New essay from Ḥamzah bin Muḥammad al-Bassām: "First Installment- The Sociable Benefits and the Uprisings Across Egypt and Tunisia"


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته”. قال: ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} .

 

الحمد لله مذل الجبابرة وكاسر ظهور الأكاسرة, من بيده الملك والجبروت، يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير إنه على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي به قامت الحجة ووضحت المحجة وإنا على ذلك من الشاهدين.

 

وبعد..
لاشك أننا بين يدي أحداث جسيمة تعتري أمتنا الاسلامية، وانتفاضة وتململ بعد طول سبات، وحضور بعد غياب طويل، إن ما نشهده هذه الأيام من ثوران لبركان الشعوب العربية لهو أكبر دليل على أن هذه الشعوب قد ملت القهر والتسلط والظلم الذي أثمر جهلاً وفقراً وتخلفاً تشهده الكثير من مناحي الحياة، وفي مقابل تمتع القلة المتسلطة بثروات الشعوب حتى غدا ما تتمناه يلبى لها ولو كان وراء المحيطات، فإنا نجد الأكثرية تكابد من أجل لقمة عيش تسد الرمق وهي تصارع غول الغلاء والفساد، وفي مقابل الامتيازات التي تمنح للقلة الحاكمة وحاشيتها نجد الظلم والقهر في مواجهة الأكثرية المغلوبة على أمرها .
ولقد أكثر الناس الكلام حول الأحداث الجارية في عالمنا العربي بين مؤيد ورافض وناقد ومخذل، وتحدث الناس كل بما عنده من خير أو شر، فمن واصف للأحداث بالفتح إلى واصف لها بالفتنة كل بحسب منظوره ومنطلقاته، لكن من أراد سلوك سبيل وسط عرف أن الانتفاضة الشعبية فتح وفتنة، فرح وترح، حلو ومر، وإذا أردنا أن نستثمر هذه الانتفاضة فعلينا التعامل معها بوعي وأن نرصدها ونرصد تبعاتها لنعلم كم كسبنا وكم خسرنا وماذا علينا أن نفعل وكيف نفعل لتكون هذه الانتفاضة في صالح تحقيق مشروعنا العالمي: خلافة على منهاج نبوة بإذن الله تعالى.

 

وما يشجع أكثر أن الأمة اليوم باتت ترمي الطواغيت وأنظمتهم عن قوس واحدة فإذا أصاب سهم تونس اهتزت له عروش الطغاة في الخليج, وإذا أصاب سهم مصر قويت قلوب المستضعفين في الأرض، فإن لم تك انتفاضة مجلية فعلى أقل تقدير سِلمٌ مخزية يستفيد منها المستضعفون في الأرض كسرة خبز نظيفة وجرعة ماء نقية وسبل عيش كريم، وسنشارك أمتنا همومها مع أن دورنا لا ينحصر في هذه القضايا (المطلبية) والتحريض عليها، بل هدفنا أسمى وأرفع فنحن نريد أن نحكم بشرع بالله وفق ما أراد الله أن يكون عليه عباده.
لذلك لا بد لنا من أن نتناول هذه الأحداث برؤية تحليلية وأن نسلط عليها الضوء وأن نكتب عنها ونسبر غورها لنفيد ونستفيد، وأحسب أنني كتبت متأخراً لبعدي عن وسائل الإعلام و الاتصال في الفترة الماضية وقد يكون هنالك من سبقني بالتحليل والكتابة، ولكن هو سهم نرمي به عروش الطغاة وقد تضيفت عقود ظلمهم للمغيب.

 

