New statement from Abū Sa'd al 'Āmilī: "The Scattered Scent in the Obituary of Shaykh Rafā'ī Surūr"

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، وجعل لكل أجل كتاب، يبتلينا ربنا بالشر والخير فتنة، ويبتلينا بهذه الحياة الدنيا ليبلونا أينا أحسن عملاً، فطوبى لمن كانت حياته لله وبالله ، وخرج من هذه الحياة الدنيا ولم يترك وراءه ما يحاسب عنه أو يثقل ميزان شبهاته فضلاً عن ميزان سيئاته، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، الذي خرج من هذه الدنيا ودرعه مرهون عند جاره اليهودي وهو الذي كان بوسعه أن يملك الدنيا وكنوزها، ثم أما بعد

فهانحن اليوم مع موعد جديد مع هادم اللذات ليأخذ علماً من أعلام هذا الدين ورجلاً وهب نفسه لله عز وجل وأنفق ما يملك في سبيل ذلك، بل لقي الابتلاء تلو الابتلاء في سبيل رفع راية الحق والثبات عليها ، فكان نعم الصابر والشاكر والراضي بما قدره الله له – ولا نزكيه على الله -، ذلك هو شيخنا وأستاذنا ومربينا رفاعي سرور.

مهما حاولت أن أكتب عن هذا الرجل الصالح فلن أوفيه حقه، ويكفي أن نقول بأنه عاش لدينه وجسد صفات الربانية في أجل صورها وصفات الصبر والثبات على دينه في أرقى وأصدق مقاماتها وصفات البذل والعطاء في أسمى مراتبها.

لم يركن شيخنا طيلة حياته – رغم الضيق والحصار والخصاص الشديد الذي تعرض له – لأحد من الطواغيت ولو من باب التقية والمداراة، فقد كانت نفسه تأبى الدنية في أدنى صورها ولو بمقدار ذرة، حتى لو كان ذلك سيفتح له آفاقاً لتحرك أوسع يمكن أن يخدم بها دينه، كما يفعل الكثير من دعاة زماننا هذا، وهم يرخصون لأنفسهم ذلك من باب المصلحة المرسلة أو تغليب مصلحة الدعوة مقابل تنازلات يعتبرونها هينة وهي عند الله عظيمة.

كانت هذه الصفات وهذا الثبات وهذا التميز في الإخلاص والتضحية لدى الشيخ رفاعي هي اللبنات التي شكلت بناء شخصيته المتميزة الفريدة، وجعلته في موقع الاحترام والتقدير والمهابة في عيون أعدائه قبل أحبابه، وقد بقي هكذا في كل مراحل حياته الدعوية، ينافح عن دينه وتجده فارساً في كل ميدان يحتاج فيه الإسلام إلى فرسان.

لم يكن للشيخ أملاك ومصالح دنيوية مادية يخاف على زوالها أو يحرص عليها أو يوليها بعض اهتمامه لتزاحم مهامه الدينية البتة، فقد كان متفرغاً لربه ووقفاً لهذا الدين، لا يحمل هماً لدنيا أو يولي اهتماماً لعرض من أعراضها الزائلة.

لقد كان يتميز بعقيدة سلفية ربانية منذ نعومة أظفاره وقدم في سبيل الحفاظ عليها والثبات عليها أفضل سنين عمره وهي ما يزيد عن عشرين سنة في سجون الطواغيت بين سجن وحصار في بيته ومنعه الطغاة الظالمون من التواصل مع الناس ومع شباب الدعوة خلال سنين الجمر التي عرفتها مصر الكنانة في ظل حكم الطواغيت المتتابعون عليها.

