New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "The Puppet al-Baghdādī State"

بسم الله الرحمن الرحيم

ليس خطأ ما قاله البعض من أن هذه الفتوحات العراقية في الأيام البيض من شعبان (1435هـ) هي مؤامرة كبيرة نفذتها جماعة عميلة .. هذا الكلام – وللأسف – اكتشفنا حقيقته مؤخراً بعد أن وقع الفأس في الرأس ، نسأل الله السلامة والعافية .. لا بد للجميع من قراءة هذه الكلمات بتمعّن حتى لا يقعوا في هذا الفخ المُحكم .. إنها مؤامرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، والذي لا يرى هذا فعليه أن يزيل الغشاوة التي على عينه ليرى الحقيقة الواضحة .. إنها مؤامرة نفذتها المخابرات الإيرانية والعراقية والأمريكية ، وربما الصهيونية ، ولا شك أن الوهابية ضالعة في هذه المؤامرة ..

أما المخابرات الإيرانية فإنها دعمت “الدولة الإسلامية” لتقتل معمميها وجيش المالكي الرافضي في العراق ، ولتزحف على المراقد في سامراء ، وتزحف إلى بغداد وكربلاء ، فالإيرانيون تعبوا وملوا من الشرك الذي يريدون التخلص منه عن طريق الدولة ، فأوحوا للدولة بالزحف إلى سامراء وكربلاء والنجف لتخليصهم من الشركيات والبدعيات والخرافات والمراقد ، فالدولة من سنّتها إذا دخلت مدينة تسوّي المقابر بالأرض .. وهناك نظرية تقول بأن إيران تريد أن تصبح وهابية ، وأن تتخلّص من حكم العراق وعميلها المالكي !!

أما المخابرات العراقية التي تأتمر بأمر المالكي فهي ضالعة في هذه المؤامرة التي تريد بها التخلص من نفوذها في الشمال والوسط والغرب العراقي بعد أن أثقل الحكم كاهلها ، فهي تريد تسليم الحكم لأهل السنة عن طريق تصفية أكبر قدر ممكن من الجيش الرافضي في هذه المواقع ، فهم يعلمون تمام المعرفة أن أي جندي رافضي يقع في يد الدولة فمصيره – في الغالب – الذبح ، ولو وقع المالكي في يد الدولة الإسلامية فإن نصيبه لا شك قبلة حميمة على رقبته ، وهذا ما يريده المالكي من هذه المؤامرة : أن يحلّ ضيفاً على الأمير البغدادي .. وهناك نظرية تقول بأن المالكي يريد إخلاء هذه المواقع من أهل السنة بسبب الحرب ، ثم يحل محلهم الرافضة ويغير التركيبة السكانية لهذه الولايات بعد أن تسلمها الدولة له على طبق من الأشلاء الرافضية !!

ولا ننسى أمريكا راعية المؤامرات التي تريد للقاعدة والدولة أن يكون لهما حدود من إيران إلى فلسطين ، وأن تلغي حدود سايكس-بيكو ، ولذلك عملت أمريكا على تقوية “الدولة” وغدرت بإيران والرافضة في العراق ، وتنازلت عن النصيرية في سوريا بتسليمها جميع أسلحتها وعتادها في العراق للدولة الإسلامية ، ولتكتمل المسرحية : أمر الأمريكان جنودهم بالفرار من العراق بأسرع وقت حتى لا يقعوا في يد “الدولة الإسلامية” فتنكشف المؤامرة ، لأن الدولة ستعاملهم أحسن معاملة وتحتضنهم بكل حب وتفانٍ ، وستفضح الأمريكان وتفسد كل شيء ، فكان لا بد أن يكون الأمريكان أوّل من يهرب من بغداد لتكتمل المسرحية !! وهناك نظرية تقول بأن الأمريكان يريدون الرجوع إلى العراق التي لم يخرجوا منها أصلاً ، ويريدون قصف المدن العراقية التي يحتلونها ، ويريدون تدمير العراق المُدمّرة ، ويريدون تقليل النفوذ الإيراني لأجل أن يتقربوا إليها ، ويريدون سرقة النفط الذي يأخذون منه ما يشاؤون بالمجان ، ويريدون “القضاء على عميلتهم “داعش” !!