وسيكون حديثي حديثاً سياسياً شرعياً، متناولاً فيه الأحداث بمنظور شامل يسلط الضوء على أمور ومسائل مهمة تهمنا نحن كطليعة مسلمة تتصدى للغزو والتعتيم الإعلامي في عالمنا الإسلامي، ولأنه من المهم أن نكون صورة عما يجري نستلهم منه الدروس والعبر، وأن يكون لدينا تصور يفهمنا حقيقة الوضع فلسنا كالغوغاء والدهماء ننقاد لكل صيحة بل علينا أن ندرس الوضع لنعرف, وأن نعرف لنفهم, وأن نفهم لنفكر كيف يكون السبيل الصحيح للتعامل مع مثل هذه الأوضاع في ظل تصاعد وتيرة تأثيرها على الشارع العربي ككل، إذ لا بد للمجاهدين وأنصارهم على وجه الخصوص والتيارات الإسلامية على وجه العموم، من صوت مسموع وحركة فاعلة مؤثرة في مجريات الأحداث، وأن نغتنم الفرصة لزيادة رصيد حضورنا في قضايا وهموم الشارع المسلم, وأن ندفع باتجاه أن يكون لعلماء الأمة ومشايخها الصادقين الصادعين بالحق دور في صناعة الحدث بدل أن تترك الأمور لأعداء الأمة من يهود وصليبيين أو أصحاب الأهواء وضباع السياسة من بني علمان وأرباب القانون الوضعي يوجهون الدفة أينما أرادوا ويقطفون الثمرة.

 

ودعوتنا في كتابتنا دعوة عاقلة لقلوب واعية وعقول مفتوحة ننتظر منها أن تصنع التغيير وتساهم في بناء غد أفضل لأمتنا الإسلامية، أملتها ضرورة الإصلاح ورغبة أكيدة في أن يكون التغيير في اتجاهه الصحيح، وليتحسب الشباب والمشايخ في جميع الأقطار في حال حدوث انتفاضات مماثلة ضد أنظمتهم التي تحارب الإسلاميين ودعاة الحق، وتظلم العباد وتنشر الفساد، وليتهيؤوا لأن تكون لهم كلمة ووقفة, وأن يتقدموا للقيادة؛ حتى لا تسقط الثمرة في فم الثعلب مرة أخرى.

 

ولكن قبل ذلك نذكر بأمور مهمة أرى أنها تنفعنا في هذه الأحداث:

 

أولاً: تقوى الله في السر والعلن, وإصلاح العبد ما بينه وبين الله, فما يدريك متى يأتيك الموت وقد عزمت الحكومات على قتل شعوبها لتبقى لها عروشها.
ثانياًً: تجديد النية أن يكون العمل خالصاً لوجه الله الكريم لا تشوبه شائبة.
ثالثاً: أن يكون عملك هذا جهاداً في سبيل الله تعالى واحتساباً على الحاكم ونظامه بقول كلمة لا وإن أدى ذلك إلى القتل والسحل والسجن.
رابعاً: وزن الأمور بميزان الشرع فليس كل عمل قام به المتظاهرون عمل صالح أو هو يؤدي إلى الخير.
خامساً: فهم طبيعة هذه الشعوب واختيار الخطاب الأمثل لكسبها واختيار الوقت الأنسب لمخاطبتها والرفق بها .
سادساً: أن الثورة ليست هي الغاية وليس معنى زوال طاغية أو هروبه أننا حققنا هدفنا، بل ما يزال أمامنا طريق طويل نصحح فيه المفاهيم، ونجمع فيه الصفوف.
سابعاً: بدأ الآن العمل الحقيقي لأنصار الجهاد، فكونوا على قدر مسؤولياتكم تسلحوا بالوعي والمعرفة, ركزوا على الدعوة بين الناس, وكونوا أصحاب سمت حسن وتذكروا أنكم قدوات لمن يهتدي على أيديكم فكونوا لهم قادة للخير.
ثامناً: التركيز على البناء التنظيمي وتجميع الصفوف وعدم الدخول في مواجهات غير محسوبة العواقب حتى لا يكون هنالك إجماع رافض لأعمالكم, بل بالتخطيط السليم والبناء المتأني والتربية الصحيحة يقوى كل تنظيم مع الاهتمام بتنمية الكوادر شرعياً وفكرياً وفي جميع التخصصات.

 

وقد رأيت أن يكون الحديث على حلقات وأن يتناول في كل حلقة نقطة أو عدداً من النقاط بحيث يمكننا أن نعطي كل نقطة حقها من النقد والتحليل وتسليط الأضواء، و الله خير مسؤول أن يبلغنا المقاصد وأن يوفقنا لإصابة الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه.
حمزة محمد البسام
راية العقاب
7-2-2011 الموافق 4 ربيع الأول 1432

=======
الحلقة الأولى
التخطيط المتوازن لإدارة صراع التغيير مع الأنظمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..

