New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Discussion in Response to the [Islamic] State on Mubādarah al-Ummah"

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
هذه مناقشة لبيان الدولة حول مبادرة الأمة التي أطلقها الشيخ المجاهد عبد الله المحيسني وأيدها العلماء والفصائل المجاهدة بالشام.
وقد طالب البيان أصحاب المبادرة (أنْ يلتزموا هم أولاً ثمّ يُلزموا الأطراف المعنية بهذه المبادرات أمرين مهمّين).
فأقول، بصفتي من مؤيدي المبادرة:
الأمران اللذان ذكرهما البيان مهمان حقا: بيان الموقف الشرعي الصريح بلا مواربة من المناهج المناقضة لتحكيم الشريعة الإسلاميّة في الشّام والهيئات التي تمثل هذه المناهج المناقضة، وبيان الحكم الشرعي الصريح للأنظمة الحاكمة في المنطقة.
وأتفق مع ما ذكره البيان إذ قال: (وإننا لنحسبُ أنّ تبيان الموقف الشّرعي في هذه المسائل واجبٌ في هذه المرحلة الخطيرة على أيّ جماعة جهادية تقاتل في سبيل الله أو تنسب نفسها لفسطاط المجاهدين في سبيل الله، حتى يعرف الجميع مواطن أقدامهم ومع من يتعاملون، وليحيى بعدها من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة).
نعم أتفق مع ذلك، خاصة وأن الغبش في تحكيم الشريعة قد أدى إلى انتكاسات ومصائب كما في مصر، وأن الأمة قد عانت من تطويع مشاريع جهادية سابقة، وأن أنظمة المنطقة تعمل جاهدة على إفساد الجهاد الشامي أيضا. فلا بد من الوضوح في هذه المسائل وعدم التهاون فيها أبدا.
لا بد أن يرفض المجاهدون دعاوى القبول بدولة ديمقراطية بزعم أنها أفضل من البقاء تحت ظلم النصيرية.
ولن نتحمل منهم أي تخليط في فقه المصلحة والمفسدة الذي يُتخذ ذريعة لذلك.
ولا بد أن يكون واضحا لديهم أن أنظمة المنطقة جميعها، كما أنظمة العالم، لا يوصف أي منها بالإسلامي، وليست أي منها دولة صديقة، بل جميعها تابعة للنظام الدولي وشريكة في محاولة إجهاض المشروع الإسلامي بالشام، و”الدعم” الذي تقدمه لا يخرجها عن هذا الإطار.
كما أننا نتفق مع البيان على أن هيئة الأركان والائتلاف ومن يقاتل تحت مظلتهم معادون للمجاهدين ولمشروع تحكيم الشريعة. ونزيد أن قبول بعض هؤلاء بمبادرة التحكيم لا يعني أبدا أمن جانبهم ولا حسن الظن فيهم ولا أن مشاكلنا معهم تحل بتحكيم مستقل. بل هم في فسطاط والمجاهدون في فسطاط آخر. ولا يُقبل من أي فصيل أن يكون موقفه منهم ومن ائتلافهم وأركانهم غامضا.
هذه الأمور كلها لا نختلف مع البيان عليها بل نؤكدها. ولا نزعم أننا راضون تماما عن موقف الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين منها، وليس الهدف من هذه الكلمة ادعاء أن خصوم الدولة حققوا المطلوب ولم يدعوا لمنتقد مقالا.
لكن ما لا نتفق مع الدولة عليه أمور:
1.    تشنيع البيان على تسمية القتال الدائر فتنة بين مجاهدين، مستدلا بوجود جماعات معروف وعفش والمجرمين واللصوص ضمن خصوم الدولة.
والبيان بهذا يجعل خصوم الدولة صنفا واحدا ويأخذ البعض بجريرة الآخرين، وهذا ليس من الإنصاف! وإعلان الشيخ المحيسني عن فصيل أنه قبل بالمبادرة لا يعني تزكيته ولا حسن الظن به، بل هو إلزام له بنتائج التحكيم وإن كانت القصاص، ولا يتعارض مع دفعه عند بغيه. وقد نص الجولاني والمحيسني وغيرهما على أن القتال (في معظمه) قتال فتنة وأن (عامة) المقتتلين مسلمون. فهل غفل بيان الدولة عن تقييدات (في معظمه) و(عامة)؟!