أما الوهابية فلا شك أنهم مع “الدولة الإسلامية” التي تريد – في العلن – الزحف إلى جزيرة العرب ، بينما هي في السر حركة جامية توالي آل سعود ، فهذا ما يقوله الإعلام الإيراني الذي تعمل “الدولة الإسلامية” لحساب حكومتها ، بغض النظر عن عمالة “داعش” لأمريكا ولبشار وللصهيونية العالمية ، والكويت لما تُحرّك جحافلها باتجاه حدودها الشمالية فإنها تريد صد الرافضة الهاربين من “الدولة الإسلامية” العميلة للمالكي والسعودية وإيران وأمريكا والصهوينية العالمية وامبراطورية زيمبابوي ، وقد بلغنا أن “البغدادي” ارتعدت فرائصة لما سمع بتحرّك الجيش الكويتي المهيب ..

ومن التحليلات الجميلة الموضوعية التي أبهرت العقول : ما قاله رئيس مجلس الشورى الإيراني “علي لاريجاني” من أن أحداث العراق سببها : “البعثيين والتكفيريين والأمريكيين” !! البعثيين الذين قتلهم الأمريكان وسلبوا ملكهم ، والأمريكان الذين يدعمون المالكي ، والتكفيريين الذي يكفّرون البعثيين والأمريكان والمالكي !! هذا ما يحدث عندما تأخذ عقول السامعين إجازة مفتوحة ..

وسمعت كلمة في فضائية من بعض من يدعي العلم قال فيها بأن “داعش” صنيعة إيران وبشار والمالكي !! وفي نفس الكلمة يقول بأن “داعش” قتلت قادة الصحوات ، صحوات المالكي !! وأن داعش دولة وهمية ، وهي تقتل المجاهدين في الشام وتطعنهم في ظهورهم !! وأن داعش ليست موجودة في الأنبار ، مع أنه قال بأن ثورة العراقيين كانت سلمية لمدة سنة ، نحن نتسائل : هل داعش وهمية أم تطعن المجاهدين من الخلف !! وهل قتلت الصحوات المالكية أم هي صنيعة المالكي ، وهل تقاتل المالكي في الأنبار أم أن المالكي يقاتل نفسه هناك !! ذكرني كلام هذا المسكين بقطّة صغيرة رأيتها مرّة تدور حول نفسها تحاول الإمساك بظلها ، فالفكرة في رأسه ولكن عقله خانه .. العملاء يا هذا لا ينحرون (1700) جندي من جنود أسيادهم في يومٍ واحد ، والأمريكان لما احتلوا جزيرة العرب لم يُقتَل منهم جندي واحد ، بل حُملوا على أعناق وأكتاف أسيادك حتى جاءهم المجاهدون وفجروا فيهم ، وقتَل ولاة أمرك هؤلاء المجاهدين الذين تبكي عليهم اليوم في سوريا ..

الحقيقة التي لا يعلمها الجميع ، والتي سنذكرها هنا حصرياً حتى نبرئ ذمتنا ويكون الناس على بينة ، وحتى لا يكون هناك التباس : “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وأميرها البغدادي وجميع جنوده هم في الحقيقة كانوا – ولا زالوا – عملاء للإمبراطورية السيلانية العظمى ، ولملكها المفدّى الذي لا نعرف اسمه .. اللهم سلّم عقولنا ..

حينما نتحدث عن قتل الرافضةُ للمسلمين نقول “حرب طائفية” ، أي أن الرافضة يقاتلون من أجل عقيدتهم التكفيرية الإقصائية البدعية الشركية ، ولكن عندما يتقدم أهل السنة ويأخذوا زمام المبادرة نقول “مؤامرة” ، ونستكثر على مجاهدين قدموا من جميع أقطار الأرض أن يقاتلوا من أجل عقيدتهم !! للرافضة أن يقاتلوا عن عقيدة ، أما أهل الإسلام فلا يجوز ، ولا ينبغي ، ولا يُقبل ، بل هو مستحيل .. يجب على أهل الإسلام أن يتلقوا الضربات ولا يتقدموا شبراً واحداً ، وإن فعلوا فإنها مؤامرة ..