 

وبعد..

 

في ثنايا الأنس بالفوائد والعبر المستقاة من انتفاضتي مصر وتونس، نبدأ اليوم بنقطة مهمة للغاية بل تعتبر أساس مسألة التغيير التي تشهدها مجتمعاتنا العربية هذه الأيام، ألا وهي مسألة التخطيط المتوازن لإدارة الصراع، وقبل أن نبدأ الحديث عنها لا بد أن نتصور طبيعة الأنظمة التي نواجهها اليوم، فهي أنظمة عتيدة تشعبت جذورها في مجتمعاتنا المسلمة تحرسها طوابير من الجيوش بوحداتها المختلفة وتسهر عليها أجهزة من الأمن والمخابرات والشرطة بأفرعها المنتشرة، وتسندها عضوية متعصبة لا ترى إلا ما يراه النظام، أعلاها فاسد فاجر وأسفلها مخدوع غبي، أما عن وسائلها في تركيع الشعوب فحدث ولا حرج فمن معسول الكلام وحتى إراقة الدماء وانتهاك الأعراض, وما بين ذلك ودونه من الأساليب يرونه حقاً مشروعاً (يجب) التعامل به متى ما رأوا تعدياً على خطوطهم الحمراء.
وأنظمة كهذه لن تذهب بالكلمة الطيبة والنصيحة في السر والتذكير بالله، فإن بينها وبين الخشوع والفضيلة أمداً بعيداً وحجباً كثيفة، لا تسمح فيها لأعينهم بالرؤية إلا من خلال المصالح والمكاسب، ولذلك لا بد من الانتفاضة لا بد، حتى يفيق النائم وينتبه الساهي، وترتجف القلوب لينتفي عنها الران والخبث، وحتى تهتز عروش الطغاة :
وإذا الشعب يوماً أراد الحياة ** فلا بد للحق أن ينتصر
ولا بد للَّيل أن ينجلي ** ولا بد للقيد أن ينكسر
ولأن الشعوب أصحاب أقدام ثقيلة إذا ثارت فسارت اهتز لسيرها كل شيء، ولأن خصومها هم أعداء الحرية والحق والحقيقية إذا غضبوا فطاشوا انفرط لطيشهم عقد كل شيء، لا بد من عقول حاكمة تحسن تدبير الأمور وتسيير الدفة متى فار التنور وأدرك الطغاة وقوع المقدور، و أنه لا عاصم لهم من الشعب اليوم لا أعالي الجبال ولا رؤوس الأموال ولا طائرات خاصة رابضة بغير تقييد بالحبال، ولا العمارات السوامق ولا المباني الشواهق، ولا استضافة العرب ولا الاستنجاد بـ( يُورب)[1] ولا رصاص عبيد المأمور ولا بلطجية المذعور.
والناظر اليوم لوضع التيار السلفي بصفة عامة والتيار الجهادي بصفة خاصة ومكانته في المجتمع المسلم، يرى مكاسب وخسائر، يمكن للناقد البصير أن يعددها، ومالم يتكامل الجهد ويرتقي الفكر ليحقق له الوجود الفعلي والعلني الذي نعتقد أنه يمهد للحكم بالشريعة فلن يكون لجهده حاصل سوى التجمع والانفضاض، دون أن يكون لهم تأثير على صناعة القرار، بينما يترك المجال لتيارات فكرية شتى هي التي تتحكم في تسيير دفة الحكم وهي التي تُشَّرع للناس ما يتحاكمون به وإليه.
ومن هنا تنبع أهمية التخطيط لإدارة صراع التغيير، لأن التخطيط يحافظ على المسيرة من الانحراف عن بلوغ غاياتها أو التقهقر دون تحقيق أهدافها، ولأن التخطيط المتوازن لإدارة الصراع يمتلك ناصية المبادرة والمرونة متى استجد طارئ أو أزمة بحيث يتعامل معها دون أن يؤثر ذلك في قوة الدفع التي تسير بها.
وسنتناول في حديثنا عن التخطيط بعض أنواعه التي نحتاجها في صراعنا مع الأنظمة الحاكمة، وهذا ليس للحصر بل للتمثيل:
– التخطيط لإدارة الصراع.
– التخطيط لتحديد نوعية الصراع.
– التخطيط لتحديد القوة المطلوبة لتحقيق الهدف وإحداث التغيير.
– التخطيط الإعلامي.
– التخطيط لملء الفراغ.

