New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "Fatwas Of the Timid"

بسم الله الرحمن الرحيم

من الأمور الغريبة التي رأيناها في زماننا هذا : عزوف الكثير من العلماء عن بيان الحق صريحاً دون تورية ، فالبعض يعتمد على ذكاء العامة في فهم مراده ، والبعض يظن أن التلميح بالفتوى من باب الدهاء والحنكة السياسية ، وهذا قطعاً ليس مراد الله تعالى في قوله سبحانه {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ …} (آل عمران : 187) ، فالبيان يقتضي التوضيح بما يزيل الإشكال وتحصل به المعرفة والعلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “من سُئل عن علمٍ فكتمه ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار” (صحيح : صحيح الجامع) .. 

بمثل هذه العقلية الغريبة يُصبح الدين غريباً عند الناس ، فتجد كثير من العوام – وبعض طلبة العلم – لا يعلم حقيقة الجهاد ولا حكمه ، ولا يعرف ما دار حرب ودار إسلام ، ولا حكم من لا يحكم بما أنزل الله ، ولا حكم من يوالي أعداء الإسلام ويعينهم على حربهم ضد المسلمين ، فأصبح الدين من هذه الناحية غريباً ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ..

كانت الفتاوى واضحة صريحة في الحرب الأفغانية السوفييتية : فالجهاد كان واجباً على الأمة وفرضاً عينياً على القادرين ، وموالاة السوفييت ردّة عن الدين ، ودار السوفييت دار حرب ، والشيوعية كفر وإلحاد ، وقد انتشرت الكتب والأشرطة والدروس في الإعلام والمدارس وفي كل مكان تبيّن هذه الحقائق الشرعية بكل وضوح ، فكانت الحكومات العربية تطبع كتب الشيخ عبد الله عزام وسيّد قطب ، وكانت تنشر فتاوى الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين وغيرهم ، والأمة كلها مُستنفَرة للجهاد بالنفس والمال والرأي ، وما أن شارف المجاهدون على دخول كابل حتى توقّف كل هذا ، واختفت الفتاوى والدروس والنشرات فجأة ، ثم انقلب الأمر رأساً على عقب : فصار الجهاد فتنة ، والبراء من الكفار تنطّع ، والتحريض على الجهاد دعوة للكراهية والإرهاب ، وانقلبت الحكومات على المجاهدين وعلى الشعوب وأسكتت أهل العلم ، وأبرزت بعض العملاء الملتحين ليغيروا الدين ويبدّلوه ويحرّفوه ، فانتشر الجهل بعد علم ، وظهر جيل خانع للعدو مسالم لا يعرف عقيدة ولا فقه إلا ما ظهر على لسان هؤلاء العملاء ..

لقد حاول أعداء الأمة نشر بعض الأفكار والمصطلحات تحت مضلة المفاهيم الدخيلة ، وهي أفكار بمصطلحات برّاقة في ظاهرها ، ولكنها تنافي عقيدة الإسلام التي لا يكون للدين ظهور إلا بها ، ولا يكون تمكين في الأرض إلا بتطبيقها ، “فالحريّة والعدالة والمساواة” التي ينادي بها البعض اليوم ولا يفهم معناها إلا وفق المفهوم الغربي أطلقها اليهود في الثورة الفرنسية ، ومن لا يعرف عقيدة المسلمين فإنه لا شك يغتر بهذه الكلمات التي قصد بها الأعداء غير حقيقتها :

فالحريّة عندهم : مطلقة ، فللإنسان أن يختار الردّة عن الدين ، ويختار الفسق والفجور والرذيلة كالزنا وشرب الخمر واللواط والسحاق وغيرها من الفواحش والمنكرات التي تأباها النفس المسلمة ، ولا يجوز الإنكار على الناس في حرياتهم الشخصية ..

والعدالة : بمفهومها اليهودي والنصراني ، لا بالمفهوم الشرعي السماوي ، وكل من تابع موقف الغرب من القضايا الإسلامية يعلم يقيناً حقيقة هذه العدالة ..

والمساواة : بمعنى إلغاء عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض في الله ، فاليهودي والنصراني والبوذي والهندوسي وعبد الشيطان وغيرهم يكونون مساوين للمسلم والعياذ بالله ، وإن كان الغرب لا يقصد هذا ، وإنما قصد الغرب أن كل هؤلاء يتساوون إلا المسلم فإنه دونهم جميعاً ، واليهود يعتقدون بأنهم فوق الجميع ، فالحقيقة أن هذه الألفاظ وُضعت لخداع غير اليهود ..
لو أردنا “أسلمة” هذه الألفاظ وجعلها طوعاً لمفاهيمنا الشرعية : 

فالحريّة عندنا : هي عبادة الله وحده لا شريك له ، ودعوة الناس إلى ذلك ، ومن أبى فإنه يعيش ذليلاً دافعاً للجزية تحت الحكم الإسلامي ، أو يكون على الدوام مواجِهاً للسيف الإسلامي ، وحرية الفكر والرأي مكفولة ضمن الإطار الشرعي ، فلكل شيء في ديننا ضوابط تضمن الحرية الحقّة ، وتُبطل التعدي على الدين والمجتمع والفرد باسم الحرية الباطلة المزيَّفة ..