المصيبة أن الذين كانوا يحذروننا لسنوات من “نظرية المؤامرة” أصبحوا اليوم أساتذة هذه النظرية يتقيّؤون ما تقذفه عقولهم النتنة من أقاويل لا ترتقي إلى مستوى الكذب ، بل هي أقرب إلى الحمق والدناءة .. لم يتركوا قولاً ولا تهمة ولا نظرية إلا أتوا بها في محاولة يائسة بائسة لصد المسلمين عن مجرّد التفكير بالفرح والسرور لهذه الفتوحات العراقية ، وكأن أهل الإسلام لا حظّ لهم من الحرب غير السلام والإستسلام !! تاهوا سنوات عن أفعال الرافضة في العراق من هتك للأعراض وسفك للدماء وعمالة وخيانة وكفر ، ثم لما تقدّم المجاهدون : ظهروا كلهم كالجراد يولولون ويحذّرون المسلمين في العراق من الذين يقاتلون دونهم ويفكّون أسراهم ويقتلون عدوّهم ويحكّمون فيهم شرع الله !!

يجب أن يبقى أهل الإسلام في حزن دائم ، وفي بؤس دائم ، ويجب أن يكونوا دائماً هم الضحية في كل حرب ، وفي كل موقف ، ولا يجوز أن يتخيّل المسلمون – مجرّد تخيّل – أن يمسكوا بزمام المبادرة في أي شيء .. يجب على المسلمين أن يتقبلوا سفك الدماء وتدمير البلاد واغتصاب الأموال وهتك الأعراض بقلوب سلميّة وسطيّة خانعة ، كما كان جدّهم غاندي !!

أن يقتل الرافضة المسلمين في العراق هذا أمر عادي ، وأن تتدخّل إيران في سوريا والعراق فهذا مكر سياسي ، وأن يقتل الأمريكان المسلمين بالطائرات بدون طيار في اليمن وباكستان وأفغانستان فهذا شي منسيّ ، وأن يقتل الفرنسيون المسلمين في مالي ، وأن يقتل الروس الشيانيين ، والهندوس : الكشميريين ، والصينيون : الأيغوريين ، والبورميون : الروهنجا ، وأن يقتل اليهودُ المسلمين في فلسطين فهذه كلها مشاكل داخلية في هذه الدول ، ولكن أن يدافع المسلمون عن أنفسهم فهذا إرهاب وتنطّع وخلاف الوسطية ومؤامرة كبرى لتقويض الإسلام ولقتل المسلمين ولتدمير البلاد ولتقسيمها ولإعطاء الغرب والشرق فرصة التدخّل فيها !!

أعتقد بأن هؤلاء لو كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين لقالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم متآمر مع كسرى وقيصر ، والغرض من فتح الجزيرة هو إعطاء الفرس والروم ذريعة لقتل العرب .. لو كانوا في ذلك الوقت لوقفوا مع مسيلمة الكذاب النجدي الحنفي (نسبة إلى بني حنيفة أجداد آل سعود) ضد “صادق مضر” عليه الصلاة والسلام ، لأن كذّاب ربيعة أحب إليهم منه !! فما دمنا نخالفك ونناصبك العداء لكونك لست من جماعتنا أو الجماعة التي ندعمها أو التي يرضى عنها حكامنا فأنت مُكذَّب عندنا ولو كنت الصادق الأمين ، {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج : 46) ..

حينما تتقدم الدولة في الشام وتقتل النصيرية يقولون : جماعات مسلّحة ، وحينما تقوم “الجبهة السعودية” (التي تسمى الجبهة الإسلامية ، والتي سلّمت مدناً للنصيرية) بعملية بسيطة يقيمون الدنيا ولا يقعدونها وكأنهم فتحوا الصين !! الدولة الإسلامية فتحت ولايات في العراق تفوق حجم فلسطين في أقل من ثلاثة أيام ، وهذا ما لم يفعله أحد من المجاهدين من قبل ، ثم يأتينا الكلام عن المؤامرات والإتفاقيات والعمالات ، ولما لم تنطلي هذه الحيلة على المسلمين قالوا : الدولة جزء من الحملة والفتح وليس كل الفتح ، ثم قالوا : الدولة لم تشارك بل أتت بعد الفتح وصورت بعض الأفلام !! بالأمس مؤامرة ولا فتح ، واليوم فتح منقوص ، ثم مجرّد تصوير ، ثم ينسبون الأمر كله إلى غير الدولة ، ثم يقلبون النصر هزيمة !! ما أقبح النفاق إذا ملأ القلب ، وما أكذبه ..