 

وقبل أن أشرع فيما نويت الحديث عنه، أحب التذكير أن هذا جهد بشري يعتريه الخطأ والصواب، وأنه محاولة من العبد الفقير إلى توجيه الأنظار إلى آفاق يمكننا من خلالها خدمة ديننا والتمكين له، وإن شاء الله ستكون هنالك إشارة إلى المراجع التي أخذ منها بعض فقرات وأفكار هذه الحلقات حتى تعم الفائدة، مع التنبيه إلى أن بعض هذه المراجع يحتاج لعملية غربلة شرعية؛ لأن ما فيه من مفاهيم يتصادم مع أصول عقدية عندنا والله الموفق، وفي هذه الحلقة نتناول بإذن الله تعالى التخطيط لإدارة الصراع.
التخطيط لإدارة الصراع
التخطيط لإدارة الصراع يحفز على حشد أكبر قدر ممكن من الكفاءات والإمكانيات لتحقيق الهدف المطلوب، ولأنه يرتب الأفكار على سلم الأولويات حتى تكون الرؤية واضحة ولا تضطرب الأمور، وقد يأخذ التخطيط زمناً طويلاً, وكلما كانت نار التخطيط هادئة، وكان التخطيط بصورة علمية كلما أحكمت الخطط، وكلما روجعت لمعرفة مواطن الخلل كلما كان تنفيذها أقرب للواقعية والصواب.
ثم إن التخطيط لإدارة الصراع يجعلنا نميز بين مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة تحطيم قيود الأنظمة على المجتمعات المسلمة وإزاحة الطغاة.
المرحلة الثانية: مرحلة التنافس في طرح النظام الأمثل وأسلوب الإدارة الفعال للدولة.

 

ومن المهم التمييز بين المرحلتين حتى لا يحدث أي خلط بينهما أو تداخل، فالأولى لها أحكام الدفع العام، وقد نتجاوز فيها عن بعض المسائل في سبيل تحطيم الصنم الطاغوتي.
بينما الثانية هي مرحلة جهاد البيان والإقناع للشعوب الإسلامية بطرح النظام الإسلامي المتمثل في الشريعة كبديل للديموقراطية الغربية، وبحسب قرب كل شعب أو بعده عن الإسلام ستكون الاستجابة أو الرفض, وبحسب القوى المناوئة المؤثرة في المجتمعات ومدى حضورها وتأثير برامجها، لذلك فهذه المرحلة شديدة الحساسية وتحتاج إلى وعي كبير للتعامل معها، يحتاج فيها دعاة الشريعة إلى جهد دعوي وفكري مكثف, هذا الجهد له القدرة على مخاطبة العقول لتوصيل أفكاره، راقٍ في أسلوبه، واضح في ثوابته ومرتكزاته, وسنتحدث عن المرحلتين بالتفصيل لاحقاً بإذن الله تعالى.

 

و لا بد من توفر أربعة أركان تقوم عليها إدارتنا للصراع:
1- القيادة الواعية.
2- التخطيط السليم.
3- التنظيم الفعَّال.
4- التنفيذ الصحيح.

 

أولاً : القيادة الواعية :
القيادة الحكيمة الواعية بمثابة القلب للجسم، وقد تكون فرداً يمتلك ما يؤهله للتصدي لهذه المهمة بمعاونة آخرين، وقد تكون مجلساً من المختصين يتولى الإدارة والتخطيط والتوجيه والمتابعة.
يقول الشيخ سعيد حوى – رحمه الله -: ” إن قيادة كل شعب وكل مجموعة تحتاج إلى شروط مناسبة ومكافئة، وبدون استجماع هذه الشروط ينتقض الأمر، ثم إن الفاعلية شرط القيادة الناجحة سواء باشر ذلك القائد نفسه أو حرّض مساعديه، وبدون الحركة الفاعلة لا يمكن أن تنجح قيادة، بل إنه في كثير من الأحيان لا يقود عملياً إلا الأكثر فاعلية ولو لم يكن هو القائد الرسمي.”[2]