ولكن شاء الله أن تكون كتاباته القيمة منارة هدى ومصدر إشعاع انتشرت في العالم أجمع واخترقت كل سدود الطواغيت وتجاوزت كل حدودهم المصطنعة فوصلت إلى الناس جميعاً بل منها ما تُرجم إلى لغات عديدة مثل كتاب ” عندما ترعى الذئاب الغنم” وكتاب ” أصحاب الأخدود” ، كان هذا في فترة المحنة وأوج غربة الإسلام الثانية في نهاية الستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ومعظم الناس يومئذ بين غارق في ملذات الدنيا وغارق في متاهات البدع والضلالات.

وعلى ذكر كتاب ” عندما ترعى الذئاب الغنم” فإني أود أن أذكر بخاصية متميزة للشيخ رفاعي سرور – رحمه الله – وهي كونه من أول من اهتم بمعركتنا الأبدية مع الشيطان، ومن أبرز من تطرق إليها بنظرة شرعية سلفية قرآنية، بعيداً عن كل تفريط وإفراط أو شعوذة وتخريف، فكان كتابه سالف الذكر مرجعاً ونطقة إشعاع في هذا المجال، أثار انتباه الناس عامة والدعاة خاصة إلى حقيقة هذه المعركة وضرورة الإهتمام بها وأخذها بعين الاعتبار كونها حرب حقيقية ومصيرية تنبثق منها كل هذه الحروب أو المعارك التي نراها مشتعلة ومفتوحة على أمتنا وديننا من قبل أتباع الشيطان.

كما ركز الشيخ بطريقة متميزة وفريدة على الاهتمام بالسنن القدرية والشرعية في هذه الحرب القائمة بيننا وبين أعدائنا وضرورة استيعابها كوسيلة ناجعة لكسب هذه الحرب ضد أعدائنا، وقد استفاض في هذا الباب في كتبه الأخرى : ” قدر الدعوة” –” حكمة الدعوة” وكتاب ” علامات الساعة” وكتاب ” التصور السياسي للحركة الإسلامية”، ففي هذه الكتب تعمق الشيخ رحمه الله كثيراً في الحديث عن السنن القدرية والشرعية وارتباطها بالدعوة والجهاد وضرورة إلمام الدعاة بها وفهمها الفهم الصحيح.

وبخصوص كتاب” عندما ترعى الذئاب الغنم” فقد كنت بدأت كتابة هوامش وتعقيبات عليه، انطلاقاً من تجربتي المتواضعة وما اكتسبته من دروس وما عاينته من تجارب شخصية في ميدان صراعنا مع الشيطان، وسوف أعد القراء الكرام وأطلب منهم الدعاء لكي ييسر الله إكمال ما بدأته، نظراً لقيمة الكتاب وأهميته وحاجتنا إلى تفصيل ما جاء فيه من توجيهات قيمة، لا بأس من ربطها بواقع الحركة الدعوية والجهادية للأمة، فإن كان في العمر بقية ومن الله التوفيق سأواصل الكتابة في هذا الباب الخطير والحساس جداً، لعلي أصل وأقف على بعض ما يحتاجه الدعاة من دروس وعبر في معركتنا مع الشيطان.

وفي الختام لا يسعني سوى أن أتضرع إلى الله العلي القدير، الحنان المنان، الغفور الكريم، التواب الوهاب، أن يتقبل شيخنا الفاضل وعلامتنا الغالي العزيز، عبده المخلص الصادق الفقير، رفاعي سرور، فيجعله من السعداء ويكتب له أجر الشهداء ويلحقه بمحمد وصحبه، دون حساب ولا عتاب ولا عقاب، وأن يرزقنا وأهله وذويه والأمة جمعاء الصبر على فراقه وأن يبارك في أولاده فيجعلهم خير خلف لخير سلف ، ويرزقنا الإخلاص والثبات على أمره ، وإنا على فراقك يا رفاعي محزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وموعدنا الجنة إن شاء الله.

وكتبه الفقير إلى عفو ربه: أبو سعد العاملي – فاتح ربيع الثاني -1433 هجري.

_________

To inquire about a translation for this statement for a fee email: [email protected]