الإستنفار ضد الدولة لم يكن في إيران وأوروبا وأمريكا فحسب ، بل العرب أشد استنفاراً من الغرب والرافضة ، ورأينا البعض يُفتي السنة في العراق بالدخول تحت امرة الرافضة لقتال إخوانهم المسلمين ، ولا ندري تحت أي بند من الكفر والزندقة تكون هذه الفتاوى !! الغريب أنهم يقولون بوجوب قتال “داعش” التي احتلّت بعض الولايات ، وفي نفس الوقت يقولون بأن “داعش” ليست هي التي فتحت هذه الولايات بل العشائر العراقية ، فهم يريدون أن يقللوا من شأن “الدولة الإسلامية” ، وفي نفس الوقت : يحرّضون عليها !!

إن كان الذي يسمع هذا الكلام عاقلاً فإنه يفهم منه : أن العشائر العراقية هي التي فتحت هذه البقاع ، والنداء لأهل السنة وأبناء العشائر : أن قاتلوا أنفسكم واقتلوا إخوانكم ليسلم الحكم للمالكي الرافضي الذي هتك أعراضكم وسفك دمائكم ، ولا تحكموا أنتم البلاد لأن “داعش” هي التي تقود هذه الفتوحات التي تقودونها أنتم والتي لم تشترك فيها “داعش” لأن “داعش” ليس لها قوة حقيقية ، بل هي قوّة كرتونية لكنها إرهابية تريد احتلال جميع الدول العربية ، فهي لا تملك أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل يتوزعون بين غرب العراق وشرق سوريا .. هم بين ثلاثة آلاف إلى مائة ألف مقاتل ، الفرق بسيط ، ولعدم مشاركتهم في هذه الفتوحات فإن دخولهم بجنودهم وعتادهم للموصل وتكريت وبغداد وقتلهم الرافضة بالآلاف هي مؤامرة لصالح المالكي لم يشاركوا فيها !!

أين علماء الإسلام !! ها هم معممي الرافضة يلبسون الملابس العسكرية ويعلنون الجهاد في الفضائيات ، ويوزعون صكوك الغفران ، والبيوت في الجنان !! أين من يقول بأن الجهاد فرض عين أو فرض كفاية أو مستحب أو حتى مباح !! السيستاني الرافضي الشعوبي الفارسي ينبح في العراق ويعلن الجهاد ضد أهل السنة ، وقد كان يحرّم الجهاد ضد الأمريكان !! لماذا لمّا أعلن “خائن الحرمين” منع الجهاد والتحريض عليه في سوريا : أعلن الجيش الإيراني الجهاد في سوريا في نفس اليوم !! لماذا يُمنع أهل السنّة من مجرّد ذكر الجهاد بينما جميع قنوات الرافضة الفضائية تحرّض على قتال المسلمين !! طبعاً هذا لا يدخل في باب العمالة ولا الخيانة ، هذه سياسة لا تبغلها عقولنا فينبغي أن لا يكون في أنفسنا حرج مما يقضي هؤلاء الحكام ونسلّم تسليما ، وأن لا نخوض فيما يقولون ويفعلون ، وإنما هذا واجبنا تجاه كل صغيرة وكبيرة يقولها ويفعلها أو لا يقولها أو لا يفعلها المجاهدون ..

ثم ظهر لنا “عزّت الدوري” وأعلن أن الثورة عراقية إسلامية وطنية لا دخل لها بالطائفية ولا “بالتكفيريين” !! ولعل أفضل ما جاء في خطابه هو “شكر الحكومة السعودية وخادم الحرمين على الدعم المتواصل له ولثورته المجيدة” ، فهي ثورة بعثية وطنية بتمويل وهابي سعودي لتأتي أمريكا وتقتل أهل السنة في العراق !! هل عرفتم الآن حقيقة المؤامرة !! داعش لا وجود لها وإنما هذا “خائن الحرمين” الذي دعم البعثيين ليدمّر العراق ..

إذاً هذه الثورة أمريكية بعثية وهابية ، ومؤامرة إيرانية رافضية مالكية ، وليس “للدولة الإسلامية في العراق والشام” أي دور فيها ، ولهذا السبب أعلن جميع هؤلاء الحرب على هذه الثورة ، إلا البعثيين فإنهم أعلنوا إسلامهم على لسان ناطقهم الدوري ، ولعلّه يحارب ثورته في المستقبل القريب !! أما “داعش” فالكل يريد محاربتها لأنها لم تشترك في هذه الثورة !! أو لأنها هي التي قادت هذه المؤامرة !! أو لأنها موجودة وغير موجودة !! أو لأنها عميلة للمالكي أو للسعودية !!