ثم مَن مِن المجاهدين والعلماء المعتبرين قال إن الكتائب (التي لا تُخفي منهجها العلماني العفن ورفضها لتحكيم الشريعة أو أي طرحٍ لمشروع إسلاميّ ولو بالاسم) كما عبر البيان، أن هؤلاء مجاهدون؟!
ولماذا التغافل عن أن خصوم الدولة ليسوا هؤلاء فحسب، بل عامتهم فصائل مشهورة بجهادها وتعلن في مواثيقها إرادة إقامة الشريعة؟ وإن كان البيان يقصدهم بقوله (مطايا آل سلول ومخابرات أمريكا وفرنسا) فهذا الذي يحتاج إلى تحكيم لإثباته أو نفيه بدلا من عبارات الإسقاط والتخوين بالجملة.
أليس حريا بالدولة أن تقبل التحكيم ليتمايز لها وللأمة أصحاب العقيدة والمنهج السليم فتؤاخيَهم وتتولاهم وتتناصر معهم أمام عصابات الائتلاف والأركان، بدل أن تضعهم جميعا في بوتقة واحدة؟!
2.    لا نتفق مع اشتراط الدولة أن تبين الكتائب موقفها من الأركان والائتلاف والأنظمة قبل أن تقبل الدولة بالتحكيم.
إذ أين في ديننا نجد أن المرء إذا دعي إلى كتاب الله ليحتكم إليه فإن له أن يشترط أولا أن يكون خصمه سليم العقيدة؟! أما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم سعد بن معاذ وخصومه يهود؟! وقد نقل صاحب (عون المعبود) الإجماع على وجوب الحكم إذا ترافع كافر مع مسلم.
فهل هذا الاشتراط بحد ذاته هو احتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله أم أنه مناقض لهذا الشعار الذي ترفعه الدولة وتعتبر نفسها متميزة به على غيرها؟!
هل إن ملكت الدولة زمام الأمور غدا ثم جاء فرد من الرعية يتظلم فإن لها أن تشترط عليه بيان عقيدته ومنهجه قبل أن تقبل النظر في مظلمته؟!
أتفهَّم تماما أن تشترط الدولة هذه الشروط في المحكَّمين الذين نصت مبادرة الأمة على أنهم سيفصلون في نزاعاتها مع باقي الفصائل، لأنه إن اختل منهج هؤلاء المحكمين فإن حكمهم سيكون مختلا تبعا لذلك. وقد نصت المبادرة على أن المحكمين: (هُمْ جميعاً مجاهدونَ مرْضيو العقيدةِ فيما نحسبُهم). وقائل ذلك مركز دعاة الجهاد الذي يرأسه د. المحيسني المعروف بنقاء عقيدته ومنهجه فيما نحسبه.
أما اشتراطها في الخصوم فهو ما لا دليل عليه.
فلماذا هذه الحيدة؟ الفصائل تشكو على الدولة أمورا لا علاقة لها بالمنهج، بل مظالم في الدم والمال والسلاح. فلماذا يُزج بالمنهج لمنع التحكيم في هذه المظالم؟!
3. ولا نتفق مع الدولة في إلزام كل أحد بأن يفصح عن عقيدته ومنهجه في الأنظمة. لكننا نتفق معها بأن الجميع مكلفون ألا يقولوا في ذلك باطلا. فأي تصريح يمكن أن يصدر عن أية جهة بإضفاء الشرعية على هذه الدول، أو أن ما يحصل فيها شأن داخلي لا يحق لأحد أن يتدخل فيه، أو تصريح بقطرية الدولة الإسلامية المنشودة بالشام بحيث لا تتعدى حدود سايكس بيكو…أي تصريح كهذا فهو تهمة ومثلب في منهج صاحبه.
