New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Correct Notions About the Caliphate"

السلام عليكم ورحمة الله.
 
إخوتي الكرام، في هذه الكلمة نناقش أطروحة يرددها البعض. تقول هذه الأطروحة:
لا بد من إقامة الخلافة، وبما أن المسلمين لن يتفقوا على رجل، وبما أنهم مستضعفون مسلوبو السلطان أصلا، فيحق لجماعة من الجماعات أن تُنَصب خليفة وتمد سلطانها ولو بالتغلب، جمعا لكلمة المسلمين.
 
فنقول أولا: أما قولهم (لا بد من إقامة الخلافة)، فإن إقامتها لا تكون بالإعلان عنها دون وجود مقوماتها. ومن مقوماتها أن يكون المسلمون أصحاب سلطان على أراضيهم وكلمتهم مجتمعة. وبما أن أيا من هذا غير موجود فواجب الوقت هو استرداد سلطان المسلمين وجمع كلمتهم بالدعوة والجهاد، وليس المشاركة في اغتصاب حق المسلمين في السلطان على أرضهم، ولا ادعاء الخلافة لشخص فيؤدي ذلك إلى تنازع لا يزيدنا عن استرداد السلطان وجمع الكلمة إلا بعدا!
وجوب إقامة الخلافة لا يعني إطلاق تسمية الخلافة على أي جهة أو كيان فيصبح هذا الكيان بمجرد هذه التسمية خلافة، وذلك كالصلاة، فليس كل من زعم أنه صلى يكون قد صلى الصلاة المطلوبة شرعا فالنبي صلى الله عليه وسلم  قال للمسيء صلاته (صلّ فإنك لم تصل) فمن لم يأت بالشروط والأركان لا يحل له أن يدعي أنها أتى بالتكليف الشرعي على وجهه.
 
وإذا لم يمكن العاملين لنصرة الدين أن يقيموا الخلافة في زمن من الأزمان فهذا شيء لا يضرهم ولا يأثمون عليه، وليسوا مكلفين بتعجل إعلان شيء لا توجد مقوماته. فهم مأمورون بإقامة الدين على كل حال، وإقامتهم للدين وتحريهم للحق في عملهم مؤداه حتما تحقق واقع مناسب للخلافة، فإن معهم وعداً أن العاقبة لهم وأن التمكين سيحصل إذا استقاموا على أمر الله: ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم)).
وهناك وعد نبوي بأنه ستكون خلافة على منهاج النبوة. هذه بشرى ووعد، وليس تكليفا بتعجل شيء غير موجود ولا نملك إيجاده في لحظتنا هذه.
 
فالواجب أن ينشغل العاملون لنصرة الدين بما كلفهم الله به، لا ما تكفل هو لهم به، وعليهم أن ينقحوا أفعالهم من كل ما يخالف الحق وينقضه، وأن يستقيموا على أمر الله بكل ما يملكون، ومن ذلك الأخذ بسنن التمكين الشرعية والسعي لإقامة الخلافة على وجهها الشرعي، فإنهم متى فعلوا ذلك تحقق لهم وعد الله بالاستخلاف والتمكين حقيقة لا ادعاء.
 
لكن ولع بعض الجماعات المقاتلة بالتمكين يجعلهم يسعون إليه بطرق يدخل فيها ظلم واستبدادا بالأمر، فيضيعون على أنفسهم وعد الله ولا يزداد التمكين بذلك إلا بعدا!
 
سيقال: إن الأمة لن تجتمع على خليفة بطريقتكم هذه. فكيف تجتمع برها وفاجرها على رجل وهي لا تكاد تجتمع على شيء؟!
فالجواب: أن هذا تألٍّ على الله. فهناك وعد من النبي صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة على منهاج نبوة. ومنهاج النبوة إنما هو بأخذ البيعة عن رضا من المسلمين لرجل تشاور فيه المسلمون وأهل حلهم وعقدهم، ولا يشمل ذلك طبعا المحاربين لإقامة الشريعة الكارهين لها.
قد يسبق تحقيق الوعد المبشر به قيام كيانات وإمارات إسلامية متباعدة وجماعات مجاهدة، والصالحة منها ستسهم في تحقيق هذه البشرى ولو بعد حين. لكن ليس لأي منها الحق في ادعاء الخلافة وإبطال الإمارات أو حل ألوية الجماعات!
 