والعدالة : هي الأحكام الشرعية الربانية التي نزلت على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ما خالف هذه الأحكام فهو ظلمٌ ، وجورٌ ، وقد قال الله تعالى عنها في القرآن بأنها : عتوّ، وعنادٌ ، وطغيانُ، وإفكٌ ، وإثمٌ مبينٌ ، وخسرانٌ مبينٌ ، وبهتان ، وحكم طاغوت ، وحكم جاهليّة ، فأين العدل والله تعالى يصف ما يخالف حكمه بهذه الأوصاف !! الله تعالى هو الذي يأمر بالعدل ، فالعدل عندنا أصل أصيل وركن متين حتى مع المخالفين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة : 8) ، فعدلنا إلهي سماوي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..

والمساواة : هي بين المؤمنين ، فهم سواسية كأسنان المشط ، لا فرق بين عربيّهم وأعجميّهم ، ولا أبيضهم ولا أسودهم ، وأكرمهم عند الله أتقاهم ، أما الكفار فهم دون المسلمين ، يعيشون في كنف الدولة الإسلامية وتحت حمايتها يبذلون لها الجزية أذلّة صاغرين ، ولا مكان عندنا لوطنية ولا قومية ولا شعوبية ولا ما يسمونه بالأخوّة الإنسانية (والتي هي شعار الماسونية) ، فالأخوة عندنا مبنية على أساس الدين ، ومساواة المسلم بغير المسلم ظلم لا يقرّه شرعنا {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم : 35-36) .. الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه ، فمن عبده كان أفضل ممن أخلّ بسبب وجوده (انظر فصل “جنسية المسلم عقيدته” في كتاب معالم في الطريق لسيد قطب رحمه الله ، فهو – على اختصاره – من أجود ما كُتب في الباب) .. 

ليترك العلماء الحياء جانباً ، وليبيّنوا للناس حقيقة دينهم الإسلامي الذي ينظر إلى المسلم على أنه فوق الجميع ، وأن الإسلام يعلوا ولا يُعلى عليه ، وأن الدين الإسلامي هو الدين الحق الذي لا يقبل الله غيره ، وأن جميع الأديان والمذاهب والنظريات المخالفة للإسلام ليست بشيء ، وأن القانون الذي لا يجوز الحكم بغيره : هو شرع الله الذي من ارتضى الحكم بغيره يكون كافراً مرتداً عن الدين ، وأن أهل الإسلام يداً واحدة لا يجوز لمن يدعي الإسلام أن يعين غير مسلم على مسلم ولو بكلمة ، فإن فعل فإنه كافر مرتد عن الدين ، بل من سرّه ظهور الكفار على المسلمين وفرح بذلك – وإن لم يُعنهم بكلمة واحده – كان من المنافقين الذين قال الله تعالى في شأنهم {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا…} (آل عمران : 120) ، فهذا دأب المنافقين في كل زمان ومكان ..

لا بد أن تكون هذه الأحكام ظاهرة واضحة لا لبس فيها ، ولا يجوز للعلماء الإكتفاء بكلمة هنا أو تلميح هناك ، فالأجيال أمانة في أعناق العلماء ، والله سائلهم عنها ، فوجاهة العالم لا تكون بلا مسؤولية ..

البعض يخاف تهمة التكفير على نفسه ، وكأن التكفير ليس من صميم الدين ، وكأن آيات التكفير لا تملأ كتاب الله عز وجل ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُكفّر الكفّار ولم يحكم على بعض من ادعى الإسلام بالنفاق الأكبر والمروق من الدين ، وكأن الصحابة لم يحاربوا المرتدّين الذين منعوا الزكاة واتبعوا بعض الكذّابين ، وكأن علياً رضي الله عنه لم يحرق من غلا فيه بالنار ، وكأن الصحابة لم يُكفّروا بعض المبتدعة ، وكأن التابعين لم يكفّروا الغلاة المبتدعين ، وكأن علماء المسلمين على مر العصور لم يكفّروا فرقاً بأكملها مرَقت من الدين بأفعالها أو أقوالها واعتقاداتها !!