4.    إن كانت الدولة تتهم خصومها باختلال مواقفهم من الأمرين المذكورين (تحكيم الشريعة والأنظمة) فحري بها أن تقبل المبادرة لتثبت صحة تهمتها بالتحكيم المستقل، لا أن تجعل التهمة مانعا من الاحتكام! فنحن، كما الدولة، لا نرضى بوجود دخن لدى المجاهدين في هذين الأمرين، وحريصون على كشف الخلل ومعالجته وكشف من لا يقبل العلاج ليَحذره الناس.
لكن هذا كله لا يأتي إلا بالتحكيم المستقل الذي تُعرض فيه البينات ويظهر فيه صحة التهمة من عدمها، ودرجتُها وعلاجُها وتجاوب الفصيل المنسوبة إليه هذه التهم مع حكم المحكمين أو امتناعه.
أما مع استمرار القتال وتقاذف التهم وتدفق الدماء فإن أيا من هذا لا يتحقق، وصحة التهمة لا يظهر، فتُهدر دماء جنود الفصائل الذين يحسبون قياداتهم على خير وأن جهادهم هو من أجل دولة إسلامية وأن الدولة إنما تقاتلهم بغيا، ثم تهدر دماء أهلهم الذين ينتصرون لقتلاهم، وغيره مما ينتج عن وضع العصا في العجلة وجعل التهمة مانعا من الاحتكام الذي يثبتها أو ينفيها!
5.    في الوقت الذي لا نبرئ خصوم الدولة تماما من وجود خلل في الأمرين المذكورين، فإننا لا نبرئ الدولة أيضا! فقد كان بإمكان خصومها أن يقولوا: (لن نقبل بالمبادرة حتى تبين لنا الدولة موقفها الشرعي الصريح بلا مواربة من سلوكها المناقض لتحكيم الشريعة الإسلاميّة، إذ تقتل دون بينة ولا شهود ولا قضاء معلن ثم تدعي على من قتلته ما لا دليل عليه، كالخيانة على جلال بايرلي والردة على الحضرمي. فهذا حكم بغير ما أنزل الله، لا ينفع معه رفع شعارات إسلامية والمزايدة على الناس بها!).
كان بإمكانهم أن يقولوا: (إن كانت الدولة تتهم مصادر تمويلنا فلن نقبل بالمبادرة حتى تبين موقفها مما ننسبه إليها من أنها تستمد الدعم من غصب الممتلكات والمقرات والأسلحة بغير حق، وليس هذا الظلم دون الظلم الذي تدعيه علينا، ولا هو من الحكم بالشريعة الذي ترفعه شعارا).
فليس للدولة أن تتعامل وكأنها بريئة من التهم وغيرها محط ريبة، وإنْ فُتح هذا الباب لتقاذف التهم فخصومها لديهم ما يقولونه. فلمصلحة من يستمر هذا التقاذف بدلا من الهدنة والقبول بالاحتكام؟!
6.    بعض ما طلبته الدولة كانت الجبهة قد بينته في ميثاقها، كتحكيم الشريعة وموقفها من الديمقراطية والدولة المدنية. فإن قيل: (الأقوال تخالف الأفعال) قلنا: هذا ما يثبته التحكيم أو ينفيه، ولا ينفع معه بيان الموقف الشرعي إذن، والذي طالبت به الدولة.
7.
8.    طالبت الدولة بـأن يبين خصومها الموقف الشرعي الصريح الواضح تجاه الجماعات والفصائل والتكتلات المنضوية تحت الهيئات الرافضة لتحكيم الشريعة، والموقف الشرعيّ تجاه الجماعات والفصائل التي تتعامل مع أنظمة المنطقة أو مع مخابراتها أو مع مخابرات الدّول الغربية.
 فما الرد المتوقع من خصوم الدولة؟ إن قالوا: (موقفنا هو البراءة من الائتلاف والأركان وفصائلهما ومن الأنظمة ومخابراتها، لكننا لا نرى بوجوب قتالهم في هذه المرحلة مع ما بنا من ضعف، حتى نتفرغ لمن يقتلنا ويشردنا ويعذبنا ويغتصب نساءنا).
