New article from Abū Sa'd al 'Āmilī: "And in the Heaven is Your Provision, and That Which You Are Promised"

بسم الله الرحمن الرحيم،
وبه أستعين وعليه التكلان، وبعد
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، الذي خلق فسوى ورزق فهدى وأخرج لعباده من الأرض الثمرات وأنزل عليهم من السماء البركات، وعلى رسوله الخاتم أزكى الصلوات وأتم التسليمات ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه حتى يقوم الناس لرب البريات، ثم أما بعد
فإن هذا المقال جزء من جواب على سؤال أحد الإخوة الأفاضل حول أسباب تأخر الرزق، وقد توسعت فيه بعض الشيء وأحببت أن أنشره في هذه الصيغة طمعاً في أن تعم الفائدة المرجوة فيه، والله من وراء القصد.
اعلم أخي الفاضل أن الأرزاق مكتوبة مثلها مثل الآجال، ولن يستوفي المرء أجله حتى يستوفي رزقه، فما كتب الله لك من رزق في هذه الحياة لابد أن تناله عاجلاً أم آجلاً، فمن الناس من يدرك ذلك على فترات متفرقة ، ومنهم من يناله في فترة معينة أو متقدمة من عمره ومنهم من يؤخره الله له إلى آخر أيام عمره وهكذا يختلف الناس في هذا الأمر.
وقد يحرمك الله تعالى من بعض الرزق الوافر رحمة بك وحرصاً منه سبحانه على عدم الافتتان بهذا الرزق، لأنه سبحانه يعلم أنك لن تستطيع الصبر على هذه النعم، وقد تنفق ذلك في معصيته وفيما يُُشغلك عن طاعته، مصداقاً لقوله تعالى {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْافِي الأَرْضِ}، فمن العباد من لا يصلح حاله وتقربه إلى ربه إلا بالفقر والكفاف ومنهم من هم عكس ذلك، لا يصلح حاله إلا بالغنى وقد يفسد بالفقر والعسر، وهكذا الناس معادن، لا يعلم حقيقتها وما يصلحها إلا خالقها الحكيم العليم الخبير.
ونقطة أخرى مهمة ينبغي إدراكها جيداً وهو أنه لابد من الأخذ بالأسباب القدرية لنيل ما فرضه الله علينا شرعاً، فالتوكل يستلزم الأخذ بالأسباب، وكذلك مسألة الرزق لابد من حسن التدبير والتسيير لتحقيق النجاح في الأعمال التي تريد إنجازها.
وإذا ما أخذ المرء بالأسباب فلم يكن هناك نجاح ولم يحصل على النتائج التي يريد في الوقت الذي يريد وبالحجم الذي يريد، فينبغي أن يعلم أن هذا ابتلاء من الله لهذا العبد لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى وقد يكون فيها خير كثير مخبوء ومستور لهذا العبد دون أن يدري ، فإن الله تعالى يقول
{ونبلوكم بالشر والخير فتنة} ويقول عز من قائل{وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
هذا فيما يخص الحالة العامة التي يعيشها المسلم المطيع لربه في ظل هذه المجتمعات القائمة على محاربة الله ورسوله والسعي إلى إغراق العباد في المعاصي والذنوب ومحاربتهم في أرزاقهم بشتى الوسائل والحيل، أما فيما يخص الإخوة الدعاة وأنصار الجهاد بصفة خاصة فإن حالهم يختلف كثيراً ويتميز عن الآخرين كونهم لا تتوفر لديهم فرص للعمل مثلاً أو فتح مشاريع تجارية بدون التعرض للمراقبة الشديدة تنتهي سريعاً بتوقيف المشروع تحت ذرائع شتى على رأسها تهمة تمويل الإرهاب ولو كان المشروع ذو صبغة شخصية بحتة يسعى الأخ من ورائه إلى سد حاجياته وحاجيات أسرته، لكنه غالباً ما يلقى هذا المصير.
أو أحياناً – وهذه حرب غير مباشرة – يضطر الأخ لأن يتعامل مع المؤسسات الربوية وتطبيق بعض القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية كشرط لمواصلة مشروعه، مما يدفعه تلقائياً إلى إيقاف مشروعه والبحث عن مصادر رزق أخرى في ظل السرية والمطاردة المستمرة، وهذه غالبية حالات الإخوة في هذا المجال.
وهذا من ابتلاء الله لعباده الموحدين لكي يعلموا ويستشعروا حقد أهل الباطل على أهل الحق، ومدى التضحية التي تتطلبها الاستقامة على الحق ليكون المنهج غالياً على أصحابه فلا يفرٍّطوا فيه بمجرد الحصول على بعض متاع الدنيا الزائل، إنها تربية وإعداد للنفوس المؤمنة لكي تصبر وتترفع على زينة الحياة الدنيا وتتمسك بدينها ولو أدى ذلك إلى نقص في الأموال والأنفس والثمرات.
كم هو ميسر أن يسلك المرء طرقاً ملتوية ويقدم تنازلات عن المنهج لكي يحوز الدنيا بحذافيرها، بل وقد تأتيه هذه الدنيا صاغرة مقابل بيع دينه وآخرته، وماذا سيمثل هذا الربح الزائل الزهيد أما رأسماله العظيم الذي خسره وهو عقيدته ودينه ؟!.