من الأمور المكفّرة الواضحة البيّنة التي نراها اليوم أوضح ما تكون : ظاهرة موالاة أعداء الله تعالى من اليهود والنصارى والرافضة الغالين والعلمانيين المرتدين المحاربين للدين ، فمن ظاهر هؤلاء وأعانهم ولو بكلمة على المسلمين فهو كافر مرتدّ خارج عن ملة الإسلام باتفاق أهل العلم قاطبة ، وهذا من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى كثير بحث ونظر ، فآيات الولاء والبراء في القرآن أكثر من أن نحصيها ، وتكفير من يوالي أعداء الدين ويظاهرهم على المسلمين في كلام العلماء والمفسرين أكثر من أن نحيط به ، ولا يشك مسلم – يقرأ كتاب الله – في هذا الحكم الواضح البيّن إلا إذا طمس الله على عقله وقلبه وبصره ، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرسائل الشخصية : “إن الأدلّة على كفر المسلم إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على المسلمين – ولو لم يشرك – أكثر من أن تُحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم المعتمدين” (انتهى) .. وهذه بعض الآيات التي ذكرت قضيّة الموالاة نذكرها كمثال لتوضيح هذا الحكم الواضح ، مع ذكر بعض أقوال أهل العلم :

قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (التوبة : 23) .. قال الطبري رحمه الله : “ومعنى ذلك : لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلونهم على عوراتهم ، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء ، يعني بذلك: فقد برىء من الله وبرىء الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر” (انتهى) .. 

وقال سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة : 51) .. قال الطبري رحمه الله في تفسيره : “والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله – تعالى ذكره – نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله ، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين ، وأن الله ورسوله منه بريئان” … وقال “يعني تعالى ذكره بقوله {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} : ومن يتولّ اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم ، يقول : فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم ؛ فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه”. (انتهى) ..
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (ج18) : “فالمخاطبون بالنهى عن موالاة اليهود والنصارى هم المخاطبون بآية الردة ، ومعلوم أن هذا يتناول جميع قرون الأمة ، وهو لمّا نهى عن موالاة الكفار وبيّن أن من تولاهم من المخاطبين فإنه منهم ، بيّن أن من تولاهم وارتد عن دين الإسلام لا يضر الإسلام شيئا ، بل سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فيتولون المؤمنين دون الكفار ويجاهدون فى سبيل الله لا يخافون لومة لائم ، كما قال في أول الأمر {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين} ، فهؤلاء الذين لم يدخلوا في الإسلام وأولئك الذين خرجوا منه بعد الدخول فيه لا يضرون الإسلام شيئا ، بل يقيم الله من يؤمن بما جاء به رسوله وينصر دينه إلى قيام الساعة” (انتهى) ..
وقال ابن تيمية في اختياراته : “من جمز إلى معسكر التتر ، ولحق بهم : ارتد ، وحل ماله ودمه” ( نقله الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في الدرر السنية : ج8) قال الشيخ رشيد رضا في الحاشية : “وكذا كل من لحق بالكفار المحاربين للمسلمين وأعانهم عليهم ، وهو صريح قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}” (انتهى) ..
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة : “أنه سبحانه قد حكم – ولا أحسن من حكمه – أنه من تولى اليهود والنصارى فهو منهم {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم ، وهذا عام خُصّ منه من يتولاهم ودخل في دينهم بعد التزام الإسلام فإنه لا يُقر ولا تُقبل منه الجزية ، بل إما الإسلام أو السيف ، فإنه مرتد بالنص والإجماع” (انتهى) ..
وذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام : “الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}” (انتهى) ..
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في الدرر (ج8) : “فنهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، وأخبر أن من تولاهم من المؤمنين فهو منهم ، وهكذا حكم من تولى الكفار من المجوس وعباد الأوثان فهو منهم” (انتهى) ..
وقال ابن حزم في المحلى : “صح أن قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار ، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين” (انتهى) ..
وقال القرطبي في تفسيره : “أي من يعاضدهم ويناصرهم على المسلمين فحكمه حكمهم في الكفر والجزاء ، وهذا الحكم باق إلى يوم القيامة ، وهو قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين” (انتهى) ..
قال سيد قطب – رحمه الله – في الظلال : “فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم ، يخلع نفسه من الصف ، ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف “الإسلام” وينضم إلى الصف الآخر. لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية : {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} .. وكان ظالما لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة .. وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه . ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم : {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} .. لقد كان هذا تحذيرا عنيفا للجماعة المسلمة في المدينة. ولكنه تحذير ليس مبالغا فيه. فهو عنيف. نعم ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة. فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى- وبعضهم أولياء بعض- ثم يبقى له إسلامه وإيمانه ، وتبقى له عضويته في الصف المسلم الذي يتولى الله ورسوله والذين آمنوا .. فهذا مفرق الطريق” (انتهى) ..