إن قال خصوم الدولة: (موقفنا أن الشر يجتنب ولا يمتحن، وأن ترتيب الأولويات يقتضي أن نقتصر على دفع الصائل، وإن وقع عدوان من كتائب السوء فإننا نحاول إيقاع القصاص الشرعي بالتحكيم المستقل وإلا فردعهم بما يكفهم عن معاودة العدوان، دون فتح جبهة جديدة معهم، إلى حين التمكين الذي يكون لنا معهم وقته شأن آخر).
فهل هذا الرد سيرضي الدولة؟ وإن قالت الدولة حينئذ: (بل قتال الصحوات أولى من قتال النصيرية)، من الذي سيرجح هذا القول أو ذاك؟ ومن الذي سيحكم إن كان الواجب اتباع الدولة على اعتبار الائتلاف والأركان وأوباشهما أهدافا مشروعة في هذه المرحلة أو يحكم بأن استهدافهم يشتت عن المعركة الأصلية ويلحق الضرر بالجميع وبالتالي يـُمنع من استهدافهم؟
من يحكم بأن هذه قضية عقدية يكفر المخالف فيها أو اجتهاد فقهي في باب السياسة الشرعية؟
فما فائدة اشتراط بيان الموقف من هذه الأمور والخلاف حاصل لا محالة بعد بيانه ولا يرجِّح فيه إلا التحكيم المستقل؟!
ومن الذي يحكم إن كان كل أشكال التعامل مع المتآمرين محرما بإطلاق، أو أنه لا فرق بين تلقي السلاح مباشرة أو تلقيه من السوق السوداء التي تتلقاه من المتآمرين، وإنما العبرة بما يُستخدم له هذا السلاح، من قتال الكافر الصائل أو قتال المسلمين تحت مسميات الصحوات والخوارج، أو بتقديم تنازلات وضمانات تبعية مقابله؟
ومن الذي يحكم أي الفصائل ينطبق عليها قول الدولة: (تُعين هذه الحكومات وأجهزة المخابرات لتنفيذ مشاريعها الخبيثة في الشام)، أهم الذين يدارون الحكومات أم الذين يستَعْدون الجميع ويشغلون المسلمين بالاقتتال الداخلي تحت مسمى محاربة الصحوات فيعينون الحكومات والمخابرات على تنفيذ مشاريعها فعلا؟!
ومن الذي يحكم بأن الجهتين قد تكونا أسهمتا في ذلك بنصب محرقة استقطاب بين إفراط وتفريط يضيع نتيجته شباب المسلمين؟
ومن الذي يحكم إن كان تصريحٌ أو موقفٌ ما مناقضا للبراءة في قوله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء) أو أنه مبرَّر باتقاء الشر كما في قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة)
من أجل هذا كله، فلا بد من القبول بالهدنة والتحكيم المستقل، غير مشروط بما اشترطته جماعة الدولة. أما تهديدها بالاستمرار في سياسة (الاقتصاص ممن ظلمها وكسر شوكته بلا هوادة، والكفّ عمّن كفّ عنها)، فهو يعني مجددا أنها تأبى إلا أن تكون الخصم والحكم معا، وأن تستأثر هي بتعريف “من ظلمها”، وتعريف الأساليب لــ “كسر شوكته بلا هوادة”، وهذا يعني استمرار حمام الدم والفوضى، وتزايد المظالم.
فيا عقلاء الدولة، هذه الفرصة تبدو الأخيرة لحقن الدماء ورأب الصدع، فاتقوا الله ولا تحملوا أوزاركم وأوزار أمتكم برفض مبادرة أطبقت عليها الفصائل النقية وأهل العلم المعتبرون، وهي قبل ذلك وفوق ذلك ببساطة شديدة دعوة إلى تحكيم كتاب الله الذي خرجتم من أجله..
وتذكروا ذم الله تعالى لمن يُدعى إلى الحكم بشرعه فيعرض، وثناءَه على من يطيع:
(( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون (50) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51) ))
نسأل الله أن يهدينا جميعا لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله.

____________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]