 

والقيادة الواعية هي التي تجمع بين الالتزام بواجبات وأحكام الشرع، وبين المعرفة الحقيقية بطبيعة المجتمع الذي تعيش فيه وما يحتاجه من جرعات حتى يصل إلى مستوى أن يحكم بالشريعة الإسلامية في ظل مسخ الهوية الإسلامية الذي تعانيه بعض المجتمعات.
وهي التي لا تجازف بالدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب، بحيث تجد نفسها في مواجهة مع المجتمع الذي يفترض أن تنهض به و تقوده.
والقيادة الواعية هي التي تكون منتبهة لأساليب وألاعيب أعداء الأمة الإسلامية وتربصهم بها، حتى لا تقع في فخاخ ينصبها لها المتربصون بها من جرها لصدام مبكر في غير أوانه أو محاصرتها والتضييق عليها وعلى أنشطتها.
والقيادة الواعية الحكيمة هي التي لا تستبد بالأمر بل الأمر عندها شورى يمضيه العزم والحزم، وهي التي تقبل المراجعة لقرارتها وإعادة التقييم، وهي قيادة لصيقة بقواعدها مؤثرة في الناس من حولها.

 

وهنا يجب أن نفرق بين قيادة التنظيم وقيادة الدولة حتى لا يحصل خلط فلكل من الاثنين شروط وواجبات، وحتى لا نقع في مزالق التنظيمات والجماعات التي أعطت لقياداتها حق إمامة المسلمين دون أن يكون هنالك أي وجود أو ثقل حقيقي على الواقع يعطيها مجرد إدعاء هذا الحق[3]، فقيادة التنظيمات المتفرقة تُحل وتندمج في كيان واحد حين يتم التوحد واختيار أمير عام تجتمع عليه الكلمة وفق استراتجيات التبعثر الفعّال والتجمع السليم وحسب ما تقتضيه طبيعة الصراع ومراحله.
والقيادة الواعية هي قيادة غير منكفئة أو متحجرة بل هي قيادة حيوية تستطيع الحركة أينما أرادت وتمتلك من القدرات والمؤهلات ما يمكنها من الاتصال حتى بقيادات وقواعد بقية القوى المنافسة على الساحة، لأننا دعاة قبل أن نكون مقاتلين، والدعوة من خلال التواصل المباشر أكبر أثراً من السماع بالوسائط أو عن طريق الممثلين، فللسمت الحسن وحسن المنطق أثر عظيم على المخاطب.

 

ثانياً: التخطيط السليم :
التخطيط بمعناه العام نوع من ارتكاب الخطأ على الورق، أي قبل الشروع في التنفيذ بحيث يستصحب جميع الإيجابيات والسلبيات والعوائق.
والتخطيط السليم هو الذي يجعل لكل جهد فعالية مهما صغر، لأنه يكون بعد دراسة متأنية ونظرة بعيدة للمستقبل.
والتخطيط السليم هو الذي يقرر طبيعة النشاط سواء أكان علنيا أو سريا، سلميا أو صداميا، بحسب طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه التنظيم.
يقول الشيخ سعيد حوى: “إن التخطيط الأعلى للأمة الإسلامية والتنظيم والتنفيذ المناسبين لذلك هو أعظم المهمات على الإطلاق. ولن يستطيع أن ينجح فيه فرد ولا صف إلا إذا توافرت الشروط التالية:
أولاً: الرسوخ في العلم، فغير الراسخ في العلم لا يستطيع أن يخطط للأمة الإسلامية على بصيرة.
ثانياً: الحكمة التي هي وضع الأمور في مواضعها:
فوضع الندى في موضع السيف في العلى *** مضر كوضع السيف في موضع الندى
ثالثاً: الحركية، فتخطيط لا تتحرك جهة ما لتنفيذه تخطيط ميت.
فالعلم والحكمة والحركة شروط لا بد منها، ولكن الحركة إذا لم تقم على أساس من الأخلاقية العالية والتخطيط السليم وبعقلية منظمة وبتنفيذ عبقري فقد لا تؤدي الهدف المرجو”[4]

 

وتخطيط الحرب يختلف عن التخطيط الدعوي, يختلف عن التخطيط للتنمية وبناء الدولة, فلكل تخطيط أولوياته وأركانه التي يقوم عليها، فمن المهم أن تحدد القيادة طبيعة المرحلة ليتم التخطيط لها بصورة سليمة.
وحوجتنا للتخطيط السليم تنبع من أن مدارك الناس وأفهامهم تتفاوت, فلا بد من مجموعة تخطط بصورة صحيحة لأن المعركة لم تنته بعد والمعركة مستمرة، تحتاج إلى الجهد الدعوي والفكري والعسكري والمالي.. إلخ.