سيقال: “ومن قال لكم أن خلافتنا لم تقم على بيعة أهل الحل والعقد؟” وتارة يقال: “بل كان لا بد من التغلب في ظل فرقة المسلمين”. العجيب أن بعض الجماعات يخلط بين التغلب وبيعة أهل الحل والعقد، ثم تتخبط في تعريف أهل الحل والعقد، وتخرج ثوبا مرقعا من هذه المصطلحات لتخلع به لقب الخلافة على من عيَّنَتْه خليفة!
 
فحتى تكون الصورة صورة بيعة أهل الحل والعقد ترى هذه الجماعة تُعَيِّن من أفرادها من تدعيهم أهل حل وعقد ممثلين عن الأمة!
وحتى تبرر عدم استشارة أحد من الأمة، ولا حتى مجاهديها وعلمائها، تراها توزع هذه الأمة ما بين خاذل وخائن ومحارب وديمقراطي وسروري وإخواني ومرجئي. فأصبحت هذه الجماعة في المحصلة هي الأمة ومن دونها ليسوا أهلا لأن يُستشاروا أو يكون منهم أهل حل وعقد، بل لا ينفع معهم إلا التغلب والقهر بالقوة!!
ولا ندري، هل الأمة عند هؤلاء أمة إسلام فتستشار؟ أم أمة كفر فتُقهر؟ فمنهاج النبوة لا يقوم على قهر المسلمين.
 
وإن لم يكن في الأمة الإسلامية بعلمائها وجماعاتها الإسلامية والمجاهدة من أفغانستان شرقا إلى مالي غربا من يُستشار فكبر على الأمة أربعا ولا داعي لإقامة الخلافة بل انتظر قيام الساعة!
 
إن لم يكن الملا عمر الذي بايعه الشيخ أسامة والطالبان التي ضحت بإمارة إسلامية حقيقيةٍ رفضا لتسليم بعض المجاهدين أهلا أن يستشاروا، وإن لم يكن من أمضى عمره في الجهاد وقتل في ذلك أبناؤه جميعا أهلا أن يستشار، وإن لم تكن الجماعات المجاهدة في العراق والشام، والتي تتفق معكم بلا شبهة في سيادة الشريعة كأنصار الإسلام وجيش المجاهدين بالعراق وجبهة النصرة والكتيبة الخضراء وصقور العز وجيش المهاجرين والأنصار وشام الإسلام وغيرها…
وإن لم تكن جماعة أنصار الدين في مالي التي أقامت الشريعة وحاربها العالم على ذلك…
وإن لم تكن فروع القاعدة والجماعات المجاهدة لإقامة الشريعة في اليمن وسيناء وليبيا والمغرب العربي والصومال…
وإن لم يكن العلماء الذين أمضوا أعمارهم في السجون نصرة للجهاد والمجاهدين ودفاعا عن شريعة رب العالمين…
إذا لم يكن هؤلاء جميعا أهلا أن يستشاروا، واختزلتم الأمة في مجلس من بضعة أشخاص لا يُعرف حال واحد منهم ولا عدالته ولا علمه ولا من وثقه من أهل العلم والجهاد…فعن أية خلافة على منهاج نبوة تتحدثون؟! 
 
وبأي دين يقال: (كيف نستشير من تبرأ منا وعادانا)؟! هل تبرؤه ومعاداته لكم بحد ذاتها مسقطة له من الاعتبار كأنه تبرأ من دين الله؟ أم موجبة عليكم أن تنظروا في أنفسكم لِمَ خالفكم؟! 
 
هذا ونحن لم نذكر باقي الأمة ممن ليس لديه ما يقدح في كونه مسلما عاملا لنصرة الدين أو عالما يستشار. ولم نُعْرض عنهم تهميشا لهم، لكِنْ ذَكَرْنا من يتفق معكم اتفاقا مجملا في أصل المنهج. فإن كانت الخلافة المدَّعاة لا تتسع لهؤلاء أن يدخلوها إلا راغمين تابعين دون مشاركة في مشورة، فما حال سائر أهل القبلة؟!
 