قال تعالى {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة : 22) .. قال الشيخ عبد اللطيف في الدرر (ج8) : “فليتأمل من نصح نفسه هذه الآيات الكريمات وليبحث عما قاله المفسرون وأهل العلم في تأويلها وينظر ما وقع من أكثر الناس اليوم ، فإنه يتبين له – إن وفق وسدد – أنها تتناول من ترك جهادهم ، وسكت عن عيبهم ، وألقى إليهم السلم . فكيف بمن أعانهم أو جرّهم على بلاد أهل الإسلام أو أثنى عليهم ، أو فضّلهم بالعدل على أهل الإسلام واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم ، وأحب ظهورهم ، فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق” (انتهى) ..
قال سيد قطب في المعالم : “وحين انبتّت وشيجة القرابة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين عمه أبي لهب وابن عمه عمروا بن هشام “ابو جهل” ، وحين قاتل المهاجرون أهلهم وأقرباءهم وقتلوهم يوم بدر .. حينئذ اتصلت وشيجة العقيدة بين المهاجرين والأنصار ، فإذا هم أهل وإخوة ، واتصلت الوشيجة بين المسلمين العرب وإخوانهم : صهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، وسلمان الفارسي ، وتوارت عصبية القبيلة ، وعصبية الجنس ، وعصبية الأرض ، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : “دعوها فإنها منتنة” (البخاري ومسلم) .. وقال لهم “ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية” (مسلم) .. فانتهى أمر هذا النتن : نتن عصبية النسب ، وماتت هذه النعرة : نعرة الجنس ، واختفت تلك اللوثة : لوثة القوم ، واستروح البشر أرج الآفاق العليا ، بعيداً عن نتن اللحم والدم ، ولوثة الطين والأرض .. منذ ذلك اليوم لم يعد وطن المسلم هو الأرض ، إنما عاد وطنه هو “دار الإسلام” ، الدار التي تسيطر عليها عقيدته وتحكم فيها شريعة الله وحدها ، الدار التي يأوي إليها ويدافع عنها ، ويستشهد لحمايتها ومد رقعتها .. وهي “دار الإسلام” لكل من يدين بالإسلام عقيدة ويرتضي شريعته شريعة ، وكذلك لكل من يرتضي شريعة الإسلام نظاما – ولو لم يكن مسلما – كأصحاب الديانات الكتابية الذين يعيشون في “دار الإسلام” .. والأرض التي لا يهيمن فيها الإسلام ولا تحكم فيها شريعته هي “دار الحرب” بالقياس إلى المسلم ، وإلى الذمي المعاهد كذلك .. يحاربها المسلم ولو كان فيها مولده ، وفيها قرابته من النسب وصهره ، وفيها أمواله ومنافعه .
وكذلك حارب محمد صلى الله عليه وسلم مكة وهي مسقط رأسه ، وفيها عشيرته وأهله ، وفيها داره ودور صحابته وأموالهم التي تركوها ، فلم تصبح دار إسلام له ولأمته إلا حين دانت للإسلام وطبقت فيها شريعته” (انتهى) ..

لقد بيّن الله سبحانه سبب سخطه على اليهود ولعنه لهم فقال عز وجل : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (المائدة : 78-81) .. قال ابن تيمية في الفتاوى (ج7) : “فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب ، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه .. ومثله قوله تعالى {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنا ، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم ، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً” (انتهى) ..
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في الدرر (ج8) : “فذكر تعالى أن موالاة الكفار موجبة لسخط الله والخلود في النار بمجردها وإن كان الإنسان خائفا ، إلا المكره بشرطه ، فكيف إذا اجتمع ذلك مع الكفر الصريح وهو معاداة التوحيد وأهله ، والمعاونة على زوال دعوة الله بالإخلاص ، وعلى تثبيت دعوة غيره” … ثم قال “فذكر تعالى أن موالاة الكفار منافية للإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ، ثم أخبر أن سبب ذلك كون كثير منهم فاسقين ، ولم يفرق بين من خاف الدائرة ومن لم يخف ، وهكذا حال كثير من هؤلاء المرتدين قبل ردتهم ، كثير منهم فاسقون ، فجر ذلك إلى موالاة الكفار والردة عن الإسلام نعوذ بالله من ذلك” (انتهى) ..
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الدرر (ج11) : “وله نواقض ومبطلات تنافي ذلك التوحيد : فمن أعظمها أمور ثلاثة : … الأمر الثالث : موالاة المشرك والركون إليه ونصرته وإعانته باليد أو اللسان أو المال ، كما قال تعالى {فلا تكونن ظهيرا للكافرين} ، وقال تعالى {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هو خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} ، فتأمل ما في هذه الآيات وما رتب الله سبحانه على هذا العمل من سخطه والخلود في عذابه وسلب الإيمان وغير ذلك” (انتهى) ..

