New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Stance on the Charter of Honor"

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

فيما يلي ملاحظات بخصوص ميثاق الشرف الذي وقعت عليه فصائل مقاتلة في الشام:

  1. أبرز الفصائل الموقعة عليه هي الجبهة الإسلامية. وبمقارنة هذا الميثاق بميثاق الجبهة الذي صدر عند تشكيلها قبل حوالي ستة أشهر فإن الميثاق الجديد أقل وضوحا من الناحية الشرعية وأكثر حملا للعبارات المحتملة والمفاهيم المشكلة، خاصة فيما يتعلق بوصف الدولة المرادة بأنها دولة العدل والقانون والحرية واعتبار القرار السياسي والعسكري سوريا خالصا، وموقفه من جماعة الدولة في سياق موقفه من (الأطراف الإقليمية والدولية).

  2. هذا مع تقدير أن الميثاق جعل ضوابط العمل الثوري مستمدة من أحكام الدين الحنيف. لكن الميثاق السابق كان أوضح في اطراد مبدأ سيادة الشريعة ونفي الأفكار المنافية لها في بنوده.

  3. ندرك تماما شدة الضغوطات الإقليمية والدولية الساعية إلى تضييق الخناق على الفصائل الإسلامية المقاتلة في الشام.

  4. ومع ذلك فإن وضوح الطرح وتحصين منهج الثورة الشامية من الانحراف التدريجي ضرورات مقدَّمة، خاصة لمن اختار (اللقاء والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية).

  5. كما أكدنا سابقا أن منهج جماعة الدولة فاقد للحصانة من الاختراق بما يحمله من غلو، فإننا نرى في المقابل أن إشكاليات الميثاق مدخل يهدد الحصانة المنهجية للجماعات الموقعة عليه ويعرضها لخطر الاستدراج والاحتواء.

  6. ينبغي للمواثيق أن تكون خطا مستقيما يحاكم أصحابها إليه أنفسهم خوفا من حصول حيود مع طول الطريق ومشقته وكثرة الدعاة على أبواب جهنم. بينما العبارات المحتملة تجعل الاعوجاج في نظر صاحبه مستقيما.

  7. لا يكفي التصريح بضوابط في ميثاق الجبهة الأول ثم إغفالها في الميثاق الجديد. فليست هذه الضوابط نصا تبرأ الذمة بتقريره مرة واحدة، بل يحتاج أصحابها التعاهد على إلزام أنفسهم بها كل مرة.

  8. لا ينبغي تقبل نقاط الضعف والإشكالات في الميثاق ثقة فيمن يوقع عليه من القادة وفي نيتهم إقامة الشريعة وثقة في استعصائهم على الاحتواء. فالحي لا تؤمن عليه الفتنة وهم ليسوا على درجة واحدة من الحصانة المنهجية. ثم إنا قد نشهد حملة تصفيات أو تهميش لهم وتبوؤ من ليس بعدالتهم لمكانهم ليستمر في قيادة القطار نحو المجهول، بعد أن يكون القادة قد شرعنوا ما يُسَهل الانحراف وظنوا أنهم باقون ليمنعوه.

  9. ثم إن المواثيق أدبيات ملزمة لمنتسبي الجماعات الموقعة عليه وقيادات الصف الثاني والثالث فيها. وهؤلاء لم تسمح ظروف الثورة الشامية التي فُرضت على أهلها على عجل بأن يتشربوا ثوابت القادة. فوجود المحتملات مظنة حصول تباين منهجي في طبقات الجماعة الواحدة.

  10. فإن قيل إن المقصود به توجيه رسائل. فنتساءل: رسائل إلى من تحديداً؟ إن كان إلى سائر الفصائل المقاتلة فهذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

–       قسم هو مشترِك مع الموقعين على الميثاق حاليا في القتال ضد العدو المشترك، فلن يغير الميثاق من واقعه شيئا.