نعم إن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عميلة لأمريكا وإسرائيل وإيران وبشار والمالكي والوهابية والبعثيين ، وهي تخوض معركة لصالح كل هؤلاء في نفس الوقت : فتقطع رؤوس الروافض من أجل الوهابية ، وتقتل الأمريكان من أجل الرافضة ، وتحارب المالكي من أجل البعثيين ، وتحارب بشار من أجل اليهود ، وتحارب المجاهدين من أجل بشار ، وتحارب حكومات الخليج من أجل إيران .. الحقيقة التي لا يجب التغاضي عنها أن الجماعة التي تستطيع فعل جميع هذه التناقضات في نفس الوقت تستحق شهادة العبقرية مع مرتبة الشرف الأولى ، فكيف يصفها البعض بأنها جماعة عبثية وهي تدير هذه المؤامرة البالغة التعقيد بكل هذه الحرفية !!

بقي أن ننبه على أمر غاية في الأهمية ، وهي أن “الدولة الإسلامية” خارجيّة ، أي أنها تتبع مذهب الخوارج ، وهنا نقع في إشكالية كبيرة : فالخوارج لم يكونوا في يوم من الأيام عملاء للفرس ولا للصليبيين ولا لليهود ولا لغيرهم ، وإذا قلت لأحد من السلف بأن الخوارج “عملاء” فسيسقط على ظهره من شدّة الضحك ، فالعمالة والخارجية لا يجتمعان أبداً ، كما أن النصب والرفض لا يجتمعان ، ومرج البحرين لا يلتقيان ، والجمل لا يدخل في سمّ الخياط ، والكفر والإيمان لا يجتمعان ، كذلك لا يمكن أن يكون الإنسان خارجيّ ويكون عميلاً في نفس الوقت ، الخوارج كانوا من أوضح الناس ، ولم يكونوا أصحاب مؤامرات ..

ليست هذه هي الإشكالية ، بل الإشكالية أن هناك من يصدّق كل هذه التناقضات ، ويبني عليها العديد من التصورات ، ولا ندري كيف يكون هؤلاء من جنس البشر الذين أكرمهم الله بالعقل وحمّلهم أمانة الوحي ، هنا الإشكالية .. الإشكالية أن نُلغي عقولنا ونبني جبالاً على قواعد جهلنا وأوهامنا التي هي في الحقيقة نتاج ما سمعناه لا ما تحرّيناه ، هذه هي الإشكالية ..

المؤامرة التي لم يُشر إليها محللونا السياسيون العظماء هي : طلب بعض الدول العربية المدد من الصليبيين واليهود ليقتلوا المجاهدين المتقدمين في العراق ، هذه هي المؤامرة ، بل هذا هو الكفر البواح الصراح المُجمع عليه بين أهل العلم قاطبة ، فهذا ليس مهماً ولا على بال أحد لأن هؤلاء ليسوا “داعش” ولا “القاعدة” ، هذه حكومات محترمة ، وولاة أمر شرعيين معصومين مقدّسين ..

المؤامرة أن تقول إيران بأنها على استعداد للتوافق مع أمريكا في القتال ضد المسلمين في العراق ، هذه هي المؤامرة التي لم تبلغها عقول الرافضة الأغبياء الذي رضعوا مقولة “الشيطان الأكبر” مع حليب أمهاتهم ، ثم يسمعون هذا الكلام اليوم ولا يُحدث ذلك مجرّة دغدغة لعقولهم ، فضلاً عن صدمة عقدية عصبية تبلغ بهم مبلغ الجنون ..

المؤامرة أن نُقنع أنفسنا بأننا ضعفاء أذلّاء ، ونجيز على أنفسنا السجود لغير الله ليركب على ظهورنا الرافضة والنصارى .. المؤامرة أن يقول البعض بأن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” تريد إعطاء الأمريكان وإيران المبرر للتدخّل في العراق وسوريا وكأن الأمريكان والإيرانيين لم يتقاسموا البلدين ، وكأن أهل السنة لا تواجد لهم ولا وزن لهم حتى يتدخّل الكل في شؤونهم ويبقوا متفرجين ..