ومن الآيات في الباب قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة : 57) ..
وقوله سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (الممتحنة : 1) .. قال المفسرون أن هذه الآية نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه ..

وقوله عز وجل : {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (آل عمران : 28) .. قال القرطبي في تفسيره : “{فليس من الله في شيء} : أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شي” ، وقال : “{إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين ، فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم . قال ابن عباس : هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا يقتل ولا يأتي مأثما” (انتهى) ..
وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره : “{إلا أن تتقوا منهم تقاة} : أي إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم ، وقال الثوري : قال ابن عباس : ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان” (انتهى) ..
وقال ابن جرير عند تفسير قوله {إلا أن تتقوا منهم تقاة} : ” إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم ، وتضمروا لهم العداوة ، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ، ولا تعينوهم على مسلم بفعل” (انتهى) ..

وقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور} (الممتحنة : 13)..
وقال سبحانه : {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمران : 119) 

وبيّن تعالى سرّ مسارعة البعض في أخذ صف الكفار فقال : {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة : 52) .. 

وصرّح تعالى بحقيقة من يتولى الكفار فقال : {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (النساء : 138-139) فمن ظن أن العزة والظهور والتمكين يكون بتولّيه الكفار من دون المؤمنين فهو من المنافقين المتوَعَّدين بالعذاب الأليم ..

وبيّن عاقبة عدم أخذ موقف ثابت من الكفار ومآل تولّيهم ، فقال تعالى : {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء : 143-145) ..

وأخبر تعالى بأن أهل الإيمان يوالون بعضهم البعض ، وأهل الكفر يوالون بعضهم البعض فقال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } (الأنفال : 72-73) ، وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، (المائدة : 51) ونظرة واحدة على علاقة الدول النصرانية اليوم بالصهاينة في فلسطين تبيّن حقيقة قول الله تعالى {بعضهم أولياء بعض} ، وهذه تصريحات ساسة أمريكا وأوروبا وروسيا في دعمهم الكليّ للصهاينة في فلسطين المحتلة تُظهر لنا حقيقة هذا الولاء المتجذّر في أعماق قلوبهم ، وتبيّن غباء وفساد عقول من يأملون النصرة من النصارى ضد الصهاينة ..

وهنا قرر الله سبحانه طبيعة المفارقة والمفاصلة بين الناس على أساس العقيدة فقال : {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة : 24) ..

وبيّن أُسس الولاية الشرعية فقال سبحانه : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة : 71) ، فهل يعي المتخاصمون من المسلمين حقيقة علاقتهم الطبيعية الشرعية ويتركوا التنازع والتناحر فيما بينهم ..

وحذّر اللهُ تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم من خطورة الحيدة عن الشريعة واتباع أهواء الكفار فقال سبحانه : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (الجاثية : 18-20) ، وانظر إلى دقة الوصف القرآني في قوله تعالى {الظالمين بعضهم أولياء بعض} وقارن هذا بما يجري الآن من التقاء مصالح الطغاة على حرب الإسلام في بلاد المسلمين ..

إن معاداة الكافرين هي سنّة المرسلين وأتباعهم من المؤمنين ، قال تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ …} (الممتحنة : 4) ، هنا يخاطب إبراهيم عليه السلام بني جلدته ومواطني بلده {لقومهم} .. وانظر كيف قدّم إبراهيم عليه السلام البراءة من الكفار قبل الكفر ، ففي هذا رد على من يتبرأ من الكفر دون الكفار .. وانظر كيف استخدم إبراهيم عليه السلام لفظ {كفرنا بكم} بعد لفظ {براء} لما في لفظ الكفر من زيادة تأكيد وقوة في البراءة منهم .. وانظر كيف قرن بين العداوة والبغضاء : فلا يكفي أن نُبغض الكفار بل يجب أن نعاديهم ، وقد قدّم الخليل عليه السلام العداوة على البغضاء لبيان أهمية إظهار العداوة للكفار .. ثم انظر إلى لفظ {أبداً} الذي يفيد الديمومة ما دام الكفر ، فلا عبرة بالزمان ولا بالمكان وإنما العبرة بالإيمان ، فإن آمن الكفار : توقفت العداوة والبغضاء والكفر بهم والبراءة منهم وأصبحوا بنعمة الله إخواناً لنا ، وإلا فلا .. قال الإمام الطبري في تفسيره : “قد كانت لكم يا أمة محمد أسوة حسنة في فعل إبراهيم والذين معه في هذه الأمور من مباينة الكفار ، ومعاداتهم ، وترك موالاتهم … فتبرأوا من أعداء الله ، ولا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا بالله وحده ويتبرؤا من عبادة ما سواه ، وأظهِروا لهم العداوة والبغضاء” (انتهى) ، ونحن نرى بعض السفهاء اليوم يرغبون عن ملّة إبراهيم ويتقربون إلى الكفار بدعوى الوطنية والأخوة الإنسانية والتطوّر والحضارة والأعراف الدولية وغيرها من النظريات الجاهلية {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ (البقرة : 130) ..