هذا من حيث الخلافة على منهاج نبوة. أما إن كان الحديث عن إمارة إسلامية في رقعة من بلاد المسلمين، فلا بد لمدعي الإمارة أن يحدد: هل حقق إمارته بالغلبة أم ببيعة أهل الحل والعقد في هذا البلد؟ فإن الأمرين لا يجتمعان. فإن أهل الحل والعقد لو بايعوا إماما فعلاً لما احتاج للقهر والغلبة. لأن أهل الحل والعقد يحلون الأمور ويعقدونها ويسير الناس بسيرهم. فمبايعتهم رجلاً على الإمامة تغنيه عن التغلب على الناس بالقوة. والخلط بين بيعة أهل الحل والعقد والتغلب هو اضطراب وتخبط.
 
ثم عند الحديث عن إعلان إمارة إسلامية فلا بد من أن تطرح تساؤلات:
1.    هل سلطان المسلمين مستقر على هذه الأرض بالفعل؟
2.    وهل المقدار المحرر فيه مقومات إمارة بالفعل؟
3.    وهل تشغل إقامة الإمارة وإدارتها عن الاستمرار في دفع الصائل وتحرير المسلمين في سائر البلد؟
4.    وهل إقامة الإمارة تسهم في تجزئة البلد من بلاد المسلمين بما يزيد تمكن الكفرة من سائر البلد؟ 
وهذه الأسئلة مطروحة على أي مشروع إمارة إسلامية وليس على مدعي الخلافة فحسب.
 
ومع ذلك فلن أقف مع تصويب أو تخطئة إقامة إمارة بالعراق حيث كان التغلب على روافض محاربين. ولن أقف مع أية إمارة قامت أو ستقوم في بلاد المسلمين على التغلب على عدو كافر.
 
إنما نود هنا بيان أنه من التضليل استخدام لفظة التغلب كأنها لفظة شرعية لتبرير صورة في غاية الفساد!
فالفقهاء الذين تكلموا عن الإمام المتغلب كانوا يناقشون حالة صراع على السلطة في دار الإسلام حيث المسلمون في عزة ومنعة. ومن صحح منهم إمامة المتغلب صححها بشروط منها أن يرضاه المسلمون، ويحكمهم هو بشرع الله تعالى.
فصححوا إمامته بعد رضا المسلمين به لا قبلها، ولم يكن قولهم هذا تجويزا للتغلب ابتداء بأي وجه بل هو حرام حتى عند من صحح إمامة المتغلب بشروط كحل لوضع قائم.
 
أما أن يكون المسلمون في حالة حرب مع عدو كافر، وقد حرروا بعض الأراضي من هذا الكافر، فيأتي من يتغلب على المسلمين ويغالبهم على ما حرروا من أراضٍ ويشغلهم وينشغل هو عن حرب العدو الكافر، فهذا إفساد في الأرض، وليس ولا حتى التغلب المذموم شرعا والذي لا بد من شروط لتُقبل إمامة صاحبه! بل هو إفساد.
  
وليس لمن يفعلون ذلك أن يستدلوا باتساع رقعة سيطرتهم بعد ذلك على أنهم حصرا أهل الحل والعقد !
وليس لهم أن يتكلموا عن إمارة إسلامية صحيحة في أرض فعلوا فيها مثل ذلك فضلا عن إعلان خلافة تحل الإمارات والجماعات وتُلزم المسلمين في أقاصي الأرض بالولاء لها !
 
هذا ناهيك عن مصداقية الحكم بشرع الله ممن دعي مرارا إلى التحاكم، وناهيك عن عدالة أو جهالة الجهاز القضائي الموكل إليه الحكم بما أنزل الله.
 
ختاما، نعجب من سطحية تفكير البعض عندما يظنون أن ادعاء الخلافة يجمع كلمة المسلمين، وأن على كل الحريصين على جمع الكلمة تأييدها ومبايعتها.
 
إن كانت الخلافة المدعاة لم تنل تأييد أحد من علماء الجهاد وقادته، وإن كانت لم تنل تأييد من سبقها من جماعات الجهاد في العالم، وإنما يؤيدها صغار السن وقليلو العلم ممن تغرهم الشعارات وتسلب عقولهم المسميات والخطابات الرنانة، فهل نتيجة ذلك الاجتماع أم التمزيق؟
 
وما الذي يجعلك ترى نفسك الجماعة، وعلماء الأمة وعامة جماعات جهادها ليسوا معك، فمن أراد من سائر المسلمين جمع الكلمة فليلحق بك، ومن لم يفعل فهو حسود مفرق للجماعة ؟!
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله. 

____________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]