–   قسم معلوم التبعية للخارج. وهذا القسم إن كان ممنوعا –من قِبَل الخارج- من التعاون مع الموقعين على الميثاق سابقا لاختلاف الأهداف فإن الخارج لن يسمح له بالتعاون معهم إلا إن فهم الميثاق الجديد على أنه تنازل عما قُرر في الميثاق السابق من ثوابت.

–       قسم تزيده إشكاليات الميثاق بعدا عن موقعيه لما يرفعه هذا القسم –بصدق أو ادعاء- من شعارات المفاصلة.

وإن كان المقصود بالميثاق توجيه رسائل إلى الخارج المتربص والمهدد بالتضييق فإنا على يقين أن هذا الخارج ينتظر أية بادرة للتهاون ليطالب بغيرها ويدخل من خلالها لإحداث تصدع في الصف الإسلامي.

  1. بل إننا على يقين أن هذا الخارج يدفع باتجاه التنازلات من جهة ويغذي الغلو الموجود لدى جماعة الدولة من جهة ليؤجج بذلك محرقة الاستقطاب.

  2. لذا فإن كل شر من طرف الخارج يتجنبه الموقعون على الميثاق يتوقع أن يحل محله شر مثله وأكثر منه بتعميق حالة الاستقطاب والفرقة في الصف المسلم وإعطاء ذرائع الغلو بمثل هذا الميثاق.

  3. ولهذا فلا يقولن أحد أنا بتحفظاتنا نُنَظر بمثالية بعيدة عن الواقع وضغوطاته وضروراته الملجئة. فليست المسألة هنا أخذا بالعزيمة تورعا وإيثارا للآخرة، بل نرى أن التهاون لا يزيد النصر إلا بعدا والمشاكل تعقيدا.

  4. لو أن الميثاق تكلم عن إسقاط النظام فحسب كهدف مرحلي مشترك يُقبل ضمنه التباين المنهجي لكنا أقل تحفظا، ولقلنا إنه لا يتعارض مع ميثاق الجبهة الأول. لكن حديثه عن شكل الدولة المستقبلي بعبارات محتملة قد يُفهم على أنه تنازل عن الوضوح في مسالة سيادة الشريعة في مقابل التجميع على الهدف المرحلي، وهنا يكمن الخطر.

  5. لأجل ما سبق جميعا فإنا نعتبر أن ميثاق الشرف كان خطوة إلى الوراء.

  6. كنت في تعليقي على ميثاق الجبهة الإسلامية قد قلت: (اجتماع كلمة المجاهدين مطلب شرعي، واتحاد فصائل متفرقة في كيان واحد هو خطوة في طريق هذا المطلب، شريطة أن تسير هذه الفصائل بسير أنقاها منهجا وأبعدها عن مواطن الريبة، لا أن يدخل على أنقاها الخلل من جهة من عندها نقص). ولا نرى هذا الشرط قد تحقق في ميثاق الشرف.

  7. لذا فيهمني هنا أن يُفهم موقفي بوضوح من الجبهة الإسلامية وسائر الموقعين على ميثاق الشرف: أني لا أدافع إلا عن منهج واضح المعالم، وقد كنت وضعت ملاحظاتي على الميثاق الأول راجيا أن يحقق الإخوة موازنة بين استعداء من يمكن تحييده وفي الوقت ذاته الوضوح في القضايا التي يسهل فيها الزلل. أما وقد عدنا خطوة إلى الوراء فإني أبين بوضوح أن هذا ليس منهجا أدافع عنه ولا أتحمل نتائجه.

  8. في الوقت ذاته ما نشرته وسأبقى أنشره –بإذن الله- هو التأكيد على أن هذه المؤاخذات لا تعني أبدا استحلال قتال الإخوة في الجماعات الموقعة على الميثاق كما ينادي أهل الغلو والحول النفسي والفكري! فهم في النهاية مسلمون وليس في الميثاق مناط تكفير.