 

ولهذا تعظم الحوجة لعقليات مفكرة مخططة تحترف عملها وتجيد تحقيق أهدافها لأنه: “من بين كل شئون العلم يبقى الدين والسياسة والحرب هي الأكثر احتياجاً لوجود هذه الشخصية فدين لا يقوم إذا لم يتجسد بأشخاص ثقافة وأخلاقاً مع إتقان التخطيط والتنظيم والتنفيذ. ولن تنجح سياسة إذا لم يكن أهلها مستوعبين ساحة العمل أمامهم وقادرين على التخطيط والتنظيم والتنفيذ، وحرب لا تنجح إذا لم توجد العقليات التي تمتلك التخطيط والتنظيم والتنفيذ الذي يتناسب مع طبيعة المعركة التي يخوضونها.”[5]

 

كما أننا بالتخطيط السليم يمكننا أن نعمل داخل دولنا التي كان العمل فيها محرماً علينا بالقوانين الوضعية، لأن عملنا ليس عسكرياً بحتاً، بل هو عمل متكامل يسعى لبناء دولة إسلامية يقيم فيها خلافة على منهاج نبوة بإذن الله تعالى، وهذا الهدف العظيم يحتاج لتكامل جهود وتوفر خبرات ومعارف وأشخاص مؤهلين للقيام بهذا الواجب الكبير.
ولأننا ومنذ وقت ليس بالقليل ننادي بضرورة أن يطور المجاهدون وأنصارهم أنفسهم بحيث ينتقلون من مرحلة النكاية إلى مرحلة التمكين خصوصاً أن هنالك تجارب حية أمام نواظرنا الآن من تكوين إمارات ودول إسلامية، بعضها حصد الناس بعض ثماره وبعضها سارعت قوى الكفر بوأد مشروعه قبل أن يستوي على سوقه، والانتقال من القتال لبناء الدولة وتأسيسها يحتاج لعمل مستمر وكبير بحيث تحدث النقلة بصورة غير متعجلة تراعي حال المجتمع المسلم، وكذلك يراعى فيها بناء مؤسسات الدولة الوليدة بحيث تستطيع الصمود عند خروجها للعلن.

 

ثالثاً التنظيم الفعَّال:
العمل المنظم والمرتب هو الذي يجني نتائج أعماله ويستفيد من تجارب فشله ونجاحه، ويستطيع أن يجير أي جهد في الساحة لخدمة أهدافه، وبغير العمل المنظم المرتب الذي يوزع الأدوار والمسؤوليات لا يمكن لأي قوة مهما كانت أن تجني أي ثمرة من جهدها.
والتنظيم الفعَّال هو الذي يتولى ترجمة خطط وتوجيهات القيادة النظرية إلى أعمال واقعية، تبدأ من الدعوة إلى الله، والحشد وجميع الأعمال التي تدعم فكرة التنظيم وتنتهي بالجهاد في سبيل الله تعالى.
وبحسب الوضع الذي يعيشه المجتمع يكون تكوين التنظيم، فإذا كان من الضروري العمل في العلن يكون من المناسب العمل من خلال التنظيم الهرمي بحيث يكون للتنظيم رأس قائد وقاعدة من العضوية وهياكل إدارية ينتظم فيها وبها العمل .
أما إذا استلزم الأمر السرية في العمل فالتنظيم العنقودي هو الاختيار الأمثل والأفضل بحيث ينقطع الرابط بينه وبين أي تكوين آخر في حال وجهت ضربة لإحدى عناقيده.
ويمكن بالجملة في مثل الحالة التي نعيشها الآن في ظل ثورة الشعوب على الطواغيت الحاكمين الاستفادة من استراتيجية التبعثر الفعال والتجمع السليم لتحقيق أفضل النتائج، والتبعثر الفعال يكون عبر نشاطات مختلفة متبعثرة في اتجاهات متعددة بحيث تشغل الخصم عن الحجم الحقيقي للعمل الذي نقوم به، ثم في لحظة الحسم يكون التجمع السليم، وفقاً لوحدة المنهج وتحت قيادة واحدة تجمع أشتات المبعثر.
والتنظيم الفعَّال يعني الوحدة المنهجية و الفكرية – الانضباط الشديد – الطاعة في المعروف – عدم التشغيب ومحاولة الخروج باجتهادات وأعمال فردية ناجمة عن نظرة قاصرة تضعف الصف وتبدد قوته.