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل “لتتبعنّ سَنَن من قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه. قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فمَن” (صحيح) ، وفي رواية ” لَيحمِلَنَّ شِرارُ هذه الأُمَّةِ على سَنَنِ الذين خَلوا من قبلِهم – أهل الكتاب – حذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّة” (قال الألباني في السلسلة الصحيحة : إسناده حسن في الشواهد) .. الأمة بتقاعسها وتخاذلها وتركها للجهاد دخلت التيه ، وبقيت فيها سنوات طويلة حتى خرج جيل منها خارج الطوق وبلغوا الأرض المقدسة لتقف جموعٌ خلفها تنهاها عن الدخول فيها ، فما أشبه هذه الجموع بالذين قالوا لموسى {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (البقرة : 24) ، وليت جموعنا قالوا للمجاهدين “إذهبوا أنتم وربّكم فقاتلوا” بل قالوا لهم “لا يجوز لكم القتال ولن نترككم تقاتلون” ، فتعساً لهذه العقول وبعدا !!

ألم تقل هذه الجموع لأسامة – رحمه الله – بعد ضرب الأبراج : {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} (الأعراف : 129) ، ثم لما أعلن الحرب على أمريكا قالوا له {لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (البقرة : 249) أو “بأمريكا وجنودها” ، وقد هزمها المجاهدون في العراق وأفغانستان والصومال هي وتحالفها الدولي ، وقد قالوا عن أسامة أنه عميل لإيران والأمريكان ، وقالوا عن طالبان بأنها عميلة للأمريكان ولباكستان ، ثم اتضح بأنهم هم العملاء ، وأن من يصدّقهم جهلاء ، وقد عادوا لغيّهم ، وعاد الحمقى لتصديقهم ..

ما أقبح عقلية المًستَعْبَد وما أذلّ نفسه وما أحقرها ، فهو على الدوام – وفي كل زمان – أحقر وأذلّ من أن يدافع عن نفسه أو يرى لنفسه حق الدفاع ، وهذا أمر تأباه الدجاجة على نفسها ، فالمُستعبدُ يرضى بالتبعية والسُّخرة والعبودية للبشر ، ويرى في نفسه الضعف ويرضى لنفسه المهانة ، بل ويستعذبها ويعبد من يُذلّها ، ألم يقل فرعون لأهل مصر {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات : 24) فأطاعوه وعبدوه من دون الله ، وقد رأينا عوام الرافضة يسجدون ويزحفون تجاه معمميهم في ذلة ومهانة لا تليق بالحيوان ، فلا جرم أن يفرّ هؤلاء كالجرذان أمام الأحرار من أهل الجهاد ..

لقد نادى مناديا بني إسرائيل وأعلناها من قبل {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} (المائدة : 23) ، فهذه دعوة إلى كسر النفسية المُستعبدَة الحقيرة وتحريرها من ترسبات الخوف والتردد وضمور الهمّة ، كل ما عليهم أن “يدخلوا الباب” فقط ، كل ما عليهم أن يكسروا هذا الحاجز النفسي المبني من تراكمات مرحلة العبودية والقهر ، وهذا ما فعله المجاهدون في هذا الزمان : دخلوا على الكفار الباب في أفغانستان والشيشان والعراق والبوسنة والصومال ، بنيّة الغلبة ، وبدون تردّد ، متوكلين على الله ، فكان لهم ما أرادوا من الغلبة بفضل الله ومنّته ..

إننا من أمة ليس لها مع الكفر أنصاف حلول ، إما النصر وإما الشهادة {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (التوبة : 111) ، النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يُعطي غطفان ثلث ثمار المدينة في غزوة الخندق – لرأي رآه – استشار السعدين فقالا له “لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرىً أو بيعا ، فحين أكرمنا الله بالإسلام ، وهدانا له وأعزنا نعطيهم أموالنا ، والله لا نعطيهم إلا السيف” ، فصوّب النبي صلى الله عليه وسلم رأيهما” (ذكره ابن حزم في جوامع السيرة) .. ولما ارتدّت العرب في عهد الصديق وأراد بعض الصحابة أن يمتنع الخليفة عن حربهم لضعف المسلمين ، وقف الصدّيق – رضي الله عنه – كالجبل الأشمّ وأعلنها مدوية “واللهِ لو منَعوني عِقالًا كانوا يؤدُّونَه إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لقاتَلتُهم على مَنعِه” (البخاري) ، هكذا يكون كسر باب الخوف بمطرقة الإيمان ، وبهذا ساد الصحابة وفتحوا البلدان ..

لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، فلا مكان للتردد والوقوف على عتبات أبواب الخوف طلباً لأنصاف الحلول ، بل يجب دخول الباب وكسره وحرقه ليعلم الكفار أن الأمر جد ، وهذه قريشٌ لما آذت النبي صلى الله عليه وسلم وقف على رؤوسهم – في مكّة – وأعلنها في وجوههم “أتسمَعونَ يا معشرَ قُريش أمَا والَّذي نفسُ محمد بيده لقد جِئْتُكم بالذَّبح” (وفي رواية : وأشار بيدِه إلى حَلقِه) ، فأخَذَت القومَ كلمتُه حتَّى ما منهم رجُلٌ إلَّا لَكأنَّما على رأسِه طائرٌ واقعٌ حتَّى إنَّ أشَدَّهم فيه وطأةً قبْل ذلك يتوقَّاه بأحسَن ما يُجيب من القول حتَّى إنَّه لَيقول : انصرِف يا أبا القاسم ، انصرِف راشداً ، فوالله ما كُنْتَ جَهولًا ، فانصرَف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم” (ابن حبان في صحيحه) وقائل الجملة الأخيرة أبو جهل فرعون هذه الأمة ، فالمتفرعنون إذا تخيّلوا الذبح وأيقنوا صدق قائله : خنست نفوسهم ، وظهر خوَرهم ، فلا تعجبوا إذا رأيتم الناس يفرون من المجاهدين لا يلوون على شيء ، فقد جائهم المجاهدون بما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً ، فالذبح سنّة نبويّة ، ورحم الله الزرقاوي الذي أحياها من جديد ..

ختاماً أوجّه كلمة بسيطة لقادة الجهاد في العراق ، وعلى رأسهم قادة “دولة الإسلام في العراق والشام” ، فأقول :

إن الإعلام الغربي يدندن حول إعلان الدولة الإسلامية وقيام الخلافة في محاولة خبيثة لجر المجاهدين لإعلان شيء من هذا دون الرجوع لبقية المسلمين المعنيين بالأمر ، وقد ذكرت سابقاً بأنه لا يمكن إعلان الخلافة اليوم دون أخذ رأي أهل الحل والعقد في الأمة ، وعلى رأس هؤلاء اليوم : الملا محمد عمر ، والشيخ الظواهري ، وقادة الجهاد في الشيشان والصومال والمغرب واليمن ، فلا بد من اجتماع الكلمة على هذا الأمر الخطير حتى يستقيم ويستقر ، وإلا كان الإعلان افتئات على الأمة وتفريق لها ، والمسلمون أمرهم شورى بينهم ..

اعلموا – رحمكم الله – أنكم في بداية الطريق ، وأن العراق والشام لكم إن صدقتم الله ، واتبعتم هدي نبيّه ، ورصصتم صفوفكم ، وتصالحتم مع إخوانكم ، وقاتلتم العدو كالبنيان المرصوص ، أما إذا تنازعتم – والعياذ بالله – فإن مآل التنازع : الفشل وذهاب الريح .. أكثروا من الضرب فوق الأعناق ، وضرب الرقاب ، وأثخنوا في العدو ، وشرّدوا به من خلفه وأرهبوه وأرهبوا مَن وراءه ، وليكن إحجام عدوّكم عنكم بسبب بطشكم وشدّة بأسكم ، فلا تأسروا أحداً لغير حاجة ، بل أكثروا من القتل ، وليكن رعب عدوّكم مصدر قوّتكم ، فلا تأخذكم فيهم رأفة ، بل احصدوهم حصدا ، والقوة الرمي ، القوة الرمي .. ثم ارفقوا بأهل السنة وأهل الإسلام ، وارحموهم ، وتذللوا لهم ، واحملوهم فوق أكتافكم ، وازرعوا فيهم العزة والكرامة والنخوة ، فهم عدّتكم وعزوتكم وسندكم بعد الله ، دارسوهم العقيدة الصحيحة وحب الجهاد والتضحية من أجل الدين ، وحب الإستشهاد في سبيل الله .. نصركم الله وأعزّكم ، وأذلّ عدوّكم ومكّنكم من رقابهم ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
16 شعبان 1435هـ

_________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]