لقد فرّق الله تعالى بين أولياءه وأولياء الطواغيت في كتابه عز وجل فقال : {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ (البقرة : 257) ، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا{ (النساء : 76) ، فمن تولّى اللهَ فهو المؤمن الذي يُخرجه الله من الظلمات إلى النور ، ومن تولى غير الله فهو الكافر الذي يخرجه طاغوته – أياً كان – من النور إلى الظلمات ، فأولياء الله هم من يقاتلون في سبيله ، وأولياء الطاغوت يقاتلون في سبيل غيره من الحكّام والأوطان والأحزاب والجماعات والعصبيات والقوميات ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” (متفق عليه) ، فأي قتال لأي شيء آخر غير ما شرع الله فهو في سبيل الطاغوت ، وفاعله من أولياء الشيطان ..

إن موالاة الكفار تعني مناصرتهم ومحبتهم وإكرامهم واحترامهم وإظهار الود لهم سواء بالأفعال أو الأقوال أو النوايا ، والبراءة منهم تعني : مجاهدتهم والبعد عنهم وعداوتهم وبغضهم لكفرهم بالله ، فالولاية ضد العداوة التي هي بمعنى البغض والبعد ، والولي هو القريب ، فيقال : هذا يلي هذا ، أي يقرب منه ، وتولّي الكفار ضد المسلمين يعني الدفاع عنهم وإعانتهم ونصرتهم بالمال أو النفس أو الرأي أو المشورة أو الكلمة أو بمجرّد الفرح لظهورهم على المسلمين ، فهذا كله كفر صريح مخرج عن الملّة ..

لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أهميّة عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض في الله تعالى ، فقال صلى الله عليه وسلم : “أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله ، والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله عز وجل” (الطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع) ، وعن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن “تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكافر” (أحمد ، وهو حسن) ، ولذلك نجد علماء الإسلام شددوا على هذه العقيدة وبيّنوا بما لا يدع مجالاً للشكّ : ردّة مَن يوالي أعداء الله ويناصرهم على المسلمين – ولو بكلمة واحدة – وقرروا أن ذلك من الكفر الأكبر المخرج من الملّة ، وهذه بعض أقوالهم :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الإحتجاج بالقدر : “تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا الله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يوالي إلا لله ، ولا يعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه الله” (انتهى) .. فمن لم يفعل كل هذا لم يُحقق شهادة أن لا إله إلا الله ..

قال الشيخ حمد بن عتيق – رحمه الله – في الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع : “وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسانٍ أو رضى بما هم عليه ، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه – من غير الإكراه المذكور – فهو مرتد ، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين” (انتهى) ، وقال في سبيل النجاة والفكاك : “فنهى سبحانه وتعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود والنصارى ، وذكر أن من تولاهم فهو منهم ، أي : من تولى اليهود فهو يهودي ، ومن تولى النصارى فهو نصراني ، وقد روى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : قال عبد الله بن عتبة : ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر ! قال : فظنناه يريد هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} إلى قوله {فإنه منهم} … لا فرق بين من تولى أهل الكتابين أو غيرهم من الكفار” (انتهى) .. وقال في الدرر (ج9) : “”قد دل القرآن والسنة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك والانقياد لهم ، ارتد بذلك عن دينه ، تأمل قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} ، مع قوله {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، وأمعن النظر في قوله تعالى {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُم} ، وأدلته كثيرة ” (انتهى) .. وقال في سبيل النجاة والفكاك : “اعلم أن إظهار الموافقة للمشركين له ثلاث حالات … الوجه الثاني : أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك : إما طمعاً في رئاسة أو مال أو مشحة بوطن أو عيال أو خوف مما يحدث في المآل ، فإنه في هذه الحال يكون مرتداً ولا تنفعه كراهته لهم في الباطن” (انتهى) ..

قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف في الدرر السنية (ج8) : ” وأما إن خرج معهم [ أي مع المشركين] لقتال المسلمين طوعا واختيارا ، أو أعانهم ببدنه وماله ، فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر” (انتهى) ..

وجاء في الدرر السنية (ج9) : “مما يوجب الجهاد لمن أتصف به : مظاهرة المشركين ، وإعانتهم على المسلمين بيد أو لسان أو بقلب أو بمال ، فهذا كفر مخرج من الإسلام ، فمن أعان المشركين على المسلمين ، وأمد المشركين من ماله بما يستعينون به على حرب المسلمين ، اختياراً منه ، فقد كفر” (انتهى) ..

قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – في كلمة الحق : ” أما التعاون مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون ، قلّ أو كثر ، فهو الردّة الجامحة ، والكفر الصّراح ، لا يُقبل فيه اعتذار ، ولا ينفع معه تأوّل ، ولا يُنجي من حكمه عصبية حمقاء ، ولا سياسة خرقاء ، ولا مجاملة هي النفاق ، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء ، إلا من جهل وأخطأ ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين ، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم ، إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس. .. [وقال] : ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون ، وإن التعاون معهم [أي الفرنسيين] حكمه حكم التعاون مع الإنجليز: الردة والخروج من الإسلام جملة ، أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه” (انتهى) ..

وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله – في الفتاوى (ج1) : “وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم” (انتهى) .. وقال في الفتاوى الإسلامية (ج4) : “أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام لقول الله عز وجل {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}” (انتهى) ..

قال الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي رحمه الله : أما مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم عليهم فهي كفر ناقل عن ملة الإسلام عند كل من يُعتدّ بقوله من علماء الأمة قديما وحديثا … وقال : وبناء على هذا فإن من ظاهر دول الكفر على المسلمين وأعانهم عليهم كأمريكا وزميلاتها في الكفر يكون كافراً مرتداً عن الإسلام بأي شكل كانت مظاهرتهم وإعانتهم” (انتهى) ..

قال الشيخ عبد الله السعد : “وليعلم كل مسلم أن التعاون مع أعداء الله ضد أولياء الله بأي نوع من أنواع التعاون والدعم والمظاهرة يعد ناقضاً من نواقض الإسلام ، دلّ على ذلك كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، ونص عليه أهل العلم رحمهم الله ، فليحذر العبد أن يسلب دينه وهو لا يشعر” (انتهى) ..

قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في الولاء والبراء : “كل من والى كافراً وأعانه وظاهره على مسلم فقد كفر ونقض هذا الأصل “الموالاة” وخرج من دين الله سبحانه وتعالى وهذا يصدق أيضاً على من أطْلع الكفار على عورات المسلمين في الحرب وأفشى لهم أسرار المسلمين” (انتهى) ..

وقال الشيخ سفر الحوالي شفاه الله وعافاه : “إن نصرة الكفار على المسلمين بأي نوع من أنواع المناصرة- ولو كانت بالكلام المجرد – هي كفر بواح ، ونفاق صراح ، وفاعلها مرتكب لناقض من نواقض الإسلام – كما نص عليه أئمة الدعوة وغيرهم – غير مؤمن بعقيدة الولاء والبراء” (انتهى) ..

قال الشيخ سليمان العلوان فك الله أسره : “وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية” (انتهى) ..

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الدرر (ج8) : “وقد فرض الله تعالى البراءة من الشرك والمشركين ، والكفر بهم وعداوتهم ، وبغضهم وجهادهم ، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} ، فوالوهم وأعانوهم ، وظاهروهم واستنصروا بهم على المؤمنين ، وأبغضوهم وسبّوهم من أجل ذلك ، وكل هذه الأمور : تناقض الإسلام ، كما دل عليه الكتاب والسنة في مواضع ، وذكره العلماء رحمهم الله في كتب التفسير والفقه وغيرها ، وعند هؤلاء وأمثالهم أنهم على الدين الذي كانوا عليه لم يفارقوه ، وهذا ليس بعجب ! فقد بين القرآن العزيز أن هذه الحال هي طريقة أمثالهم كما في قوله تعالى {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}” (انتهى) ..

قال الشيخ سليمان بن سحمان في ديوانه :
ومن يتول الكافـرين فمثلهم … ولا شك في تكفيره عند من عقل


قال سيد قطب رحمه الله في الظلال : “ليس للمسلم ولاء ولا حلف إلا مع المسلم وليس ، للمسلم ولاء إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة .. ويستوي بعد ذلك كل الفرق في هذا الأمر .. مهما اختلفت مواقفهم من المسلمين في بعض الظروف” (انتهى) ..

تبيّن مما سبق أن تولّي الكفار ومظاهرتهم على المسلمين : كفر وردّة عن الدين بنص كتاب الله ثم باتفاق العلماء ، والأمر أشد إذا كان المسلمون في حالة حرب مع الكفار فأعان بعض من يدعي الإسلام هؤلاء الكفار الحربيين على المسلمين بالمال أو السلاح أو الرأي أو الكلام أو بأي شيء فيه تقويتهم أو تأخير هزيمتهم أو فيه خذلان للمسلمين ، ففاعل هذا لا شك أنه كافر مرتدّ بالإجماع ..