 

رابعاً التنفيذ الصحيح:
القيادة الواعية صاحبة التخطيط السليم التي تدير تنظيماً فعَّالاً لا بد وأن تسعى لتنفيذ ما خططت له تنفيذاً صحيحاً منضبطاً.
وللتنفيذ الصحيح دور في فرض الهيبة والاحترام عند الآخرين.
والتنفيذ الصحيح يحد من العشوائية والفوضى لأنه محكوم بإطار تخطيطي عام لا يسعه الخروج عنه إلا لمصلحة أرجح.

 

وفي الجملة يحتاج المخطط أن يضع في حسبانه أنه يحتاج إلى شرائح ثلاث[6] لتنفيذ خططه:
1- شريحة بدء. 2- شريحة تغيير. 3- شريحة بناء.

 

1- شريحة البدء:
وهي المجموعة الأولى حاملة الفكرة، غير أنها غير قادرة على إحداث التحولات بمفردها، بل تحتاج أن تبحث عن الأداة الأساسية الحاسمة في الصراع.
ويمكن تمثيلها بحركة 6 أبريل وبقية الأفراد والمجموعات في مصر وهي التي قادت الشعب للثورة على نظام مبارك.
2- شريحة التغيير:
هي التي تشكل رأس الحربة أو الأداة الأساسية القادرة على إحداث التغيير، والتي قد تكون الجماهير في حالة العمل الشعبي، أو الجيش في حالة الانقلابات، أو أية فئة قادرة على تحويل مركز السلطة.
3- شريحة البناء:
وهي التي تقوم ببناء الدولة أو المؤسسة السياسية بعد حدوث التغيير.
وشريحة البناء هذه يجب أن تكون جاهزة في انتظار الإشارة لتتولى مهامها في تصريف شؤون الناس والعمل على ترتيب الأوضاع ومن المهم التكامل والتوافق في عمل هذه الشرائح حتى تتحقق النتائج المثلى.

 

عوامل مساعدة :
هنالك عدة عوامل مساعدة في عملية التخطيط لإدارة الصراع، لكن سنأخذ منها عاملين متعلقين ببناء القدرات وهما:
– بناء قدرة الكوادر:
وهو التأهيل العلمي الشرعي والفكري والمهني المطلوب لهذه الكوادر العاملة لتستطيع القيام بأعمالها.
– بناء قدرة المجتمع:
وهو بناء قدرة المجتمع على الحركة والمطالبة بخلع أغلال العبودية ومطالبته بتحكيم الشريعة الإسلامية.

 

وختاماً ما ذكر يعتبر خطوطاً عريضة وهو ليس الغاية ولكنها مشاركة في توجيه دفة التغيير لأننا نريد أن يكون لدعاة الشريعة وأنصار المجاهدين دور فاعل في خضم الثورات الشعبية ضد الأنظمة القمعية.
و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
8/2/2011 – 4 ربيع الأول 1432هـ
————————————

 

[1] يورب هي أوروبا بالانجليزية Europe

 

[2] جند الله تخطيطاً – سعيد حوى – ص 92

 

[3] كجماعة أبي أيوب البرقاوي الذي زعم أنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين!.

 

[4] جند الله تخطيطاً – سعيد حوى – ص 10

 

[5] جند الله تخطيطاً – سعيد حوى – ص 11

 

[6] قواعد الممارسة السياسية لجاسم سلطان.

~ انشر؛ كُن مشاركًا ولا تكن متفرجًا ~
{وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}