فاحرص أخي الفاضل على مرضاة ربك وابتغاء ما هو مباح لنيل ما كتب الله لك، ولا تيأس ولا تمل من إعادة المحاولة تلو المحاولة حتى تحين ساعة الفرج ونضوج الثمرة، فإن الثمر يأتي مع التعب والنصر مع الصبر ، دبٍّر حتى تنال ما الله قدَّر، واتهم نفسك بالتقصير وسوء التدبير وإياك أن يَنْْفَذَ إلى قلبك مثقالُ ذرة من شك وريب في وعد ربك ومولاك، فلا تساوي الدنيا كلها عند الله جناح بعوضة، فكيف تحدثك نفسك الأمارة بالسوء أن ربك يمنعك قسطاًً منها وهو سبحانه يمنحها للملحد والكافر والعاصي ؟!
من الأمور التي تساعد على جلب الرزق إجمالاً كثرة الصدقة ولو بالقليل المتيسر والدعاء مع إخوانك في الغيب وتقديم يد العون للمحتاجين باليد واللسان والحض على أعمال الخير والتفريج عن المسلمين ورفع الضيق عنهم وخدمتهم بالليل والنهار، فهذا من أعظم وسائل جلب الرزق وهو أمر مجرب.
ثم عليك أخي الفاضل بقيام الليل وداوم على تخصيص الثلث الأخير أو أوله أو نصفه للتبتل والبكاء بين يدي الله عز وجل بأن يزيل عنك عوائق الطريق ويتقبل منك أعمالك ويغفر ذنوبك ويتجاوز عن معاصيك، فإن المعاصي والذنوب من أعظم موانع الرزق.
ثم عليك بالمداومة على قراءة سورة الواقعة بعد صلاة العشاء، كأن تصلي ركعتين نافلة بها وتكون لك عادة ولا تتركها أبداً، فإن سورة الواقعة من مجلبات الرزق كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه من الله أفضل السلام وأزكى التسليم.
ثم عليك أخيراً وليس آخراً بصلة أرحامك وذويك، فإن في ذلك أجر عظيم لمن علم، وجلب للرزق إن شاء الله تعالى، وقد رأينا الكثير من عباد الله يزهدون في ذويهم وأقربائهم ويقطعون الرحم التي أمر الله بها أن توصل، فكانوا كما ترى من ضيق في العيش وفتنة عن أداء الواجبات وتشتت في الفكر وغياب للبركة في أوقاتهم وأرزاقهم وهي كلها عقوبات ونتائج مباشرة لما جنت أيديهم في هذا الباب.
ونقطة أخرى ينبغي عدم نسيانها أيها الأفاضل في ظل هذا الواقع الجاهلي الذي نعيش فيه، اعلموا أن الرزق الحقيقي لا يُنال إلا بالجهاد وقتال أعداء الله المغتصبين لحقوق العباد، فهؤلاء الظالمين من الحكام وأتباعهم ممن ابتلانا الله بهم، هم من استولوا على خيرات الشعوب وحرموها من حقوقهم وأرزاقهم، وبادروا إلى عمليات الإسراف والتبذير، فصارت أموالنا بأيدي هؤلاء السفهاء واللصوص، ينفقونها على شهواتهم ويساهمون بها في حرب الإسلام والمسلمين ويضعونها في أيدي أعدائنا من اليهود والصليبيين لكي تتحول إلى أسلحة قاتلة وبرامج إفساد لعقول النشء المسلم، وإفساد لخلق نساء المسلمين ومحاربة المجاهدين وكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
ومن هنا ينبغي أن تتركز جهود أبناء الأمة ويوجهوا سواعدهم وعقولهم لاسترداد هذه الأموال والأرزاق من أيدي هؤلاء، ويوزعوها على أبناء المسلمين المحرومين والمستضعفين، ولا يتحقق هذا بغير الانخراط في عملية الجهاد والإعداد لقتال هؤلاء المجرمين، ليتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحتظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم ” [1].
فكل من لا يستطيع أن يجاهد الآن فعليه أن يبدأ في إعداد العدة ليسلك الطريق الصحيح والأسلم لجلب الرزق الحلال الذي ليس فيه مثقال ذرة من شبهة أو حرام، الغنائم والفيء اللذان هجرهما المسلمون وصارا من المصطلحات الشرعية الغريبة والمجهولة لدى غالبية المسلمين.
هذا واسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعن جميع المسلمين وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا ومعاصينا وتقصيرنا في حق ديننا وأمتنا، كما ينبغي أن تعلم أخي الفاضل أن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، فلا تأس على ما فاتك منها ولا تفرح بما أوتيه غيرك منها خاصة من العصاة والمبتدعين بل وحتى الكفار، فما عند الله خير وأبقى، وما نلاقيه من نقص في الأموال والثمرات إنما هو سنة الله في خلقه وابتلاء لعباده المؤمنين لكي يزكيهم ويصفي نفوسهم ويربيهم على الارتباط والتعلق به وحده وملئ قلوبهم بحبه بعد أن يخليها من حب الدنيا وملذاتها.
وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين ومن حبه لهم بل ومن كرمه وفضله الكبير الواسع الذي لا يظهر إلا لعباده المخلصين ولو بعد حين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه : أبو سعد العاملي.

ــــــــــــ

[1] عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر – إسناده جيد

_________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]