وعليه نقول :

1- من أعان اليهود في حربهم على أهل غزة بنفسه أو ماله أو رأيه أو بكلمة أو فرح بظهورهم على المسلمين وقتلهم لهم ، أو أعان على حصارهم والتضييق عليهم جندياً كان أو رئيساً أو إعلامياً أو عامياً أو منع عنهم المساعدات وما يحتاجونه ، أو شمت بهم ولو بكلمة مقروءة في مثل هذه لظروف : فهو كافر كفراً أكبراً مخرجاً من الملّة ، ومرتداً عن الدين بلا خلاف بين المسلمين ..

2- ومن أعان الرافضة على قتال المسلمين في العراق بنفسه أو ماله أو رأيه أو بكلامه فهو رافضي خبيث مثلهم ، وهو على دينهم وملّتهم بنصّ كتاب الله عز وجلّ ، وحكمه حكمهم ، والحرب في العراق ضد الرافضة والنصارى والمرتدين على السواء ، وحكم من يعينهم هو حكم هؤلاء جميعاً ..

3- ومن أعان النصيرية في الشام بمال أو رأي أو نفس – أو حتى بكلمة – لقتال المسلمين فهو كافر مرتدّ عن الدين بالإجماع ، ومن أنشأ جماعات للتحريش بين المسلمين ولإضعافهم في مواجهة النصيرية أو منع المسلمين من النفير إلى الشام أو منع المسلمين من الجهاد بأموالهم نصرة للمسلمين في الشام فهذا من الخاذلين للدين ، الخائنين لله ثم للمؤمنين ..

4- وكذا من أعان الكفار على حربهم للمسلمين في الشيشان وأفغانستان وباكستان ومالي واليمن والصومال أو أي مكان ، وقدّم للكفار دعماً مادياً أو معنوياً أو كلامياً بعلمه ورضاه فهو كافر خارج عن ملّة الإسلام بلا خلاف بين العلماء ، إذ أن هذا يُعدّ من تولّي الكفار ..

5- ومن أعان المرتدين أعداء الدين من العلمانيين والشيوعيين والبعثيين وأمثالهم وأضرابهم الذين يعلم رأيهم في الدين وعداوتهم ومحاربهم له ، فأعانهم على المسلمين بنفسه أو ماله أو رأيه أو كلامه ومكّنهم من التسلّط على المسلمين فهو كافر مرتد مثلهم ، وحكمه حكمهم ..

إن أخوف ما يخاف الكفار والطواغيت في هذا الزمان ، وكل زمان ، هو هذه الوشيجة والعلاقة الضاربة في العمق بين المسلمين على أساس الولاء في الإسلام والبراء من كل ما يخالف الدين ، فبهذه العقيدة تُصبح الأمة – على اختلاف أعراقها وألوانها وأجناسها وأوطانها – واحدة في مواجهة أعداءها ، وبهذه العقيدة تنفسخ جميع العلاقات الأخرى من قومية ووطنية وعرقية وجنسية وترابية ، فلا رابط يربط المسلمين إلا ولاءهم لدينهم ، وبهذا يخسر الطواغيت ولاء المسلمين لهم ، ولهذا يحارب الطواغيت هذه العقيدة الإسلامية الكبرى بكل ما أوتوا من قوّة ، ويحاولون مستميتين استبدالها بعقيدة القومية الجاهلية ، وعقيدة الوطنية الجاهلية ، وعقيدة الأخوة الإنسانية الماسونية الجاهلية ، وعقيدة التقدّم والتطوّر والحضارة الجاهلية ، فالكفار يدركون غاية الإدراك معنى ولاء المسلم للمسلم وبراء المسلم من غير المسلم .. 

إن هذا الأمر من أعظم وأخطر الأمور ، ولذلك جاءت الآيات في كتاب الله تعالى واضحة بيّنة لا لبس فيها ولا غموض ، فآيات الولاء والبراء في القرآن تأتي في الترتيب الثاني كمّاً بعد تقرير العقيدة ونفي ما يضدها ، وذلك حتى لا يكون لأحد حجّة عند الله أن يقول لم أعلم ولم يبلغني ، فموالاة المؤمنين والبراء من الكافرين من الفرائض العظيمة التي فرضها الله على الأمة كالصلاة والزكاة والصوم والجهاد ، فلا يسع المسلمين تركها بحجة تغيّر الزمان والمفاهين وتطورها ، فهذا من أعظم الجهل بالدين ، فما يجري على أركان الإسلام يجري على هذه الفريضة ، وهذا كتاب الله بين يدي المسلمين فليقرؤوا كتاب ربّهم ، وليعلموا حقيقة دينهم ، وليبيّن العلماء ما أنزل الله في كتابه ولا يخفوه فإن الله سائلهم عن العلم الذي أودعه صدورهم : ما عملوا به ؟ فلا أقلّ من البلاغ ، ولا أدنى من البيان ، والويل كل الويل لم كتم مثل هذا العلم في هذا الزمان ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
23 رمضان 1435هـ

___________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]