  9. دفع الصائل له أحكامه. أما المشاكل المنهجية فليست مبررا أبدا لقتال المسلمين في مثل الحالة الشامية. وكما أننا نرى ابتداء الغلاة بقتال لمجرد ما عندهم من غلو انحرافا وحرفا لبوصلة الصراع، فكذلك نرى ابتداء من لديه تفريطٌ بقتالٍ انحرافا وحرفا لبوصلة الصراع.

  10. كنت ولا زلت أبين انحراف منهج جماعة الدولة. ومع ذلك فقد زل الميثاق زلة كبيرة حين جمع بين الصراحة في مواجهة الجماعة عسكريا مع الترخص في اعتبار “أطراف إقليمية ودولية متضامنة مع محنة الشعب السوري”. فعامة الأطراف الإقليمية والدولية هي أصلا صاحبة أدوار سلبية خبيثة في تأجيج الصراع مع الجماعة. وشرعنة الانفتاح على التعامل معها في ذات الوقت الذي يعلن فيه قتال جماعة الدولة كهدف مشروع هو مدخل لها لمزيد تأجيجٍ لهذا الصراع الذي لم يكن أصالةً هدفا لجهاد الشام.

  11. ثم إن في الميثاق ثغرة تفضي إلى حالة خطيرة! فالميثاق دعا “باقي القوى العاملة على الأرض السورية” للتوقيع عليه، “لنكون يدا واحدة في السعي لإسقاط النظام”. وهذه القوى العاملة منها ما يُعلم تبعيته للخارج وعدم ممانعته للتوقيع على ميثاق بهذه العبارات المحتملة. وفي الوقت ذاته تضمن الميثاق قتال جماعة الدولة كهدف مشروع. فهل قصدت الفصائل الموقعة أنها تقبل بمعونة “باقي القوى العاملة” –والتي بعضها عميلة- ضد النظام بينما لن تستعين بها ضد جماعة الدولة؟ ثم إن وقع قتال بين القوى العميلة وجماعة الدولة فهل ستبقى الفصائل الموقعة على الميثاق على تحالفها مع هذه القوى؟ بغض النظر عن مدى فساد هيكلية جماعة الدولة من قادة وأمنيين، لكن لا شك أن صراعا كهذا يطال فيمن يطال شبابها الذين هم على أسوأ تقدير مسلمون بغاة. فلا يُقبل أبدا اختلاط الصف الذي في مقابلهم.

  12. البند السادس من الميثاق بادرة لإحداث شرخ بين أهل الشام وأهل البلاء الحسن من المهاجرين. فإن قيل إن المقصود به توجيه رسالة إلى الخارج بإظهار أن ثورة الشام شعبية وليست “بؤرة جهادية هادمة للحدود الجغرافية” قلنا إن الخارج ذاته سيستغل هذه البادرة لتعميق الشرخ بين المهاجرين وأهل الشام.

  13. الخارج متخبط في تعامله مع الملف السوري. تمسك الجماعات المقاتلة بثوابتها وصمودها أمام التهديدات بالتضييق والوضع على لائحة الإرهاب يصعب على الخارج ابتزازها وقد يدفعه إلى التراجع عن تهديداته كما حصل مرارا.

  14. ختاما، لا بد من التذكير بأن أي تعثر يقع لإخواننا في الساحة الشامية تتحمل الأمة المسؤولية الأولى عنه. ثورة الشام يتيمة لم تتبنها الأمة وقصر في حقها العلماء. وهذا أشعر الفصائل بحالة الغربة والوحشة فيقع منهم ما يكثر اللائمون بعدها عليه. على العلماء أن يتعاهدوا إخوانهم بالنصح والتوجيه ويتحملوا في سبيل ذلك الأذى.

اللهم اهد الموقعين على الميثاق إلى استدراك أخطائهم والرجوع عنه إلى خير منه، واهدنا إلى نصرتهم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

__________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]