهي ملائكته بأهل الصبر والثبات فاثبت ، واحرص على الموت توهب لك الحياة ..

إن كنت في مكان فيه راية واحدة فالزمها وعض عليها بالنواجذ واحمد الله على فضله ، وإن كنت في ثغر فيه رايات متعددة فانظر أعظمها نكاية في العدو ، وأقربها لسنة نبيك ، وأبعدها عن فتنة ، وأحبها للمسلمين ، وأغيظها وأشدها على الكافرين ، ثم انظر أين تقع سهام أعداء الدين : تعرف الراية .. اعلم أن المؤمنون إخوة ، فلا تبخس إخوانك حقهم ، ولا تنس فضلهم ، ولا تنتقص منهم ، وإياك أن تشهر سلاحا في وجه مسلم ولو مازحا ..

ليَسع قلبك جميع المسلمين ، وقدّم رابط الدين على رابط الدم ، فأخوك من عبَد الله ولم يشرك به شيئا ، والغريب من ترك عبادة الله أو أتى بناقض لدين الله : من موالاة لأعداء الله أو حكم بغير ما أنزل الله ، فهذا عدو لك فاحذره ولو كان أبوك أو ابن أبيك أو من عشيرتك ، فقرابة الدين هي النسب .. أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله ، والموالاة في الله والمعاداة في الله .. التفاضل بالتقوى ، فلا عبرة في ديننا لابن أم أو عشيرة أو بلد إن كان لا يعبد الله ، أو يوالي أعداء الله ، فهذا عدو لله يُبغَض في الله ..

أخي الحبيب : قد تحل على قوم لم تألفهم ، وقد ترى ما لم تعتده ، فلا تستبق الأحداث ، واصبر وأنصت واسأل وتعلم ، فالاختلاف سنة كونية ، والخلاف جبلّة إنسانية ، وكثير من أهل البلاد الأخرى تربوا غير تربيتك ، وتعلموا غير تعليمك ، وعرفهم غير عرفك ، وربما مذهبهم الفقهي غير مذهبك ، وعقيدتهم تختلف قليلاً عن عقيدتك بحكم ما انتشر في بلادهم من بدع ، فارفق بهم ، ورق لهم ، وكن حكيماً معهم ، واطلب هدايتهم برفق ولين وصبر وإشفاق ، فلأن يهدي الله بك رجلاً أحب إليك من حُمر النعم ..

أنصحك بترك الجدال والمراء ، وأوصيك بهجر كل مجلس فيه غيبة أو نميمة أو منكر لا تستطيع إنكاره بالحسنى ، واشتغل عن كل هذا بذكر الله ، وبالإعداد للجهاد .. إياك إياك أن تحمل في نفسك ضغينة على مسلم ، اجعل حنقك كله على الكفار ، ومن يحاول إيغار صدرك على المسلمين فاستعذ بالله منه فهو شيطان رجيم ، وإن أرادك بعضهم في قتال فتنة فاهجرهم وابحث عن طريق يوصلك إلى الجنة “لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً” (مسلم) ، فاحرص على قتال الكفار الذين تعلم كفرهم ، وتجنّب بنيات الطريق فإن فيها المهالك .. إن لك حياة واحدة في هذه الدنيا ، وفرصة واحدة للشهادة ، فلا تضيّعها .. اطلب الشهادة بقتال الكافر المعلوم كفره ، ولا تكن ضحية قتال فتنة أو بغي ..

لا أريد الإطالة عليك ، فلعلك تستعد لغزوة أو رصدِ أو حراسة ، وأكتفي بهذا القدر علّه يكون بيننا كتاب آخر ..

ولو نُعطا الخيار لما افترقنا … ولكن لا سبيل إلى الخيَارِ

أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، وأسأل الله لك النصر والتمكين ، وأن يعز بك الإسلام المسلمين ، ويذل بك الكفر والكافرين ، وأن يجمعنا وإياك في علّيين ، مع الصديقين والشهداء والصاحين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .. لا تنسانا أخي من دعائك فنحن أحوج إليه من حاجتك لدعاء المسلمين ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه : محبك
حسين بن محمود
11 رجب 1436هـ

أصله من مقال كتب بتاريخ 15 ربيع الآخر 1428هـ ، وتمت إضافة بعض العبارات وحذف بعضها.

______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]